نقاش المستخدمة:Abla darwish/أرشيف 1

محتويات الصفحة غير مدعومة بلغات أخرى.
أضف موضوعًا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أرشيف هذه الصفحة صفحة أرشيف. من فضلك لا تعدلها. لإضافة تعليقات جديدة عدل صفحة النقاش الأصيلة.
أرشيف 1


فلسفة- طريق النجاح- عبلة درويش abla darwish

من سلسلة "تجربتي علمتني" طريق النجاح

تختلف أشكال الحياة وسراديب قنواتها صوب النجاح والفشل رغم تطور واختلاف تعريف كل منها فليس النجاح نجاحا ولم يعد الفشل فشلا... فالامور نسبية وتعريفها مرتبط بالتجربة الشخصية وبالحلم الخاص، فليس كل من فشل في علاقة حب كان العلاقة فاشلة، وليس كل من نجح في اكمال دراسته كان ناجحا، وكم من شخص فشل في دراسته نجح في حياته العملية، وليس كل من نجح في رخصة القيادة لم يصطدم يوما بحائط واثنين وثلاثة، ولم يمت كل من سقط عن الطابق الخامس وكم من شخص تعثر بزيتونة ومات.

"الحَبْل" يكون الحبل أحيانا كثيرة يشبه الحياة بمسارها وصعودها هبوطها سقوطها والنجاح والالم والخوف والقلق والامان والعثرات والاتزان وفقدانه والاستمرار والتوقف والتعلّق والتشبث والتشتت والضياع والالتواءات والانحناءات، فإما ان نسير عليه بانتظام وروية وحكمة ومعرفة وخبرة وصبر واتقان راسمين هدفا على جبيننا ومتحصنين بكل اجابات اسئلة الحياة والخبرة ووسائل الحماية والدفاع المتوفرة لدينا والتي بنينا جزءا منها سابقا وإما ان نسقط ليلتف الحبل حول رقابنا فنخسر الحياة.

تبدأ الحياة بتجاربها وامتحاناتها واسئلتها ودروسها وبجمالها الصعب وصعوبتها اللامتناهية.. يبدأ النجاح والسقوط والفشل والمحاولات والصعود والهبوط ...........فمن يسقط في بداية عمره اي في بداية حياته العملية عن "الحبل" اي اول تجربة في الحياة ويأبى الصعود للاستمرار واعادة الكرّة والتجربة والمحاولة نرى ان الحبل "صعوبة الحياة" يكون طويلا جدا حول عنقه ويكسبه فشلا كبيرا وجذريا وقد يكون مستمرا لانه قطع مسافة قليلة على الحبل "الحياة" وما تبقى من الحبل يلتف على عنقه أي فشل ما تبقى من خطوات لانه رفض اعادة المحاولة وقطع مسافة اكبر من الحبل ليسهّل على نفسه ما تبقى من حياة بصعوبتها وامتحاناتها، اي ان التجربة الاولى التي فشل فيها على القطعة الاولى من الحبل "الحياة" لم تكسبه قوة ولا حصانة لحمايته من التجارب القادمة ولم تعطه قوة للاستمرار دون تجربة اخرى فتجربة واحدة في الحياة لا تكفي للاستمرار... ومحاولة واحدة للنجاح لا تكفي للنجاح..وجهد قليل صب الهدف لا يكفي...اضافة الى ازدحام الطريق الاولى صوب النجاح...اي التنافس...

فان كانت اساسات المبنى ضعيفة يبقى المنزل دوما ايلا للسقوط حتى لو كان مبينا من الماس والزمرد، فهناك دور كبير للتأسيس بالحياة، فمن لم يحصّن بيته في الحروب يُصاب... ومن لا يحمل مظلة في الشتاء لا بد ان يتبلل.... ومن يقطع النهر لن يخرج جافا....

اي ان المرحلة الاولى من الصعوبة والتجربة في الحياة ايا كانت فان نتائجها لا بد ان تعطي الانسان دروسا حتى لو فشل فيجب ان تدفعه لاعادة المحاولة وان تكون دافعا له وليس ان تقطع اوصاله عن التجارب واعادة المحاولة.

ولكن من يصعد مرة أخرى لحبل الحياة بعد الفشل الاول، ويعود ويسقط نرى ان الحبل يلتف قليلا حول عنقه "اي صعوبة الحياة تقل" لانه قطع جزءا كبيرا من مسار حياة الحبل، ولن يؤثر كثيرا على حياته بل بالعكس يكسبه قوة تدفعه ليعود ويصعد أي ان الفترة التي قضاها على الحبل "في الحياة" من نجاح وفشل وتلاه نجاح وربما فشل جبّرت عظام السير قدما لديه وستمكنه من السير... أي ان التجارب تجعل من صعوبة الحياة شبه لعبة، وبذلك الصعوبة "طول الحبل" تكون اقصر واسهل لما تبقى وتقل صعوبة العودة بعد الفشل... فكلما تعلمنا من تجارب الحياة... يكون وقع الفشل وعدم النجاح والرسوب اسهل علينا وبالتالي "طول الحبل" أي الصعوبة اقل حول اعناقنا ولن تؤثر كثيرا فينا وربما مع الوقت تصبح شيئا عاديا.. ونقول "حسنا فشلت ولكن غدا سأحاول"، يعني ذلك انه كلما سقطنا تكون العودة للمسار الطبيعي اسهل لان التجربة خير مدرسة للحياة وطول الحبل في مسيرة الحياة قد تعبّد بالخبرات والاسمنت المسلح مع التجارب، فالحكمة للاستمرار بالحياة تأتي في كثير من الاحيان من "جروح التئمت" والجروح هنا هي الفشل بأنواعه، فالنجاح يأتي بالتعلم من الاخطاء فقط.

وان كانت التجربة فاشلة، ذلك لا يعني ان نستمر بالسقوط او ان نقف حيث سقطنا او ان نستمر بالهبوط من على جبل الفشل الى فشل وفشل ونقول هذا قدرنا كلا...، فللسقوط فوائد جمّة رغم صعوبته، فكما للدواء فوائد رغم محتوياته الكيماوية... وكما للسلاح فوائد رغم خطورته... للسكين استعمالات رغم خطورتها، فالنجاح يأتي بعد التعب والتحضير والتأمل والاصرار، والفشل خلال هذه الخطوات يصنع النجاح، فلا زهرة جميلة ابهرت اعيننا وُجدت بلا اشواك، لنقول سويا شكرا للاشواك فقد علمتني جمال الزهرة وقيمتها...

ولكن ليس علينا ان نطرب للفشل دوما ونقول سيأتي النجاح... فكل شيء بحاجة لتعب فلا هدف دخل المرمى وانت جالس على الكرسي.. فليس كل الفشل يصنع النجاح... فالفشل له انواع... الفشل العاجر يصنع الفشل، وهناك فشل ناجح، فشل يجمع الاخطاء والتجارب ويحللها لنتائج ومنحنيات ويخرج بتوصيات بعد التحضير والعزيمة والدعم وحب الهدف والرغبة فيه حين لا تكون ايدي الناجح في جيوبه، فالنجاح يحتاج للتعب وربما يحتاج النجاح للصمت والاستماع والملاحظة والتدقيق والتركيز وجمع المعلومات وجمع الاخطاء والتعلم منها فالتجارب نبني بها جسرا صوب النجاح، فاستمر وجرّب وحاول وكرر فطريق النجاح في بدايته مزدحم لكن هناك عند القمة الطريق ليست مزدحمة فامضي وتعثر واسقط بين التجارب وبين محاولات الناس للنجاح ولاسقاط بعضهم في الازدحام لكن هناك الطريق غير مزدحم عند القمة فكن انت عند القمة لتصنع الازدحام بذاتك.

وهنا يأتي معنى التعلم بالتجربة والتجارب وكثيرا منها تكون فاشلة، الفشل يعلّم الانسان اكثر من النجاح، فالانسان الناجح في حياته لو عدنا به الى سنوات عمره الماضية لوجدنا انه سقط عشرات المرات، انما من ينجح بسهولة يسقط بسهولة لانه لم يجمع تجارب ولم يستفد من اخطاء، ولانه لم يعرف ولم يتذوق طعم الفشل ليقدّر معنى النجاح والفرق بينهما.

فلو اخذنا مثالا، ان وجد احد مبلغا من المال في الشارع واخذه يقوم بصرفه بسهولة على ما يحب ويشتهي ولكن لو ان هذا المبلغ جناه بعد تعب ومشقة وجهد وسهر وقلق وعرق وجد واجتهاد، لا يبذره بسهولة بل على المهم والاهم والمجدي لانه جناه بعرقه، فما يأتي بسهولة لا بد انه يذهب بسهولة، فجمال النجاح بصعوبة الطريق وبريق قمة النجاح يستمد لمعانه من الطريق صوبه، أي ان طريق النجاح معبّد بالتجارب وقنوات مظلمة ووحوش لكن خلف كل هذه الصعوبات هناك نور يطل من بعيد يُبرق في عين الناجح ما يدفعه الى السير قدما رغم الوحوش.. ومن خشي الوحوش والظلمة والتعب لن يرى النور على قمة الجبل ولن يزرع وتده هناك بل سيكتفي بشرف المحاولة.

الحياة حبل يرمينا القدر على طرفه الاول عند الولادة وتكون بالغالب ولادتنا خطيرة او مخيفة وهي طبيعة الخلق ان تكون الولادة قلق لذلك نولد وترمينا الاقدار من اول لحظة على طرف الحبل لنكاد نسقط ونموت من اول لحظة ولادتنا ونبكي خوفا، فالمئات من الاطفال سقطوا عن طرف الحبل قبل ان يعدّوا لانفسهم دقائقا في عمر الحياة وماتوا عند الولادة، ومن تمكن من الوقوف على طرف الحبل يعمل بجهد لكي يبعد عن الطرف ويسير على الحبل ظنا منه انها اول وآخر عثرة.... بل هي اول صعوبة يواجهها الانسان في حياته فقد يظنها البعض سهلة بل هي تشبه تجربة لانسان عديم الخبرة والمعرفة ولا يعرف احدا ولا يعرف شيئا يحمله القدر من بلد الى بلد آخر لا يعرف ناسه ولا لغته ولا ثقافته ولا يملك مالا ولا خبرة وليس له احد ويستطيع التأقلم، ومع ذلك ما هي الا اكسسكوار للعثرات القادمة.

وتكون ايام حياتنا مشيا على الحبل "الحياة" المصنوع من عدة مواد لا تعرف كل منها الاخرى وغير قابلة للامتزاج مع الاخرى كيميائيا منذ بداية الخلق، فتأبي دوما وابدا ان تمتزج لتكون يسيرة للمشي وليس الركض حتى فالركض يأتي عند نهاية الحبل الذي يصبح سهلا نوعا ما عند نهاية الحبل أي في بداية النجاح حيث لا ازدحام هناك والطريق سهل، فنبدأ بالمشي على الحبل الذي تملئه العثرات والاهتزازات والثنايا والاشتباكات والالتواءات منها الصغيرة ومنها الكبيرة ودواليبها لا تنتهي ابدا، لتعبر لنا بالحقيقة عن حياة مليئة بالعثرات والثنايا وامكانيات التزحلق المستمرة والعالية والسقوط واحيانا تكون قبل قمة الجبل بخطوة، ليحمل كل منا عصا يظن دوما انها سحرية ورغم ظنه انها سحرية وتعمل ما يتوقع وما يريد ويحلم ويرغب ويحب يمسكها من المنتصف كي لا يعطي طرفا اكثر من الاخر ويبقي على الاتزان ويمشي بالمنتصف ليصنع التوازن الا ان الحبل يأبى دوما التوازن رغم التوازن، فالتأثيرات والمعاكسات لا تأتي من حياتك فقط بل من العوامل المحيطة فحبل حياتك يهتز وتهتز الحياة فتلقي بالغالب بظلالها على حياتك ويكون لها الاثر فمن المستحيل على الانسان او ربما من الصعب جدا ان يتمكن الانسان ان يوازي كل حياته وتجاربه بكل المحيط به من اناس وتأثيرات بيئية كونية وعالمية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية وعلمانية ودينية ومتطرفة ويسارية وعائلية وحياتية والكثير منها ينعكس بشكل او بآخر على حياتك ويكون لها الاثر على مسيرة عمرك وتجاربك فكل الحياة مليئة حولنا بالمرآيات، لذلك كثيرا ما نرى تجربة لشخص تشبه تجربتنا كما هي المرآة تعكس اثارا جانبية بالاتجاهين ايجابية وسلبية... وان كانت الامور نسبية هنا.

وعند انعدام امكانية نجاح التوازن على الحبل.. يكون الخيار دوما اما ان نقطع المسافات الشاسعة مع المخاطر والعثرات واحتمالات السقوط المستمر والمتوقعة مع بذل الجهود العالية والطاقة الكامنة، واما ان يلتف الحبل على اعناقنا فيرمينا ارضا، ومن يظن ان تلك الارض ليست مصنوعة من الحبال ايضا أي طريق الفشل.. فطريف الفاشلين صعبة دوما، فكم من احد سقط ارضا وعاد كالجبل صادما وكم من احد سقط وعاش السقوط على المنحدر دوما، لذلك ننصح من يسقط ان يعاود الصعود، فنكهة النجاح بعد السقوط لا مثيل لجمالها، وطبعا لا يوازي علقم طريق الفاشلين شيئا، فان سقطت عد واصعد...فالفشل في صعود القمة جميل رغم صعوبته ولكن السقوط في طريق المنحدرات اصعب الصعاب.

وان سقط احدنا عن الحبل على ارض الحبال، نحاول ونحن نمشي على الحبل ان نرمي له طرف حبل لينجو به فإما ان يسقط طرف الحبل على عينه ويقعرها ويفقده نعمة البصر وامكانية الاستمرار رغم العزيمة، واما انه لا يستطيع ان يلتقط طرف الحبل لضعفه او لقصر حبل الامل او لعدم قدرته على التجربة مرة اخرى ولانعدام العزيمة ويفضل ان يعيش ببساطة دون تجارب النجاح علما ان التجارب الفاشلة تعبّد لنا طريق النجاح، واما ان يسحبك ارضا ويصعد هو على جسدك وعلى تجارب حياتك ليسقطك وينجح على كتفيك، فهؤلاء زمرة متوفرة في الحياة.

ونظن دوما ان كل عثرة او ثنايا نمشي عليها انها الاصعب وان احدا قبلنا لم يمر عليها واننا وحدنا من نعاني من الثنايا والعثرات وانعكاسات القدر، ونندب حظنا دوما، غير آبهين بأن من وصل قبلنا الى نهاية الحبل أي الى قمة الجبل والنجاح كان قد مشي قبلنا على ملايين الثنايا والعقد وربما سقط واُسقط ارضا مئات المرات ولكنه وصل الى النهاية لأنه قرر الوصول ليس لان حياته كانت سهلة مسلسلة ومريحة وسريعة، فإما ان نمشي والصعاب واما ان نسقط ارضا والعذاب... ويلتف الحبل على اعناقنا ونموت والموت نسبي هنا فليس الموت دوما ان نعيش تحت التراب، ولا احد يعلم ان من يموت يرتاح، فما من احد مات وعاد ليقول ان الموت اسهل، أي انه علينا ان نجرب ونستمر على الاقل في الحياة نستطيع ان نعلم النجاح ونتذوقه ونراه ونحسه ونشمه ونميزه من الفشل لاننا نرى امامنا تجارب كثيرة وسمعنا كثيرا من اناس انهم نجحوا ورأينا الفشل في الكثيرين حولنا قبلنا ومعنا.

وهنا لا بد ان نعترف ان الحياة ليست سهلة، ولكن بذات الوقت ليست مستحيلة، فلو كانت مستحيلة لما نجح قبلنا الملايين ولما كان هناك علماء وصلوا القمر قبل مئات السنين وغيرهم ما زال عاجزا عن زرع نبتة على الارض نجحت تجربتها قبل ولادة البشرية وما زال يفشل بزراعتها، ولكن كي ننجح لا بد ان نفشل ونفشل ونفشل ونتذوق طعم الفشل فالتجارب الفاشلة ترصف لنا طريق النجاح بالامل وهي عتاد الحرب للايام التي تليها وهي السلاح لمجابهة اعداء النجاح وهي النور الذي سيضيء حياتنا ومستقبلنا وهي المناعة التي ستقينا شر امراض المستقبل وهي الاسمنت المسلح الذي سيجعل الطريق سلسلة اكثر من الماضي، ومن لم يتذوق طعم الفشل ابدا لن يعرف لذة رحيق النجاح.

فهيا بنا نسير على الحبل لنمضي سويا والنجاح والفشل فإما نحن والنجاح واما الفشل... فالخيارات متوفرة امامنا والكثير منا لم يختر طريقه وتركه للحياة وبرر فشله للقدر في الوقت الذي توفر وتعطي لنا الحياة عدة خيارات ولكن لشدة وعناد "الانا" لدى البعض يختار الطريق الصعب ويقرر المضي فيها وهو يعرف انها صعبة ليقول في النهاية ان القدر يريد ذلك وانا فشلت لكنه لم يفشل في التجربة انما فشل في اختيار الطريق نحو الهدف، وربما كانت في الطريق قبل الانطلاق عدة مسارات وكان النجاح ساطعا قبل الانطلاق فيها وهو اختار طريقا مظلما ليس في كهرباء واصر ان الانوار والاضاءات موجودة في الطريق رغم انقطاع الكهرباء وربما عدم وصول اختراع الكهرباء هناك، فلنختر دوما طريقا معبدة سهلة نسبيا للمشي والاستمرار ولها ارصفة تحمي بشكل نسبي السقوط على جانبي الطريق وتحوي اعمدة كهرباء لها انارة نسبية علما انها تنقطع احيانا مع عوامل الطبيعة، ولكن على الاقل اساسات الاضاءة موجودة، وامكانية الاصلاح موجودة، ليس ان نمشي في طريق مظلمة لا اعمدة كهرباء فيها ولا تحتوي النور ونعلم انها لن تضيء ونصر بعندنا انها ستضيء وسنمضي ونعلم ان آخر الطريق هاوية ونصر اننا سنصلح الهاوية وسنربطها بطريق اخرى، فلماذا لا نجرب من البداية طريقا اخرى تعتمد على امكانياتنا وقدراتنا، بدل ان نضيع سنين عمرنا في تجارب تحمل الفشل تلوا الفشل والفشل فعلى الاقل نختار طريقا يحوي اساسات بسيطة للنور وسنسقط فيها كثيرا ونفشل ولكن على الاقل نتوقع ان ننجح، بدلا من طرق يكون الفشل مرسوما باللون الاحمر على بدايته ونصر بعنادنا على الاستمرار ونفشل مئات المرات ونعلم ان الطريق مظلم ومغلق.

فلسفة- احلام حمار- عبلة درويش abla darwish

وللحمير نصيب، فالحمار يحلم ايضا، وحمارٌ من لا يحلم لانه بلا حُلم فالحلم امل حتى لو كان صعبا وصعبةٌ الحياة بلا حلم حتى لو كان قاسيا، وحمارٌ من يستهزئ بالحلم وحمار من يشكو منه، فلو فكّر لثانية انه يعيش بلا حلم لأصبح حمارا جدا، فقد حلم الحمار الذي عاش في العصور القديمة والوسطى ان ينتقل الى المدينة وان تمتطيه فتاة جميلة ويلبس حول عنقه شبرة ملونة، فانتقل وتطور ولبس ما يشبه السرج احيانا، فأحلامه تتحقق احيانا كما الانسان ولربما اكثر من احلام الانسان فيبدو ان الحمار يعرف كيف يحلم ويستطيع ان يقدّر حلمه ونتائجه فهل بات الحمار يتطور اكثر واسرع من الانسان بعد ان سرق خبرته وطورها.

فكم حزن بنو البشر على بني الحمير، وخصوصا لانهم مجبورون دوما على حمل اثقال كبيرة على ظهورهم وحمايتها ونقلها ولا يختارون ما يحملون على ظهورهم ولا يفكرون بما يحملون وجل اهتمامهم متى يأتي وقت الشعير والماء حتى لو كان صدئا ويأتي الطعام والشراب بكل الاحوال وبنو البشر يعملون ويحملون اثقالا واعباء لتوفير لقمة الطعام، فمن يحزن هنا، فلربما الانسان كثيرا ما يحمل على ظهره اختياره ويكون حملا ثقيلا فما بالك ان لم يكن اختياره وكان اختيار شخص آخر ولكن بكل الاحوال هو خيار القدر فمن منا حمل حملا ثقيلا وكان خياره الكامل بدون تدخل القدر، فلعل الحمار هنا اكثر حظاً، فلا يفكر بحمله وان قرر ان يلقي بحمله جانبا سيسقط بالغالب على واحد من بني البشر سواء سقوط مباشر او سقوط مسؤولية ما حمل على عاتق الانسان والانسان نفسه بتحمل مسؤولية حمله وسقوطه ونجاحه ويتحمل مسؤولية اختيار القدر لمسار حياته، ولعل الله اعطى للحمار قدرة اكبر من الانسان على حمل الاثقال فلا يوجد حمار مصاب بزوغان فقرة من العمود الفقري او وجع في ظهره او التهاب في المفاصل، وابدا لن تجد حمارا مصابا بمرض نفسي او يعيش ضغطا نفسيا وماديا، ففي هذه الحالة يجدر بنا ان نحسد الحمار، فلا بد انه ايضا يحلم احلاما أجمل من احلامنا فوق ان احماله اسهل من احمالنا، فتباً للحمار فهو يعيش ويحلم بطريقة افضل منا ربما.

ولكن نرى الحمير تعيش قصص حب لكن قلبها لا يعمل كثيرا وتستعمل عقلها اكثر، فتنجح في عملها فلم نرى يوما حمارا طرد من عمله لانه لا يستطيع ان يحمل، الا اننا بنو البشر نطرد كثيرا ونوبخ من مدرائنا لعدم قدرتنا على انجاز عمل ما او فشلنا في العمل ونستثمر قدرتنا في عمل القلب الذي يعطل العقل احيانا وان حدث وسقط القلب من على قمة جبل عال نخسر قلبنا وعقلنا وعافيتنا وبطلٌ من يستطيع اعادتها لقمة قدرتها وقوتها بسهولة، الا ان الحمار يستطيع ببراعة ان يوازي بين قلبه وحبه لحمارة الجيران وبين عقله الذي ينجح دوما في حمل الاثقال.

فهل نحلم كما الحمير احلاما بسيطة قريبة من مرأى عيوننا نعلم مسبقا انها ستتحقق ونستغل عقلنا لنجاح عملنا ونلقي بالقلب جانبا.

فبعد ان عاش بنو البشر ملايين السنين يسبون الحمار ويصفون الانسان الكسول والفاشل بالحمار، سنصل يوما ما لتسمية الانسان الناجح بالحمار فقد اختلف تعريف العديد من المصطلحات في زمننا، فلربما اختلف تعريف الحمار ايضا، ليصبح الشخص القادر على انجاز عمله بيسر وسهولة دون ان يستغل عقله ويحب بسهولة دون ان يحرق قلبه ويستطيع ان يفصل بين قلبه وعقله، فلم نرى يوما حمارا عجز عن حمل كيس الطحين وسقط ارضا بعد ان تركته حمارة الجيران وخانته مع حمار عائلة السيد.

فالحمار يستثمر بؤرة من عقله فقط لانجاز عمل ما ولربما لا يستعمله اصلا وينجح، وبؤيرة من قلبه ان استغلها اصلا للحب، فهل نحلم مثله لنعيش حياة اسهل من حياتنا الطبيعية التي فرضت علينا بعد ان منًّ الله تعالي علينا بالحكمة والانسانية، وبعد ان علمنا دوما ان الانسانية هو المصطلح الاعظم من الحيوانية ولكننا ان دققنا بذلك نجد ان الحيوان يعيش اسهل وابسط من الانسان، فلا فكر ولا هم ولا حمار في غرفة انعاش ولا حمارة تحلم بحبيبها الحمار ولا حمار يصطف عشرات السنين بحثا عن وظيفة على ابواب المؤسسات، ولا حمارة توفر من مالها لنهاية العام لاجراء عملية تجميل رغم علمها المطلق انها قبيحة في اغلب الاحوال وخصوصا ان بني البشر يصفون الفتاة القبيحة بالحمارة.

هلموا يا بني البشر للتفكير اكثر من حياة الحمار واحلامه الجميلة التي لم يرق علقنا الانساني للتفكير فيها ولو لحظة فقط ونعتبره دوما حمارا او حمارا جدا، فكم يصل بعض البشر لدرجة الحمار او الحمار جدا ولكن الحمار لم يعد حمارا جدا فهو حمار فقط، ولكن كم من حمار على اربع ليس حمارا وكم من انسان على اثنتين حمار.

الكاتبة والصحفية الشاعرة عبلة درويش

فلسفة- خسارة اسد- عبلة درويش abla darwish

يواجه الإنسان طوال سنوات حياته من الرحم حتى التراب، خسارة يومية تختلف بالنوع والكم والكيف مع مرور الأيام والسنوات ومجابهة القدر، فبرغم أن الجنين خرج للحياة مفجّرا معه فرحة لوالديه بالمجمل، وبدأ رحلة حياته على سطح الكرة الأرضية ليعيش في كنف عائلته ويأكل ويلعب ويُداعب ليكبر، إلا انه بلحظة خروجه بدأ يخسر حياته في رحم أمه، فمن يعلم أن كانت الحياة للجنين بعدما يولد أجمل من رحم أمه، فما من جنين جاء يتكلم ليقول أعيدوني لرحم أمي، فلو كانت الحياة جميلة وخالية من الخسارة لما جاء الجنين يبكي، كما ويقلق الوالدان ان لم يبك الجنين لحظة خسارته رحم أمه... بل يبكي لأنه خسر العيش في اقرب نقطة لامه ويحزن في الوقت الذي لا يفهمه فيه احد، فلن يكون في أي يوم بعد الآن الأقرب الى امه حتى وان اعتنت به واحتضنته وأحبته وربته و.....

فكم نفكر ان نكسب من الحياة ونحافظ على ما لدينا لنستمر، نفكر ان نكسب المال لنعيش ونلبي طلبات الحياة، ونفكر ان نكسب صحتنا بألا نتعب كثيرا ونتناول الدواء ان لزم، نفكر الا نخسر صديقا وحبيبا وشقيقا وابا واما ورفاق، وفي ذات الوقت يبدو اننا لا نعلم كيف نحافظ عليهم... فيجب ان نفكر كيف نحافظ على احبائنا بدلا ان نمضي الوقت بالتفكير كيف لا نخسرهم ونبقى نراقبهم عن كثب ولا نريد ان نخسرهم وفي ذات الوقت لا نريد ان نكسبهم احيانا وفقط نريد الا يكسبهم احد آخر لنخسر الكثير حينها من ثقة هؤلاء بنا وبالغالب سنخسرهم ايضا وتكون خسارة مضاعفة، ونفكر الا نخسر صحتنا بأن نتناول الدواء الذي يقي من مرض معين ولا نفكر كيف نحمي انفسنا من السبب، وهنا نخسر الصحة ونخسر المال للدواء وربما نخسر من هم حولنا لعدم سماع نصيحتهم وربما سيخسروننا من المرض.

فان كان جل تفكيرنا كيف نحافظ على احد او شيء لن نكون بحاجة حينها لنفكر كيف لا نخسرهم، وبالتالي هنا سنكسبهم ونكسب الوقت ونحرر العقل من التفكير ونوفره لملايين المواضيع التي هي بحاجة للتفكير، فلنطلق شعارا "وفروا عقولكم وقلوبكم للأجمل والاهم".

يتشابه الناس في بعض النقاط ويختلفون في الكثير ويختلفون في نوع الكسب وطرقه، حيث يختلفون في امور هامة اكثر من التافهة، وخصوصا من هم اقرب لبعضهم، فيكبر الخلاف والاختلاف كلما اقتربت المسافة بين الشخصين بعد ان كان الاقتراب نتيجة مباشرة للتفكير والسعي وراء كسب قلب فلان او كسب مودته وصداقته فتكون نتيجة التفكير بكسبهم خسارتهم، عكس ما كنا نتوقع قبل ان نكبر، فهل السبب انه كلما قلت المسافة بين اثنين يتم طرح امور حساسة اكثر وامور هامة اكثر وبالتالي تتوفر عدة ثغرات ونقاط للحديث عنها، ام ان احد الطرفين عندما يصل للنقطة التي ارادها وسعى وراءها وحقق ما يريد يبدأ باختلاق الثغرات ليبدأ بالخسارة التي لا يفكر فيها بعدما فكر مليا وخاف كثيرا ان يخسر فلان وبدأ يخسره، وهناك خيارين في هذه الحالة إما ان يقوم الطرف الاول باختلاق الثغرات والمشاكل فيبدأ الصراع ولا ينتهي وتبدأ الخسارة من الطرفين، واما ان يقوم الطرف الثاني باستيعاب الطرف الاول سعيا للاستمرار وحفاظا على العشرة والمودة فيخسر الثاني المتفاني، وهنا تبدأ الخسارة وننسى فكرة الكسب الا اننا نبدأ بكسب واعتناق افكار سيئة واحلام قاسية ونخسر من عمرنا سنوات قضيناها نفكر بشي ليبدو لنا بالنهاية انه شيء اخر يختلف، ونبدأ نخسر لحظة وراء لحظة وليس الخسارة هنا مستقبلية وفي القادم فقط، انما نخسر من الماضي والحاضر وصولا الى المستقبل.

ويختلف مستوى الخسارة من شخص لآخر، فمنهم من يخسر الماضي فقط وربما يعتبره مكسبا من باب الخبرة ومدرسة الحياة، ويبدأ بالتفكير بكسب طرف ثان جديد في الحاضر حتى يصل المستقبل، ومنهم من يخسر الحاضر ويبقي الماضي للذكرى ليتمكن من كسب وخلق مستقبل جديد للمستقبل، ومنهم من يخسر المستقبل كاملا وهو يفكر بالماضي والحاضر بألا ينساهما، ومنهم من يخسر الثلاث، يخسر الماضي والحاضر لانه يريد ان ينساه او لا ينساه ويضيع بين المفهومين ويخسر عمره ويخسر المستقبل وهو يحاول ان ينسى الماضي والحاضر او يتخطاهما ويضعهما جانبا وهذا اكبر الخاسرين وللعلم فقط هذا الخاسر يكون اكثر شخص مخلصا للطرف الثاني في كل الحالات، ورغم ذلك وحسب تقديرات القدر الذي رأى انه يجب ان يعاقب لانه كان الاكثر اخلاصا والاكثر تمسكا وسعيا لعدم الخسارة، ويكافئء القدر من نسي الحاضر والماضي ولم يبق بذاكرته شيئا عنهما وكأنهما لم يكونا يوما ويبدأ من جديد للوصول الى المستقبل وهذا يكون نوعا ما قليل الاخلاص وغير مرتبط ارتباطا كبيرا كما كان يدعي عندما بدأ بالتفكير بكسب مودة طرفه الثاني الجديد ليكسبه، وغير آبه او لا يعلم حينها انه خسر الكثير رغم نسيانه وخسارته لماضيه فهو خسر وربما سيخسر الطرف الجديد ان بدأ كرتّه الجديدة بالخسارة بعد الكسب.

فمن منا لم يخسر، فكم يظن الاسد نفسه اسدا ملك الغابة ولا احد يقهره ولا احد يستطيع محاربته ولا احد يستطيع خسارته ويحبون ان يروا الاسد وان كان من بعيد ويظن الناس لن يعيشوا بعده، ويستهزء بالارنب والسلحفاة وبطيور الحب "الغبية"، فلو كان الاسد اسدا لما كان حلمه قفص في حديقة الحيوان محدود الحركة لا يستطيع حتى ان يرى حبيبته اللبوءة التي تركها في الغابة بين الوحوش فاللبوءة تكون لبوءة بوجود الاسد فقط وان غاب يتحول كل الحيوانات حولها الى وحوش، كما ويخاف الاسد في القفص من نظرات جارته النعامة "العبيطة" ان رصدت له يوما نظرة حزينة فهو قوي!!، ولو كان قويا كما يدعي لما استطاع احد الامساك به والايقاع به في قفص ومنعوه من الحركة والحياة التي يحب ويرغب، ويحرم حتى من حبيبته وهو يحلم بها دوما ويخشى على قوته ان علم جيرانه في الحديقة انه يفكر بها ليظنوه ضعيفا ان فكر بحبيبته اللبوءة، فخسر حريته ورغم انه يحاول اصطناع القوة ومهاجمة زوار الحديقة الجبناء "البشر" من وراء القفص رغم علمه المطلق والمؤكد انه لن يتناولهم على وجبته القادمة لانه محبوس ورغم علمه انه خسر حريته وقوته لحظة دخوله قفص الحديقة وخسر قوته وخسر شعور الخوف الذي كان يراه في عيون الحيوانات الضعيفة والبشر الجبناء، يبقى يحاول ان يكون اسدا الا انه مع مرور الوقت سيبدأ بالخسارة الكبيرة التراكمية ليصبح ذاك الحيوان الاليف ويخسر حتى طبيعة خلقه، ومع ذلك كرامته لا تسمح له ان يتنازل ليصبح ارنبا ويبقي على قوته الصورية انه اسد، رغم علمه ان طفلا في عمر السادسة يستطيع ان ينهي حياته ان وضع له حتى لو بالخطأ سائل مبيد حشري تستعمله امه للحشرات او مادة كيماوية تستعمل في التنظيف في الحمام، ويبقي على قوته الصورية وهو يخسر لحظة وراء لحظة ليبقى اسدا، ويعلم انه يخسر عندما يتظاهر بالقوة ويصيح، فلو كان قويا لما تظاهر بالقوة والاسد الذي يهاجم كثيرا لا يكون متوحشا فالمتوحش من بقي هادئا حتى لحظة يكسب ما يسعى اليه، فالقطة تتحول وحشا ان مس احد اطفالها، ولكن يبدو ان احدا لم يفكر يوما بقوة القطة لحظة الحقيقة التي تتحول اسدا والاسد الذي يحيط نفسه بالقوة الصورية يتحول ارنبا مع الوقت.

ان الصفات الخارجية والمظاهر للشخص لا تعكس بالغالب ما بداخله، بل هناك عدة عوامل تحدد شخصيته تبدأ من طرف شعره حتى قدمه، فليس كل من ترتسم العضلات على ذراعيه رجلا وليس كل من خاف ان مرت بجانبه قطة جبان.

الكاتبة والصحفية الشاعرة عبلة درويش

ذكريات سيجارة- عبلة درويش abla darwish

في لحظة باتت السيجارة تنطق، بعد ضياع الكلمات الاخيرة، ورحيل الحروف الجريئة، وحلول فصل تساقط الحركات، فلم يعد حينها معنى لاي كلمة، ولا مغزى لاي قصيدة ولا لون لقوس قزح، فتفردت السيجارة بلسان العمر وان باتت عزيزة حينها تهدد ذات اللسان الذي عجز عن تذوق رحيقها بعد ان اخُتطفت البسمة عن الجباه.

فترأست السيجارة ساحة القتال على جبهات فارغة مميتة، واستلت سيف اللهفة بلهفة ارتطامها بشفاه السهر الذي سكنه النوم وحلم بسيجارة الصباح ونَفَسَ الغضب، ولم تترك السيجارة ساحة القتال ولم تقتل العدو الذي انتهك حرمة لهفتها فوقفت غاضبة صامتة امام قرار البقاء، تفكر بحذر مميت خائف واثق، تعد اللحظات الف مرة، ترحل دقائقا وتعود اياما وترحم ساعة وتقتل ساعات، وفضلت البقاء وعدم ترك الساحة للوجع والاهات لتزيدها اوجاعا فوق اوجاعها، لتغدو السيجارة صديقا عزيزا فان سببته وسبب لك اوجاع لن يفرقهما لا زمن ولا عمر ولا اي تعداد وحتى الموت سيكونا شريكا به، ويبقى هنا احتمالات كثيرة واسباب كثيرة للبقاء، صراع البقاء انت ام السيجارة ليتبين ان السيجارة هي الرابحة دوما، تلعنها ولا تعاديها، تقتلك ولا تحاسبها، تسرقك مالك ولا مركز شرطة يتجاوب ولا بلاغ عند نائب لانك دوما المذنب.

بدأت السيجارة العزيزة رحلتها مع المواطن بعدما اكتشف حقيقة الحياة وخرج لمعترك الزمن واكتشف القدر اللئيم على حقيقته، رغم انه كان يتابع ماجي فرح ويقتبس ما يعجبه ويرى ما يحدث لما كبروا قبله، الا انه كان بصحة جيدة ويظن كما يظن من لم يكبر بعدْ ان الحياة جميلة وصدق الفنانيين الذي لم ولن يقتنعوا يوما ان الحياة حلوة بس نفهمها، فبعدما سقطت "الطوبة" على رأسه وعادت له الذاكرة الحقيقية والواقعية صادق السيجارة برغم انها جزء من الواقع الاليم، الا انهما تصادقا في الحلو والمر في الفقر والغنى وحتى بهبوط العملات وتناقص المعاشات وغلاء اللحوم والمهور.

وبرغم خوف شركات السجائر التي تصلي ليل نهار الا يقاطعها اصدقاؤها، وفي ذات الوقت تحزن احيانا على صديقها المواطن ويصعب عليها تركه بسهولة وتظن ان الصديق لا يترك صديقه الا ان خانه، فقررت السيجارة الخيانة رغم علمها ان صديقها راتبه ثابت لا يحركه غبار الشمس، فارتفعت واصبحت من السلع الغالية والتي ستصبح يوما احدى زوايا استوديوهات محال التصوير ليلتقط المواطن معها صورة تذكارية كما الاحباء، وارتفعت وارتفعت فتأثرت العلاقة في البداية وحزن الطرفان لوقت قصير ومتقطع وابتعدا قليلا جدا عن بعضهما وسبا بعضهما البعض وحلفا ايمانا برب الكون العظيم الا يعودا وان العلاقة انتهت، الا ان الحب الحقيقي لا يذهب بسهولة وقررا ان يبقيا اصدقاء واحباء في الصراء والضراء.

ففي الفرح يجد المواطن في صديقته السيجارة ميكروفون السعادة الذي يخرج صوته عاليا ليعبر انه سعيد لتمتلئ "مكتات" البيت بـ"التماتيم"، وفي الحزن والغضب لا مكان في كثير من الاحيان "للمكتات" فالارض بديل والحائط والطاولة بدائل، الا انه لا بديل عن الصديق، تتكلم بلسانك ان حزنت تطلق نَفَسكَ عاليا ان بكيت تختزل الدموع بدخانها وتبكي كثيرا بدلا منك، وليس فقط هنا، فالسيجارة صديقة عزيزة تجدها في التوتر وفي لقاء شخص مقيت ولتطفيش اخر بغيض، ولاتيكيت السيدات تكون بلون وردي نحيلة وفي قهاوي الرجال دفشة وعفشة ومقمرة، وتحت الفراش للمراهقين وفي الحمامات للمراهقات الذين لم يكونوا يعلموا حينها ان الصديق ان غاب عنك لوقت قصيرة يترك معك رائحته كي لا تنساه وكدليل انه كان هنا، تجده في كل الشوارع هذا الصديق وعلى واجهات المحال التجارية ملون بألوان زاهية بشكل مطلق لا يعكس الاثر الذي يسببه انما يعكس علاقته مع المواطن، مغلف للكبار ومفرق للصغار، وفي كل زمان حتى قبل بدء الدرس الاول بالمدارس يرافق طلبة المدارس مفرقا.

وتعتبر هذه العلاقة ارتباط بين طرفين ولكنها ليست كما العلاقات فائدة متبادلة، فهي فائدة من طرف وخسارة متنوعة للطرف الثاني ورغم علم الطرفين بالخسارة والفائدة لمن تعود الا انهما لا يفترقان.

نطقت السيجارة كثيرا وفرحت وشكت وقالت تجدونني في كل مكان في البيت وبأطوال مختلفة تجدوني طويلة جديدة وقصيرة مهترئة متقزمة عند التائه ومحرومة من اللذة جديدة عند الحزين تجدني مع شقيقاتي مشتعلات غير مستغلات موزعات على جنبات المكتة وعلى اطرف الطاولة وفي زوايا المنزل وتحت ادراج مكاتب المؤسسات وعلى درجات العمارات، لتشكي الانسان، يقبلوني ويفرحون بي لكن الانسان يدوسني بقدمه سحقا حتى الرماد، وهو يعلم انه بحاجتي دوما، يفيقني باكرة قبل ان يغسل وجهه ويحرق قلبي قبل بدء العمل ويشعلني مع فنجان قهوة وكم يفرح بي وكم يحزن لفراقي الا انه يسحقني بقدمه او في مكتته العفنة، وتجدونني دخانا وتجدونني رائحة وتجدوني منفسا ومغطسا من الهموم.

وحزنت السيجارة على عدم توضيح طبيعة العلاقة بينها وبين الانسان، ووجهت رسالة للانسان قالت له فيها، علقني كما اللوحات في غرفتك، ولا تسبني بعد ان تقبلني وتأخد مبتغاك، واعربت عن فرحها من بعض الرجال الذي يضعون علبة السيجارة على قلبهم في جيب القميص وحزنت لان بعضهم يضعها في جيبة بنطاله من الخلف وفرحت لان بعض النساء يضعنها في علبة مزخرفة ملونة ولكنها تساءلت هل محبة بي ام انه ايتيكيت وان كان اتيكيت قالت فانا فرحة بذلك، فبعض النساء تضعنني في جوف حقيبة مهجورة مغبرة تقلتني المحتويات طوال نهار العمل بين قيام وقعود وتنقل وسفر وصعود وهبوط وزعل وفرح وقهر وسقوط.

تجدونني يا اصدقائي ايمنا تواجدتم تقول السيجارة... حتى وانتم على فراش الموت اتواجد بذاكرتكم وربما تحت مخدة المستشفى وتطلقون رائحتي من نوافذ الغرف شوقا، واحيانا تصادقون معي كأس خمر واحايين كؤوس قهوة وبعضهم مع كأس شاي، مؤكدة السيجارة العزيزة انها لن تفارق الانسان طوال حياته وسيتذكرها قبيل مماته وحتى في ممتاته يحرقها الاصدقاء والاهل حزنا، فلا مفر من السيجارة والانسان وحده من يستطيع ان يقرر ان كان يريد الاستمرار في العلاقة ام الانفصال مرة وللابد وليس انفصال مؤقت يعيد بعد وقت قصير العلاقة الى ذروتها.

الكاتبة الصحفية الشاعرة عبلة درويش