انتقل إلى المحتوى

التنافس السعودي العماني على البحرين (1799-1856)

هذه المقالة يتيمة. ساعد بإضافة وصلة إليها في مقالة متعلقة بها
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

شهدت الفترة بين 1799 و1856 تنافسا حادا بين سلطنة عمان والدولة السعودية الناشئة على السيطرة والنفوذ في البحرين وهي منطقة استراتيجية تقع في الخليج العربي. كانت البحرين تعتبر مركزا تجاريا مهما مما زاد من أهمية السيطرة عليها في سياق الصراعات الإقليمية آنذاك.[1]

بدأت الطموحات السعودية في البحرين مع توحيد شبه الجزيرة العربية تحت قيادة محمد بن سعود فيما سعت عمان تحت حكم السلطان سعيد بن سلطان للحفاظ على نفوذها التقليدي في المنطقة. تخللت هذه الفترة العديد من النزاعات العسكرية ومحاولات السيطرة مما أفضى إلى تغييرات في توازن القوى الإقليمي.

مقدمة

[عدل]

على أثر تولي حكم البحرين من قبل آل خليفة تطورت البحرين تطوراً سريعاً في النواحي التجارية، إذ استطاعت أن تتفوق على عمان في الأهمية التجارية وساعدها في ذلك وقوعها في منطقة تتوسط مضيق هرمز وشط العرب، كما أن حكامها من آل خليفة كان لهم باعاً طويلاً في التجارة منذ بداية نشوئهم أن هذا الازدهار الكبير قد أثار عليهم الأطماع الدولية والإقليمية على حد سواء، ولاسيما العمانيين والسعوديين.[2]

التنافس العماني السعودي على البحرين (1799-1830)

[عدل]

تتكون البحرين من مجموعة من الجزر تبلغ حوالي 33 جزيرة، وتعد جزيرة البحرين وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 256 ميلاً مربعاً، وتبعد البحرين 15 ميلاً من الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية و150 ميلاً من الساحل الإيراني و18 ميلاً من شبه جزيرة قطر.

تؤكد أغلب المصادر على أن عام 1783 هو بداية تاريخ البحرين الحديث، إذ تم فيه استقرار الحكم لقبيلة العتوب وبذلك تحولت من مستعمرة فارسية إلى إمارة عربية، يحكمها الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة الذي لقب بالفاتح.

شهدت العلاقات العمانية البحرينية توتراً كبيراً ولاسيما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إذ كانت هناك عدة محاولات عمانية للسيطرة على البحرين قبل عام 1799 وكانت أولى تلك المحاولات التي قام بها الإمام سيف بن سلطان اليعربي في عام 1700، مما أدى إلى هجرة الكثير من سكانها إلى القطيف وساحل الخليج العربي.

كما شن حكام مسقط عدة هجمات أخرى على البحرين ولعل أبرز تلك الحملات حملة في عام 1715 والتي قامت بها عدد من السفن العمانية لكن لم تحقق أي نتيجة.

ثم أعقبتها حملة أخرى في عام 1718 وفيها استطاع الإمام سلطان بن سيف الثاني اليعربي من السيطرة على البحرين، لكنه لم يستطع السيطرة عليها وقتاً طويلاً بسبب الصراع مع الفرس وأدى إلى انسحابها منها وسيطرة الفرس عليها.

لكن العلاقات مع البحرين تحسنت بعد ذلك، إذ اسهمت عمان في طرد الفرس من البحرين عام 1738، واستمرت العلاقة بتحسن حتى وصول أحمد بن سعيد البوسعيدي إلى الحكم (1749-1783) غير أن تلك العلاقة سرعان ما توترت.

أما العلاقات البحرينية السعودية فتعود إلى قيام الدولة السعودية الأولى[3]، إذ أخذت في توسيع حدودها الشرقية واستطاعت من السيطرة على الإحساء والقطيف ثم اتجهت نحو شبه جزيرة قطر، فحاصرت الزبارة في عام 1796.

ثم توجه آل سعود نحو البحرين لتحقيق هدفين رئيسين أحدهما ديني لنشر الدعوة الوهابية والآخر اقتصادي لتدعيم الروابط الاقتصادية بين الطرفين والاستفادة من موقع البحرين الجغرافي في الناحية التجارية.

ثم تحقق بعد ذلك تقارب بين العتوب والسعوديين بوساطة القواسم مما أدى الى توتر العلاقات بين العمانيين والعتوب.

لذا أعلن السيد سلطان بن أحمد بن سعيد الحرب على البحرين في عام 1799 باتفاق مع حاكم فارس فتوجه في أربع سفن فهاجم جزيرة خرج واستولى على ثلاث سفن بحرينية، وكانت ذريعة الهجوم هو ادعائه برفض آل خليفة دفع الضرائب المستحقة عليهم عند مرور سفنهم التجارية المارة في مسقط، والتي ادعى فيها السيد سلطان بن أحمد بن سعيد أن له الحق في فرضها على السفن التي تدخل الخليج العربي من المحيط الهندي. ولكن السبب الحقيقي لهذه الحملة هو التحالف الذي عقد بين العتوب والسعودية ولاسيما بعد سيطرة السعوديين على الزبارة والذي أدى هذا التحالف توتر العلاقة بين حكام البحرين وبين سلطان مسقط السيد سلطان بن أحمد بن سعيد.[4]

لقد دفع الأمر بحكام البحرين بالاستنجاد بأعدائهم القدامى شيوخ بوشهر وأعلنوا لهم باستعدادهم تأكيد السيادة الفارسية ودفع الخراج السنوي لهم، فوافقوا على ذلك، وعلى إثر المساعدات الفارسية التي قدمت لهم فشلت هذه الحملة والتي لم تسفر عن شيء سوى احتلال جزيرة خرج لكنه اضطر الى إخلائها، بعد الهجوم الذي قام به حاكم بوشهر مع 1500 رجل، وتؤكد أغلب المصادر أن اصرار سيد سلطان بن أحمد بن سعيد على السيطرة على البحرين السبب الرئيس لامتداد النفوذ السعودي إليها.

أدركت الحكومة السعودية الخطر الحقيقي لعمان تجاه البحرين بعد هذه الحملة، لذا أرسل الامام عبد العزيز بن محمد آل سعود في عام 1800 رسالة إلى حاكم مسقط وعمان السيد سلطان بن أحمد بن سعيد مع القائد السعودي سالم بن بلال الحرق وهو أول أمير سعودي استقر في البريمي وكانت معه قوة كبيرة واستقر في واحة البريمي وتعد هذه الحملة بداية النفوذ السعودي الحقيقي في ساحل عمان الشمالي وأرض الظاهرة.[5]

وجاء في الرسالة انذارا إلى سلطان مسقط سلطان بن أحمد بن سعيد يطلب منه اعتناق العقيدة السلفية وأن يعترف بالإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود بالسلطتين الروحية والدنيوية، وكان رد السلطان هو تجهيز قوة كبيرة تقدمت نحو وادي الجزيرة ويدعمه أخوه قيس بن سلطان حاكم صحار إلا أن حملته فشلت ومنيت قواته بهزيمة نكراء جعلته يضطر إلى توقيع اتفاق مع الحاكم السعودي ثم على إثرها تنازل السيد سلطان بن أحمد بن سعيد عن واحة البريمي.

وبالرغم من تلك الأحداث إلا أن السيد سلطان بن أحمد بن سعيد أصر على احتلال البحرين فقام في نفس العام بهجوم على البحرين ونجح في السيطرة عليها وأسر 25 أسرة من الأسر البحرينية الكبيرة ونقلهم إلى مسقط ووضع حامية من الجنود العمانيين في قلعة عراد بجزيرة المحرق، ولجأ بعض شيوخ العتوب المهزومين إلى الزبارة وبعضهم إلى الكويت ونصب ابنه سالم والياً عليها. وقد كان سالم صغير السن لذا جعل معه الشيخ محمد بن خلف مستشاراً له.[6]

لجأ آل خليفة على إثر تلك الأحداث إلى السعوديين فأمدهم الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود بجيش فطردوا القوات العمانية بعد أن كبدوهم خسائر كبيرة وأعاد آل خليفة سيطرتهم على البحرين ولكن تحت حماية النفوذ السعودي.

عاد السيد سلطان بن أحمد بن سعيد بحملة أخرى على البحرين عام 1802 واستعان هذه المرة بالحكومة الفارسية، وفي بادئ الأمر رفضت الحكومة الفارسية الاشتراك معه في غزو البحرين ولاسيما بعد تزايد نشاطه في الخليج العربي وبالأخص في السواحل الفارسية نفسها، ولكن السياسة الفارسية لم تلبث أن تغيرت حين بدأت تتوجس خوفاً من تنامي قوة السعوديين في المنطقة، وعندما تيقنت الحكومة الفارسية من مساعدة السعوديين لآل خليفة واحتمال من نفوذهم الى البحرين وافقت على تأييد السيد سلطان بن أحمد بن سعيد بحملته.[7]

لذا أرسل حاكم شيراز حسين علي قوة تعدادها 2000 فارس عن طريق بوشهر وكان الاتفاق بين الطرفين هو تقسيم واردات جزيرة البحرين بين مسقط وفارس وتمكن السيد سلطان بن أحمد بن سعيد من الاستيلاء على البحرين وارغام الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة التنازل عن سيادة البحرين لصالح عمان وإبقاء أخيه الشيخ محمد بن أحمد آل خليفة رهينة في مسقط لضمان هذا الاتفاق، والزموا بدفع إتاوة سنوية لسلطان مسقط وتعهد السلطان في مقابل ذلك أن يترك جميع الأملاك والسفن والأموال الخاصة لآل خليفة.

شعر السعوديين بخطر السيد سلطان بن أحمد بن سعيد الحقيقي ولاسيما بعد هجومه الأخير على البحرين والمساعدات التي قدمها السيد سلطان بن أحمد بن سعيد لشريف مكة غالب بن مساعد، إذ أن لولا هذه المساعدات العمانية لتمكن السعوديين من السيطرة على جنوب الحجاز، لذا أعلن السعوديين الحرب على عمان وأجبروا العتوب والقواسم قبائل البريمي على مطاردة العمانيين في البحر، واشتدت معركة بحرية بين اسطول العتوب والعمانيين وتمكن العمانيين من تدمير اسطول العتوب.[8]

اضطر السيد سلطان بن أحمد بن سعيد إلى طلب الصلح وعقد هدنة مع السعوديين لمدة ثلاث سنوات في عام 1803 قضت أن يلتزم السيد سلطان بن أحمد بن سعيد بدفع اتاوة سنوية قدرها 12 ألف روبية كما سمح لممثل سعودي في البقاء في مسقط، والاعتراف بحق السعوديين في إقامة حامية عسكرية في البريمي، غير أن الهدنة لم تستمر طويلاً، إذ نقض السعوديين الصلح وأخذوا يتدخلون في المنازعات الداخلية حول الحكم، وأخذوا يناصرون بدر بن سيف البوسعيدي ضد السيد سلطان بن أحمد بن سعيد وهو أشد المنافسين لحكمه، شعر البريطانيين بالخطر السعودي ومحاولتهم السيطرة على عمان وهذا الأمر أقلق المقيم البريطاني سيتون الذي كتب إلى حكومته تقريراً يؤكد فيه إذا نجح السعوديين في السيطرة على عمان فإن جميع سواحل الخليج العربي ستصبح وكراً للقرصنة وستنقلب حكومة مسقط الصديقة لنا إلى أكبر عدو يهدد مصالحنا، رحب السيد سلطان بن أحمد بن سعيد بمساعدة بريطانيا له، ولاسيما بعد تحالف السعوديين مع القواسم والذي بات يشكل خطراً حقيقياً على عمان، إلا أنهم تمكنوا من قتله أثناء اشتباك بحري جرى بينه وبين القواسم في عام 1804 وعلى إثر اغتيال السيد سلطان بن أحمد بن سعيد طلب السعوديين من آل خليفة عام 1805 الإبحار بسفنهم والوصول إلى مسقط من أجل مراقبة الأحداث هناك بعد مقتل السيد سلطان بن أحمد بن سعيد تولى الحكم بدر بن سيف البوسعيدي فحاول شيوخ العتوب التفاهم معه والاشتراك معه في الهجوم على القواسم وكان الهدف الحقيقي من هذا التحالف هو لتدمير قوة السعوديين في المنطقة، وقد توثقت العلاقة بينهم حتى أنهم دفعوا للسيد بدر بن سيف البوسعيدي العوائد التي طالب بها السيد سلطان بن أحمد بن سعيد من قبل والتي أنكروها هم سابقاً لكن العلاقات توترت فيم بعد ولاسيما بعد تولي السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي الحكم في عمان في عام 1806 وأعلن نفسه سلطاناً على عمان بعد ما قتل ابن عمه بدر بن سيف البوسعيدي إذ كان يدرك أهمية البحرين الاقتصادية وأن السيطرة عليها ستدعم مركزه السياسي في المنطقة.

كما وصلت للبحرين تفيد بوفاة محمد بن أحمد آل خليفة والذي أخذه رهينة من قبل السيد سلطان بن أحمد بن سعيد في عام 1800 حتى لا يثور الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة على سعيد بن أحمد البوسعيدي أخ السيد سلطان بن أحمد بن سعيد والذي نصبه الأخير حاكماً على البحرين، لذا طلب العتوب من السعوديين مساعدتهم في استرجاع البحرين، فأمدهم الأمير سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد آل سعود بالمال والسلاح والرجال تحت قيادة إبراهيم بن عفيصان ونجحت تلك الحملة بطرد العمانيين من البحرين في عام 1808.

رفض السعوديين تسليم البحرين إلى العتوب وأعلنوا خضوعها للحكومة السعودية ومن أجل تقوية النفوذ السعودي فيها، عمل الإمام سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد آل سعود في عام 1810، بضم البحرين وقطر إلى الإحساء وجعلها مقاطعة واحدة وعين عليها عبد الله بن عفيصان، وقد اتخذ من البحرين مقراً له، وأرغم العتوب على دفع الجزية غير أن خضوع البحرين للسعوديين لم يدم طويلاً ولاسيما بعد اضطراره إلى تقليص قواته في البحرين والزبارة، بعد تقدم القوات المصرية باتجاهه، بالإضافة إلى أن الشيخ عبد الرحمن بن راشد الفاضل ابن أخت الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة والشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة واللذان كانا بحكم المأسورين في الدرعية، طلب من سلطان مسقط سعيد بن سلطان البوسعيدي مساعدته في إنهاء الوجود السعودي في البحرين، فوافق على ذلك وأمده بالمال وزوده بالمدافع، وبذلك تمكن من انزال الهزيمة بالوكيل السعودي عبد الله بن عفيصان وجيشه وطرده من البحرين، فألتجأ إلى قطر واجتمع برحمة بن جابر الجلهمي واتفقا على معاودة الحرب ضد آل خليفة والتقوا في معركة خكيكرة عام 1808 أسفرت عن هزيمة إبراهيم بن عفيصان ورحمة بن جابر الجلهمي واستعاد الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة حكمه على البحرين.[9]

تنعمت البحرين بعد استعادتها من السعوديين بمدة زمنية من الهدوء والاستقرار ولاسيما بعد تزايد الضغط المصري عليها، كما أن علاقتها بعمان أصبحت جيدة غير أن هذا الهدوء النسبي لم يستمر طويلا، إذ توترت العلاقة بين آل خليفة والسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي ولاسيما بعد أن نقض آل خليفة وعودهم للسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بالوقوف إلى جانبه في حملته ضد القواسم في عام 1813 ووعدوه بأن يشتركوا معه بأسطول مكون من 15-20 سفينة وقوة قوامها 2000 رجل ضمن حملة على رأس الخيمة لكنهم لم يحققوا وعدهم، وربما كانت هزيمة السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في هجومه على القواسم سبب انسحاب العتوب منها، ولم يكتفوا العتوب في ذلك بل دخلوا في تحالفات مع السعوديين وأقاموا علاقات صداقة مع القواسم أعداء السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، لذا قرر السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي القيام بحملة جديدة على البحرين في عام 1816، وعلى إثر ورود أخبار الحملة إلى البريطانيين، وصل الملازم بروس المقيم السياسي في بوشهر إلى البحرين والتقى بالشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة شيخ البحرين، وشكى الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة للمقيم البريطاني بروس خرق السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي للاتفاق بين مسقط والبحرين واستيلاءه على 15 سفينة تابعة للبحرين ونهب حمولتها على مقربة من عمان، وأعلن له أنه قادر على الدفاع عن البحرين بمساعدة السعوديين له.

عندما تأكد شيخ البحرين الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة وقوف بريطانيا على الحياد بدأ الاستعداد لمواجهة الهجوم العماني وفي الوقت نفسه حاول بروس اقناع السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بالعدول عن هذه الحملة، غير أن السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي أخبره بأنه أرغم على هذه الحملة بسبب خروج العتوب عن الاعتراف بسيادته التي اعترفوا بها في عام 1811، وتحالفهم مع السعوديين، لذا وصلت الحملة إلى البحرين وانضمت إليها ثلاث سفن قادمة من بوشهر بأمر من الحاكم الإيراني في شيراز، وانضمت إليها فرق مختلفة من العرب من الميناءين الإيرانيين كانجون وعسالو، ونزل العمانيون في جزيرة المحرق، لكنهم تكبدوا خسائر جسيمة وهزموا هزيمة ساحقة وقتل اثنان من أقارب السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي أحدهما شقيقه الأصغر حمد، ويذكر جمال زكريا قاسم في كتابه تاريخ الخليج العربي الجزء الأول أنه بعد هذه الحملة اتسع النفوذ السعودي في البحرين وأخذوا يضغطون على شيوخ البحرين لذا ارسل آل خليفة في عام 1817 رسالة إلى الفرس يستنجدون بهم ضد السعوديين ويؤكد ايضاً أن المصادر الفارسية تركز على هذه الرسالة باعتبارها بمثابة اعتراف من شيوخ البحرين بالسيادة الفارسية عليهم.

وفي حقيقة الأمر أن النفوذ السعودي تراجع في البحرين بعد وصول قوات محمد علي باشا لمنطقة شبه الجزيرة العربية واحتلال الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وما أعقبه من صراعات أسرية في العائلة الحاكمة السعودية، هذه التطورات شجعت السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي لتكرار محاولته لضم البحرين لسيادته لذا أرسل السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي حملة أخرى إلى البحرين في عام 1819، إلا أن الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة أرسل وفداً برئاسة عبد الجليل بن ياسين الطباطبائي للتفاوض وتم الاتفاق على أن تدفع البحرين دية شقيق السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، وأن تدفع مبالغ أخرى لقاء الإفراج عن المساجين في قلعة قلالي وبعد موافقة البحرين انسحبت القوات العمانية.[10]

بعد انتصار الحملة البريطانية على القواسم ازدادت قوة السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي وانحسر النفوذ القاسمي، لذا بدأ يفكر بالسيطرة على البحرين وكان يرجو من بريطانيا أن تتعاون معه في ذلك ولاسيما أنه أصبح الحليف المقرب لها وشاركها في كل حملاتها ضد القواسم.

كما أن بريطانيا تعتبر البحرين ميناء من موانئ القرصنة على الرغم من أن آل خليفة لم يرتكبوا أية أعمال بحرية ضد السفن البريطانية، إلا أن صداقتهم للقواسم جعلت بريطانيا تعدهم من الأعداء ولاسيما أن البحرين كانت تشكل سوقاً للبضائع التي يحصل عليها القواسم من السفن الانكليزية.

غير أن الحكومة البريطانية أبدت عدم رغبتها في الوقوف إلى جانبه للسيطرة على البحرين، بل أنها وقفت ضد المحاولات التي قام بها للسيطرة على البحرين، وإزاء هذا التحرك بدا واضحاً شيوخ آل خليفة أن بريطانيا هي الوحيدة التي يمكن أن تحميهم من أخطار الأطماع الإقليمية المتمثلة بالعمانيين والسعوديين.

أرسلت الحكومة البحرينية مبعوث منها لمقابلة المقيم البريطاني كير وأكد المبعوث له تعهد آل خليفة بعدم التعاون والمناورة مع القواسم وعدم السماح لهم باستغلال موانئ البحرين وأعلن عن استعداد بلاده للانضمام إلى معاهدة السلام العامة وقد تمت الموافقة بين الطرفين وعقدت في عام 1820 وكانت بداية العلاقات وثيقة بين آل خليفة وبريطانيا.

وعندما علم السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بتلك الاتفاقية وعدم استجابة الحكومة البريطانية لطلبه، اقترح على الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة والشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة أن يدفعا له مبلغ ثلاثين ألف روبية كضريبة سنوية مقابل تنازله عن المطالبة بالبحرين واطلاق سراح بعض شيوخ العتوب الذين كان قد سجنهم من قبل، وارجاع سفنهم وأموالهم التي استولى عليها أثناء عودتها من الهند، وتم بالفعل تسليم مبلغ 12 ألف روبية لحساب الجزية المقترحة، غير أن العتوب توقفوا عن الدفع في عام 1822، لذا بدأ السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بعد العدة لحملة أخرى على البحرين، غير أن حاكم بومباي وجه خطابات عاجلة إلى الطرفين استنكر فيها الحرب وأكد أنه يجب أن تدفع الجزية إن كانت قد دفعت من قبل بانتظام لكن السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي استمر في محاولته لضم البحرين، ففي عام 1825 حاول التدخل في النزاع الاسري بين أبناء الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة وعمهم الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، إلا أن الحكومة البريطانية أصدرت تحذيرات شديدة اللهجة ضد تدخله.

حاول السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي مرة أخرى للسيطرة على البحرين في عام 1828، على إثر توقف شيوخ البحرين عن دفع الأموال المتفق عليها، وقد حاول شيوخ البحرين مهادنته ودفع مبلغ ربع مليون روبية كجزية سنوية مقابل عدم المطالبة بضم البحرين، إلا أن السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي لم يرضى بهذا الأمر، لذا أعد حملة في عام 1828 في عهد الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة إذ أرسل السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي كتابا إلى الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في أغسطس 1828 أخبره فيه إعلان الحرب، وبذلك انطلقت حملته في سبتمبر 1828، وكانت تلك الحملة مؤلفة من عدد كبير من السفن المصنوعة في أوروبا وفي عمان، وتحالف في هذه الحملة مع الشيخ طحنون بن شخبوط بن ذياب آل نهيان حاكم أبو ظبي ومع بني ياس، وفي بادئ الحملة تشتت أسطول السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بسبب عاصفة شديدة لكن تمكن من جمعه مرة أخرى وبدأ الأسطول يتجه نحو جزيرة سترة بالقرب من مدخل خور القلعة.

وعلى إثر ذلك استعد الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة لصد تلك الحملة فجمع الأسطول الكبير الذي كانت تمتلكه البحرين في خور فشت حتى يستطيع احباط أي هجوم على المنامة من جهة البحر، وجمع السفن المتوسطة والصغيرة بالقرب من مدينة المحرق وأغلق مدخل خور القلعة، كما بذل الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة جهوداً كبيرة لرشوة الشيخ طحنون بن شخبوط بن ذياب آل نهيان لكي يقف على الحياد.

كما استعان الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بالسعوديين فاستجابوا لطلبه وأرسلوا حملة عسكرية بقيادة عمر بن عفيصان حاكم الإحساء إلى الساحل الشمالي لعمان وحققت هذه الحملة نجاحات.

وقد حاول السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي الاستفادة من البريطانيين وتحذيرهم من تحالف شيخ البحرين مع السعوديين، فأرسل برسالة إلى وزارة الخارجية البريطانية أكد فيها عن الأضرار التي ستنجم في حال سيطرة السعوديين على البحرين، غير أن الحكومة البريطانية رفضت مساعدة السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بل وأعلنت أن ضم السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي للبحرين سوف يثير الفوضى في المنطقة.

كما وجهت حكومة بومباي تحذيرا الى السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بالقول: "إن القيام بأي حركة عسكرية من شأنها تعيد الاضطرابات إلى منطقة الخليج العربي ستواجه بالقوة من قبل بريطانيا".

منيت هذه الحملة بالفشل الذريع وأصيب السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي برمح في قدمه، ووقعت اثنان من سفته في الأسر، وقتل ما لا يقل عن 500 رجل، كما تفشى مرض الكوليرا بين جنوده، وبعد فشل هذه الحملة نجد أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة هو الذي قام بشن حرب بحرية ضد السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في عام 1829، إذ أعد أسطولا يتألف من سبع سفن كبيرة لملاقاة قوات السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي المؤلفة من فرقاطتين وكانت الحملة البحرينية بقيادة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة شخصياً، والتقت السفن العمانية الحربية بالسفينة البحرينية سيار فأطلقت النيران عليها عن بعد ثم نزل جنود عمانيين على ظهرها، لكنهم تفاجئوا بوجود بحارة السفينة مستعدين للرد عليهم بالقذائف سريعة الاشتعال وبذلك استطاعت السفينة سيار من الهرب والوصول إلى البحرين.

ويذكر جمال زكريا قاسم في كتابه الخليج العربي الجزء الثالث أن الحرب التي دارت بين السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي وآل خليفة لم تكن تتعارض مع معاهدة السلام العامة والتي كان شيوخ البحرين طرفاً فيها، وذلك لأن هذه المعاهدة كانت لا تضع حظراً على الحرب النظامية وبالرغم من ذلك أصدرت حكومة الهند أوامرها إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر ويلسون ليقوم بالوساطة بين الطرفين لإنهاء النزاع، قبل السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي وقد كان متلهفاً لهذه الوساطة ليتمكن من بعدها تصفية مشاكله في الخليج العربي، غير أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة أصر على أن تكون الحكومة البريطانية ضامنة لشروط ذلك الصلح، لكن المقيم البريطاني رفض ذلك وأعلن انسحابه من الوساطة وكعقاب لهم أصدر المقيم البريطاني أوامره بسحب الطراد البريطاني الذي كان موجودا في مياه البحرين للمحافظة على النظام في مواسم الغوص على اللؤلؤ، لذلك اضطر شيوخ البحرين إلى الموافقة على عقد الصلح الذي نص على ألا يتدخل أحد من الطرفين في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، إلى جانب تقديم كل من الطرفين عونه للآخر في حالة وقوع هجوم عليه من طرف ثالث.

يتضح مما تقدم أن العمانيين حتى عام 1829 كانت لهم الغلبة والقوة كانت لهم عدة محاولات للسيطرة على البحرين ولاسيما بعد ضعف القوات السعودية وتمكن القوات المصرية من السيطرة على أراضيهم لكن سنجد في المرحلة القادمة هو تزايد قوة القوات السعودية ومحاولتها السيطرة على البحرين ولاسيما بعد تخلصها من النفوذ المصري وتمكن تركي بن عبد الله آل سعود من إعادة السيطرة على نجد وتأسيس كيان سياسي عرف باسم الدولة السعودية الثانية.

التنافس العماني السعودي على البحرين (1830-1856)

[عدل]

بعد نجاح الأمير تركي بن عبد الله آل سعود في تثبيت نفوذه السياسي في منطقة الإحساء وجه اهتمامه نحو البحرين ولاسيما بعد ضعف النفوذ العماني في المنطقة وتوجه السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي نحو زنجبار لتثبت نفوذه فيها، إذ طالب السعوديين بفرض الجباية على البحرين في عام 1830 ومقدارها 4000 قران.

وهي عبارة عن تعويض لحساب الخيول التي كان السعوديين قد تركوها في عهدة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة منذ سنوات عديدة، كما طلبوا من الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة التنازل عن قلعة الدمام على شاطئ الإحساء، واقترحوا أيضا أن يجعلوا على الدمام بشير بن رحمة بن جابر عدو العتوب اللدود حاول الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة كسب تدخل بريطانيا إلى جانب لكنهم فشلوا في ذلك، وبدأت تساورهم المخاوف من أن يكون هناك تحالف بين السعوديين والسلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي، وفعلاً كان هناك مفاوضات بين الجانبين العماني والسعودي لنقل ملكية جزر البحرين إلى السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي بصفة اقطاعيات مقابل مبلغ مادي معين.

لذا أسرع آل خليفة وأرسلوا مبعوثاً للتفاوض مع الأمير السعودي تركي بن عبد الله آل سعود وتوصلوا معه إلى تسوية يعترف بموجبها شيوخ البحرين بسيادة أمير السعوديين عليهم ودفع الزكاة له، مقابل ذلك يتعهد السعوديون بحماية البحرين من أي عدوان خارجي.

غير أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة توقف عن دفع الزكاة في عام 1833 مستغلاً فرصة سفر بشير بن رحمة حاكم دارين إلى مسقط، إذ كان الأخير قد عينه الأمير السعودي تركي بن عبد الله آل سعود حاكم على دارين الواقعة في إقليم الإحساء لمنع توسع شيوخ البحرين في الإحساء، إذ كان من ألد أعدائهم. فجهز الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة حملة بحرية هاجم بها دارين واحتلها ثم سار بنفسه إلى بلدة سيهات التابعة للقطيف فأرسل الأمير تركي بن عبد الله آل سعود ابنه فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود المقاتلة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، وكان تركي بن عبد الله آل سعود في الوقت نفسه يواجه معارضة داخلية في صفوف أسرته وكانت من نتائجها هو اغتياله من قبل مشاري بن عبد الرحمن بن حسن بن مشاري آل سعود وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة، لذا اضطر الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود العودة إلى الرياض وقام بقتل مشاري بن عبد الرحمن بن حسن بن مشاري آل سعود وأصبح أميراً للدولة السعودية الثانية في عام 1834.

غير أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة عاد مرة أخرى تحت حماية السعوديين ولاسيما بعد حدوث تمردات قام بها أهل الحويلة في قطر على سلطته وتمرد ابنه الشيخ أحمد بن عبد الله آل خليفة الذي طلب من السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي معاونته ضد أبيه عبد الله بن أحمد آل خليفة في البحرين، لكن السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي رفض ذلك وأرسل ابنه هلال إلى البحرين لتسوية الخلافات بين آل خليفة، كما وصلت للشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة أخباراً تفيد بوجود محاولة ضد البحرين يقوم بها حكام فارس وعمان، لذا اتخذ قراراً بالتوصل إلى تسوية مع الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، شعر الأخير بالارتياح لهذه الخطوة وذلك لأن حصار البحرين قد سبب خسائر كبيرة للسعوديين، كما بدأت القوات المصرية في الوقت نفسه تضغط على الجبهة الغربية، لذلك تم التوصل إلى اتفاقية في عام 1836، تعهد فيها شيخ البحرين عبد الله بن أحمد آل خليفة بدفع جزية سنوية مقدارها 2000 روبية للأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود مقابل ذلك أن يقدم الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود قوات من جنوده للدفاع عن البحرين ضد أي هجوم خارجي، وعلى أن لا يطلب الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود من الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة توفير سفن حربية في حال هجوم السعوديين على عمان وهذا يعني أن تبقى البحرين على الحياد في حال حدوث معارك بين الطرفين، وكذلك إعادة فتح طريق المواصلات بين البحرين وموانئ القطيف والعقير.

وبعد سيطرة القوات المصرية على الرياض وأسر الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود وإرساله إلى القاهرة في عام 1838 تم تعيين الأمير خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود بدلاً عنه، أرسل خورشيد باشا قائد القوات المصرية حاكم الإحساء محمد رفعت إلى شيخ البحرين عبد الله بن أحمد آل خليفة لإعلان ولائه لخالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود، وتقديم الزكاة التي كانوا يؤدونها إلى السعوديين من قبل.

وفي الوقت نفسه كانت هناك مفاوضات بين سعيد بن سلطان البوسعيدي ومحمد علي باشا حاكم مصر للسيطرة على البحرين ولاسيما بعد سيطرة قوات محمد علي باشا على السعودية، إلا أن هذا الأمر قوبل بمعارضة بريطانية، وكان السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي حريصاً على ألا يضحي بصداقته مع بريطانيا على حساب صداقته مع المصريين، وعلى أثر الرفض البريطاني لهذا المشروع اقترح السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي عليهم أن يسيطر على البحرين لصالح الحكومة البريطانية لكنها رفضت أيضاً.

وعقب انسحاب القوات المصرية من شبه الجزيرة العربية بموجب معاهدة لندن 1840 أرسل أهالي إقليم الإحساء إلى الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة حفيد شقيق شيخ البحرين عبد الله بن أحمد آل خليفة ليتولى بنفسه حكم إقليم الإحساء وحماية أهالي الإقليم من الأمير خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود والذي يعد صنيعة المصريين، وهنا اعترض الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بأن يتولى الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة حكم الإحساء، مما أدى إلى خلاف كبير بينهم على هذا الأمر، قام الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة بإقصاء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في عام 1843.

حاولت كل من عمان والسعودية الاستفادة من الحرب الأهلية في البحرين من أجل السيطرة عليها، ففي أثناء حرب عام 1843 اقترح عيسى بن طريف زعيم قبيلة آل بن علي على السيد ثويني بن سعيد بن سلطان نائب حاكم مسقط باستغلال هذا الصراع بين شيوخ آل خليفة والسيطرة على البحرين، ووعده بتقديم العون اللازم لهذه الحملة، ورفع السيد ثويني بن سعيد بن سلطان هذا الاقتراح إلى أبيه السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي والذي كان في زنجبار، فاقترح السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي على السلطات البريطانية هذا الأمر فأشارت بالرفض وكانت من أسباب الرفض غياب السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي عن مسرح الأحداث، وعجز السيد ثويني بن سعيد بن سلطان في القيام بهذه الحملة، وخشيت استغلال ذلك من قبل السعوديين ويقوموا بغزو الأراضي العمانية، كما أنها ستعطي مبرراً لبلاد فارس للوقوف الى جانب الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة.

فيما يخص الموقف السعودي من الصراع فقد حاول الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود الاستفادة من هذا الخلاف لتأكيد سيطرته على البحرين، إذ عمل على تحريض الجانبين وحصل على وعود بالامتيازات من كلا الجانبين، كما حاول عرض الوساطة لتسوية الخلافات القائمة بين الشيخين لكن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة رفض الوساطة لذا أعلن الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود الحرب على الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة واستولى على قلعة الدمام في مارس 1844.

وكانت نتيجة سيطرة السعوديين على الدمام أن جرى تعاون مشترك بين الأمير السعودي فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود وشيخ البحرين الجديد محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة وأعلن الأخير موافقته على دفع زكاة سنوية للدولة السعودية والاعتراف بسلطة الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، غير أن الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة أخذ يماطل في دفع الزكاة، لذا اتجه الأمير السعودي فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود إلى خصم الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة وهو الشيخ السابق عبد الله بن أحمد آل خليفة.

رحب الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بدعوة الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود فبعث برسالة في عام 1845 إلى ابنه الشيخ مبارك بن عبد الله آل خليفة المقيم عند بني هاجر في الإحساء منذ أن فقد الحكم في الدمام والرسالة الثانية إلى عبد الله بن سعيد حاكم القطيف مبيناً فيها خطته لمهاجمة البحرين وإعادة السيطرة عليها، إلا أن خطته لم يكتب لها النجاح وذلك بسبب اكتشاف أمرها من قبل اتباع الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة الذي أحكم حصاره على ميناء القطيف ويساعده في ذلك حمود بن مجزل أحد شيوخ العماير من بني خالد فاضطر الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة إلى اللجوء إلى الكويت.

استمر العداء قائماً بين السعوديين والشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة وحدثت بعض الاشتباكات بين الطرفين وحدث بعض التغييرات في المواقف ولاسيما بعد انسحاب حميد بن مجدل من مناصرة الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة وانضمامه إلى جانب الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، لذا تم التوصل إلى تسوية بين الطرفين في أغسطس 1847، تعهد الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود بمقتضاها بعدم تقديم أي مساعدة إلى شيخ البحرين السابق الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة مقابل تعهد الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة بدفع الجزية السنوية ومقدارها 84 ألف روبية.

لكن العلاقات ساءت بين الطرفين في عام 1850 وذلك بعد قيام الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة محاصرة ساحل الإحساء، وامتناع شيخ البحرين الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة عن دفع الزكاة، مما أدى إلى توتر العلاقات بينهما ومحاولة الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود فرض نفوذه على البحرين، ومما زاد الأمير سوء هو أن الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود قد بعث محمد بن عبد الرحيم في مهمة إلى البحرين فاستقبله شيخ البحرين الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة استقبالا حافلا وأكرمه وعند عودته إلى القطيف صودرت منه هذه الهدايا ووضع في السجن بأمر من الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، وقد وعد الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة هذا الأمر بمثابة إهانة له، فقام الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود حملة ضد البحرين في العام نفسه وقد اشترك معه جماعات من الإحساء والقطيف وبني هاجر وشاركه في قيادة الحملة الأمير أحمد بن محمد السديري.

حاول الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة تجنب الحرب والصلح مع الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود إلا أن الأخير رفض ذلك ولاسيما بعد انضمام قبائل قطر إليه وتقديمهم 300 سفينة له لاستخدامه في هجومه على البحرين، حاول الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة تحويل أنظار الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود عن مهاجمة البحرين وذلك بمحاصرة ميناء القطيف السعودي منتظراً في الوقت نفسه مساعدة حاكم أبو ظبي سعيد بن طحنون آل نهيان، إلا أن خطته فشلت بسبب نجاح أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في اختراق الحصار المفروض على القطيف، وتراجع حاكم أبو ظبي سعيد بن طحنون آل نهيان عن مساعدته بسبب خوفه من الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود العسكرية.

لذا طلب الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة من المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي هينيل التدخل للوساطة بينه وبين الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود لذلك حذرت الحكومة البريطانية الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود من نتائج هجومه على البحرين، وأكدت له أن الأسطول البريطاني سوف يتدخل، وبالفعل وصل الأسطول البريطاني للمرابطة قرب شاطئ البحرين.

إن التصريحات البريطانية الشديدة في هذه الفترة جاءت بسبب خشيتها من تطور الصراع على الاستقرار في المنطقة، والنتائج التي قد تؤثر على مصالحها في حال خضوع البحرين للسيادة السعودية وقيام كيان سياسي موحد وكبير في الخليج العربي، إن الموقف البريطاني هذا إلى جانب تمردات القصيم، وتدخل حاكم أبو ظبي سعيد بن طحنون آل نهيان أدى إلى قبول الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود الوساطة وفعلاً تم عقد الصلح في 1851 تعهد بموجبه الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة بدفع الزكاة السنوية للسعوديين.

غير أن النزاع سرعان ما عاد مرة أخرى في عام 1852 وذلك بسبب غضب الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة من استقرار أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في الدمام تحت حماية السعوديين، فهدد بعدم دفع الجزية التي كانت مستحقة الدفع آنذاك للسعوديين، وقام أحد أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بزيارة إلى السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في عمان والذي لا تزال لديه أطماع في البحرين، وعلى إثر تلك التحركات بدأ الخوف ينتاب الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة لذا بدأ بالبحث عن من يساعده فتوجه إلى سلطان عمان السلطان سعيد بن سلطان البوسعيدي في صيف 1852، كما تواصلت لقاءاته مع عباس حلمي الأول والي مصر في عام 1853، فثارت ثائرة الأمير السعودي فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود على تلك الاتصالات، لذا قرر مساعدة أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة ضد الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة للقيام بهجوم كبير ضد البحرين في يوليو 1854، إذ قدم الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود السفن الحربية والمساعدات اللازمة لمحمد بن عبد الله آل خليفة غير أن هذا الهجوم لم يحقق أهدافه في السيطرة على البحرين وباءت تلك الحملة بالفشل وقد سميت هذه المعركة بموقعة الدولاب.

أبحرت السفن البريطانية إلى البحرين فور سماعهم خبر الهجوم لمساندة شيخها تحسباً لأي هجوم سعودي آخر، وخول المسؤولين المقيم السياسي البريطاني في بوشهر الكابتن كامبول صلاحية الاتصال بالأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود وابلاغه بأن بريطانيا لن تسمح له بالتدخل في شؤون البحرين وأنها لن تمتنع عن استخدام القوة إذا لزم الأمر لمنع السعوديين من السيطرة على البحرين، كما تم الاتفاق على أن يقوم المقيم البريطاني بإبلاغ محمد بن عبد الله آل خليفة بأن مطالبه في البحرين لا مبرر لها وأن عليه الرحيل عن الدمام، كما قام بإبلاغ الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود بذلك أيضا، وأبدى رغبته في أن يتعاون الجانبان حول هذا الموضوع وأن يعمل على إقامة علاقات ودية بينه وبين شيخ البحرين محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة غير أن الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود لم يستجب لرغبات كامبول.

وإزاء اصرار الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود على موقفه وبعد علم الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة بذلك قرر أن يقوم بحملة ضد السعوديين، فأعد تلك الحملة وقام بمحاصرة الدمام ما يقرب من أحد عشر شهراً، في محاولة لوقف تجارتهم مع الخليج العربي ثم انسحب بعد أن استولى على بعض الغنائم.

تحسنت العلاقات بين البريطانيين والسعوديين على إثر قدوم الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة إلى بوشهر في مارس 1856 حاملاً معه رسالة من الأمير فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود يطلب فيها من المقيم السياسي البريطاني كامبول للتوسط في حل الخلافات مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين فاستجاب كامبول لذلك الأمر وتوجه إلى الدمام ومنها إلى البحرين مصطحباً معه الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة وأجريت المباحثات بين الأطراف المتنازعة في 22 مايو 1856 انتهت بالاتفاق عن الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة بالمطالبة بحكم البحرين وقطع علاقاته مع السعوديين والامتناع عن استقبال واستضافة أي من خصوم شيخ البحرين مقابل السماح له بالإقامة في الدمام والحصول على مستحقاته هو وأسرته في البحرين، وإحالة أي منازعات قد تنشأ بين الجانبين إلى المقيم البريطاني للبت فيها وهكذا ساد الهدوء البحرين لسنوات قليلة قادمة.

الخاتمة

[عدل]

كانت هناك محاولات وأطماع إقليمية ودولية للسيطرة على البحرين وذلك لأهميتها الإستراتيجية وأهميتها الاقتصادية.

حاولت كل من عمان والسعودية السيطرة على البحرين ولاسيما بعد تثبيت نفوذهما داخل أراضيهم.

كانت أطماع عمان تتلخص بالسيطرة على البحرين والاستفادة من امكانياتها الاقتصادية ولاسيما بعد تولي شخصيات قوية لحكم عمان كالسيد سلطان بن سعيد البوسعيدي وابنه سعيد بن سلطان البوسعيدي.

لم يكن هدف السعوديين السيطرة على البحرين فحسب وإنما العمل على نشر الدعوة الوهابية فيه.

حاولت بريطانيا جعل البحرين أكثر استقلالية والعمل على الحد من التدخلات الإقليمية ولاسيما العمانية والسعودية للحفاظ على مصالحها في المنطقة.

مصادر

[عدل]
  1. ^ "The Omani-Saudi Rivalry over Bahrain 1799-1856".
  2. ^ "خط البحرين الزمني".
  3. ^ "تاريخ المملكة".
  4. ^ "أحمد بن سعيد البوسعيدي ( حكم حوالي: 1157 – 1189هـ / 1744 – 1783 م)إمام ومؤسس الدولة البوسعيدية".
  5. ^ "هوس السيطرة.. لهذه الأسباب تصارع آل سعود وآل نهيان على أرض عُمان".
  6. ^ "قلعة عراد قصة حصن عمره 1500 عام".
  7. ^ "الاحتلال العماني للبحرين في دراسات بحرينية معاصرة (كتاب)".
  8. ^ "نبذه مختصره عن جدنا الشريف غالب بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد".
  9. ^ "موقعة خكيكرة بين الكويت والبحرين من جانب وحاكم الدمام من جانب آخر".
  10. ^ "مواجهة في الرمال.. هكذا وأد المصريون دولة السعوديين الأولى".