الحضارة المغربية
هذه مقالة غير مراجعة.(نوفمبر 2024) |
إن الحديث عن الحضارة المغربية بما هي واحدة من أعرق الحضارات في شمال إفريقيا والعالم من حيث القدم التاريخي وغنى الجانب الثقافي والمعطى الفكري، لا يستقيم دون استحضار الآثار المتقدمة، أو النواة الأولى التي انبثقت عنها هذه الحضارة، ولئن كانت للمعطيات الأدبية والأخبار الواردة فيها فوائد كثيرة تسعف في رسم صورة لها فمن الجدير رصد البقايا المادية لإنسانها، إذ هي تعود لعصور ممتدة إلى آلاف السنين، وهنا الحديث عن منطقة جبل إيغود في إقليم اليوسفية حيث تم رصد أقدم بقايا إنسان عاقل والعثور على أدوات حجرية تشير إلى وجود حياة بشرية تعود الى حوالي ثلاثمائة ألف سنة.[1]
تدل هذه الاكتشافات على أن المغرب كان مركزاً للأنشطة البشرية منذ عصور قديمة، مما يبرز مكانته في التاريخ الإنساني، وعليه؛ لايستساغ تجاهل العصور السابقة كونها تتضمن المنابت الأولى للحضارة المغربية بحيث لا يمكننا أن نهتدي الى تفسير مظاهر هذه الحضارة دون أن نلم ولو جزئيا بتلك المنابت الأولى التي تسعفنا في فهم هذا الانسان الذي تحولت تركيبة دماغه تدريجيا عبر آلاف السنين لتستقر على ما هي عليه اليوم، كما كان بناؤه الذهني والنفسي يتشكل في تفاعل مستمر مع المحلي والطارئ معا لنحت معالم شخصية إنسان مغرب اليوم.[2]
الحضارة المغربية بين التأثير والتأثر .
[عدل]على مدار التاريخ، تأثر المغرب بحضارات مختلفة منها الفينيقية والرومانية والعربية. كل من هذه الثقافات تركت بصماتها على الحضارة المغربية، فالفينيقيون أسسوا مراكز تجارية على السواحل المغربية، بينما جاء الرومان ليُرَسِّخوا معمارهم وأسلوب حياتهم، وتأسيسهم مجموعة من المدن والمراكز مثل مدينة وليلي. ومع دخول الاسلام في القرن السابع الميلادي، بدأ المغرب يشهد تحولاً ثقافياً كبيراً، فقد اثرى هذا الاحتكاك اللغة والفنون والعادات، حيث أصبحت العربية والأمازيغية هما اللغتين الرئيسيتين وأسست مجموعة من المدن.[3]
ومن جهة أخرى فقد اضطلع المغرب بدور هام في تعمير اسبانيا بمجرد ما دخلها العرب. اذ امتزج العنصران وتمخضا عن مدنية كونت بطابعها الخاص فصلا من ألمع فصول امتزج التاريخ الفكرى في القرون الوسطى.[4]
ثم إن انتماء المغرب للقارة الأفريقية التي تعتبر الفضاء الطبيعي الذي يحدد هويته جغرافيا، مكنه من ربط علاقات منذ القدم مع دول إفريقيا جنوب الصحراء[5]،التي مثلت ولازالت مجالاً مفتوحًا للتأثير الحضاري والثقافي المغربي في أقاليم السودان الغربي. فغنى علاقات المغرب بهذا الفضاء تتخذ أبعادًا متعددة يتداخل فيها التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ظلت قائمة إلى يومنا هذا.
من هذه الخلفية، تطورت العديد من الفنون الأدبية والمعمارية والحياتية فقد أتاحت هذه السيرورة الحضارية التي ميزت أقصى الشمال الغربي لإفريقيا إمكانية تشكل "وحدة جيو-ثقافية لها خصوصياتها؛ لذا، فإن التسمية الأكثر وجاهة للتعبير عن هذا الكيان هي تسمية «الموري»،فمن مزايا هذا اللفظ - الذي بدأ يفرض نفسه في أدبيات علم الأثار المغربية المحض - أنه يميز من الناحية الجغرافية والثقافية والإثنية هذا المجال، الذي هو المغرب، عن باقي الأجزاء الأخرى المكونة للشمال الإفريقي، وهي مناطق لها سماتها ومساراتها التاريخية الخاصة بها.[2]
ولما كان العامل الجغرافي أساسي وحاسم في التأثير على تشكل الحضارات فإن فالبنية المغربية المتنوعة بين الخصب والجدب، والغابة، والصحراء، والسهل والجبل والهضاب والسواحل والتيارات البشرية المتدفقة على هذه البيئة منذ فجر التاريخ كونت مجتمعا متماسك البنية، متميز الشخصية قادرا على التكيف والهضم والاستيعاب .وسواء عاش هذا الإنسان المغربي داخل القرى موزعا بين الواحات أو السهول أو سفوح الجبال أو حتى على أعاليها، أو داخل المدن ، فإن أعرافه وعاداته ومعتقداته وأنماط العيش، ووسائل الاكتساب أكسبته تجارب ،ومعارف كانت نواة ثقافته، كما أن الحضارات الوافدة عليه هيأت له فرصا متعددة للاختيار والاقتباس، والمقارنة، والتقليد والتجديد وزادت فهيأت له فرصا أخرى لاكتساب المناعة أمام تحديات وابتلاءات متعددة[3]..
خصائص الحضارة المغربية
[عدل]تعددت المظاهر وتنوعت الأساليب الدلالية للغنى الثقافي الحضاري المغربي في مجالات شتى وفنون عدة، من آدب ومعمار وأسلوب حياة وإبداع عبر من خلالها الإنسان المغربي عن ذاته وحضارته ومن الشواهد على ذلك ما يراه العابر لهذه البقعة الجغرافية من تميز معماري وعمراني قل نظيره ، فتاريخ المغرب المعماري والعمراني هو قصة غنية تمتد عبر العصور، حيث يعكس تأثيرات متعددة من مختلف الحضارات التي استوطنت البلاد، بدءًا من العصور القديمة، مرورًا بالفترة الإسلامية، وصولًا إلى الاستعمار الأوروبي حيث تشتهر العمارة الأمازيغية التقليدية بالمنازل الطينية التي تُعرف بـ"القصبات"، والتي تُبنى عادةً من المواد المحلية مثل الطين والقصب، ومع دخول العرب إلى المغرب في القرن السابع، بدأت تظهر تأثيرات العمارة الإسلامية، في بناء المساجد ومآذن ذات تصميمات هندسية معقدة. اختلفت وتطورت منذ تأسيس أول أمارة مغربية اسلامية زمن الادارسة الى يومنا هذا، كما تعكس العمارة المغربية التقاليد الأندلسية، خاصة بعد هجرة الموريسكيين من الأندلس إلى المغرب، حيث تميزت هذه العمارة بالزخارف الجبسية والأقواس المتعددة التي زينت القصور والحدائق.[3]
فتاريخ العمارة في المغرب لا يُعبر فقط عن تلاقح الثقافات، بل أيضًا عن تنوع الأساليب والأنساق المعمارية التي تختلف من مدينة إلى أخرى، كلٌ منها تعكس البيئة المحيطة والاحتياجات الاجتماعية والثقافية. فكل مدينة، من فاس إلى مراكش، من الرباط إلى طنجة، تتميز بطابعها المعماري الفريد. فمدينة فاس العتيقة، على سبيل المثال، تُعرف بأزقتها الضيقة وممراتها المتعرجة، حيث تمزج بين العمارة الإسلامية التقليدية والتأثيرات الأندلسية، مما يعكس دور الرافد الأندلسي في تلك الفترة. بينما تتميز مراكش بألوانها وعمارتها الجريئة، مع التركيز على الفضاءات المفتوحة والأسطح المبلطة، مما يعكس الطابع الحيوي للمدينة.[3]
فقد أثرت فلسفة العمارة في المغرب بشكل عميق على الإنتاج المعماري، حيث تعكس هذه الفلسفة ذلك الهابيتوس[2]، أو مجموعة العادات والتقاليد التي تشكل ذهنية الإنسان المغربي، مما أسهم في صياغة رؤية معمارية تركز على الجمالية والوظيفية في آن واحد. فالأشخاص الذين يعيشون في بيئات قاسية مثل المناطق الجبلية أو الصحراوية، قد طوروا أنماطًا معمارية تعتمد على الاستخدام الأمثل للمواد المحلية، مثل الطين والحجارة، بينما تجسّد العمارة في المناطق الساحلية تأثيرات البحر كما تطغى العمارة العسكرية على بعض المدن التي أسست في فترات حرجة من تاريخ المغرب مثل تطوان على سبيل المثال.
أما في اللغة وآدابها فقد برع المغربي وأبدع في هذا الفن، ويكفي ان يُستشهد بعبارة الشيخ محمد بيرم التونسي، التي جاءت في كتابه (صفوة الاعتبار) حيث قال : "ولعمري ان صناعة الإنشاء في الدول باللغة العربية كادت الآن أن تكون مقصورة على دولة مراكش." ما يؤكد تفوق المغرب في فن الإنشاء (أي كتابة الرسائل الديوانية) في العالم العربي خلال تلك الفترة وما يسجل نبوغا مغربيا في الآدب العربي بصيغة عبد الله كنون.[6]
كما يُعتبر الخط المغربي، بخصائصه الفريدة، علامة بارزة في الحضارة المغربية حيث يظهر الفرق بينه وبين الخطوط المشرقية والأندلسية بشكل جلي، بشكل يتناغم مع الأرقام الحسابية المغربية في الهندسة الشكلية. وقد تنوعت أشكال الخط المغربي، مثل المجوهر والمبسوط والمسند والكوفي، واستخدم بشكل واسع في الزخرفة الكتابية، رغم أنه شهد تراجعًا في الاستخدام.[6]
وتظل الموسيقى أيضًا، وخاصة الموسيقى الأندلسية، دليلاً على سمو الذوق وازدهار الحضارة، حيث ساهم الموسيقار محمد بن الحسن الحايك في الحفاظ على هذا التراث من خلال تأليفه المعروف. على الرغم من أن الموسيقى الأندلسية تُنسب إلى الأندلس، فإن التطور الذي شهدته أضفى عليها طابعًا مغربيًا، إذ أظهرت بعض صنائعها، مثل طبع الاستهلال ونغمة المزموم، أنها من ابتكار فنانين مغاربة. كما تضمنت الموسيقى تحسينات في الأداء والآلات.[6]
كما لا يمكن إغفال أهمية المطبخ المغربي، الذي يتميز بتنوع أطباقه وطرائقه ففي عصر الموحدين، تم تأليف كتب تناولت المطبخ المغربي، حيث ذُكرت مئات الأصناف من الأطعمة والحلويات والمشروبات. وقد نشر المستشرق الإسباني (ويسي ميراندا) أحد هذه الكتب مع ترجمة إسبانية، مما يدل على العلاقة الوثيقة بين المطبخ والثقافة.[3]
مراجع
[عدل]- ^ Hublin، Jean-Jacques؛ Ben-Ncer، Abdelouahed؛ Bailey، Shara E.؛ Freidline، Sarah E.؛ Neubauer، Simon؛ Skinner، Matthew M.؛ Bergmann، Inga؛ Le Cabec، Adeline؛ Benazzi، Stefano (8 يونيو 2017). "New fossils from Jebel Irhoud, Morocco and the pan-African origin of Homo sapiens". Nature. ج. 546 ع. 7657: 289–292. DOI:10.1038/nature22336. ISSN:0028-0836.
- ^ ا ب ج الطيب بياض (2024). الشخصية المغربية تأصيل وتأويل (ب25) (الاولى ed.). تطوان: منشورات باب الحكمة. ISBN:978-9920-501-76-7.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link) صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link) - ^ ا ب ج د ه عبد القادر زمانة (1996). "الثقافة المغربية من منظور تاريخي". مجلة المناهل ع. 35.
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ الوصول=
(مساعدة) والوسيط|تاريخ الوصول
بحاجة لـ|مسار=
(مساعدة) - ^ بدون إسم الكاتب (1950.). ، المغرب الأقصى "مراكش" قبل الحماية بعد الحماية إفلاس الحماية (ط. 1). مصر: حزب الاستقلال، مكتب المستندات ولأنباء.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في:|تاريخ=
(مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link) - ^ بوكطب، طارق (1 مارس 2024). "التصوف المغربي في غرب إفريقيا: الامتداد والتأثير". دورية کان التاريخية: المستقبل الرقمي للدراسات التاريخية. ج. 17 ع. 63: 84–95. DOI:10.21608/kan.2024.262099.1099. ISSN:2090-0449.
- ^ ا ب ج عبد الله كنون، كنون (1938). النبوغ المغربي في الأدب العربي (ط. 1). فاس.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link) صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link)