انتقل إلى المحتوى

تاريخ الإسكندرية

مفحوصة
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
قبة جامع أبي العباس المرسي

تعد كل من الإسكندرية وأبو قير من المدن السّاحلية التراثيّة، حيث روى عنهما الزوّار والمؤرخون الإغريق والرومان والعرب الكثير من القصص والمعلومات[1] وتصنف المدينتان بأنهما من المدن المُتحفية التي كانت تضمُّ آثار الغابرين الذين عمّروا بها، غير أن هذه الآثار لم تصمد في وجه الزمن، فأبو قير القديمة طُمرت وغاصت تحت مياه خليج أبو قير، والإسكندرية بقصورها الملكية ومعابدها مالت لتغوص تحت مياه الميناء الشرقي ما بين قلعة قايتباي ولسان السلسلة في آواخر القرن الثامن، والغريب أنّها مالت في اتجاه واحد وكأن المدينتين كانتا مائلتين فوق جرف أرضي إنهار بهما فجأة، فاختفت المدينتان منذ ألف عام، ويعتقد بأن سبب غرقهما هو الزلازل أو الفيضانات في العصر الإسلامي، إذ وجدت فرق التنقيب تحت المياه عملات وآثار إسلامية وكذلك أعمدة وبقايا معابد فرعونية وإغريقية ورومانية، وفي أبو قير تم العثور علي مخلفات أسطول نابليون الذي أغرقه الأسطول الإنجليزي وهو قابع في الخليج عام 1798. فعندما نتطلع إلي الميناء الشرقي أمام تمثال الجندي المجهول حالياً بالمنشية نجد أن تحت المياه ترقد أطلال مدينة الإسكندرية التاريخية. لتمثل بانوراما حضارة قامت وغبرت وجعلت من هذه المدينة المتحفية التاريخية حضارية وأثرية ولغزاً مدفون في أعماق البحر.

تأسيس الإسكندرية

[عدل]
مكتبة الإسكندرية القديمة

أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية 21 يناير 331 ق.م كمدينة يونانية. وكانت قد أصبحت في عام 250 ق.م أكبر مدينة في حوض البحر الأبيض المتوسط. وتقع مدينة الإسكندرية على البحر فوق شريط ساحلي شمال غربي دلتا النيل ووضع تخطيطها المهندس الإغريقي (دينوقراطيس) بتكليف من الإسكندر لتقع بجوار قرية قديمة للصيادين كان يطلق عليها راكوتا (راقودة ). والمدينة قد حملت اسمه. وسرعان ما اكتسبت شهرتها بعدما أصبحت سريعاً مركزاً ثقافيا وسياسياً واقتصادياً ولاسيما عندما كانت عاصمة لحكم البطالمة في مصر وكان بناء المدينة أيام الإسكندر الأكبر امتداداً عمرانياً لمدن فرعونية كانت قائمة وقتها ولها شهرتها الدينية والحضارية والتجارية. وكانت بداية بنائها كضاحية لمدن هيركليون وكانوبوس ومنتوس. وإسكندرية الإسكندر كانت تتسم في مطلعها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق ثم تحولت أيام البطالمة الإغريق إلى مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة وكانت تطل على البحر وجنوب شرقي الميناء الشرقي الذي كان يطلق عليه الميناء الكبير مقارنة بينه وبين مبناء هيراكليون عند أبوقير على فم أحد روافد النيل التي اندثرت وحالياً انحسر مصب النيل ليصبح علي بعد 20 كيلومتراً من أبوقير عند رشيد.

والمدينة الجديدة قد اكتسبت هذه الشهرة من جامعتها ومجمعها العلمي «الموسيون» ومكتبتها التي تعد أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ ومنارتها التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم.

ولقد عثر الباحثون عن آثار الإسكندرية القديمة وأبو قير تحت الماء على أطلال غارقة عمرها 2500 سنة لمدن فرعونية–إغريقية. ولا تعرف حتي الآن سوى من خلال ورودها فيما رواه المؤرخون الرحالة أو ما جاء بالأساطير والملاحم اليونانية القديمة. وكانت مدينتا هيراكليون ومنتيس القديمتين قرب مدينة الإسكندرية القديمة وحاليا على عمق 8 متر بخليج أبو قير. وكانت هيراكليون ميناء تجارياً يطل علي فم فرع النيل الذي كان يطلق عليه فرع كانوبس. ومدينة منتيس كانت مدينة دينية مقدسة حيث كان يقام بها عبادة إيزيس وسيرابيس. والمدينتان غرقتا في مياه البحر الأبيض المتوسط علي عمق نتيجة الزلازل أو فيضان النيل. وكان لهذا ميناء هيراكليون الفرعوني شهرته لمعابده وازدهاره تجارياً لأنه كان أهم الموانئ التجارية الفرعونية علي البحر الأبيض المتوسط فلقد اكتشفت البعثات الاستكشافية مواقع الثلاث مدن التراثية التي كانت قائمة منذ القدم وهي هيراكليون وكانوبس ومينوتيس. فعثرت علي بيوت ومعابد وتماثيل وأعمدة. فلأول مرة تجد البعثة الاستكشافية الفرنسية شواهد علي هذه المدن التي كانت مشهورة بمعابدها التي ترجع للآلهة إيزيس وأوزوريس وسيرابيس مما جعلها منطقة حج ومزارات مقدسة.

وظل ميناء هيراكليون مزدهراً تجارياً حتى بنى الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية عام 331 ق.م. وكان علي العالم الفرنسي فرانك جوديو. رئيس فريق البحث الدولي عن الآثار البحرية التفتيش علي عمق 20- 30 قدما في هذه المنطقة لمدة عامين في الساحل الشمالي وكان يعاونه فريق البحث والتنقيب في خليج أبو قير مستعيناً بما دونه الأولون عن هاتين المدينتين واستعان بأجهزة كشف وتصوير حديثة من بينها جهاز قياس قوة المغناطيسية وجهاز يعمل بالرنين النووي لتصوير خريطة مغناطيسية للقاع وجهاز التوقيع المساحي المتصل بالأقمار الصناعية لتحديد مواقع الآثار وموقع كل قطعة. حيث اكتشفت أعمدة من الغرانيت تحت الرمال بالقاع. ولوحظ شرخ كالهلال طوله 115 قدم وعرضه 50 قدما وكان مملوء بالرمال. ويقول جوديو معلقاً على مدينة هيراكليون: إن هذا أهم اكتشاف في تاريخ العثور على آثار بحرية. وكان الفريق قد استعان بأحدث الأجهزة ومن بينها الموجات المغناطيسية لرسم خريطة تحت المياه للموقع ما بين عامي 1999 و2000.وتم في مؤتمر صحفي في يونيو الماضي عرض بعض ما تم العثور عليه وتصويره أمام الصحافة وتلفزيونات العالم. فلقد عثر الفريق علي رأس فرعون وتمثال نصفي مجعد الشعر وله ذقن للإله سرابيس وتمثال طولي بلا رأس من الغرانيت للإلهة ايزيس وهما من الآلهة الفرعونية القديمة.

ويقول المؤرخون [وفقًا لِمَن؟] إن مدينتي مينتوس المدينة الدينية وهيراكليون التجارية الغارقتين قد شيدتا إبان القرنين السادس والسابع قبل الميلاد وقبل مجي الإسكندر لأكثر من قرنين. وستظلان قابعتين تحت الماء ولن ينتشل منهما سوى الآثار التي يمكن رفعها ووضعها في المتاحف. ولقد تحدثت كتابات الأقدمين عن هاتين المدينتين التراثيتين وعن أهمية المنطقة التي كانت تضم موقعهما قبل أن تغمرهما مياه البحر بسبب ما يقال إنه زلزال. فلقد ذكرهما المؤرخ الشهير هيرودوت عام 450 ق.م. فوصف معبد إيزيس الشهير بمنتيس. وقد جاء ذكر هذا الموقع في التراجيديات والأساطير الإغريقية ولاسيما في قصة مينلاوس ملك أسبرطة الذي توقف في مدينة هيراكليون أثناء عودته من طروادة ومعه الملكة هيلينا.

وكانت مدينة هيراكلون قد فقدت أهميتها الاقتصادية بعدما شيد الإسكندر مدينته الإسكندرية لتكون عاصمة لمصر لقربها من أثينا اليونانية. وقد قسى عليها الزمن فداهمتها الزلازل في القرنين السابع والثامن بعد نحو ألف عام من إنشائها. فمالت أعمدتها وجدران معابدها تجاه البحر حتى غمرتها المياه لتصبح آثارها غارقة على بعد 4 ميل من شاطئ خليج أبو قير وهذا ما يتضح من خريطة المسح المغناطيسي للموقع الذي قام به باحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية. وغاصت مع المدينة المنكوبة مدينتا كانبوس ومينتوس. وكان الغواصون قد اكتشفوا في الموقع تحت الماء عملات ذهبية وجواهر إسلامية وبيزنطية.

وفي دراسة أخرى يقال إن المدينتين القديمتين هيراكليون ومينتوس قد غرقتا بسبب الفيضان عندما فاضت مياهه عند مصب فم النيل حيث كانت المدينتان وحللت المياه التربة وحولتها لعجينة سائلة تحتهما. فانزلقت المدينتان لمياه الخليج بسبب شدة مياه الفيضان التي كانت تنحر التربة تحت أساساتهما فجرفتهما. وهذا ما بينته تحليلات الرسوبيات في خليج أبو قير. وهذه النظرية قد بينها العالم الجغرافي الأثري جيان ستانللي من مؤسسة سميثسونيان مستبعداً مقولة اختفاء المدينتين بسبب الزلازل أو غمر مياه الخليج. فعكس ما يقال فقد توصل إلى أن النيل قد فاض وارتفع متراً عن المعتاد ما بين عامي 741 و 742 م. وأيا كان فالمدينتان قد غرقتا بعد عام 730 م. لأن العملة الإسلامية التي وجدت بين الأطلال الغارقة عليها نقشت هذه السنة. والغريب لا توجد كتابات تغطي هذه الكارثة ولم تتحدث عنها حتى بين المؤرخين العرب. حقيقة سجلات الفيضان للنيل تبين فيضاناً هائلاً قد وقع بهاتين السنتين. كما أن سجلات الزلازل لا تبين وقوعها في هذه الفترة.

قصة مدينتين

[عدل]

كان فريق البحث الفرنسي برئاسة العالمين جوديو وإمبريير قد فتش الموقع الأول وقام بمسح القاع ما بين عامي 1999 و 2000. فعثر علي موقع شرق مدينة كانوبس القديمة علي بعد 1,6 كيلومتر من الساحل. ووجد فيه آثارا طمرتها كميات من الطمي بسمك يرتفع خمسة أمتار فوق كانوبس الشرقية ومدينة هيراكليون علي بعد 5,4 كيلومتر وتحت طمي غمرها سمكه سبعة أمتار. وحاليا مصب النيل علي بعد 20 كيلومترا شرق أبو قير عند رشيد بعدما كانت المدينتان تطلان عليه إبان قيامهما وكانت مدينة مينوتيس كماتبين أطلالها المغمورة تحت الماء أهم مدينة مقدسة في مصر القديمة وموئلا لوفود الحجاج إليها لوجود معبد إيزيس بها. وكانت المدينة الملاصقة هي مديتة كانوبس مخصصة لإقامة الاحتفالات الدينية التي كانت شائعة في العالم القديم. وكانت هيراكليون ميناء تأتيه المراكب بالبضائع وبه الجمارك قبل دخولها لمياه فرع النيل. وتعتبر المدن هيراكليون ومنتيس من المدن التي أقامها الإغريق التجار الذين كانوا يعيشون في مصر قبل مجيء الإسكندر. لهذا كان بها آثار إغريقية كمعبد هرقل ومعابد الآلهة الفرعونية إيزيس وأوزوريس وسيرابيس. وكانت أيضا مدنا للفنون والمال. فلقد رفع من الماء تمثال إيزيس ارتفاعه 1,5 متر من الجرانيت الأسود ورأس فرعوني لتمثال أبو الهول. وتمثال ضخم للإله حابي إله فيضان النيل وإله الخصب والنماء وهو أكبر تمثال عثر عليه لإله في مصر حتي الآن. وطوله 11 قدما ووزنه 6 طن من الجرانيت. وتم انتشاله عام 2001. كما عثر علي أواني طبخ وصحون للأكل وعملات ذهبية ومصابيح زيتية ومرايا. وفي دراسة حديثة نشرتها مجلة (نيتشر) بينت أن مدينتا هيراكلبون وكانوبس قد إنزلقتا وغارتا في المياه بسبب طمي فيضان النيل وتخلخل الأساسات لمنشئاتهما ولاسيما عامي 741 و742 م. حيث كان الفيضان شديدا. مما جعل الطمي يترسب بالبحر في هذه المنطقة. ولتراكمه سبب عبئا فوق أرضية القاع فتصدعت. وهاتان المدينتان كانتا قد عاصرتا الإغريق والرومان والبيزنطيين والعرب. وقد اختفيتا في القرن الثامن لأنهما كان قد شيدا فوق أرضية الأحراش الرخوة. فدراسة قصة مأساة هاتين المدينتين المنكوبتين تحت مياه البحر سوف تعطي دلالات حول المدن الساحلية وتعرضها لمخاطر الزلازل والانزلاق تحت الأمواج. وكان الفريق الفرنسي من الباحثين عن الأثار الغارقة تحت المياه برئاسة العالم الفرنسي والأثري البحري فرانك جوديو من المؤسسة الأوربية لآثار تحت المياه بباريس قد أعلن اكتشاف مينائي مدينتي هيراكليون ومونتيس الغارقتين وآثار يرجع عمرها 2500 سنة تحت مياه ساحل الإسكندرية.

الإسكندرية أيضاً

[عدل]

و هذه الكارثة التي أحدقت بأبو قير كانت قد طالت أيضاً 20% من الإسكندرية التي بناها الإسكندر الأكبر. حيث اختفت أجزاء منها تحت المياه بسبب الزلازل ما بين القرنين الثالث والثامن. فلقد قام لمدة تسع سنوات فريق البحث الفرنسي يشاركه فريق مصري بالغوص تحت الماء لاكتشاف قلب مدينة الإسكندرية الغارق. وخلال خمس سنوات من بداية البحث عن الآثار الغارقة عام 1994 في منطقة فاروس. اكتشف تمثالا عملاقا لفرعون و26 تمثالا لأبو الهول ومئات الأعمدة وآلاف من قطع أحجار البناء. وقد يكون موقع الميناء كان يوما ما مزارا سياحيا تحت الماء. وكان الفريق قد اكتشف عام 2001 موقع أحياء المدينة الغارقة وحددوا ثلاثة شوارع منها و30 بناية من بينها ثلاث بنيات رئيسية. كما اكتشف موقع راكوتا (راقودة) القرية الصغيرة التي بني بجوارها الإسكندر الأكبر مدينته حيث تم العثور علي أحجار والسور الخشبي لميناء قديم كان موجودا قبل بناء الإسكندرية. وكان من خشب الصنوبر.وكان قد شيد الميناء الخشبي في القرن الخامس قبل الميلاد. كما أظهرت الحفريات المائية جزيرة (أنتيروديس) التي شيد عليها ملوك الإغريق قصور هم بدءا من الإسكندر ونهاية بكليوباترا السابعة ولاسيما قصرها الذي أغوت فيه يوليوس قيصر ومارك أنطونيو وكان ملحقا به رصيف بحري. وكانت أعمدته من الجرانيت الأحمر وقطر العمود متر. وكانت الجزيرة قلعة محصنة بعدما أصبحت الإسكندرية عاصمة مصر البطليموسية. وكانت كليوبترا قد شيدت أو جددت معبد إيزيس فوق الجزيرة. وعلي الشاطيء المقابل للجزيرة كانت قد شبدت تمثالا ارتفاعه خمسة أمتار لإبنها قيصرون من يوليوس قيصر. واكتشفت البعثة رأس التمثال الذي أرسل للمتحف البريطاني حاليا. كما شيدت معبدا لإبن إله البحر بوسيدون ليواجه الجزيرة من جهة الشرق. واكتشف الماسح الصخور التي موجودة تحت المياه عند مدخل الميناء الشرقي والتي تمثل خطرا للسفن التي كانت تدخل أو تخرج من الميناء. ومن بينها صخرة الماس المجاورة للفنار بأقصي غربه. وأمكن عن طريق التعرف علي هذه الصخور تحديد عرض مدخل الميناء وكان عرضه 300 مترا.كما أمكن اكتشاف رأس لوخياس (Lochias) (السلسلة حاليا)بأقصي شرقي الميناء وكان يمتد 45 مترا باتجاه شمال غرب. وقد غمرت المياه معظم الرأس حيث أقيم حاجز للأمواج مؤخرا بمنطقته فوق الأثار التي كانت قائمة فوقه. وفي أقصي شمال غرب الميناء الكبير يوجد قلعة قايتباي التي أقيمت في القرن 15 أيام المماليك فوق جزيرة فاروس التي أصبحت متصلة باليابسة شمال غرب المنشية وبالأنفوشي عند منطقة بحري بالإسكندرية. وحول القلعة تم العثور بالمياه علي أعمدة وتماثيل وبقايا منارة الإسكندرية التي كانت فائمة فوق صخرة تحيط بها المياه عند أقصي طرف بشرق جزيرة فاروس وكانت تعتبر أحد عجائب الدنيا السبع بالعالم القديم. وقد بنيت ما بين عامي 285 و280 ق.م أيام بطليموس الثاني. كان يري ضوءها من عرض البحر وقد دمرها زلزال ما بين عامي 1303 و 1349 م. وكانت عبارة عن طابق أرضي مربع يعلوه طابق مثمن الشكل والطابق الثالث كان مستديرا. ولها سلم حلزوني وكان يرفع لها الوقود برافعة. وكانت مجمرة النيران في القمة ومعها مرآة عاكسة شفافة من الزجاج العاكس للضوء. وكان مصورون تحت الماء قد صوروا المنطقة التي كانت حول الفنار فعثروا علي دستة من الأعمدة علي هيئة نبات البردي وبعضها عليه خرطوش الملك رمسيس الثاني الذي حكم مصر قبل إنشاء الإسكندرية بتسعة قرون. وشاهدوا قطعا من ثلاث مسلات لسيتي الأول أبو رمسيس الثاني. وفي جنوب شرق الميناء اكتشفت البعثة ثلاثموانيء غارقة وكانت تطل علي الساحل الداخلي للميناء الشرقي. وكانت محاطة بحجارة الأرصفة التي كانت تستخدم لرسو المراكب وكحاجز للأمواج. والإسكندرية من خلال السجلات التاريخية والأثرية قد ثبت أنها تقلصت ودمرت بواسطة زلزال قد ضربها في أواخر القرن الثامن كما يقول بعض العلماء. وهذا يتضح من خلال جغرافية المكان.وكثيرون يوعزون هذه الكارثة لفيضان النيل وتراكم رواسب الطمي مما شكل ثقلا علي القاع ففلقه. ورغم عدم وجود تصدع في قشرة أرض المنطقة لكن إزاحة زلزالية بها قد سجلت بسبب زلزال هائل شدته 8,5 ريختر دأهمها عام 365 ميلادية. وقد وقع في جزيرة كريت مما رفع لشدته أرضية قاع البحر 25 قدما. لكن لاتوجد تسجيلات تاريخية لهذا الزلزال. رغم أن بعض العلماء يحدسون بأن ثمة زلزالا قد نشب من النيل للبحر دمر المدينة وجعل الأرض تحتها تتخلخل وتلين حتي تحللت وغاصت في المياه. مما جعل العلماء يعودون للتفتيش عن صدع موجود بالفعل بين الأطلال الملقاة فوق القاع واكتشفوه.

تخطيط المدينة

[عدل]

كانت مدينة الإسكندر قد قام بتخطيطها المعماري (دينوقراطيس). ولم يكن تخطيط المدينة الجديدة مبدعا بل كان تخطيطا عمليا أشبه بالمدن الإغريقية القديمة. حيث كان تخطيطها على شكل شطرنج أو ما يقال بالطراز الهيبودامي عبارة عن شارعين رئيسيين ومتقاطعين بزاوية قائمة هما شارع كانوبك وشارع سوما وعرض كل منهما 14 متر. ومنهما تتفرع شوارع جانبية متوازية عرضها 7 متر. وكان كانوبك (شارع فؤاد حاليا) يربط بوابة القمر من الغرب وبوابة الشمس من الشرق. وكان الشارع يمتد شرقا ليربط مدينة كانوبس (أبوقير). وكان يتقاطع شارع سوما (النبي دانيال حاليا)مع شارع كانوبك ويمتد من الشمال للجنوب.وتقاطعهما كان مركز مدينة الإسكندر حيث يقال أن الإسكندر الأكبر قد دفن هناك بهذه المنطقة بعد عودة جثمانه من بابل. وكان يربط جزيرة فاروس شمال شرق الميناء الكبير بالبر جسر يطلق عليه هيبتاستاديون (هيبتا: سبعة.ستدات وحدة مقياس طولي). وكان جسرا ضيقا نسبيا ثم تحول ليابسة ضمت الجزيرة بالبر في منطقة المنشبة والأنفوشي. وكان يفصل بين المينائين الشرقي وكان يطلق عليه الميناء الكبير والغربي وكان يطلق عليه ميناء العود الحميد.

وكان عند ميناء طبيعي قرب قرية الصيادين براقودة بني الإسكندر ميناء محصنا أشبه بالقلعة شرق الميناء الشرقي حاليا عند منطقة السلسلة. وقد قام بتوصيل جزيرة فاروس المقام عليها قلعة قايتباي حاليا بالبر بجسر هيبتاستديون وكان طوله 1300 متر. وبهذا أقام مينائين لمدينته علاوة علي الفنار ليرشد السفن ليلا ونهارا من فوق جزيرة فاروس. وكان الحي الملكي قرب الإبراهيمية ومصطفي كامل وشمالهما. وكان بالمدينة معبد السرابيوم لعبادة الإله سيرابيس وهو بالمنطقة بين باب سدرة وكوم الشقافة وبجواره معبد الإله مترا الإغريقي وقد تهدم المعبد أيام الرومان. وفوق تل سدرة يوجد عمود السواري (بومبي) وتمثال فرعوني جرانيتي كبير وخلفه تماثيل الآلهات لحمايته. ويسار العمود يوجد جعران عليه كتابة هيروغليفية وفوق التل يوجد ثلاث تماثيل لأبو الهول اثنان إغريقيان يمثلان بطليموس السادس والثالث فرعوني بلا رأس ويوجد أجزاء من تماثيل رمسيس الثاني وبسماتيك وقد جلبت من هيليوبوليس. كما يوجد مقياس للنيل لقياس منسوب مياه ترعة المحمودية حاليا و12 خزان لحفظ مياه الفيضان وحمامات أثرية.

وفي تل كوم الدكة (الديماس أو البانيوم) كان المسرح المدرج الروماني وحوله حديقة وهو من المباني الدائرية أشبه بطراز الكولوزيوم بروما وكانت مدرجاته من الرخام وكان له سوران متداخلان علي هيئة حدوة الحصان من الحجر والطوب الأحمر. وكانت قوة الإسكندرية قد اكتسبتها عام 320 ق.م عندما انتقلت العاصمة من منف بالجيزة للإسكندرية أيام حكم البطالمة الإغريق. وكانت تحتكر صناعة ورق البردي في العالم وقتها وكانت تصدر الأدوية والعطور والمجوهرات. وظلت قوتها الاقتصادية حتي العصر البيزنطي. وقد انتعشت أيام حكم البطالمة الأوائل حتي أصبحت أشهر وأكبر مدينة في العالم. وكانت شهرتها تعود للإنجازات العلمية والفلسفية ومكتبتها الكبري (الموسينون) ومنارتها بجزيرة فاروس الهيبتاستاديون ديك ومعبد سيرابيس. وكان القصر الملكي موئلا خصبا لفضائح ملوك والأسرة الحاكمة. لكن كان العصر الذهبي للمدينة البطليموسية إبان حكم الثلاث ملوك الأول من البطالمة.

وفي عام 1995 قام فريق فرنسي يعاونه فريق مصري من الغواصين لمسح طوبوغرافية مساحة تقدر بفدانين ونصف تحت الماء تجاه قلعة قايتباي فعثروا علي آلاف القطع الأثرية الغارقة تحت أعمدة القلعة من بينها تيجان وقواعد وتماثيل ومخلفات فرعونية وإغريقية ورومانية وصف من الكتل الجرانيتية الحمراء جلبت من أسوان. وكانت لسور جداري مقام بشمال القلعة وتزن كل كتلة حجرمن 50 – 70 طن. ويقال أنها بقايا فنارة الإسكندرية القديمة وكانت قد تهدمت نتيجة زلزال في القرن 14 وهناك تم العثور علي تمثال للملك بطليموس الثاني. ويقال أن هذا التمثال كان مقاما أمام منارة الإسكندرية التي دمرت عام 1341.

كنوز المدينة

[عدل]

كان المصريون يعيشون حول قرية راقودة (كوم الدكة)الإغريقية داخل المدينة. وكان الإغريق مفتونين بالفن الفرعوني فلقد عثر علي ثلاثة تماثيل لبطليموس في وضع فرعوني و28 أبو الهول ومسلات كثيرة وبعض الأعمال الفنية الفرعونية وقد انتزعها البطالمة من مدينة هيليوبوليس (عين شمس) وكانت تزين بها المقر الرئيسي لعبادة الإله الفرعوني رع. وكان جيان إمبرير - مدير البحث بمركز البحوث الوطني الفرنسي قد شارك في العمل مع فريق البحث الفرنسي والمصري المشترك- قد أدلي لبرنامج (نوفا) بشبكة PBS الأمريكية بحديث عن الأعمال الاستكشافية الأثرية التي تجري بالميناء الشرقي بالإسكندرية.

فقال أن الفريق عثر علي لوحة رخامية متآكلة عليها حروف إغريقية خمسة هي (alpha, rho, tau, sigma and omega) وكل حرف ارتفاعه 30 سنتيميتر من البرونز ولم يبق منها سوي بقايا مع ثقوب في الرخام. وهذه الحروف الخمسة ليست كافية لمعرفة ماكتب علي اللوحة. لكن دارسا أمريكيا قد استطاع التعرف علي هذه اللوحة التاريخية وتبين أنها مخطوط يخص بناء منار الإسكندرية. والتماثيل التي كانت مقامة أمام قاعدتها كانت لملوك البطالمة في شكل فراعنة للتعبير علي أنهم ليسوا سادة الإسكندرية فقط ولكن لكل مصر. وكان كل زائر للإسكندرية من البحر لابد أن يمر أمام هذه التماثيل. وكان من بينها تماثيل للملكات في شكل الربة إيزيس المصرية. وبين في حديثه أن تماثيل أبو الهول التي عثر عليها. كل واحد منها كان يمثل ملكا من ملوك الفراعنة. وكل منها يختلف في الحجم ومادة الحجر الذي صنع منه.فبعضها من الجرانيت أو الكوارتز وكانت قد جلبت هذه التماثيل من هيليوبوليس مع المسلات لتزين الإسكندرية أو تتخذ للبناء. وهذه المسلات قد أخذ بعضها من الإسكندرية لروما ولندن وباريس وأمريكا. كما تحدث عن كيفية معالجة الأحجار والتماثيل المنتشلة من البحر والخشية عليها من تأثير الأملاح التي تتركز في الطبقة الخارجية والتي تسمي بجلد الأثر الحجري قال: عن طريق وضعها في يوم انتشالها بأحواض فيها ماء مملح بنسبة تعادل نسبة الصوديوم في ماء البحر. ثم تخفف نسبة الصوديوم بالتدريج بالماء العذب حتي تتخلص من الملح بداخلها. ويغير الماء حتي يصبح ماء الغسيل عذبا. وهذه العملية تستغرق ستة شهور. ثم تخزن في الهواء ولاخوف عليها بعد الغسيل من التآكل أو التملح.

بعد موت الإسكندر: البطالمة يحكمون

[عدل]
منطقة عمود السواري الأثرية، بنيت في عهد البطالمة
ديمتريوس الفاليري ملهم إنشاء مكتبة الإسكندرية

لم يحالف الحظ الإسكندر لرؤية ولو مبنى واحد من المدينة التي أمر ببنائها حيث عاد إليها بعد موته ليدفن جثمانه بها..و تولى الحكم بعده اخيه اريدايوس والذي كان قاصرا في العقل، بمشاركة ابن الاسكندر من روكساني والذي ولد بعد موت ابيه ومنح اسم الاسكندر الرابع ويعتبر قاصرا في العمر، لذا تم الاتفاق على تعيين برديكاس واصيا وقيما على كليهما، فقد تم تجزئة إمبراطوريته بين ثلاث من قواد جيشه وكانت مصر من نصيب أمهرهم وهو: «بطليموس»، والذي حكمت أسرته مصر طيلة الثلاث قرون التالية.. ورغم كونه غير مصري (مقدونى المولد) إلا أنه شهد ميلاد المدينة الجديدة والتي أرادها أن تصبح عاصمة ثقافية وفكرية للعالم أجمع وفي عهده (من 323 ق م إلى 304 ق م) اتسعت مملكته لتشمل ليبيا وفلسطين وقبرص بجانب مصر. ومنذ عهده أصبحت الإسكندرية هي عاصمة مصر.. وانتعشت المدينة في عهد بطليموس الثاني الذي كان شغوفاً بالعلم والمعرفة فأقام مكتبة الإسكندرية الشهيرة والعريقة والتي كان ملهم إنشائها ديمتريوس الفاليري وجمع بطليموس الثاني كل الكتب من اليونان وسورية وبابل وبلاد فارس والهند..اشتراها بماله الخاص ووضعها في المكتبة ويأتي الطلبة من جميع أنحاء العالم ليتعلموا أمور العلم والرياضيات والفلسفة و.. في الإسكندرية.. كذلك قرر أن تتم ترجمة التوراة إلى اليونانية. وبناء على طلبه، اختار الكاهن الأكبر لمعبد القدس 72 من كبار اليهود وأرسلهم إلى الإسكندرية، ليقوموا بشرح التوراة للمترجمين فأتموا ترجمة الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى وأصبحت هذه الترجمة للتوراة معروفة بـ«النص السبعيني». و لم تكن الإسكندرية في ذلك العصر معروفة فقط بأنها عاصمة العلم والمعرفة بل كانت أيضاً معروفة بأنها أكبر مكان لتجمع اليهود على مستوى العالم. حيث كان لانتعاش ونمو المدينة أثر في زيادة الهجرات اليهودية للمدينة..و كان جيش البطالمة يضم بعض الجنود المرتزقة الذين كان منهم اليهود والذين سكنوا مصر وبالتحديد في الإسكندرية. كذلك فقد اشترى بطليموس الثاني الكثير من العبيد اليهود ثم أطلق سراحهم وسمح لهم بالسكن في الإسكندرية. والحقيقة أن يهود الإسكندرية في ذلك العصر قد شاركوا في نمو المدينة فكرياً فظهر منهم الكثير من الفلاسفة والعلماء.

غير أن البطالمة كانوا حريصين على تقسيم المدينة إلى ثلاث أحياء أو أقسام:

  1. يوناني (حي بروشوم).
  2. مصري (حي راكتوس والمعروف الآن بكوم الدكة)
  3. يهودي (في المنطقة الشرقية من المدينة).

مما كان له من أثر سلبي في ظهور بعض الاضطرابات منذ عهد بطليموس الرابع (221-204 ق م) الذي خاض حروباً في فلسطين أدت في النهاية لضياع الشام من قبضة مصر مما كان له من أثر سلبي على يهود الإسكندرية الذين أظهروا كثير من التمرد والعنف طيلة الثلاثون عاماً التالية ومن وقت لآخر حتى سقوط البطالمة.و بصفة عامة كان للبطالمة الجانب المضيء والسلبي أمرهم كأمر أي شيء في العالم: فالنهضة العلمية والفكرية..المكتبة..منارة الإسكندرية..القصر الملكي..المعابد وعلى رأسها معبد سيرابيس..و وصل جزيرة فاروز بالشاطئ الرئيسي (ما يعرف بالمنشية حاليا) الذي لم يتح فقط سهولة الانتقال للجزيرة بل سمح كذلك بوجود ميناءين للمدينة (ميناء شرقي وغربي).. كذلك التزام البطالمة بالتقاليد والعقائد المصرية حيث مزجوا بين المعبودات المصرية القديمة واليونانية، فقد اعتمدوا بصفة عامة على ولاء الشعب المصري وحكموا كمصريين، وعلى الجانب الآخر، كانت معاناة المصري البسيط من سوء الأحوال الاقتصادية بسبب الضرائب المرتفعة..كذلك كان اليونان يمثلون الطبقة العليا في مصر رغم أن الجهاز الإداري ظل في أيدي المصريين.. فضلاً عن أن القصر الملكى عاني من فضائح عائلية من قتل وسرقة للعرش وغيرها.. غير أن العصر الذهبي للإسكندرية كان وبحق من نصيب أول ثلاث حكام بطالمة..

نهاية حكم البطالمة

[عدل]

وبسبب كثير من الصراعات على الحكم داخل الأسرة البطلمية في أواخر عهدها، بدأت روما (القوة الصاعدة الجديدة في ذلك الوقت) في السيطرة على مصر حتى أصبحت مصر في النهاية تحت الوصاية الرومانية منذ عام 80 ق م.. وفي عام 48 ق م، استعانت كليوباترا بالقائد الروماني يوليوس قيصر للتخلص من أخيها بسبب صراعهم على الحكم..فدخل بجيشه الإسكندرية للقضاء على أخيها وبعد عدة معارك انتصر قيصر وتم قتل أخيها..وبذلك استطاعت كليوباترا الانفراد بحكم مصر! وعلى أحد آراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث عشر (أخو كليوباترا)..قد دخلت كليوباترا في علاقة حب أولاً مع يوليوس قيصر (الذي قتل في عام 44 ق م) ثم في علاقة حب أخرى مع القائد الروماني مارك أنتونى، الذي بسببه أقحمت كليوباترا مصر في حرب مع منافسه أوكتافيوس (أغسطس) تلك الحرب التي انتهت بهزيمة الأسطول المصري ومقتل مارك انتونى ثم انتحار كليوباترا ثم أخيراً سقطت مصر كمقاطعة رومانية في عام 30 ق م.

نهاية مأساوية

[عدل]

هذا عرض لأشهر الموانيء التاريخية بمنطقة الإسكندرية وقد تناولنا مدنها هبراكليون ومنتيس وكانوبس والإسكندرية أو مايمكن أن يقال بالشاطيء القديم للساحل الشمالي لغربي الدلتا. فمن خلال القراءات والعثور علي الآثار الغارقة صور الأثريون هذه المدينة وما اندثر من شواطئها بفعل الزمن. فلقد تقلصت هذه المدينة التراثية مع أبو قير بسبب 23 زلزال ضربوا السواحل الشمالية ما بين عامي 320 – 1303 م. مما جعل أرضية خليج أبو قير والميناء الشرقي تغور وتبتلعها المياه. فهل ما زال الخطر ماثلا يتهدد الإسكندرية وأبو قير وبقية الساحل الشمالي ولاسيما وأن البنايات قد امتدت وتشكل ثقلا قد ينوء بحمله وتحمله الشاطيء المطل علي البحر ؟. الله أعلم.

مصر ولاية رومانية (30 ق م – 631 م)

[عدل]
خريطة رسمت سنة 1901م تبين شوارع الإسكندرية الرومانية
منطقة المسرح الروماني الأثرية
رسم تصوري من سنة 1878م لشكل الإسكندرية في الحقبة الرومانية

رغم أن البطالمة لم يكونوا من المصريين إلا انهم حكموا كمصريين- فراعنة- وشهدت الإسكندرية في عهدهم ميلادها الحقيقي وازدهارها الأول وكانت عاصمة لمصر لأكثر من ثلاثة قرون، إلا أن الرومان حولوا مصر من دولة مستقلة ذات سيادة إلى مجرد ولاية تابعة للإمبراطورية الوليدة –روما- فلم يقدموا الكثير ليحظوا باحترام أو تقدير المصريين! فقد حظى عهدهم بكثير من الأحداث والصراعات.. بدأ حكمهم بإلغاء مجلس المدينة في الإسكندرية العاصمة (ما يعرف بالبرلمان حالياً) مما أثار الاحتجاج والغضب، كذلك تم نزع جميع القوى عن الأسرة البطلمية مما أدى إلى ظهور طبقة من الأثرياء النبلاء بلا عمل! كما زادت الضرائب وكأنها نوع من «العقاب» الجماعي وكان القمح يزرع في مصر ويشحن من الإسكندرية إلى روما ليطعم أهلها! مما جعل لمصر أهمية خاصة..

و خوفاً من الطبيعة المتمردة الثائرة التي وصف بها أهل الإسكندرية في تلك الحقبة وكذلك ذكرى نهاية كليوباترا ومارك أنتونى في المدينة وسقوط مصر وما صاحب تلك الفترة من توتر، فقد فكر الإمبراطور الروماني أغسطس في بناء مدينة جديدة شرق الإسكندرية مباشرة والتي عرفت فيما بعد بـ«نيكوبوليس» Nicopolis والتي أصبحت - بأتساع المدينة- جزء من الإسكندرية والمعروفة الآن بمنطقة «الرمل»! ثم تم فيما بعد بناء مكتبة كبيرة بها «سيزايروم»Caesarium، حاول الرومان بها جذب العلماء والمفكرين.. وقد ظلت الإسكندرية أكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة.. كذلك تم تجديد وإعادة حفر القناة القديمة التي كانت تربط نهر النيل والبحر الأحمر لخدمة التجارة.. وكذلك فقد أعطى الرومان لليهود في الإسكندرية-و الذين كانوا يمثلون جزءا أساسيا من التركيبة السكانية للمدينة- حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة..غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم «الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم آخر»! فمن تمرد اليهود في عام 116 م..و التوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة.فضلاً عن احتجاج السكندريون بصفة عامة على الحكم الروماني، والذي أدى في عام 215 م وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني كاراكلا إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة هجاء قيلت في الرجل!

غير أن من أهم أسباب الاضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد الديانة الجديدة المسيحية، والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر، وحيث أن الديانة الجديدة بدأت تجذب الكثير من المصريين نظراً لما تدعو إليه من خير للبشرية جمعاء، فقد بدأ عصر جديد من الاضطهاد فقتل القديس مرقص في الإسكندرية عام 62 م وهو الذي أدخل الديانة الجديدة إلى مصر وكلما زاد عدد المؤمنين زاد الاضطهاد..حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين! و من الصعب أن نقدر على وجه التحقيق أعداد أولئك الذين استشهدوا من جراء موقفهم المناوئ للرومان في سبيل دينهم ولا شك أن أعدادهم كانت بالآلاف (يقول بعض المؤرخين أن عدد الشهداء وصل إلى 144000 شهيد خلال تسعة أعوام) حتى أن الكنيسة القبطية أطلقت على هذا العصر «عصر الشهداء» واتخذتها بداية للتقويم القبطي المعروف بتقويم الشهداء تخليداً لذكراهم وجهادهم في سبيل إيمانهم ويبدأ التقويم في سنة 284 م.. و بسبب هذا الاضطهاد الديني المريع والظلم البين لجأ البعض إلى الفرار بدينهم إلى الصحراء بقصد التعبد والتنسك ومن هنا قام نظام الرهبنة الذي هو في الأصل مصري صميم تعلمه العالم من مصر.

الإسكندرية تشهد صراعات جديدة

[عدل]

و رغم أن الدنيا قد تغيرت وبدلت الدنيا ثوبها القديم وتحولت ديانة الإمبراطورية الرومانية من الوثنية إلى الديانة المسيحية على يد الإمبراطور قنسطنطين الكبير (306-337 م) حينما أصدر مرسوم ميلان سنة 313 الذي أعترف فيه بالمسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية والذي أضاف للإسكندرية أهمية جديدة وفريدة حيث أصبحت الإسكندرية مركز لعلم اللاهوت المسيحي وأصبحت كنيستها تمتلك قوة دينية وروحانية عالية.. إلا أنه رغم ذلك لم تتحسن الأحوال في الإسكندرية حيث ظهرت بدعة آريوس المتفلسفة وقد انتقلت هذه المشكلة من الإسكندرية إلى غيرها من أقاليم الإمبراطورية، فأراد الإمبراطور قنسطنطين الكبير وضع حد لهذا الموضوع في مرحلته المبكرة فدعا إلى عقد مجمع ديني في مدينة نيقية سنة 325 م لإرساء قواعد الإيمان والتي انتهت بتبني آراء اثناسيوس غير أن النزاع لم ينته فبعد موت الإمبراطور خلفه ابنه الذي كان يتبنى الرأي المخالف (رأى آريوس) فأمر بالقبض على الأول في الإسكندرية ثم تبع ذلك بإجراءات عنيفة لإرغام الناس على اتباع فكر آريوس بتعذيبهم أو قتلهم أو نفيهم!

ورغم ذلك فقد اكتسبت المسيحية قوة كبيرة رغم كل تلك النزاعات وذلك في مواجهة ديانة باقي المصريين من الوثنيين وخاصة في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير (378-395 م) الذي أصدر مرسوماً ببطلان العبادات الوثنية ومنع تقديم القرابين وإحراق البخور وممارسة الكهانة ومعرفة الغيب و...الخ. ولكن الأساقفة في مصر ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقد عقد بطريرك الإسكندرية ثيوفيلوس (385-412 م) عزمه على تنفيذ المرسوم الإمبراطوري بدقة وحزم وقد عاونه اتباعه وقوات الإمبراطور..فتم تدمير -في الإسكندرية- معبد ديونيسوس وشن هجوماً على معبد الاكربول الشهير فر على إثره الوثنيون بزعامة الفيلسوف أوليمبيوس كذلك تم تحويل بعض المعابد الوثنية إلى كنائس مثل معبد سرابيوم المقام للإله سيرابيس وذلك في عام 391 م حيث شيدت على أطلاله كنيستان..ذلك المعبد الذي قيل أن مكتبة الإسكندرية الشهيرة كانت ملحقة به، مما جعل بعض المؤرخين يقولون إن حرق المكتبة تم على يد بطريرك الإسكندرية في ذلك الوقت (قال بهذا المؤرخ الشهير إدوارد جيبون في كتابه الشهير Rise & Fall of the Roman Empire) ولكننا لا نستطيع إثبات ما إذا كانت مكتبة الإسكندرية أصلاً قد ظلت قائمة عندما تم تدمير المعبد أم لا لأنه على قول مؤرخين آخرين فان المكتبة قد تم تدميرها على يد المسلمين. فضلاً عن أن عمرها المفترض أن يكون قد تجاوز الستمائة سنة فهل كانت ما زالت قائمة عند تدمير المعبد؟ وتبقى الحقيقة مجهولة. و أيا كان فعلى الرغم من المرسوم الخاص ببطلان العبادات الوثنية وما صاحبة من أعمال هدم لرموز الوثنية إلا أن الوثنية لم تلفظ أنفاسها وإن كان أنصارها قد استمروا في ممارسة عباداتهم في سرية تامة. وفي مارس سنة 415 م تم القبض على هيباتيا التي لم تكن معروفة في الإسكندرية فحسب بل كانت لها شهرة واسعة في الشرق كله حيث درست الرياضيات والفلسفة وقد اتهمها الرهبان الثائرون بالسحر والوثنية وتم قتلها وبنهاية القرن الخامس الميلادي تم القضاء على الوثنية تماماً حيث كانت جزيرة فيلة في أقاصي الجنوب هي آخر معقل لهم حيث أرسل الإمبراطور قوة من الجيش وتم تحطيم معبدهم الخاص بإيزيس..

دخول الفرس

[عدل]

كانت الإمبراطورية الرومانية قد انقسمت إلى إمبراطوريتين شرقية (و عاصمتها بيزنطة) وغربية (و عاصمتها روما)..و كانت الإمبراطورية البيزنطية قد وصلت إلى حالة بالغة من الضعف في القرن السابع الميلادي فشجع ذلك الإمبراطورية الفارسية في الشرق على الهجوم على ممالكها واحتلال الشام ومصر.. و دخل الفرس الإسكندرية ونهبوا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها وفي أماكن أخرى من مصر أحدث الفرس مذابح مشابهة..و كان الإسلام في الجزيرة العربية ما يزال وليداً عندما وقعت تلك الأحداث التي ذكرت في القرآن في أول سورة الروم حيث حزن المسلمون بهزيمة الروم لأنهم أهل كتاب مثل المسلمين في حين أن الفرس يدينون بالمجوسية ولكن الله بشرهم أن النصر سيحالف الروم من جديد في بضع سنين وعندها سيفرح المؤمنون وصدق الله وعده فلم يدم الحكم الفارسي إلا بضع سنين حيث استطاع الإمبراطور هرقل استرداد ممالكه ورجعت الإسكندرية من جديد تابعة للإمبراطورية البيزنطية الرومانية..و قد أراد هرقل تعيين بطريرك قوى في الإسكندرية يسند له الرئاسة السياسية بجانب سلطته الدينية ليكون قادر على قهر الأقباط فعين بطريرك رومانيا يدعى «قيرس» والمعروف عند مؤرخي العرب باسم «المقوقس»..

قيرس أو المقوقس

[عدل]

كان النزاع المذهبي على ما يعرف بالمونوثيليتية ما يزال على أشده في مصر وخاصة في الإسكندرية-عاصمة مصر في ذلك الوقت وقد أراد الإمبراطور هرقل تعيين بطريرك قوى يسند له الرئاسة السياسية بجانب سلطته الدينية ليكون قادر على قهر الأقباط وإرغامهم على اتباع المذهب المونوثيليتية فعين قيرس - وكان رومانياً- لهذا المنصب..و لم يكد هرقل يصل إلى الإسكندرية في خريف سنة 631 م حتى هرب البطريرك بنيامين ولكن قبل رحيله عقد مجمعاً بالإسكندرية شهده القسس والرعية وألقى فيه خطاباً يحضهم فيه «على أن يثبتوا على عقيدتهم حتى يوافيهم الموت» ثم كتب إلي أساقفته جميعاً يأمرهم بالهجرة إلى الجبال والصحارى أنبأهم أن البلاد سيحل بها الوبال وأنهم سيلقون الظلم لعشر سنوات ثم يرفع عنهم بعد ذلك ثم تسلل بنيامين في كنف الليل إلي صعيد مصر على جانب الصحراء (عند مدينة قوص) حيث مكث بدير صغير هناك..

و بعد أن فشل قيرس (المعروف عند مؤرخي العرب بالمقوقس) في تغيير مذهب المصريين، أخذ في اضطهادهم إلا أن كل ذلك لم ينل من إيمانهم.. حتى أن شقيق البطريرك السابق بنيامين تعرض لتعذيب بشع حيث سلطت النار على جسمه فأخذ يحترق وسال الدهن من جسمه ثم رموا به في البحر غير أنه مات ولم يتزعزع إيمانه! و يقول المؤرخ ميخائيل السربانى: «لم يصغ الإمبراطور إلى شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت ولهذا فقد انتقم الرب منه.. لقد نهب الرومان الأشرار كنائسنا وأديرتنا بقسوة بالغة واتهمونا دون شفقة ولهذا جاء إلينا من الجنوب أبناء إسماعيل0000 لينقذونا من أيدي الرومان وتركنا العرب نمارس عقيدتنا بحرية وعشنا في سلام» المصدر:Mango, Byzantium pp 96–97

الإسكندرية بعد ظهور الإسلام

[عدل]
البرج الغربي - سور الإسكندرية
صورة من سنة 1911م تُظهر الطراز المعماري العربي الذي يبقى إلى اليوم في مدينة رشيد، وهذه البيوت كانت جزء من قرية الإسكندرية الأصلية ذات الخمسة آلاف نسمة قبل أن يشرع محمد علي باشا في بناء المدينة الحديثة

في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك كان منهم الْمُقَوْقِسِ، وَاسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ مَلِكُ الإسكندرية.

وبعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خرج العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الإسلام في أنحاء العالم المعروف، وضربوا أروع الأمثلة في الفضائل والقدوة الحسنة.. وقد رحب المصريون بالمسلمين الذين خلصوهم من ظلم الرومان طيلة عقود طويلة من القهر والظلم، وبعد أن عجز البيزنطيون عن مقاومة الجيش الإسلامي تم عقد معاهدة في 641 م اشتهرت بـ«صلح الإسكندرية» تنتهي بعد حوالي سنة يتم خلالها جلاء الحامية البيزنطية عن الإسكندرية وألا يعود البيزنطيون للإسكندرية.. و دخل القائد عمرو بن العاص الإسكندرية في 642 وكتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يصف له المدينة التي كان بها وقت دخوله إليها «4000 قصر و4000 حمام عام و 12000 مزارع و 40000 يهودي و400 مسرح» و لكن بعد مدة قصيرة من السيطرة على المدينة قام البيزنطيين بهجوم مضاد ليستعيدوا المدينة من جديد إلا أن عمرو بن العاص استطاع هزيمتهم ودخل الإسكندرية مرة أخرى في صيف سنة 646 ورحب الأقباط في الإسكندرية بقيادة البطريرك بنيامين بالمسلمين ترحيباً بالغاً وبذلك فقدت الدولة البيزنطية أغنى ولاياتها إلى الأبد.

و قد تم تحويل العاصمة من الإسكندرية إلى الفسطاط حيث لم يرد الخليفة عمر بن الخطاب أن يفصله عن وإلى مصر بحر..هذا مما أفقد الإسكندرية الكثير من أهميتها ورغم أن ذلك لم يفقد العرب افتتانهم بالمدينة وذلك يتضح من خلال كتاباتهم العديدة عن وصف الإسكندرية ومنارتها وآثارها القديمة.. و بالطبع فقد استمرت حركة التجارة التي كانت الإسكندرية تلعب فيها دورا مهما وكذلك تم بناء سور جديد للمدينة..و قد وفد على الإسكندرية الكثير من العلماء من أمثال الإمام الشاطبى والحافظ السِّلَفي وابن خلدون وغيرهم الذين أثروا الحركة العلمية للمدينة.. ومن المعالم التي تركتها المرحلة الأولى للفتح ضريح وجامع أبى الدرداء-ذلك الصحابي- في منطقة العطارين والذي شارك في فتح مصر.. و قد تعرضت المدينة لعدة زلازل قوية (عام 956 ثم 1303 ثم 1323) أدت إلى تحطم منارتها الشهيرة (إحدى عجائب الدنيا السبع) حتى أن ابن بطوطة – الرحالة المعروف- عندما زار الإسكندرية في عام 1349 لم يستطع السير عند موقع المنارة من كثرة الحطام! كما تعرضت الإسكندرية لهجمات صليبية كان أخرها في أكتوبر 1365 م عانت فيها من أعمال قتل دون تمييز بين مسلم ومسيحي ونهب وضربت المساجد.. إلا أنه وفي عام 1480 قام السلطان المملوكي قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن بـ«قلعة قايتباي» حيث حظيت الإسكندرية في عهده بعناية كبيرة..و قد هيأت دولة المماليك وسائل الراحة لإقامة التجار الأوروبيين في مينائي الإسكندرية ودمياط فبنيت الفنادق ووضعتها تحت تصرف التجار، حتى يعيش التجار الأوروبيين وفق النمط الذي اعتادوه في بلادهم وكانت الفنادق مبان كبيرة مكونة من عدة طوابق وبها فناء داخلي يجرى به عمليات فك البضائع وربطها.. و بعد بناء القاهرة في سنة 969 م ثم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام 1498 م وكذلك بعد جفاف فرع النيل والقناة التي كانت تمد الإسكندرية بالمياه العذبة، فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها.. إلا أنها كانت ما تزال الميناء الرسمي المصري والتي كان يرسو عندها أغلب الزائرين الأوروبيين في العصر المملوكي والعثماني..و في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حينما سيطر المماليك على مصر في ظل الحكم العثماني، ظهر الفساد وزادت الضرائب على المصريين وكانت أوروبا قد بدأت تشهد تغيرات سياسية هامة بعد قيام الثورة الفرنسية وصعود نابليون بونابرت كزعيم سياسي..و جاءت الحملة الفرنسية على مصر ودخل جنود الحملة الفرنسية الإسكندرية في الأول من يوليو عام1798 بدون مقاومة تذكر..و رغم أن أفراد الحملة لم يكن لديهم لا الوقت ولا الرغبة في إعادة الحياة إلى الإسكندرية إلا أن تلك الحملة كانت بمثابة إنذار بـ«اليقظة» إلى كل المصريين! و سرعان ما التحمت القوات البريطانية مع الفرنسية في الإسكندرية في عام 1801 م في معركة أدت لخروج القوات الفرنسية من مصر..لتدخل الإسكندرية ومصر بصفة عامة مرحلة جديدة مليئة بالنهضة في جميع المجالات..

وهناك مراكز وآثار دينية مهمة في الإسكندرية مثل مسجد سيدي أبو العباس الذي صممه وبناه المهندس المشهور محمد كمال إسماعيل

وللإسكندرية مكانة كبيرة عند المسلمين ففيها ولد أو أقام الكثير من علماء وأئمة المسلمين أو دفن فيها أو طلب العلم فيها، وفيها عدد من الأضرحة والمقامات التي تعتبر وجهة لكثير من المسلمين كمقام الإمام أبو العباس المرسي وأسفل مسجد سيدي أبي العباس ضريح سيدي شمس الدين اللبان وأيضاً دفن في الإسكندرية الإمام داوود بن ما خلا وغيره.

ونزل في الإسكندرية الإمام أبو الحسن الشاذلي شيخ الشاذلية، وذكر الإمام ابن دقيق العيد ذلك وقال: ما رأيت أعرفَ بالله منه، ومع ذلك آذوه وأخرجوه وجماعته من المغرب، وكتبوا إلى نائب الإسكندرية: إنه يقدُم عليكم مغربيٌّ زنديق، وقد أخرجناه من ديارنا فاحذروه. فدخل الإسكندرية، فآذوه، فظهرت كرامات أوجبت اعتقاده رضى الله عنه.[2]

وفي الإسكندرية الكثير من القصص التاريخية الدينية فمثلاً قصة الشيخ شمس الدين اللبان مع ما سمعه من المؤذن وأنكر عليه وبعد وقت قال له مريد: اسمع يابن اللبان، إن في مصر ولياً لله عظيماً في الإسكندرية اسمه سيدى ياقوت العرش اذهب إليه وسوف يكون الفرج على يده، فسافر الشيخ شمس الدين اللبان وقابل سيدى ياقوت العرش (وهو تلميذ الإمام أبي الحسن الشاذلي زوج ابنة الإمام المرسي ابي العباس)

وقصة الإمام المرسي أبو العباس حين وصوله الإسكندرية:

الإمام المرسي أبو العباس، نزل إسكندرية فعاين أهلها منه على البر بحرًا، وفى سنة 642 هجرية، وصل سيدي أبو العباس رضى الله عنه مع شيخه الشاذلي قدس الله سره إلى الإسكندرية، واستقرا بحي كوم الدِّكة، ولَمَّا قدم إسكندرية من المغرب ضاق صدره حتى ضعف عن حمله، فأتى الشاذلي، قال: يا أبا العباس، آدم خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، وأنزله للأرض نزول كرامة لا إهانة، فإنه عبد الله في الجنة بالتعريف، وعرف ربه في الأرض بالتكليف، فما أنزله إليه ليُنْقِصَه بل ليُكْمِلَه، ولقد أنزله إليها قبل أن يخلقه ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ ما قال في الجنة، ولا في السماء، فما استحق أن يكون خليفة حتى توفرت فيه العبوديتان، وأنت لك قسط من آدم؛ بدايتك في سماء الروح، في جنة المعارف، فأُنْزِلْتَ إلى أرض النفس؛ لتعمل بالتكليف، فإذا توفرت فيك العبوديتان استحقيت أن تكون خليفة، فكان كذلك، تولَّى القطبيَّة وذلك مكاشفة من شيخه له، وبلغ رضى الله عنه من زهده أنه مكثَ بالإسكندرية ستًا وثلاثين سنةً ما رأى وجهَ مُتولّيها ولا أرسلَ إليه، وطلبه المتولي يومًا للاجتماع به، فأبى، وقال: والله، إني ألقى الله ولا أراه، فكان الأمر كذلك، وكانت تأتيه الأمراء والملوك لتزوره، فكان يغلبُ عليه القبضُ، ولا ينبسط في مجلسهم، وكان رضي الله عنه ساكنًا بخط المقسم بالقاهرة، وكل ليلة يأتي إسكندرية يسمع ميعاد الشاذلي، ثم يرجع القاهرة من ليلته، قضى أربعةً وأربعين عاماً في الإسكندرية حتى توفي فيها، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية في الآفاق، سنة ست وثمانين وست مئة، ودفن بمسجده بالإسكندرية.[3][4]

وإلى الإسكندرية نسب الإمام ابن عطاء الله السكندري صاحب الحكم.

وقد تولى في الإسكندرية الكثير من المشايخ والعلماء منهم الشيخ محمد بخيت المطيعي في سنة 1311هـ عُيِّن قاضيًا لمدينة الإسكندرية ورئيسًا لمجلسها الشرعي، وفي سنة 1315هـ عُيِّن عضوًا أول بمحكمة مصر الشرعية، ثم رئيسًا للمجلس العلمي بها، وفي هذه الأثناء ناب عن قاضي مصر الشيخ عبد الله جمال الدين ستة أشهر حال مرضه إلى أن عُيِّن بدله، ثم تركه عام 1905م. ثم عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الشرعية عام 1907م ثم نقل منها إلى إفتاء نظارة الحقانية في أوائل سنة 1912م، والشيخ محمد شاكر عاد إلى مصر شيخاً لعلماء الإسكندرية عام ١٩٠٤.

وفي الإسكندرية احتفالات المصريين الدينية احتفالات شعبية، لا طائفية، يحتفلون بها على طريقتهم الخاصة، من الاجتماع في المساجد أو في المحافل لقراءة القرآن الكريم، وسماع دروس العلم، والابتهالات الدينية، والمدائح النبوية، وإطعام الطعام، ومظاهر البهجة، والفرح، والتواصل، والتراحم بين الناس، يقودهم علماء الأزهر الشريف، وظل المجتمع المصري على هذا الحال من التدين الهادئ والتماسك الاجتماعي؛ حتى نبتت النابتة.[5]

وكان أحياناً ارتباط العلماء أيضاً من جهة مكتبة الإسكندرية العريقة إذ يقام فيها أو عن طريقها نشاطات دينية أو تطبع الكتب الدينية.

الإسكندرية والحملات الصليبية

[عدل]

الحملة الصليبية التاسعة على الإسكندرية بين عامي 1365 و 1369 تكونت من 400 سفينة من أسطول البندقية تحت قيادة الملك بطرس الأول (دي لوزنيان) ملك قبرص. حملة صليبية باغتت الإسكندرية التي كانت في حالة سلم مع قبرص والبندقية. دكت الحملة الإسكندرية ونهبتها بالكامل ثم انسحبت بعدما تلقت إنذارا من السلطان المصري بالمغادرة خلال 3 أيام.

الإسكندرية العثمانية

[عدل]
ميناء الإسكندرية سنة 1681 كما يبدو من البر

اضمحلت الإسكندرية خلال العصر العثماني (1517 – 1798 م) وبدأ معلم التدهور والاضمحلال يظهر في عهد الأشرف برسباى ويرجع ذلك إلى وقعة القبارصة التي تسببت في تدمير المدينة وتخريب عمرانها واكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح عام 1498الذى كان بمثابة ضربة قوية اصابت كيان الاقتصاد المصري وفقدت المدينة أهميتها التجارية وانقطعت الصلة بينها وبين أوروبا والعالم الخارجي . وبلغت شدة الإضمحلال عندما فقدت مصر استقلالتها وتحولت إلى مجرد ولاية تابعة للدولة العثمانية عام 1517. وقد اقتصرت الصناعة في الإسكندرية في العصر العثماني على بعض الحرف الضرورية للإستهلاك المحلى وكانت في جملتها حرفاً يدوية . وقد عانى مجتمع الإسكندرية مثلما عانت بقية اجزاء مصر من تضاؤل سلطة الدولة العثمانية في البلاد التي أصبحت مجرد سلطة شكلية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر .

الحملات الفرنسية والبريطانية

[عدل]
منظر الميناء وكوم الدكة كما يبدو من أرض العروض، رسمت سنة 1798م

قدمت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 ووجدت مقاومة كبيرة من أهالي الإسكندرية بقيادة السيد محمد كريم حاكم الإسكندرية . وقد حاول نابليون بونابرت التأثير على المشاعر الدينية للمسلمين وفي 4 يوليو 1798 م أبرم نابليون بونابرت وثيقة بالعهود التي أخذها الفريقان كل منهما على الأخر وقضت أن يستمر أعيان المدينة في العمل بقوانينهم والقيام بشعائرهم ومراعاة العدل والابتعاد عن مسالك الهوى ولا يقضى في أمر إلا بعد الرجوع إلى رأى مجلس العلماء وقد عين السيد محمد كريم محافظاً على المدينة إلا إنه أتهم بخيانة الفرنسيين وصدر أمر باعتقالهم واعدامه فأعدم في 6 سبتمبر سنة 1798 م .

لقد تعرضت الإسكندرية لحالة من الفوضى والاضطراب في أعقاب خروج الحملة الفرنسية سنة .1801 وعندما سلم الباب العالي بتعين محمد على باشا على مصر ظل حريصاً على استبقاء الإسكندرية معقلاً للنفوذ العثماني في مصر . ورغم خضوع الإسكندرية لإشراف الباب العالى مباشرة فإن ذلك لم ينف حقيقة تثبيت محمد على في حكم مصر مع ميوله الفرنسية، وهو الأمر الذي يهدد مصالح بريطانيا وقد دفع هذا الأمر بريطانيا إلى أرسال حملة إلى الإسكندرية وفي 20 مارس 1807 استسلم حاكمها أمين أغا وفي صبيحة يوم 20 سبتمبر 1807 دخل محمد على الإسكندرية على رأس ألفين من جنده وقد ترتب على جلاء الإنجليز أن غادرها كثير من أولئك الذين اعتقدوا أنهم صاروا موضع كراهية عظيمة بسبب صداقتهم ومعاونتهم للإنجليز .

الاحتلال الإنجليزي

[عدل]
الطراز المعماري الأوروبي بتنوعه له حضور في منقطة وسط البلد

مذبحة الأسكندرية يوليو 1882

نهضة جديدة للمدينة

[عدل]
«الفنار الحديث» 1878م
الميناء 1878م
عمود السواري في نهايات القرن التاسع عشر
«البلاج» - امتدت شواطئ المدينة بطول الساحل تقريبا قبل توسعة طريق الكورنيش

تدين الإسكندرية لمحمد على باشا بالنهضة حيث أنه -وبحق -قد أعاد للمدينة الحياة شئنا أم أبينا..ففي عام 1820 م تم الانتهاء من حفر قناة المحمودية لربط الإسكندرية بنهر النيل مما كان له الفضل في إنعاش اقتصاد الإسكندرية. وقد صمم الميناء الغربي لأن يكون هو الميناء الرسمي لمصر وتم بناء منارة حديثة عند مدخله..كذلك فإن منطقة المنشية هي بالأساس من تصميم مهندسيه..كما شيد محمد على عند رأس التين مقره المفضل وأصبحت الإسكندرية هي مقر قناصل الدول الغربية مما جعل لها شخصية أوروبية حيث جذبت العديد من الفرنسيين واليونان واليهود والسوريين، بسبب الانتعاشة التي منيت بها المدينة. كذلك –و بعد بناء أسطول مصري قوى- فقد خرجت عدة حملات بحرية مصرية من الإسكندرية إلى جزيرة كريت ومورة وسوريا. كما كانت المدينة مهددة مرتين: مرة بالأسطول اليوناني في عام 1827 م ومرة بالأساطيل البريطانية والفرنسية والروسية في عام 1828 م. و على كل حال فقد أصبحت الإسكندرية منذ تولى محمد على الحكم وخلال الـ 150 سنة التالية أهم ميناء في البحر المتوسط ومركزا مهما للتجارة الخارجية ومقرا لسكان متعددي الأعراق واللغات والثقافات..وزاد عدد سكانها من 8000 نسمة (مباشرة عند تولي محمد على الحكم) إلى 60000 نسمة.

و تحت حكم خلفاء محمد على استمرت الإسكندرية في النمو الاقتصادي وخاصة بعد افتتاح قناة السويس في عام 1867 م..كما زاد النمو السكاني نحو شرق المدينة عند منطقة الرمل (نيكوبوليس في العهد الروماني) والتي كانت قد تحولت إلى مجرد خراب، وذلك لمواكبة الزيادة في عدد السكان.. كذلك تم ربط الإسكندرية بالقاهرة بخط سكة حديد في عام 1856 م. و في عام 1882 م قام الزعيم الوطني (وزير الحرب وقتها) أحمد عرابي بثورة ضد الخديوي توفيق للاحتجاج على التدخل البريطاني في شئون مصر..و قد تأزم الموقف عندما وصل الأسطول البريطاني إلى الإسكندرية ليقذف المدينة بالقنابل لمدة يومين حتى استسلمت المدينة معلنة بداية الاحتلال البريطاني لمصر والذي دام لسبعين عاماً . وتحت الاحتلال البريطاني زاد عدد الأجانب وخاصة اليونان والذين أصبحوا يمثلون مركزا ثقافيا وماليا مهم في المدينة. وتحولت الإسكندرية وقناة السويس إلى مواقع استراتيجية مهمة للقوات البريطانية.. و في تقرير للقنصل البريطاني عن الإسكندرية عام 1904 قال: «زاد حجم الإنشاءات والمباني وزادت أسعار الأراضي بصورة هائلة..كما تضاعفت تكلفة المعيشة في المدينة..» و خلال الحرب العالمية الثانية، كانت الإسكندرية مهددة عندما وقعت معركة العلمين على ساحل البحر المتوسط غرب المدينة إلا أنه وبحلول عام 1952 م، قام بعض من ضباط الجيش المصري بانقلاب عسكري تم تعريفه فيما بعد بـ«ثورة 52» أدى إلى خروج الجيش البريطاني نهائياً في 1954 م. و من الإسكندرية خرج الملك فاروق بعد أن تنازل عن العرش ورحل إلى منفاه في إيطاليا. و من الإسكندرية وبالتحديد في ميدان المنشية، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر (وهو بالمناسبة من مواليد الإسكندرية) تأميم قناة السويس.

كما أن الإسكندرية كان لها دور في المسرح والفن المصري فهناك مثلاً كان يوجد تصوير لـأمينة رزق ولـتوفيق الدقن ولـ عبد الرحمن أبو زهرة في المسرح القومي في الإسكندرية

مراجع

[عدل]
  1. ^ "معلومات عن تاريخ الإسكندرية على موقع id.loc.gov". id.loc.gov. مؤرشف من الأصل في 2020-10-29.
  2. ^ أبي علي الحسن بن محمد الكوهن. (طبقات الشاذلية الكبرى)/ بتصرف.
  3. ^ أبي علي الحسن بن محمد الكوهن. طبقات الشاذلية الكبرى.
  4. ^ الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية.
  5. ^ من الخواطر العشماوية للمحدث محمد إبراهيم العشماوي