تجارة الرقيق في البحر الأحمر
جزء من سلسلة مقالات حول |
العبودية |
---|
بوابة حقوق الإنسان |
تُعرف تجارة الرقيق في البحر الأحمر أحيانًا باسم تجارة الرقيق الإسلامية[1] أو تجارة الرقيق عند العرب[1] أو تجارة الرقيق الشرقيّة[1]، وهي عبارة عن تجارة رقيق عبر البحر الأحمر، لتهريب الأفارقة من القارة الإفريقية واستعبادهم في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط منذ العصور القديمة وحتى منتصف القرن العشرين.
تُشتهر هذه التجارة بكونها واحدة من أكثر تجارات الرقيق التي دامت في العالم، إذ امتدت منذ العصور القديمة وحتى ستينيات القرن العشرين، حين أُلغيت العبودية أخيرًا في المملكة العربية السعودية واليمن.[1] وأصبحت معروفة دوليًا كمركز لتجارة الرقيق خلال فترة ما بين الحربين العالميتين حين توقُّف الطرق الأخرى. أدى الضغط الدولي المتزايد بعد الحرب العالمية الثانية في النهاية إلى توقفها الرسمي نهائيًّا في منتصف القرن العشرين.
كان كل من البحر الأحمر والصحراء الكبرى والمحيط الهندي طرقًا رئيسة ثلاثة نُقل عبرها الرقيق من شرق إفريقيا إلى العالم الإسلامي.[1][2][3]
نظرة عامة على التاريخ
[عدل]إن تجارة الرقيق من إفريقيا نحو شبه الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر ذاتُ جذورٍ قديمة. ففي حين شاع اتخاذ أسرى الحرب من العرب في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام كأهدافٍ للاستعباد، كان استيراد الرقيق من إثيوبيا عبر البحر الأحمر يحدث أيضًا وبكثرة. يبدو أن تجارة الرقيق عبر البحر الأحمر نشأت منذ القرن الأول فصاعدًا على أقل تقدير، حين كان الأفارقة المستعبدين يُهرَّبون عبر البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة العربية واليمن.[4]
تغيرت تجارة الرقيق في البحر الأحمر في القرن التاسع لتصبح نحو جدة ومكة والمدينة، وبواسطة القوافل عبر الصحراء نحو بغداد التي كانت في عهد الخلافة العباسية.[5][6] ظلت تجارة الرقيق مستمرة لعدة قرون لاحقة، حتى تنبّه إليها مسافرون غربيون.
وصف ريتشارد فرانسيس برتون سوق الرقيق في المدينة المنورة خلال خمسينيات القرن التاسع عشر:
«إن السوق في المدينة المنورة فقير، إذ يُجلب أغلب الرقيق من مكة بواسطة السائسين بعد تصدير أفضل ما لديهم إلى مصر، فلا يتبقى للمدينة سوى الحثالة... يأتي بعض الرقيق من الحبشة: يُجلب الجزء الأكبر منهم من بلاد غالا ويُصدَّروا إلى موانئ الساحل الصومالي وبربرة وتاجوراء وزيلع. يُشحن سنويًا ما يصل إلى 2000 من الرقيق من المكان الأول، و4000 من المكان الثاني إلى المخا وجدة والسويس ومسقط. {..} وهذا السوق عبارة عن شارع كبير مسقوف بالحُصُر ومليء بالمقاهي، وُضِعت السلع فيه في صفوفٍ على نحوٍ موازٍ للجدران. وكانت الفتيات الأجمل يشغلن المقاعد الأعلى. وفي الأسفل يجلس النوع الأكثر بساطة والأدنى من الفتيان. كانوا جميعًا يرتدون ملابس مبهجة من قماش المُسْلين الوردي وغيره من الألوان الفاتحة مع حجابٍ شفافٍ فوق رؤوسهم؛ وسواء كان ذلك بسبب تأثير هذه الروعة الفريدة، أو كردة فعلٍ بعد نجاحهم في رحلتهم البرية والبحرية الرهيبة التي خاضوها، فقد بدا أولئك الرقيق سعداء للغاية».[7] ووفقًا لتقريرٍ بريطاني، فقد شُحن 320 من الرقيق عبر هذه التجارة في البحر الأحمر نحو جدة في مايو من عام 1879.[8]
نُقل الرقيق مقيدين بالأغلال من البحيرات الغربية إلى سواحل السودان وإثيوبيا والصومال، ووُضعوا على متن سفنٍ شراعية ونُقلوا عبر المحيط الهندي إلى الخليج أو عدن، أو عبر البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة العربية وعدن، في حين أُلقي بالضعفاء منهم في عرض البحر.[9]
شكّل الساحل الشرقي للبحر الأحمر بعد الحرب العالمية الأولى، دولة مستقلة باسم مملكة الحجاز (1925-1916). ولم تُعد الحجاز نفسها ملزمة بالامتثال للقوانين والمعاهدات التي وقعتها الإمبراطورية العثمانية فيما يتعلق بالعبودية وتجارة الرقيق. وخلال فترة ما بين الحربين العالميتين، كانت مملكة الحجاز معروفة دوليًا كمركز إقليمي لتجارة الرقيق.
مصادر الإمداد والطرق
[عدل]تركزت المصادر التي غذّت تجارة الرقيق عبر البحر الأحمر، في إفريقيا على نحوٍ أساس. وشملت هذه المصادر طرقًا مباشرة عبر البحر الأحمر من البر الرئيس لإفريقيا، فضلًا عن طريق مرتبط بتجارة الرقيق في المحيط الهندي، وكان الرقيق في الأصل يُهرّبون عبر المحيط الهندي إلى البحر الأحمر ومن ثَمّ إلى اليمن. كان أغلب الرقيق من أصلٍ إفريقي، لكن أقلية من أعراقٍ أخرى توفرت عبر تجارة الرقيق في المحيط الهندي، لاسيما من أصلٍ آسيوي.
شرق إفريقيا
[عدل]أصبحت منطقة شرق إفريقيا بمثابة مصدر لتوريد الرقيق إلى شبه الجزيرة العربية عبر تجارة الرقيق في المحيط الهندي منذ العصور الوسطى على الأقل. وفي حين يبدو أن أغلب هؤلاء الرقيق كانوا يُشحنون إلى شبه الجزيرة العربية عبر عُمان ومسقط وليس عبر البحر الأحمر، لكن البحر الأحمر كان طريقًا أيضًا لتجارة الرقيق بين شرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وكان بمثابة طريق إلى مصر كذلك.
في القرن الثاني عشر، هرّب محمد الإدريسي أطفالًا أفارقة من كينيا الحالية إلى شبه الجزيرة العربية.[4]
إثيوبيا
[عدل]كان ثمة طريقين رئيسين لتجارة الرقيق نحو الحجاز. إذ هُرّب الرقيق الأفارقة من السودان وإثيوبيا في المقام الأول. باع كثير من الأهالي أبناءهم وفتياتهم الشابات أو قدموهم كجزية إلى زعماءٍ إثيوبيين باعوهم بدورهم إلى تجار رقيق. إذ أَعلم أولئك التجار الآباء بأن أطفالهم سيحصلون على حياةٍ أفضل كرقيقٍ في شبه الجزيرة العربية.[9] وكانوا يُسلَّمون إلى تجار الرقيق العرب عن طريق الساحل ويُشحنوا عبر البحر الأحمر إلى جدة.[9]
كانت مهن الطواشي والمحظيات والأُجَراء الذكور مهنٌ للرقيق المُرسلين من إثيوبيا إلى جدة وأجزاء أخرى من الحجاز.[10] أما الأجزاء الجنوبية الغربية والجنوبية من إثيوبيا فكانت تزود بمعظم الفتيات اللاتي كان تجار الرقيق الإثيوبيون يصدرونهن إلى الهند والجزيرة العربية.[11] وكان الرقيق من الإناث والذكور من إثيوبيا يشكلون المصدر الرئيس للرقيق نحو الهند والشرق الأوسط.[12]
وكانت مصر والحجاز أيضًا من الدول المستقبلة للنساء الهنديّات اللاتي جرى الإتجار بهنّ عبر عدن وغوا.[13][14]
منذ أن حظّرت بريطانيا تجارة الرقيق في مستعمراتها، لم تعد عدن التي حكمتها بريطانيا في القرن التاسع عشر مستقبلة للرقيق، وشُحن الرقيق المُرسلين من إثيوبيا نحو الجزيرة العربية إلى الحجاز بدلًا من ذلك.[15]
الهند
[عدل]كانت الهند مصدرًا للرقيق نحو شبه الجزيرة العربية منذ العصور القديمة، على الرغم من أن أعداد الرقيق كانت أقل من تلك التي جاءت من إفريقيا.
خلال القرن الثالث عشر، هُرّب الأولاد والنساء والفتيات الهنود بغرض العبودية الجنسية من الهند إلى شبه الجزيرة العربية وإلى مصر عبر البحر الأحمر وعبر عدن.[4]
مدغشقر وجزر المحيط الهندي
[عدل]هُرّب الرقيق إلى موانئ البحر الأحمر من مدغشقر وجزر المحيط الهندي المجاورة، مثل أرخبيل جزر القمر، بعد أن سيطر التجار العرب المسلمون مع حلفائهم السواحليين، على زنجبار وساحل السواحلي في القرن التاسع. منذ القرن التاسع وحتى القرن السابع عشر، هُرّب سنويًا ما يقدر بنحو 2000 إلى 3000 من الرقيق من شرق إفريقيا ومدغشقر من ساحل المحيط الهندي إلى موانئ الرقيق على طول البحر الأحمر وأجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية. مع حلول منتصف القرن السابع عشر، ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 3000 إلى 6000 عبد يهربون سنويًا من مدغشقر فقط (باستثناء جزر القمر) إلى البحر الأحمر بواسطة تجار الرقيق المسلمين غير الأوروبيين (السواحيليين وجزر القمر والعرب والحضرميين).[16]
يقدر بعض المؤرخين أنه خلال القرن السابع عشر صُدّر ما يصل إلى 150,000 من الرقيق من بويني في شمال غرب مدغشقر إلى العالم الإسلامي بما في ذلك ساحل البحر الأحمر (جدة)، والحجاز (مكة)، والجزيرة العربية (عدن)، وعمان (مسقط)، وزنجبار وكيلوا ولامو والصومال (براوة) وربما السودان (سواكن) وبلاد فارس (بندر عباس) والهند (سورات).[17] ونظرًا للتنوع العرقي في مدغشقر التي سكنها مزيج من المستوطنين الأسترونيزيين والبانتو، فقد اشتمل الرقيق الملاجاشيون على أشخاصٍ من جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأنماط ظاهرية هجينة.
شارك التجار الأوروبيون أيضًا في تجارة الرقيق المربحة بين مدغشقر والبحر الأحمر. ففي عام 1694، نقلت سفينة تابعة لشركة الهند الشرقية الهولندية ما لا يقل عن 400 من الرقيق من مدغشقر إلى ميناء عربي على البحر الأحمر (من المفترض أنه جدة) إذ بيعوا للتجار المسلمين العرب لاستعبادهم في مكة والمدينة والمخا وعدن والشحر وكيشن.[18][19] ومن المعروف أن التجار البرتغاليين والفرنسيين والهولنديين والإنجليز والعثمانيين شاركوا بدرجات متفاوتة في تجارة الرقيق المدغشقرية أيضًا.
المراجع
[عدل]- ^ ا ب ج د ه Miran, Jonathan (20 Apr 2022), "Red Sea Slave Trade", Oxford Research Encyclopedia of African History (بالإنجليزية), DOI:10.1093/acrefore/9780190277734.013.868, ISBN:978-0-19-027773-4, Retrieved 2023-11-28
- ^ Clarence-Smith, William Gervase (16 Dec 2013). The Economics of the Indian Ocean Slave Trade in the Nineteenth Century (بالإنجليزية) (0 ed.). Routledge. DOI:10.4324/9781315035383. ISBN:978-1-135-18214-4.
- ^ Nunn، Nathan (2008). "The Long-Term Effects of Africa's Slave Trades". The Quarterly Journal of Economics. ج. 123 ع. 1: 139–176. DOI:10.1162/qjec.2008.123.1.139. ISSN:0033-5533. JSTOR:25098896. مؤرشف من الأصل في 2024-09-11.
- ^ ا ب ج The Palgrave Handbook of Global Slavery Throughout History. (2023). Tyskland: Springer International Publishing.
- ^ Black, J. (2015). The Atlantic Slave Trade in World History. USA: Taylor & Francis. p. 14 [1]
- ^ [2] Hazell, A. (2011). The Last Slave Market: Dr John Kirk and the Struggle to End the East African Slave Trade. Storbritannien: Little, Brown Book Group.
- ^ Mirzai, B. A. (2017). A History of Slavery and Emancipation in Iran, 1800-1929. USA: University of Texas Press. p. 56-57
- ^ Toledano, E. R. (2014). The Ottoman Slave Trade and Its Suppression: 1840-1890. USA: Princeton University Press. p. 228-230
- ^ ا ب ج Miers، Suzanne (2003). Slavery in the Twentieth Century: The Evolution of a Global Problem. Rowman Altamira. ISBN:978-0-7591-0340-5. مؤرشف من الأصل في 2023-08-21.
- ^ Clarence-Smith، William Gervase (2013). The Economics of the Indian Ocean Slave Trade in the Nineteenth Century. Routledge. ص. 99. ISBN:978-1135182212. مؤرشف من الأصل في 2023-09-06.
- ^ Yimene، Ababu Minda (2004). An African Indian Community in Hyderabad: Siddi Identity, Its Maintenance and Change. Cuvillier Verlag. ص. 73. ISBN:3865372066. مؤرشف من الأصل في 2023-09-06.
- ^ Barendse، Rene J. (2016). The Arabian Seas: The Indian Ocean World of the Seventeenth Century: The Indian Ocean World of the Seventeenth Century (ط. illustrated). Routledge. ص. 259. ISBN:978-1317458364. مؤرشف من الأصل في 2023-11-01.
- ^ Brown، Jonathan A. C. (2020). Slavery and Islam. Simon and Schuster. ISBN:978-1786076366. مؤرشف من الأصل في 2023-11-01.
- ^ "Slavery and Islam 4543201504, 9781786076359, 9781786076366". dokumen.pub. مؤرشف من الأصل في 2024-09-15.
- ^ Ahmed، Hussein (2021). Islam in Nineteenth-Century Wallo, Ethiopia: Revival, Reform and Reaction. BRILL. ج. 74 of Social, Economic and Political Studies of the Middle East and Asia. ص. 152. ISBN:978-9004492288. مؤرشف من الأصل في 2023-06-21.
- ^ Mirzai، B. A.؛ Montana، I. M.؛ Lovejoy، Paul (2009). Slavery, Islam and Diaspora. Africa World Press. ص. 37-76. مؤرشف من الأصل في 2024-09-17.
- ^ Vernet، Thomas (17 فبراير 2012). "Slave Trade and Slavery on the Swahili Coast, 1500–1750" (PDF). shs.hal.science/. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2024-06-25.
- ^ "Subvoyage 5371". www.exploringslavetradeinasia.com. Exploring Slave Trade in Asia (ESTA). 2024. مؤرشف من الأصل في 2024-06-25.
- ^ van Rossum، Matthias؛ de Windt، Mike (2018). References to Slave Trade in VOC Digital Sources, 1600-1800. Amsterdam: International Institute of Social History. ص. 731. hdl:10622/YXEN6R.