مستخدم:أ.د.أحمد رشراش
رواية ربيع الكورونا
_رواية ربيع الكورونا للروائي والأديب الليبي أ.د.أحمد الهادي رشراش
"ربيع الكورونا" رواية تحكي قصة طالب ليبي يدرس الماجستير في الإعلام الإلكتروني بجامعة شنغهاي بالصين، اضطر لمغادرة الصين في غرة مارس 2020م بسبب تفشي جائحة كورونا، فالتقى في مطار بكين صحفيتين من تونس، كانتا تقومان بتحقيق صحفي في مدينة يوهان الصينية مصدر كورونا، وترافق معهما في رحلة العودة من الصين إلى تونس، حيث كان يعيش هناك مع عائلته المهجرة من ليبيا بسبب الحروب وسوء الأوضاع الأمنية والمعيشة . سردت الرواية أحداثا كثيرة؛ وصورت معاناة البشرية بسبب تفشي هذه الجائحة وما ترتب عنها من حجر صحي وإيقاف للطيران وشلل للحياة البشرية، ولكن كل ذلك البؤس لم يمنع حدوث قصة حب بين الطالب الليبي (عمر) والصحفية التونسية (ألفة) وما صاحب العلاقة بينهما من أحداث جميلة وحزينة، وانتهت الرواية بالأمل وعوة الأرض للتنفس من جديد ورجوع البشر لحياتهم الطبيعية بعد زوال كورونا. تقع الرواية في 180 صفحة موزعة على ثلاثة فصول.
_كتب عنها الدكتور "محمد البدوي" الرئيس السابق لاتحاد الكتاب والأدباء بتونس :
((إنَ رواية "ربيع الكورونا " رسالة حب تتجاوز الجانب العاطفي لتشمل الجوانب السياسية التي تعصف بالدول وتجعل غول الحرب يعيث في البلاد فسادا ، والأولى أن ينتصر الحب والتآلف لبناء ثقافة جديدة وحضارة متطورة توفر للإنسان مابه يحقق إنسانيته وتجعله يحس أن على هذه الأرض مايستحق الحياة )).
_كتبت عنها الناقدة الليبية " ابتسام صفر " :
(( 1- العنوان الربيعي:
صارت كورونا تمثل كابوساً للعالم، فهي عطلت أمور حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبح الخوف يزور الناس العامة والخاصة من إصابتهم لداء كورونا، فقد قلت الزيارات، وأقفلت المطارات، وابتعدت الأيادي عن المصافحات، واكتفت بالنظرات والإيماءات، ومات الأحباب بسبب كورونا، فكيف يكون ربيعاً ومزهراً وهو الذي أفقد التواصل مع القريب والغريب، وشتت حياة القوي والضعيف، والفقير والغني، وبدأت اللقاء بالمراسلات، والبقاء في الحجرات، كأننا فئران تخاف من القطط المفترسة لها، بالله عليكم كيف يكون كورونا ربيعاً؟
يزور الجسد زيارة خفيفة، فيضرب الرئة، ويخنق أنفاسه العفيفة، ويتركه مختنقاً بلا هواء، فكيف يكون كورونا ربيعاً؟ ضعف الأطباء عن الدواء، وقالوا ابتعدوا عن أقاربكم والجيران، فلا مآتم ولا أفراح، وأقفلوا الأفواه، وغطوا الأنفاس، واغسلوا أيديكم قدر المستطاع، فأين الربيع؟
ولكن اطمئن القراء فمع قراءة الرواية تزهر ابتسامتكم من العنوان، فكيف مع الصفحات والسطور تزرع في النفوس البسمة والمحبة بين الناس.
القراءة العامة للعنوان فتحت باباً للتأويل؛ حيث ابتعد الكاتب عن عنوان المباشر للرواية، كقولنا مرض كورونا، أو خبث كورنا وغيرها، واتخذ ربيعاً للعنوان يحمل التفاؤل والبشائر للنفس الإنسانية، وهو مفارقة فنية متميزة؛ لأنه بعث على الترغيب والتشويق لكل القراء، بمستوياتهم المختلفة، سوف ينظرون إلى العنوان نظرة التفاعل مع الرواية، أو نظرة استغراب وتعجب، وأحدث العنوان دهشة للقراء، ورغبة وفضول للاطلاع على المضمون، فهل ربيع الكورونا هو شدة انتشارها وغزوها في النفوس؟،إنه عنوان بليغ وذات دلالة جمالية لأهل البلاغة واللغة والنقد، وقد اختار الكاتب أجمل الفصول على النفوس بشدة ازدهاره، وتفتح أزهاره، وكان الغلاف معبراً عن بيت الرواية، ومقصداً هاماً في عالم القراءة، وهذه من معالم المفارقة والدهشة الفنية للقراءة النقدية.
2- دلالة المكان:
تأخذك ربيع كورونا إلى رحلة سياحية، فهي تنقلنا من مكان إلى أخر تدور الأحداث فيها، وتسافر بالقارئ إلى مكان ربيع وجودها، وشكل المكان غزار ة الأحداث مع الشخصيات، وتعدد المواقف، والتوافق مع الأزمنة الماضي والحاضر والمستقبل، فجمع المكان الدلالة الفنية في الرواية، يقول الكاتب: ”في جامعة شنغهاي جيار تونغ، بمدينة شنغهاي بالصين مازالت ساعة كاملة تفصلني عن الموعد المحدد لجلسة المناقشة، لم يألُ شقيقي سليمان الذي جاء من مدينة بكين لحضور المنا قشة- جهداً في تشجيعي“ ص: 34، بدأت الرواية بالتصوير المكان وهو الصين، ورسم الكاتب حالة التوتر للبطل الرواية؛ وهو يستعد للمناقشة رسالته العلمية، ودلالة المكان مصدر ربيع كورونا، مما يخلق الحماس وسرعة تأثر المتلقي بالنص، ومتابعة أحداث الرواية، وأشار الكاتب أصدقاء البطل الذين حضروا لجلسة المناقشة؛ فهم جمعهم المكان و الجنسيات المختلفة لكنهم كانوا على قلب واحد مع صديقهم يقول الكاتب عنهم: ”إحاطة زملائي بي، جانغ لي من الصين، ورابح من الجزائر، وثامر من مصر، والحسن من البحرين، ودروغبا من ساحل العاج، وميشال من فرنسا…، فقد كانوا جميعاً يشجعونني، ويحاولون رفع معنوياتي قبل بدء المناقشة“ ص: 34، فالنص يرمز إلى التعاون والرحمة فيما بينهم رغم اختلاف أماكنهم وتعدد جنسياتهم، لأن هدفهم واحد وهو الدراسة والتعلم من أجل أوطانهم، وكان المكان في خدمة الأحداث وشدة تفاعلها، فالغربة جمعت الأحباب على الخير والتعاطف مع بعضهم.
نقل الكاتب القارئ إلى التمتع برحلة صغيرة في مدينة شنغهاي قائلاً عنها: ”وبقيت أسبوعاً كاملاً أتجول في مدينة شنغهاي جوهرة الشرق؛ لتوديعها، والاستمتاع بطبيعتها الجميلة؛ فذهبت إلى حدائق يويوان، وزرت المعالم السياحية الرائعة، كمعبد جايد بودا، وتمعنت في عمرانها الفائق، الذي يجمع بين سحر الشرق، وإبداع الغرب واستمتعت بجنة عشاق التسوق (تيانز يفانغ) ثم لحقت بشقيقي سليمان في بكين؛ لأقضي معه بعض الأيام هناك، قبل العودة إلى مقر سكني بتونس“ إننا نلاحق البطل ورحلته مع الأمكنة المتعددة التي تعطي جمالاً وراحة وطمأنينة للمتلقي، فالمكان الجميل سيهجره البطل بسبب كورونا، ولقد تعلق البطل بالمكان، وأدخل في نفسه الهدوء والاستقرار، ولكن الظروف والأحوال تغيرت، يقول الراوي ”فقد حل بمدينة يوهان الصينية وباء مميت، سريعاً ما تحول إلى جائحة عالمية قاتلة، عُرفت بفيروس كورونا“ ص: 37،والمكان شكل تأثيراً على نفس البطل؛ فهو سيترك الصين مكان العلم والاختراعات والتقنية والنظام في حياتهم، إنه مكان حضارة تدهور حاله، وضعف مكانه، بسبب كورونا، وأصبح المكان خطراً على البطل، ولذلك قرر الذهاب إلى مكان آخر، وينقلنا في الرواية إلى مكان جديد تتصدر فيه الأحداث، وكثرة المواقف، وارتفعت القيمة الفنية للرواية ربيع كورونا بسبب الترابط والتناسق في الدلالات النصية الممزوجة بالخيال والواقع في أمكنة النص.
وفي موقع آخر من الرواية يستعد البطل إلى الرحيل وترك الصين الجميلة تعاني الوباء، فيقول: ”اتصل بي والدي، وأبلغني بخوفه علي ّوعلى شقيقي سليمان بسبب وجودنا في الصين بلد الجائحة، حثني على سرعة المغادرة، والعودة إلى تونس، للالتحاق بعائلتي المستوطنة هناك، منذ تسع سنوات، حيث هاجرنا من ليبيا بسبب الحروب الدامية، فقررت مغادرة بكين إلى تونس، أخذت أبحث عن موعد للحجز، فحصلت على حجز بعض الخطوط الجوية الإمارتية (بكين- دبي/ دبي تونس)“ اعتمد الكاتب على ذكر الأمكنة حتى يشعر المتلقي بواقعية الحدث، والقرب من المشهد الذي يصوره الكاتب، وكان المكان حسن التعامل مع البطل في سرد بعض تفاصيل من حياته، والمعاناة من الهجرة عن الوطن، ولذلك كانت تقنية الأمكنة عند الكاتب ترسم صور التعاون بين البلدان في الرحلات وتبادل السياحة ونقل الناس من مكان لآخر، وبسبب كورونا تجمعت البلدان في خدمة البشرية جمعاء.
أصبح المكان في الصين محطة لقاء الأحبة عند البطل، وتوالدت الأحداث بعضها مع بعض، ونسجت فسيفساء رائعة من الحب في زمن كورونا، وكان لقاء البطل مع ألفة العائدة إلى الوطن، فتآلف البطل مع المكان تألفاً كبيراً بينهما، يقول عنه: ”فور وصولي إلى المطار، أخذتُ أتجول فيه، كعادتي عند كل عودة لي من الصين، كان المطار مكتظاً بالمسافرين، كعادته، وبصورة أكثر هذه المرة، نتيجة لكثرة المغادرين، فجأة ساقها القدر أمام ناظري؛ فوقعت عيناي عليها، وقد سطع نورها، فتاة حسناء، لم تعد عيناي ترى غيرها في ذلك المطار الضخم المذهل المليء بالبشر“ ص: 40، جمع المكان الشخصيات التي ساهمت في تطور الأحداث، وتصاعد المواقف، فالبطل تعلق بشخصية ألفة في المطار، وفي مطار الصين امتزج المكان بالمكان، حيث وجه الكاتب المتلقي إلى البطل الذي يلاحق ألفة بنظره حتى وصلت إلى مقهى المطار، وتعمد التعرف عليها واللقاء بها، لقد استخدم الكاتب الحاسة البصرية في كشف مكان المحبوبة، وتتبع خطواتها، وأعطى دلالة فنية في الرواية التي مزجت الشوق والرغبة للمتلقي في قراءة المزيد من الأحداث، يقول البطل واصفاً مكانه وحاله: ”هل أنا في حلم أو في علم؟ حتى اقتربتا مني، ودخلتا تبحثان عن مكان للجلوس في المقهى، الذي كان مكتظاً بالمسافرين- فمطار بكين تشاويانغ شوني، هو ثاني أكثر مطارات العالم ازدحاماً، بعد مطار هارتسفليلد، جاكسون، أتلانتا - جورجيا، بالولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن كثرة المغادرين من الصين“ ص: 41، إن الكاتب يغوص في الأمكنة، ويسبح في فضاء واسع في الدنيا وجمالها ومقومات الصناعة التي تحيط بالبلدان العالم، ووسائل الراحة والتنقل من مكان لآخر يعطي الإنسان الإحساس بالرفاهية والتمتع بها، وسيولة المكان عند الكاتب تصور كيف تعيش البلدان وتخلق وسائل النقل والراحة بكل أريحية فمن المكان تنشأ قصة حب جديدة تسجلها الصين مع ربيع كورونا، ومن المقهى تداخلت الأمكنة الصغيرة لتصنع رواية نسيجها الحب بين الناس، وصار المكان يشع بالخير في كل جوانبه، ونسى البطل الوباء والهجرة، وصنع المحبة من عالمه الصغير، فلا قرية ولا أزقة ضيقة وإنما فضاء الطبيعة الصينية والمطار الحديث صنع التوازن والاستقرار في نفس البطل.
ينقلنا الكاتب إلى حوار بين الشخصيات داخل المقهى، فيسرد المكان لأمكنة أخرى وبلد آخر كأننا في رحلة مع العالم، والتنقل من مكان لآخر يقول الكاتب:
”فالتفتتا إلي في دهشة! وردت رفيقتها:
- إنتِ تونسي؟
- أنا ليبي، اسمي عمر مختار العلواني، وأمي من تونس، وأحمل الجنسية التونسية بفضلها.
- يا للصدفة! أهلاً وسهلاً بك.
- مرحباً بكما.. تبدوان من تونس الخضراء.
- أجل نحن من تونس الخضراء.
- أجل نحن من تونس ..أنا سُنية المسعدي، مصورة فوتوغرافية، وهذه صديقتي ألفة الطرابلسي صحفية بجريدة الشروق التونسية.
- شرفت بكما.
- الشرف لنا أيضاً.. يبدو أنك عائد إلى ليبيا؟
- ليس تماماً.. في الحقيقة أنا عائد إلى تونس، لأنني مقيم هناك مع عائلتي منذ سنوات.
- تونس بلدك أيضأ في أية رحلة؟ وعلى أية خطوط ستعود تونس؟
- في رحلة العاشرة صباحاً، على الخطوط الإمارتية.“
ففي النص تتشكل الأمكنة بشكل كبير؛ وجعل الكاتب الشخصيات تتحدث عن الأمكنة والبلدان، وكادت أن تصبح الرواية رواية المكان لولا أحداث كورونا التي تتصارع مع الشخصيات، فالأفراد يتعارفون وهم من بلدان مختلفة، ويزرعون الخير أينما وجدوا، والحب والتبادل الاجتماعي بينهم، والاحساس بغربتهم وهذا يشكل التضامن والتقارب بين المجتمعات، لقد صنع الكاتب ربيعاً آخر من المكان كربيع كورونا.
جعل الكاتب المكان رواية أحداث العالم الذي يعاني من ربيع الكورونا، فيصور ألامه كقوله: ”حيث هبت كثير من الدول لنجدة الصين دولة الوباء، وبعدها إيطاليا، ثم انبرت الصين لرد الدين بعدما تعافت؛ فمدت يد العون للدول التي ساعدتها، فهل ستلقي هذه الجائحة بظلال الخير على البشرية“ ص: 82، إنه فضاء المكاني البعيد القريب عن القارئ، فكورونا جعلت الدول الكبرى تساعد بعضها البعض، وتمد يد العون لانقاد البشرية منها، هي الداء والدواء معاً، كان المكان فعالاً في الرواية، حيث أعطى البوح النفسي والحوار الداخلي للبطل الذي سطر تاريخ كورونا في العالم، وتناسى أحزانه بين الحين والآخر في النظر إلى الأمكنة الأخرى التي تداوي جراحها باسم الإنسانية والبقاء، إنها لوحة مكانية أحاطت كل معاني السامية للتخلص من الأنانية بين البشر.
وفي موقع أخر من الرواية ذكر الكاتب بلدان أخرى كانت مؤثرة في الرواية، ومكان أحداث متفرقة فيها منها تونس، وليبيا، ونقل لنا معالم الثقافة والتراث الجميل للبلدين، وكذلك التواصل الاجتماعي المتين الذي ساهم في أحداث الرواية، وأشرقت ملامح المكان في مشهد وصفي جميل للرواية.
3- الشخصيات الكورونا:
الشخصية الرئيسية: شخصية عمر، وهو بطل الرواية، كان يقود أحداثها، ويصور مشاهدها المتنوعة، وهو الراوي لأحداث الرواية، ولقد ساهم في تطورها، وكسب المتلقي ثقته بعمر ومتابعته في سرد جميل لتفاصيل حياته اليومية، عرفنا بأصدقائه، وأمطرنا بالحديث عن طموحاته، فهو شاب ذو أخلاق حسنة، حلم كل فتاة، يتمتع بالذكاء والفطنة، عصامي، وشجاع، يحب الأناقة،حسن الظهور، والمزج بين الجدية والمزاح في الأمور، رسم الكاتب شخصيته التي جمعت الثقة والحكمة حتى في ساعات الغضب، والرأفة والحنان في أوقات الخطر والتأزم، شخصية عمر قوي الملاحظة، سريع الفهم، وعلامات الذكاء تبوح في سلوكه، وفي ذلك نماذج كثيرة نقتطف من النص لإثبات قولنا.
يبدأ البطل يعرف نفسه في الرواية قائلاً: ”كنت أنتظر بدء مناقشة رسالة الماجستير، وكنت متوتراً، وكان الوقت يمر ببطء شديد“ ص:34، فالبطل طموح يواصل تعليمه خارج وطنه، تحمل الغربة وهمومها من أجل الوصول إلى المراتب العليا، وفي موضع أخر من الرواية نرى عمر شخص يحب التنزه والترفيه بين الحين والآخر، كقوله: ”بقيتُ أنا أسبوعاً كاملاً أتجول في مدينة شنغهاي جوهرة الشرق؛ لتوديعها، والاستمتاع بطبيعتها الجميلة،؛ فذهبت إلى حدائق يويوان، وزرت المعالم السياحية الرائعة“ تتحرك شخصية عمر إلى التمتع بكل لحظة من حياته، فالوباء منتشر بكل أرجاء البلاد لكن عمر تحدى الواقع، وقرر أن يتجول فيه؛ فالحياة عنده انطلاق ومغامرة، وفي مكان آخر من الرواية صور البطل المشاهد المتتابعة لحياة البشر في العالم بسبب الوباء كقوله: ”بإذاعة خبر انتشار هذه الجائحة الفتاكة (فيروس كورنا) أصيب البشر في مختلف أنحاء العالم بالخوف والذعر، وتملكهم الرعب والهلع، وانتابهم شعور بأن الأرض زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، فكأن الصيحة ساعة النفخ في الصور قد أخذتهم؛ فأغلقت الحدود بين الدول، وعلقت الرحلات الجوية، وفرض حظر التجول، وعطلت الدراسة في المدارس والجامعات، وألغيت المواعيد العلمية، وتعطلت الأنشطة الرياضية، وأرجئت الصلاة في المساجد“ ص: 37، شاع الخبر عن الوباء، وصور البطل معاناة الشرية منه، وكيفية السيطرة عليه، لقد نقل الكاتب حالهم، وتدهور أحوالهم، وكان البطل هو عدسة القارئ ينقله من حال إلى أخر.
البطل العاشق، أحب عمر ألفة بعد لقاء صدفة صنعته أحداث كورونا، ونسج الكاتب مواقف كثيرة رسمت أبعادا اجتماعية جميلة تدعو إلى الخير والحب بين الناس، فهو غريب المكان، فكانت الصين محطة العشق والوئام في أجمل صورة قبل رحيلهما، تصاعدت شخصية البطل في الرواية، وكسبت الحوادث الكثيرة بين العاشق ومحبوبته؛ فهو لا يخفي أحاسيسه الغرامية، فقد عبر عنها بكل وضوح قائلاً: ”في الوقت الذي كنت أتبادل فيه أطراف الحديث مع ألفة ورفيقتها، تم الإعلان عن البدء في إجراءات تسجيل ركاب الرحلة المتوجهة إلى مطار دبي، كنت في هذه الأثناء أفكر في الجلوس إلى جانب ألفة في الطائرة، وأرغب في اغتنام الفرصة لمواصلة الحديث معها، والتعرف إليها أكثر“ ص: 45، إنه بطل لا يعرف اليأس، ولا يقف أمام الظروف الصعبة، بطل لم يفكر بالوباء، والخوف من اقتراب الناس، فألفة غريبة، وفي بيئة أصاب أهلها الكورونا، لكن البطل اقترب، وأشعل قلبه نيران الحب، وصار الحب عشقاً.
البطل وقوة الحدث: دفع البطل الرواية في أحداث كثيرة، لعبت دورها في زرع المواقف ونموها في الرواية، لتصل بالرواية إلى حبكة متماسكة يصنعها البطل مع الشخصيات الأخرى، كقوله: ”فجأة، وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، رن هاتف ألفة.. أظنها تعمدت فتح سماعة الهاتف، لتوصل إلىّ رسالة بعدم أهمية نوفل في حياتها، فقد كان هو المتصل، ردت عليه،… لم يعجب ألفة حديث نوفل، لا سيما أنني كنت أسمعه، وأنهت المكالمة معه، وهي منزعجة؛ وطلبت الإذن بالانصراف، فقلت لها: لن أدعك تغادرين وأنت منزعجة، سوف أوصلك إلى البيت، إن لم يكن لديك مانع“ ص: 89، وهكذا فالبطل لا يخاف من النتائج؛ فهو مقدام أمام الأمور الصعبة، وحرك البطل الحادثة مع تفاعل الشخصيات الثانوية، إنه تفاعل صاعد الأحداث، وأرسل إلى المتلقي إشارات معبرة عن علاقة البطل بالآخرين.
البطل الاجتماعي: عمر رجل كريم وأصيل؛ فهو يحب الضيافة، لا يكره الناس، يرحب بالآخرين، ويحسن ضيافتهم، ومعالم الكرم تظهر في قوله: ”ذات مساء دق جرس بيتنا، فتحت الباب ففوجئتُ بألفة شاخصة أمامي، رحبتُ بها ودعوتها إلى الدخول؛ فإذا بأمي قادمة تسأل: من بالباب يا عمر؟ فعرفتها إليها قائلاً: إنها ألفة صديقتي التي حدثتك عنها، رحبت أمي بها كعادتها عند قدوم أي ضيف، وسألتها كيف تحب قهوتها، ثم تركتنا لتحضر لنا القهوة“ ص: 102،فعائلة البطل تتمتع باستقرار اجتماعي فيه المحبة والصداقة وربط العلاقات بين أفراده، لذلك أرشدنا الكاتب أن شخصية البطل العائلية كانت إحدى مقومات شخصيته واستقامتها.
البطل الرؤوف: شخصية البطل عمر تحب الخير للناس، لا تقف عن مساعدة الآخرين بعيداً عن المصالح وتبادل المنافع، والدليل على ذلك النص الآتي: ”توجهت صوب شارع الحبيب بو رقيبة،..في الطريق عرضني في منتصف شارع باريس، رجل ناهز الخمسين، يلمع الأحذية، وبجانبه طفل، ثيابه بالية، لكنها نظيفة لم تخفِ وسامته ونجابته ونباهته.. نظرت إلى حذائي، فإذا به يحتاج إلى زيادة تلميع، فاقتربت من الرجل، وتبسمت للطفل الذي بجواره، وسألته: -ما اسمك يا بطل؟
- اسمي لبيب.
- اسم جميل ..يبدو اسما على مسمى.
- شكرا لك ياعمّاه.
- في أي قسم (صف) تدرس؟
- في القسم الثالث.
- هل نجحت في دراستك؟
- نعم نجحت.. الأول على القسم.“ ص: 114
إن البطل أعجب بالفتى، فهو قريب منه، يحب العلم، ويتبوأ المقاعد الأولى في الدراسة، ولبيب يعمل ويدرس؛ فهو تحدى الظروف المادية، ومظاهر الفقر، وعبر البطل عن إحساسه حول الفتى قائلاً: ”آلمني أن الطفل يلمع الأحذية مع والده، في هذا العمر، لاسيما أنه طفل وسيم ذكي، لبيب، ناجح ومتفوق“ ص: 115، إنه طفل عصامي مثله، ولكن البطل واصل الحديث مع والده، وفهم أسباب الفقر والحرمان الذي يعيشه الصبي، وعرف أن لبيب ينظم وقته ويبدع في العطاء، وقرر البطل مع الوالد أن يأخذ لبيب إلى مدينة الألعاب للترفيه والتنزه، يقول البطل: ”ذهبنا ثلاثتنا (أنا ولبيب ووالده) ظهيرة يوم الأح إلى مدينة الألعاب، وقضيت يوماً جميلاً فيها.. لعب لبيب بكل الألعاب تقريباً، وتناول الأكل الخفيف والمشروبات.. وفي أثناء العودة عرجنا على دكان لبيع ملابس الأطفال، واشتريت للبيب كل ما يحتاج، ثم أوصلتهما إلى البيت، شكرني الرجل، وقلت له: أنا مسئول عن دراسة لبيب إلى أن ينال الشهادة الجامعية“ ص: 119، هذا المشهد دل على الرأفة البطل وعطفه على الضعفاء، وطريقة الاحسان للآخرين دون المساس بكرامتهم، أو إذلالهم، فالكاتب أعطى صورة مشرفة لسلوك البطل المتميز في الرواية، وكانت المواقف السابقة جسر مودة مع القارئ حتى يتعلم السلوك الحسن مع غيره.
البطل الشاعر: أخذنا الكاتب نحو البطل الذي يحب الشعر ويتقنه، فقراءة الشعر تغذي النفوس، وتفتح العقول، يقول البطل في أبيات عذبة:
”وأخذت أنشد مخاطباً طرابلس، عروس البحر الأبيض المتوسط الحزينة:
اخلعي عنكِ
عباءة الحزن!
انسي الترح
ارتدي الثوب الأبيض
ثوب الفرح
أنت عروس
الأسود لا يليق بك
سوى الفرح
خذي زينتكِ“ ص: 132
وفي موضع آخر من الرواية سطر البطل قصيدة أخرى بعنوان: امرأة من مشاعر…
”سيدة النساء!
امرأة من مشاعر
أبراج من إباء
جبال من كبرياء
تنبت في صحراء قلبي
كشجرة البلوط
ترتوي بماء عشقي
تختبئ بين ضلوعي
تفيض بها براحات قلبي
تشهق باسمها أنفاسي“ ص: 143
تنوعت قصائد البطل بين النص الوطني والعاطفي، وأجملها بوح القلم، ونقلها إلى رسالة صوتية قائلاً: ”والأرض ترقص من إيقاع مشيتها ** والشمس تشرق حين الوجه يبتسم ** والقلب يخفق من آثار ذكراها ** والعين تدمع والأعضاء تختصم ** إن أقبلت بُهر النُظار من وهج ** يغشى العيون ويأبى وصفه الكلم“ ص: 160
كان البطل يغرد بقصائد وطنية وعاطفية، ولا نرى أبيات عن الوباء الكورونا، وفي شعره لمسات موضوعية وفنية جميلة، ومادة خصبة للنقاد، لقد اتخذ الكاتب ن الشعر أريحية للقارئ الذي تابع سرده، وتعلق بالشخصيات والأحداث المتلاحقة في الرواية.
الشخصيات الأخرى:
جمعت الرواية شخصيات متعددة، أدت دورها في الأحداث، وأخرى كان دورها ثانوياً، عبرت دون أن تحقق مكانتها في الرواية، من الشخصيات المتميزة شخصية ألفة التي دلت على وعيها وثقافتها، أحبها البطل، وتعلق بها، سندته في غربته، ومرضه، ووقف معها في الرخاء والشدة، تتنزه ألفة في أنحاء الرواية، وتتجول بأحداثها ومواقفها، وحبكتها، تمر ألفة في الرواية محطات كثيرة، وكل محطة تزهر المكان بالعطاء ونسمات الرقة والمحبة، هي نموذج المرأة الواضحة المثقفة، طموحها لا حدود له، تهتم بالعلم والعمل، والوقت، تتميز شخصيتها بالوضوح والحوار الذي يخدم الحياة بوجهها المشرق، تعلقت بالبطل ووجدته فارس الأحلام الذي تبحث عنه، والرجل الذي تعتمد عليه لبناء حياة أسرية ناضجة، إن القارئ يتآلف مع ألفة وأسرتها بكل يسر وتوافق في أفكارها وطباعها، وسأورد بعض النصوص التي تدل على ذلك قول ألفة:
”أين أنت يا عمر؟ لماذا غبت عني طوال هذه المدة، ولم تعد تتصل بي، ولا تكلف نفسك حتى بالرد على اتصالاتي؟ لقد أدخلتني في حيرة من أمري، لثقتي بأنك لا تقوى على فراقي، لا تصبر على عدم مكالمتي هاتفياً، ولو يوماً واحداً، فكيف لا تتصل بي، ولا ترد على مكالماتي أسبوعاً كاملاً؟ لقد نفذ صبري؟ فقررت أن أزورك في البيت، للاطمئنان عليك“ ص: 102.
فالشخصية حيوية نشطة تؤدي دورها بنجاح، وفي أحيان أخرى نرى غلبة سرد البطل على الشخصية، فيتحدث بلسانها، ويصف أحوالها، كقوله:
“في بداية شهر أغسطس/ أوت باشرت ألفة عملها، بجريدة الشروق التونسية، بعد غياب طويل دام عدة أشهر، وبعد أسبوع من مباشرتها العمل، التقت بصديقتها الشاعرة نجاة البدوي، في مكتب صديقهما الأستاذ محمد المازني، حيث جاءت تسلمه نصوصها الشعرية الجديدة“ ص:136.
وتمنيت من الكاتب الفاضل أن يجعل ألفة تتحدث عن نفسها، ونسج حدثاً بسيطاً نرى فيه حركة ألفة وطريقة عملها، لكن البطل سيطر على السرد، ولم يجعل الشخصية الثانوية تأخذ حركتها وتطورها في النص، وكلما زادت حركة الشخصيات في الرواية ازداد تفتح القراء إليها، والرغبة في متابعتها، ومع ذلك فإن في ألفة جمال أدبي ومواقف ناضجة في الرواية يستحق المؤلف الثناء والتقدير فيها، وفي مواطن كثيرة نرى تعلق ألفة بالبطل والتقرب منه، والتغلب على مواجهة الصعاب للوصول إليه.
هناك شخصيات أخرى متعت القراء، كانت كالفاصل بين الحدث الرئيسي للرواية، ارتبطت الشخصيات بالبطل ارتباطاً عارضاً منها شخصية الصبي لبيب، وشخصية سنية صديقة ألفة، وأسرة عمر، وجميلة التي تعمل في المقهى، فدورهم ينتهي بانتهاء الموقف الرواية، ودورهم ثانوياً يساهم في ربط نسيج الرواية، وطريقة رسم البيئة المحلية والعربية العالمية، والانتقال من شخصية لأخرى في الرواية من الجماليات السردية التي يستريح القارئ فيها بين الحين والآخر
نوفل: من الشخصيات المتحركة، والنفس التي لا يطمئن إليها القارئ، وكلما دخلت الحدث أوقعت البطل وألفة في مشاكل لا حصر لها، فهو قريب ألفة وخطيبها السابق، جاء البطل وسرق قلب محبوبته، لذلك تعامل نوفل مع البطل معاملة شرسة، مزجت بأحداث كثيرة، ومواقف تثبت سوء نيته، ونذكر موقف لذلك، يقول الكاتب: ((توجهت صوب سيارتي، حيث كنت أركنها في موقف السيارات، بجانب مدينة قرطاج للملاهي، فإذا بشخص يعرضني، كان وجهه مسوداً وهو كظيم، فاستوقفني قائلاً:
- هل تذكرتني أو أذكرك بنفسي؟
- أنا نوفل، خطيب ألفة التي تريد تدمير حياتها، وتباعد بينهما وبين خطيبها، وتعطل زواجها، وتفسد فرحة عائلتها بها.
- من؟ نوفل؟ آه تذكرت ! لقد التقينا يوم خروجنا من المستشفى أنا وألفة.
- أريد منك الخروج من حياتنا أنا وخطيبتي ألفة.. هل هذا أمر صعب عليك؟))ص: 99-100، فشخصية نوفل حاربت البطل بطرق متعددة حتى يترك ألفة، وكانت الشخصية تظهر بين الحين والأخر، وتبين علامات الشر للطرفين العاشقين.
كانت الرواية ساخنة بالشخصيات مؤثرة في العمل الروائي، وصورت الشخصيات المجتمع الليبي والتونسي في انسجام العلاقات الاجتماعية، وظلت الشخصيات نامية ومتطورة حتى نهاية الرواية، مزجها الكاتب بالحركة والتفاعل والتطور تجاه ما يحدث من مواقف مع الآخرين.
4- القيمة التعليمية للرواية:
للرواية قيمة في المناهج التعليمية للمرحلة الثانوية، فالقصة أو الرواية للناشئين تقوي مداركهم اللغوية والأدبية، وخاصة الثانوية والمراحل الجامعية، فهي قريبة من واقعهم، وأحداث حياتهم، وتشمل على كل الفنون (المسرح، الرواية، الشعر، قراءة التراث الليبي والتونسي)، والتعرف على الثقافات العالم.))
بلد الطيوب، الخميس 31 ديسمبر 2020
_ كتبت عنها الإعلامية الليبية " ألفة عبده " :
(( أقل مايقال عنها أنها رائعة بمفرداتها وتشويقها ))
_ كتبت عنها الكاتبة الأكاديمية التونسية " زهرة ثابت " :
((الربيع الباسم ذاك ما يمني به الراوي نفسه..فكما أزهر قلبا عمر وألفة وكان حبهما ربيعا في ظرف عسير، كذلك ينبغي أن تزهر الأوطان(ليبيا اساسا)رغم غم كورونا التي جثمت بثقلها على الأمم فأفقدتها الأمل بالحياة، ورغم كرب الحرب التي أنهكت الجسم العربي؛ فأردته عليلا... إن الربيع المزهر ههنا إنما هو كناية عن حب الفرح والحياة والتشوق إلى مستقبل مزهر يصلح فيه حال الأمة وحال الإنسان... إن الربيع المزهر في رواية ربيع الكورونا ليس إلا أمارة دالة على حب الحياة ..على الاستمرار ..رغم الداء والأعداء... إنها رواية الانبعاث من جديد...))
___________
_المراجع :
• الدكتور أحمد رشراش: ربيع الكورونا ليست روايتي الأولى
https://www.facebook.com/Assaqeefa/posts/716078602353753
• أحمد رشراش في ربيع الكورونا
https://www.facebook.com/Assaqeefa/posts/707203413241272
• ربيع الكورونا في المكتبات التونسية
https://www.facebook.com/Assaqeefa/posts/71220879940740
• قراءة نقدية في رواية ربيع الكورونا "ابتسام صفر"