انتقل إلى المحتوى

مستخدم:ابومقعط/ملعب:3

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
جلالة سلطان حضرموت
علي بن صلاح القعيطي
امير قبيلة يافع
راعي الحل والعقد
ولي عهد السلطنة القعيطية وحاكم منطقة شبام
معلومات شخصية
الميلاد 1898م
خريخر
الوفاة 11 يناير 1948 (50 سنة)
القطن
الديانة مسلم
الزوج/الزوجة بنت الامير عوض بن علي القعيطي
امراة من الحواثرة من يافع
امراة من آل رشيد من يافع
الأولاد عبدالعزيز بن علي القعيطي
صالح بن علي القعيطي
سالم بن علي القعيطي
فضل بن علي القعيطي (توفى صغيرا)
محسن بن علي القعيطي (توفى صغيرا)
الأب صلاح بن محمد بن عمر القعيطي
الأم شيخة بنت عجران بن محفوظ

السلطان علي بن صلاح بن محمد بن عمر بن عوض القعيطي هو ولي عهد السلطنة القعيطية في

سيرته[عدل]

ولد السلطان علي في عام 1314هـ، والموافق لسنة 1898م، في خريخر عند خواله آل محفوظ، كالابن الثاني لابوه الامير صلاح بن محمد، امير شبام، وقائد جيوش حملة القعيطي لاخضاع دوعن، وحفيد مؤسس السلطنة القعيطية بحضرموت، والذي ولد وترعرع وتوفى في ديار يافع بالقطن(1)، وكان مشهورا بحكمته وحنكته وشدة كرمه كما وصفه ابن عبيدالله بأنه:

«كان شهما محنكا وقور الركن، غزير الحكم، مشاركا في العلم والتاريخ، رحب الجانب ينصف المظلوم من الظالم، وكانت له ثروة ينفقها بالكامل على فعل المكارم وتقليط الضيفان.»

وتزوج الامير صلاح من امرأتان، الاولى كانت ابنة الشيخ سعيد بن عوض المرفدي اليافعي وهي التي انجبت له الامير محمد بن صلاح، والثانية كانت شيخة بنت محمد بن عجران ابن محفوظ من قبيلة كندة من اهل منطقة خريخر في حريضة، وهي والدة السلطان علي بن صلاح، توفى الامير صلاح مبكرا في يوم السبت الموافق للعاشر من ذي الحجة في عام 1318 هجرية، يوم العيد عند صعود الخطيب المنبر في الريضة، ودفن بمقبرة الهدار، وكان عمر ابنه علي حينها لا يتجاوز الاربع سنوات، درس علي بن صلاح في صغره بكتّاب القطن على يد الشيخ عبدربه بافضل، زامله المؤرخ صلاح البكري الذي كتب عنه قائلا:

«ولسرعة فهم الامير عجز أكثر زملائه عن مجاراته في تلقي الدروس وفهم معانيها.»

(البكري، حاشية ص85)

وكتب المؤرخ سعيد باوزير واصفا اياه في هذا الصدد قوله:

«وبدت على الامير علي مخايل الذكاء والفطنة منذ صباه، وعرف بالوقار والاتزان في شبابه.» (باوزير، 1961، ص171)

ولكن كان تعليم الامير محدودا، ولم يتعدى كتّاب بلدته، رغم كونه احد افراد الاسرة القعيطية، ومع ذلك فقد كان متفردا بثقافته وعلمه بين سلاطين القعطة، وامراء عصره، حتى وصفه الرحالة الهولندي فان در ميولين بأنه يسمو بخبرته العقلية وثقافته الروحية عاليا فوق الآخرين ممن يتخذون لقب سلطان في تلك الاماكن.

(فان در ميولين، 1999، ص197 - 198)

وتميز علي بن صلاح عن بقية سلاطين القعطة بأنه ولد وعاش طول حياته في حضرموت، ولم يغادرها قط، ولم تربطه اي علاقة بالهند او اي من بلدان المهجر، خلاف معظم سلاطين القعطة الآخرين الذين امتلكوا واداروا العديد من الاعمال هناك، وهذه الظاهرة كانت لها سلبياتها ومميزاتها، فقد ارتبط بوطنه الأم ارتباطا وثيقا، واهتم بقضاياها ومشاكلها، واصبحت المحور الذي دارت حوله اهتمامته، حتى وصفته الرحالة البريطانية فريا ستارك فقالت:

«لا يعرف الا القليل عن المكلا وسواحلها وبحرها، ولكنه عاش واهتم بشعبه.» (فريا ستارك، البوابات، ص179 )

وانصب اهتمام السلطان، كما يقول المؤرخ باوزير، على تاريخ قبيلة يافع في حضرموت، وخصوصا خلال حقبة نشوء السلطنة القعيطية، ومارافقها من فتن ومعارك وحروب ومعاهدات، بل وكان محتفظا بمجموعة من الوثائق الهامة ذات القيمة التاريخية بحكم وراثته لمركز القعطة في القطن، وهي اتفاقيات الصلح والسلام بين القبائل في وادي وصحراء حضرموت التي وقعها جدة السلطان محمد بن عمر عام 1860م بهدف تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وتعبر تلك المعاهدات عن المحاولة الاولى من نوعها في سبيل الحد من النزاعات القبلية قبل التدخل البريطاني عام 1936م. ( علي بن صلاح، ص44)

وقد زارته الرحالة والمستشرقة الايطالية-البريطانية فريا ستارك في قصره وتناولت معه بعض المواضيع التاريخية، لمعرفتها بثقافته وغزارة علمه، منها طرق البخور القديمة بين حضرموت وظفار وبير علي، والموضوع المتعلق بمدينة وبار المهجورة في عمق صحراء الربع الخالي، والتي اخذها الجن حسب الروايات الشعبية من قوم عاد، ووصفها الهمداني وابن الفضل بانها اخصب بقاع الأرض، ولا يمكن الوصول اليها بسبب الرمال والعواصف الرملية العنيفة، وقد تنبأ السلطان بموقعها بأنه بين عمان وحضرموت قبل اكتشاف اطلالها وبقاياها لاحقا في منطقة ظفار، واستشهد بما ذكره ياقوت الحموي وابن اسحاق عن موقعها.

(ستارك، البوابات، ص180)

وقال عنه المستشرق الشهير عبدالله فيلبي واصفا مقدرته العالمية:

«عندما يسترخي ويكون على سجيته، تبرز على الفور اهتمامه بالكتب والافكار والمعرفة، وبالنسبة لشخص لم يغادر بلاده بتاتا فان نظرته الثقافية ومعلوماته الواسعة بالعالم تثير الدهشة، يستمتع بتميزه بالحديث السلس والمعلومات الوفيرة التي يقولها، ومن الواضح انه واسع الاطلاع، ومن السهل أن تدير معه حوارا أكثر من أي شخص آخر قابلته في بلاده» (بنات سبأ، ص135)

ويذهب الكولونيل دانيال فان در ميولين، الرحالة، وقنصل هولندا في مدينة جدة الى القول:

«كان علي بن صلاح، الأرستقراطي والمفكّر الذي كانت روحه مترعة، والذي ارتقى ذهنه خلال فترات طويلة من المرض ومن دراسة الكلاسيكيات العربية.» (ميولين، 1999، ص252)

ويصفه المؤرخ باوزير بأنه اكثر السلاطين تقربا واختلاطا بعامة الشعب، وأشدهم رغبة في التعرف على أحواله، فكان قصره العامر مقصدا للزوار من مختلف الفئات الاجتماعية، وكان حتى البسطاء من اهل البادية لا يترددون في زيارته والجلوس بجانبه في مجالسه الخاصة، ومبادلته الأحاديث، وكان السلطان يقضي ساعات طويلة في مجالسة قاصديه واكرامهم والتعرف على احوالهم وسؤالهم عن مراجعهم في القبائل ومايتصل بها من حوادث وأخبار، ولهذا فقد كان على قدر كبير من المعرفة في سلوم وعلوم العرب وتاريخهم وزعمائهم رغم ضعف تعليمه النظامي، وكان اسمه ألمع الأسماء على الاطلاق في اوساط القبائل ذات الشأن في مجرى أمور حضرموت والمشرق، فلم يكن أبا تقليديا لجميع افخاذ يافع فحسب كما جرى حسب العرف، بل كان يتمتع باحترام وتقدير قبائل نهد، وتميم، والمناهيل، والحموم، والكرب، والصيعر، والجعدة، وسيبان، وحتى آل كثير والقبائل القريبة من المشرق من يام ودهم وعبيدة قحطان، وكان ذو صلة وثيقة بشيوخ ومعرفين جميع قبائل المشرق، ومقربا منهم، وكان يهوى مجالسة الشيوخ والاعيان وكبار السن من رجالات يافع والقبائل الاخرى، وحتى التجار والحضر.

(باوزير، الفكر والثقافة، ص171-172)

تولى علي بن صلاح ادارة منطقة شبام والقطن بعد وفاة والده حاكما لها نيابة عن سلطان الشحر والمكلا، واحتل المنصب في عهد السلطان غالب الأول، واستمر فيه على عهد السلطان عمر، ثم فترة من حكم السلطان صالح، ثم أزيح من سدة الحكم عام 1938م، وبقي في القطن بعيدا عن السلطة المباشرة، ولكنه شارك فيها بطرق اخرى حتى عام 1945م عندما حوكم ونفي الى الشحر وبقي رهن الاقامة الجبرية بسبب معارضته لبعض السياسات القائمة حينها، ولكن هناك تضارب في الروايات حول عدد المرات التي ازيح بها من السلطة، حيث يقول ابن عبيدالله عنه:

«تكررت ولايته على شبام وعزله عنها، لأن السيد حسين بن حامد المحضار كان منصرفا عنه في باطن الأمر كلما ولّاه مدينة أبعده، وصلح حاله أولا مع الأمير سالم بن أحمد القعيطي نائب السلطان عمر بن عوض، ثم تغير وناب في الأخير مدة أقصر عن السلطان صالح ثم أقيل.»

(علي بن صلاح، ص55، نقلا عن ادام القوت)

اما انجرامس وفريا ستارك فقد اشاروا الى خلاف ذلك، حيث قالوا انه عاد لمركزه حاكما على القطن وشبام في عام 1937م. (ستارك، شتاء، ص33)

اما باوزير فقد كان يصور الأمر بشكل مختلف، فيقول ربما حصل بينه وبين نواب السلطان في المكلا شيء من سوء التفاهم، فترك لهم شؤون الادارة في شبام ولكنه عاد الى القطن وضواحيها في امارته الصغيرة، والتي تعد شبه مستقلة عن السلطنة القعيطية الأم في الشحر والمكلا. (علي بن صلاح، نقلا عن مخطوط باوزير، ص56)

وكان علي بن صلاح في بداية أمره من المتحمسين لولاية السلطان صالح بن غالب القعيطي الذي استبشر به سائر الناس، ورؤو فيه الخير والصلاح للبلاد والعباد، فكان اول المستقبلين له في عاصمته عندما تولى الحكم، وذهب اليه مباشرة على رأس وفد من مشايخ واعيان قبيلة يافع وحلفائهم لتهنئته. (علي بن صلاح، ص59)

عصره[عدل]

عاش السلطان كل حياته في النصف الاول من القرن العشرين، في عصر كان مليء بالاحداث الجسام الصاخبة والتي تركت بصماتها بشكل واضح وجلي على جبين العصر، بل وتخطت ذلك الى العصور التالية ، وقد اثرت بطبيعة الحال تلك الاحداث على سيرة السلطان علي بن صلاح سواء بشكل مباشر او غير مباشر، فقد كانت تلك الفترة توافق الحقبة التي بزرت فيها ذروة النشاط الاستعماري للقوى الاجنبية في منطقة الشرق الاوسط، وقد تقاسمت تلك القوى نصيبها من النفوذ في المنطقة كنتيجة للفراغ الذي احدثه ضعف وزواح العثمانيين، ومن ثم خسارتهم في الحرب العالمية الاولى، مما احدث تغييرا كبيرا للمشهد السياسي في المنطقة، فحاز البريطانيين بالمقام الاول على نصيبهم الاكبر من الغنائم، وتقاسمها معهم الفرنسيين، وبدأ كل منهم يمدد مناطق نفوذه على حساب الآخر، من باب التنافس الاستعماري فيما بينهم، وعاش السلطان علي بن صلاح بدايات حياته في خضم هذا الصراع الاقليمي شاهدا على كل مايحدث من حوله. (ص22-25 ع.ص)

وكان من ابزر احداث تلك الحقبة هي الحماية البريطانية التي فرضت على السلطنة القعيطية وبقية السلطنات المجاورة لها بحضرموت، وقيدت علاقات سلاطينها مع الدول الاخرى، بل واثارت سخطا كبيرا عليهم من الداخل واشعلت النزعة القومية في نفوس قبائل واهالي حضرموت ممن لم ترق لهم بنود معاهدة الحماية، التي كان الهدف من وراءها هو الحد من نفوذ السلاطين في المنطقة، لكونه في نظر البريطانيين ضارا بمصالحهم، وقد سعوا ايضا عبر تلك المعاهدات لابعاد السلاطين وعزلهم وغض ابصارهم عن مستعمرتها البريطانية في عدن، والتي كانت مهمة لتأمين حركة اساطيلهم وناقلاتهم البحرية من محيط الهند الى اوروبا، فكما قال المندوب البريطاني انجرامس في اقتباس منقول له عبر لورنس العرب " يجب ان نحافظ على عزل مناطق نفوذنا في جزيرة العرب ممن حولها، وذلك باقامة سياج حولها من كل الجوانب، وطالما ظلت اساطيلنا تجوب المحيط، فسنترك حينها الجزيرة تصارع قدرها المعقد والمميت ". (النوبان، ص21-22 )

وقد شهدت حضرموت ايضا خلال الفترة ماقبل تلك الحقبة صراعات عديدة متشعبة، بين اهاليها وقبائلها من الداخل، كالصراع بين يافع وآل كثير، والصراع بين سلاطين يافع كامتداد لما حدث في السابق، بين آل بريك وآل كساد والقعطة، بل وحتى الصراع بين سلاطين القعطة انفسهم لاحقا، من مؤيد ومعارض لسياسات الحماية التي قبل بها سلاطينهم، وهدأت كل تلك الصراعات في مطلع القرن العشرين ولكن بقيت اثارها مؤثرة على الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة.

( عكاشة، 1985 .. اليزيدي 1996 )

وكان من اولئك المعارضين لتمدد النفوذ البريطاني السلطان علي بن صلاح، والذي كان يتمتع باستقلالية ووضع خاص في ادارته للقطن على مايبدو، حيث لم تذكر وصايا السلطان عوض ( صديق الانقليز ) منطقة القطن كجزء من مناطق نفوذ ورثته، رغم انها تتبع السلطنة القعيطية، بل وكانت منبع ومنشأ القعطة وبلادهم الام، ونقطة انطلاقهم للسيطرة على بقية حضرموت، وكان من المعارضين برفقته ايضا الامير حسين بن عبدالله القعيطي القائل:

ياحي ياقيوم يافاتح لنا ابواب الظفر
يافرد ياقهار من بيدك تصاريف الامور
حكموا بغلطة كلهم والغدر يكفي من غدر
من خان مايفلح في الدنيا ولا يوم النشور
كل من صرط مغضاف بنغصبه يقذفها فقر
ولا فلا غنن بنات البدر دقلات الخصور
وبعد ذا بالخط حيا من تسهل وابتكر
بابيات في قرطاس تشفي القلب من جمع الضرور
اسرع بها فالريل ليا بمباي ونول بالسفر
في مركب الدخان زين المشي خواض البحور
لما المكلا للشريف حسين بن حامد ظهر
واصل من الدكن وقبل كف محضار الشرور
وقلة التزوير من خبث البضاعه عالتجر
لا عذر مايرجع عليهم عكس من ساعة عسور
كل(ن) من اهل الافك بايندم على مضوى سقر
كثر الطمع يازي على قل الديانة والفجور

( علي بن صلاح ص32-34 )

وقد انتهى ذلك الصراع الداخلي بطبيعة الحال بانتصار الطرف الذي مالت له الكفة الاقوى، السلطان عوض، بمساندة كل من البريطانيين من الخارج والعلويين من الداخل، اضافة الى ثرواته الناتجة عن ممتلكاته بالهند، والتي لعبت دورا هاما بتحقيق النصر له على حساب القعطة المعارضين للسياسات البريطانية، ونتج عن ذلك اقصاء السلطان صلاح بن محمد وابنه محمد من بعده، والامير حسين بن عبدالله التي تم نفيه الى الهند.

( علي بن صلاح ص34 )

وعاشت بعد ذلك حضرموت عصرا مريرا فبينما ازدرهت المدن الساحلية كالمكلا والشحر، انتشرت الفوضى والحروب والغارات القبلية في الوادي والصحراء على الجانب المقابل، كنتيجة لبعد وانعزال تلك المناطق عن المركز وعدم اهتمام السلاطين المتأخرين فيها، وقد وصف ذلك الشاطري في ما اسماه بالدور القبلي قائلا "واسترسلت القبائل المسلحة في الحروب والفوضى، فانقسمت كل قبيلة على نفسها الى فخائذ واسر تتطاحن في ما بينها وتظلم العزل - من الفلاحين واهل الحاضرة - الذين لاحول لهم ولاقوة، وبلغ حال البعض منهم الى درجة ترويع النساء والاطفال وبيع الاحرار ونهب الاموال وقطع الطرق" (الشاطري 338-340) وكتب باوزير واصفا المشهد بقوله "اصبحت القبائل المسلحة تسيطر بشكل فعلي على معظم مناطق الداخل، حيث كان دور الجيش النظامي هو الحفاظ على امن المدن فقط ولم يولوا اي اهمية للمناطق في الضواحي والبادية، وربما عاثت بعض القبائل سلبا ونهبا وسفكت الدماء، ولم يخضعهم الجيش مع ذلك". (باوزير 1966، ص298-299) ووصف المشهد ايضا الرحالة الهولندي فان در ميولين، فقال انه شاهد العديد من مظاهر النزاعات التي تفتت من عضد المجتمع وتنهك قواه الانتاجية، فكانت تخرب المزارع والحقول، وتذبل الاشجار، وينحصر العزل من الناس في قراهم خوفا من بطش المتجبرين، (ميولين، 1998، الفصل العاشر) وعندما التقى نفس الرحالة بالسيد ابو بكر بن شيخ الكاف وجده يتوقع نشوب صراعات كثيرة اعنف بين البدو، اذا ما استمر الوضع على ماهو عليه، وغاب دور الدولة عن ضبط النظام خارج المدن، وكان السيد مقتنعا بان طلب الدعم من الطائرات البريطانية هو الحل الوحيد لاخضاع البدو للنظام، ووضع حد لتلك النزاعات والحروب التي اخرت المجتمع واستمرت لعدة قرون. (المصدر السابق)

ولم يكن الصراع القبلي هو الصراع الوحيد المؤثر على واقع المشهد الاجتماعي والسياسي لحضرموت آنذاك، بل جرى صراع آخر على خلفية دينية، وكانت احداثه بين العلويين وجماعة الارشاد التي تأثرت بالدعوة السلفية وحاولت الحد مما اعتبروه ظواهرا للبدع التي روج لها العلويون لتقديم مصالحهم الخاصة، حيث مكنتهم مكانتهم المحترمة بين الناس من تحسين وضعهم الاجتماعي والحصول على ثراء بشكل ايسر من المجموعات الاخرى، وخصوصا في المهجر.

(البكري، ص237) ( نتالي موبيني، كيشه، 1997، ص231-ص248 ) ( بوجرا، 1997، ص28-33 ) ( فان در بيرج، 1997، ص189 )

وقد شعر العديد من العلويين بالتهديد مما روج له اتباع تلك الجماعة، الذين وصفوهم باهل البدع والخرافات، واتهموهم بخداع الناس، ورفضوا استخدام مصطلح (سيد) لوصفهم كما كان متعارفا عليه (المصدر السابق)، ولهذا فلم يقف العلويون مكتوفي الأيادي امام تلك الجماعة، بل حاولوا الحد من نشاطاتها بالتعاون مع البريطانيين (داؤود، ص38)، وقد عمل السيد علي بن شهاب بكل وسعه مع المخابرات البريطانية بهدف اسكات جماعة الارشاد، ووضع حد لما يروجون له، وحاول اقناع البريطانيين بالضغط على سلاطين القعطة لمراقبة الموانئ والحد من تحركات الارشاديين، وتطوع السيد محمد بن عقيل بتقديم معلومات للبريطانيين ادعى فيها بان حركة الارشاد كانت تتلقى دعما من الملك عبدالعزيز آل سعود سلطان نجد والحجاز حينها. ( فريا ستارك، ص123 ) وقد تأثر السلطان علي بن صلاح بمعتقدات الحركة الارشادية في شبابه، ورآها مصلحة للمجتمع. ( علي بن صلاح، ص39-40 )

لم يكن السلطان علي بن صلاح فاحش الثراء مثل بقية أفراد اسرته الذين يمتلكون اعمالا في الهند، وكان يعتمد في معيشته على الراتب الشهري المصروف له، اضافة الى الضرائب التي فرضها على الابل والجمال التي تتجاوز طريق شبام وتعبر سور المدينة. (ميولين، 1998، ص138)

تولى علي بن صلاح منصب نائب السلطان في عام 1356هـ، خلال فترة غياب السلطان صالح بن غالب لذهابه الى حيدر اباد، أقام حينها السلطان في قصر السلطة بالعاصمة المكلا، وصرف كافة شؤون السلطنة نيابة عن السلطان، فقبض على زمام الأمور بحزم، وترك بصماته بجلاء، فأفتتح حينها مدرستان في غيل باوزير والقارة في فترة وجيزة، وأصدر عددا من القوانين التي تكشف عن نظرته لمسؤولية الحكم، ووجه اهتمامًا بالقضاء، فخلال شهر واحد (صفر 1356هـ) فأمر بتعيين اربعة من القضاة الشرعيين، اصبح لبعضهم فيما بعد باع طويل للقضاء في حضرموت، فممن عينهم كان الشيخ عبدالله بن عوض بن بكير الجدياني، ولاه القضاء على جميع نواحي الشحر ومتعلقاتها، وهو ذات القاضي الذي تولى فيما بعد رئاسة القضاء في كافة ارجاء السلطنة، وأصدر عدة قوانين تخص ادارة شؤون الجوازات وتنظيمها، ووضع قوانين اخرى تتعلق بدور الشرطة في العاصمة ومكانتهم في الحفاظ على الأمن، ونظم مهنة المحاماة بشكلها المدني، وكان لها خلال فترة نيابته سلطة كبيرة على القبائل حيث انه وبخهم ومنعهم من الاعتداء على المدنيين العزل ونهب محاصيلهم الزراعية، ولكن تلك التنظيمات لم تعجب انجرامس (المندوب البريطاني) لأنه اعتبرها وسيلة قد تؤدي الى نيل الاستقلال الكامل والتخلص من معاهدات الحماية الموقعة مع الانقليز، فكاد له وحرض ابناء بعض القبائل ضده ولكنهم فشلوا في اسقاطه، فأبتدع قضية بين السلطنتين المتجاورة ( القعيطية والكثيرية ) تتعلق بأوراق السفر وسيادة كل سلطنة، في وقت من المفترض أن تلك القضية قد حسمت فيه، ولكن لاضعاف دور السلطان علي بن صلاح وجره الى نزاع آخر مع السلطان الكثيري بهدف ضربه واخراجه من المشهد في غياب السلطان صالح، ولكن السلطان علي أدرك المخطط فكتب رسالة شديدة اللهجة للمندوب يوبخه فيها ويطلب منه تفادي مالا قد يحمد عقباه.

(علي بن صلاح، ص73)

توفى السلطان

صفاته[عدل]

وصف ابوه المؤرخ ابن عبيدالله الهاشمي بشجاعته وحكمته وكرمه، وكان نصه مايلي:

( ابن عبيدالله ، ص1) 41

عرف السلطان علي بن صلاح بأنه رجل اجتماعي، متواضع، قليل التعجرف مع عامة الناس، خلاف الطبع السائد بين الامراء في تلك المنطقة (ميولين، 1999، الفصل السادس عشر والفصل العشرون) ولعل هذا مادفع الرحالة البريطاني عبد الله فيلبي للقول بأنه يبدو عالما اكثر من حقيقة انه سلطان، (فيلبي، بنات سبأ، ص153) وكانت حصيلته المعرفية هذه سلاحا بحدين، فبقية السلاطين بل وحتى الانقليز لا يستطيعون الاستغناء عنه في حل النزاعات والمشاكل القبلية، التي تحتاج لمثل تلك المعرفة، ولكنها ايضا كشفت للانقليز قوة هذا الرجل وجعلتهم يهابون طموحاته الكبيرة ويخشون منها. (علي بن صلاح، ص48)

وكان يحب الظهور دائما بمظهر الأمير ميسور الحال، فقصره جميل ومكون من عدة طوابق، ولديه غرفة استقبال ضخمة، وكانت موائده غنية، حتى ان اهالي المنطقة كانوا يشبهونها بسفرة معاوية لوفرة مافيها ( علي بن صلاح، ص53 )، ووصف فان در ميولين حفاوة علي بن صلاح باستقبال ضيوفه قائلا:

«قدم لنا الشاي والفواكه، وكحفاوة خاصة وضع امامنا عسلا دوعنيا، وكان له جو خاص، وفي هذه الاثناء ذهب لتجهيز العشاء في غرفة اخرى.»

(ميولين، 1999، ص196-197)

تصفه فريا ستارك بأنه كان طويل القامة، نحيل الجسد، طويل الشعر، متواضع الابتسامة، لكن كلماته قانون في مملكته (ستارك، البوابات، ص178)، وأكد فان در ميولين على تلك الصفات، واضاف قائلا بأن عيونه دائما شديدة اليقظة. ووصفه انجرامس بانه كان يرتدي طربوشا يميزه عمن حوله في تلك البلاد، وكان يتمتع بنفوذ كبير بين البدو بسبب سمعة والده حسب حد اعتقاده، واضاف انجرامس قائلا:

«لايعطي وجهه الشاحب فكرة خاطئة عن شخصيته، فوجدته عندما يتعامل مع مرؤوسيه يصبح صوته لا يخلو من غطرسة السلطة، ولكن يعوقه الطمع الى حد كبير، مع هذا فمازلت دائما اجده محببا الى نفسي، وعلى الرغم من ذلك فأنا لا استطيع ان أثق فيه.» (انجرامس، 1952، ص246)

ويصفه صلاح البكري بألفاظ خطابية رنّانة فيقول:

«علي بن صلاح من أكبر رجالات حضرموت دهاء وحزما، حاد الذكاء، قوي الذاكرة، سريع البداهة، بعيد النظر، صريح الفكر، حر الضمير، نافذ العزم، قوي الارادة.» (البكري، ص85)

ويصفه الشاعر سعيد بن محمد بن عمر (عمار، ص19) قائلا:

يابن صلاح الأسد يابلقة الهام
ياسم قاتل حمه بلقها هام

وهناك تضارب واختلاف كبير حول شخصيته، بين محبيه وكارهيه، فيصفه محبوه بأنه صاحب قبضة السلطة الواثقة، اما كارهوه فيصفونه بغطرسة السلطة.

(علي بن صلاح، ص54)

مواقفه[عدل]

انشأ السلطان علي بن صلاح اول سور حول عاصمته بالقطن، فأصبحت تسمى الحوطة واحيانا حوطة القعطة بعدما كانت تسمى الخيلة، وذلك لكونها محاطة بسور، ولكنها كانت قريبة من منطقة اخرى تسمى حوطة العيدروس، يسكنها جماعة من السادة آل عيدروس، فسمع السلطان احد قاصديه في يوم من الأيام يقول أنه جاءه من الحوطة للحوطة، ويقصد انه جاء من حوطة العيدروس الى حوطة القعطة فلم يعجب السلطان بالتعبير وقرر تغيير اسم البلدة الى الريضة، وهو اسم مأخوذ من التريث ويطلق عليها باللهجة العامية اسم الراضة، اي البلدة الهادئة، وسرى هذا الاسم على البلدة حتى غلبها اسم المنطقة "القطن" لاحقا.

(علي بن صلاح، ص61)

وكان للسلطان دور كبير في تهدئة الخلافات والثارات بين القبائل، نظرا لفهمه مشاكلهم واسبابها، ففي لقاء مع انجرامس حول ذلك قال بأنه قد تمكن من تهدئة شيوخ القبائل بطريقته العربية الخاصة، من حسن استقبال، واعطاء اعتبار، والاكثار من التراحيب، وتجديد الاحلاف والاتفاقيات القديمة، وربط من لم يرتبط بعد، وتعزيز مكانة القبائل في الجبال والبادية وربطهم بالمدن المركزية والمطارات لمعالجة قضايا الصراع القبلي.(المصدر السابق) (باوزير، 1961، ص175)

(الجزيرة العربية والجزر، انجرامس، ص276-291)

وكانت له علاقة صداقة قوية تربطه بمشايخ نهد والصيعر، وقبائل روح تميم في رخية، وخصوصا الحكم علي بن ثابت النهدي الذي تبع السلطان في وفد من قعوضة للتوقيع على معاهدة تنص بالحفاظ على الأمن العام والاستقرار في المنطقة، وفض النزاعات الجارية بين القبائل الاخرى. (علي بن صلاح، ص63) (ميولين، 1998، ص137)

وقد حاول السلطان ايضا منع الطائرات البريطانية من قصف الصيعر كاجراء تأديبي لهم بسبب غاراتهم على منطقة الكثيري الواقعة تحت الحماية البريطانية، حيث انه بعث رسالة بطلب الى مندوبهم السامي، انجرامس، ينصحه فيها باقناع البريطانيين لاستخدام السياسة والتفاوض بدلا من العنف، ونصها:

«سنكون ممنونين ان تفضلتم بتحرير كتب الى الصيعر، وتبذلون غاية مجهوداتكم لترغبوهم أن يصلوا بالسلامة الى عندنا وأن نتفاوض معهم على حل وسط، فحكومتنا لاتحب استعمال القوة ولكن طائراتكم في سيؤون، فنحن نريدكم ان تكونوا حاضرين معنا وتعملون مثلما عملتم معنا في السابق.»

(1937/10/2، وثائق السلطان، ص65 علي بن صلاح)

حاول السلطان علي بن صلاح اصلاح القطر الحضرمي كاملا من كل النواحي، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتجاوز في محاولاته الاصلاحية محيط نفوذه في السلطنة القعيطية، بل تعداه الى الدولة المجاورة والتي كانت تعتبر عدوا تاريخيا لاجداده، وهي السلطنة الكثيرية، التي أسس فيها حزبًا اصلاحيًا باسم الحزب الاصلاحي الاقتصادي، ودعى عبره الى بث روح التعاون المادي والفكري بين ابناء الشعب، وكان من اهداف الحزب ممثلا بنوابه داخل السلطنة محاولة اقناع أولي الأمر بكل الوسائل السلمية الممكنة بالاصلاح والانتقال الى مرحلة جديدة، والخروج من تقاليد الجهل والعصور الوسطى، ولم يكن وراء انشاء علي لذلك الحزب أي مطامع او محاولات لبسط النفوذ والضغط على الدولة المجاورة، بل كان حريصا على الحفاظ على ابقاء العلاقة جيدة بينه وبين السلطة بسيؤون.

(القدال، 1996، ص93-95) (علي بن صلاح ص76)

وقد كان له دور كبير في الحد من مؤسسة العبودية وتجارة الرقيق في حضرموت، بل وحاول منعها بكافة السبل الممكنة ووقع معاهدات لتقليص دورها.

(المصدر السابق)

آرائه[عدل]

كان السلطان علي بن صلاح يؤكد دوما على مجموعة من القيم والفضائل في مذكراته، اولها المحافظة على الدين، فيقول لابنه في وصيته:

«ان الدين هو المصدر الكافي لكل فضيلة، والهادي الى أقوم طريق بشرط أن يستقى من منبعه الصافي، ويؤخذ من أصوله المعتمدة، ولا يصرفنك عنه ماترى من جمود القوم وجهلهم، وما ألحقوا بدينهم من خرافات وعقائد فاسدة ليست منه، واياك أن تصحب من خف وازعه الديني فصار يضحي بدينه على مذبح مطامعه وشهواته.» (علي بن صلاح، ص51)

وفي احدى مذكراته تحت عنوان رائحة التفرنج توذيني يقول بنبرة ساخطة:

«انّى اتجهت تجدهم (يقصد الأجانب من الافرنج) يضطهدون العرب والمسلمين، ويغتصبون حقوقهم ويهينون دينهم، فلم يبق جزء من البلاد العربية الا واراقوا فيه الدم العربي الطاهر ظلما وعدوانا، ارضاء لمطامعهم الاستعمارية الغاشمة، فأي عربي لا يتحرّق غيظا على أولئك العلوج المفسدين والطغاة المستبدين، فيهبّ في وجوههم ثائرا ساخطا قائلا: "هذه بلادنا، وهي لنا، ونحن لها، ارجوا الى بلادهم لا حاجة لنا بكم."»

ثم يصب جام غضبه على القوى المتعاونة معهم قائلا:

«يوجد بين العرب والمسلمين طائفة قليلة ايمانهم، دنيئة نفوسهم، سخيفة عقولهم، ضعيفة هممهم، خدعتهم المدنية الغربية، واستولى حب الافرنج على قلوبهم فأصبحوا عبيدا لهم.» (علي بن صلاح، ص51)

عائلته[عدل]

تزوج السلطان علي بن صلاح سبع مرات، وكانت زيجاته كلها من قبيلته يافع، الاولى من بنت عمه بنت الامير عوض بن علي القعيطي، وانجب منها بنتا، والثانية من آل عسكر النقباء من القطن، وأنجب منها صالح وسالم وفضل، الذي توفى صغيرا، وعددا من البنات، ثم تزوج من آل علي الحاج الحواثرة اهل الساحة، وانجب ولدا اسماه محسن، وكان زواجه الرابع من آل شجاع آل رشيد، والزواج الخامس من المرافدة، وزواجه السادس من آل طاهر، وانجب عبره ابنه عبدالعزيز، واخيرا زواجه السابع والذي كان ايضا من آل طاهر بعد وفاة زوجته الاولى في سن مبكر وابنها مازال طفلا. (علي بن صلاح، ص51)

الهوامش[عدل]

1: القطن هي منطقة واسعة على مدخل وادي حضرموت، تقع في شرق اقليم الكسر، وتمتاز بكونها وجهة مفضلة ومطمع لكل من البادية والحاضرة، حيث كانت مياهها الجوفية عذبة ومناسبة للزراعة، ومراعيها ومراتعها مفضلة للابل خصوصا بين الوديان. يتكون سكان المدينة المركزية فيها والمسماة بالريضة في المقام الاول من السادة وعوائل الحضر، وبعض القعطة ومواليهم، بينما يسكن ضواحيها عدة قبائل معظمهم من يافع ونهد، وكانت مدينتها سوقا رئيسيا من اسواق العرب في الجنوب، يقصده جميع اهالي المشرق والقبلة، من تجار الملح من اهالي شبوة، ومن قبائل الصيعر والكرب وهمام ويام ودهم وعبيدة.