انتقل إلى المحتوى

مستخدم:الشميري عبدالرحمن/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

المشاعرة[عدل]

المُشاعَرَة لغة : (اسم) مصدر الفعل شاعَرَ - يشاعر - مُشاعَرَةً ، فهو مُشاعِر : اسم فاعل من شاعَرَ ، وهو مُشاعَر: اسم مفعول من شاعَرَ ، وشاعَرَهُ : باراهُ في الشِّعْرِ ؛ وشَعَرَ، شَعُرَ : (فعل) لـ يَشعُر شِعْرًا - شَعْرٌ - شُعورًا ، فهو شاعر ، والمفعول مَشْعُور به ، ومنه : شَعَرَ الرَّجُلُ : قَالَ الشِّعْرَ ، وشَعَرَ لَهُ : قَالَ لَهُ شِعْراً ، وشَعُرَ الشَّاعِرُ : قَالَ شِعْراً جَيِّداً ، وشَعُرَ شِعْرًا: اكتسب ملكة الشعر فأَجَادَهُ ، وشَعَرَ شُعَرَاءَ عَصْرِهِ : غَلَبَهُمْ فِي الشِّعْرِ ؛ والشِعْر : (اسم) مفرد ، والجمع أشْعار ، وهو في اللغة : كلام موزون مُقفَّى قصدًا ؛ وفي اصَطلاح المنطقيين : قول مؤلَّف من أمور تخيُّلية ، يقصد به الترغيب أو التنفير ، كقولهم : الخمر ياقُوتةٌ سيَّالة ، والعَسَلُ قيء النحل [1] ؛ وللمشاعرة عدة مرادفات ، فهي : المحاورة ، والمناظرة [2] ، والمجادلة ، والمفاخرة ، والمناقضة ؛ وقد انتشرت وذاع صيتها في العصر العباسي ولم تكن حكراً على الشعراء فقط ، وامتدت إلى كافة مناح العلوم الشرعية والدينية واللغوية والنحوية والأدبية والفلسفية والفكرية ،سواءً بين المسلمين والمسلمين ، أم بينهم وبين أصحاب الملل والنحل الأخرى [3].

بعض المصطلحات المرتبطة بالشعر :[عدل]

  • أنشده الشِّعرَ: قرأه عليه .
  • أوابِدُ الشِّعْر: ما لا تُماثَل في جودتُه أو قوافيه الشاردة .
  • ربَّة الشِّعْر: آلهة الشِّعْر عند الوثنيِّين .
  • شطرا بيت الشِّعْر: الصدر والعجُز .
  • شِعْر مُفْتعَل: مبتدع أغرب فيه قائله .
  • مِصْراعا الشِّعْر: ما كان فيه قافيتان من بيتٍ واحدٍ .
  • مِنْ عيون الشِّعْر : مِنْ أفضل النماذج الشعريّة .
  • بيت الشِّعر: كلام موزون مؤلَّف عادةً من شطرين، (صدر وعجز)، وقد يكون شطرًا واحدًا [4].

أنواع الشّعر [5]:[عدل]

بما أنّ الشّعر يُعرَف بأنّهُ كلامٌ موزونٌ له قافيةٌ مُعيّنةٌ ؛ لذا فالقصائد الشعريّة تتبع لوزنٍ مُعيّن وتفعيلةٍ مُعيّنةٍ ، ويُسمّى هذا النَّسَق بالبحر الشعريّ؛ فتكون أبيات القصيدة كلّها مَبنيّةً على تفعيلةٍ واحدةٍ تتبع لبحرٍ مُعيّنٍ من بحور الشّعر العربيّ. وبحور الشّعر ستّة عشر بحراً وهي: المُتدارَك، والمُتقارِب، والمُجتثّ، والمُقتَضَب، والمُضارِع، والخفيف، والمُنسرِح، والسّريع، والرَّمَل، والرَّجَز، والهَزَج، والكامل، والوافر، والبَسيط، والمَديد، والطّويل[6].

وتتنوّع موضوعات الشّعر في كلّ قصيدةٍ شعريّةٍ عن غيرها من حيث الموضوع، والفكرة، والهدف المُراد من نظمها، ومن أهمّ المواضيع التي تتناولها القصائد ما يأتي:

  • الشّعر المسرحيّ: وهو شعرٌ موضوعيّ، ويتميّز بالوحدة العضويّة ؛ أي ترتيب الأحداث ترتيباً زمنيّاً أو سببيّاً، وقد ظهر في عام 1870، وهو عبارة عن مسرحيّات كُتِبَت بشكل شعريّ أو نثر مَسجوع، وتكثر فيها المَقطوعات الغنائيّة[7].
  • الشّعر الملحميّ: وهو شعر أسطوريّ ازدهر في عصر الشّعوب الفطريّة ، الذين تميّزوا في خلط الواقع والخيال والحكاية والتّاريخ ؛ ويُعالج الشّعر الملحميّ بشكلٍ عامّ موضوعاً بطوليّاً يرتكز على فكرة قوميّةٍ، كما يتضمّن الشّعر الملحميّ في الغالب فكرةَ الحرب والدّفاع عن البلاد، وتمجيد أبطال الحرب[8].
  • الشّعر الغنائيّ: وهو شعر ذاتيّ يُعدّ من أقدم ألوان الشّعر، ويُطلَق عليه اسم الشّعر الوجدانيّ، ويتّسم بارتباطه بالموسيقا والغناء، وبالتّعبير عن العواطف البَحتة ؛ كالحبّ، والحزن، والفرح، والبُغض[9].
  • الشّعر القصصيّ: ويتّسم هذا النّوع من الشّعر بأنّه يُقدّم قصّةً على شكل شعر، وتتوفّر فيه كامل عناصر القصّة الأساسيّة المُتمثّلة في السّرد، وتقديم أحداث القصّة، والوصف في إبراز صفات الأشخاص، والحوار، والنّهاية[10].
ولأنواع الشعر أشكال مختلفة ، وهي:[عدل]
  • الشّعر الشعر الحرّ: وهو من أنواع الشّعر الحديث ، لا يلتزم بالقافية ، أو بالوزن ، أو بحرف الرَويّ ، وكانت بداياتهُ من بغداد عام 1947م ؛ ويمتاز الشّعر الحرّ بالحُريّة في اختيار الوزن ، فلا يلتزم الشّاعر بتفعيلةٍ أو قافيةٍ مُحدّدةٍ أو طولٍ مُحدّدٍ للأسطر، ويمتازُ أيضاً باللّحن الموسيقيّ المُصاحب للأبيات الشعريّة ، وهذا يُعطي للشّاعر حُريّات أكثر في نظم الأبيات لعدم التزامه بتفعيلةٍ مُعيّنةٍ ، بل بالعدد الكبير من الكلمات التي من المُمكن أن تُضيف لحناً خاصّاً للقصيدة[11].
  • الشّعر العموديّ: يُعتبر أصل جذور كافّة أنواع الشّعر، ويتّسم بأنّه يحتوي على مَجموعةِ أبياتٍ كلّ بيتٍ يتألّف من مَقطعين ؛ يُسمّى الأول الصّدر، والثّاني العَجْز[12].
  • الشّعر المنثور: وهو كما عرّفته نازك الملائكة: (مجموعةٌ شعريّةٌ لم تعتمد الوزن والقافية التّقليديتين ، وغالبيّة القُرّاء في البلاد العربيّة لا تُسمّي ما جاء في هذه المجموعة شعراً باللّفظ الصّريح، ولكنّها تدور حول الاسم، فتقول إنّه شعرٌ منثورٌ أو نثرٌ فنيّ، وهي مع ذلك تُعجَب به وتُقبِل على قراءته ، ليس على أساس أنّه نثر يُعالج موضوعاتٍ أو يَروي قصّةً أو حديثاً ، بل على أساس أنّه مادّةٌ شعريّةٌ ، لكنّها ترفض أن تمنحه اسم الشّعر)[13].
  • الشّعر المُرسَل: هو شعر موزونٌ دون قافيةٍ مُحدّدةٍ، أي أنّهُ يلتزم بالتّفعيلة الواحدة للبحر دون الوزن الشعريّ[14].
  • شعر الرُباعيّات: وهو نوعٌ خاصّ من الشّعر يُعرَف بأنّه عبارةٌ عن بيتين من الشّعر مُتّفقين في الوزن والقافية ، وعادةً تكون الرُباعيّات مُكونةً من أربعة أبياتٍ فقط، تحمل فكرةً ومَضموناً ينتهي بانتهاء الأبيات الأربعة ؛ ومن أشهر الشّعراء في الرُباعيّات : الخيّام ، وصلاح جاهين ، وجلال الدّين الروميّ[15].

وللرُباعيّات أنواعٌُ مُتعدّدةٌ وهي: الرُباعيّات المُعرّجة ، والرُباعيّ الخاصّة ، والرُباعيّات المنطقيّة ، والرُباعيّات المُرفّلة ، والرُباعيّات المَردوفة[16].

لغة الشّعر :[عدل]

الشّعر من حيث اللّغة نوعان [17]، هما :

  1. الشّعر العاميّ: وهو الشّعر الشعبيّ المَحكيّ أو المَكتوب بغير اللّغة العربيّة الفصيحة ، وإنّما بِلُغة النّاس العاميّة المُتداوَلة بينهم، مثل الشّعر النبطيّ، والزَّجَل، والمَوَّال، والشّعر الشعبيّ.
  2. الشّعر الفصيح: وهو الشّعر المَحكيّ أو المَكتوب باللّغة العربيّة الفَصيحة.

أغراض الشّعر:[عدل]

يختلف الشّعر من حيث أغراضه ومضمونه ، وأغراض الشّعر مُتعددةٌ وكثيرةٌ [18] منها:

  • شعر الغزل: وهو شعر الحبّ ، وغالباً ما يُكتَبُ في حُبّ النّساء.
  • شعر الوصف: وهو شعرٌ يقوم على وصف الأشياء والأشخاص ، لجعل القارئ يستحضرهم كما هم عليه في الحقيقة عندما يقرأ شعر الوصف.
  • شعر المدح: وهو الثّناءُ على ذي شأن بما يُستحسَنُ ثناؤهُ ، مثل الأخلاق ، والذّكاء ، والعدل ، والشّجاعة.
  • شعر الرّثاء: وهو إظهار مَحاسنَ ومناقب المَوتى ، وإظهار مشاعر الاشتياق لهم ولذكراهم.
  • شعر الهِجاء: وهو الشّعر الذي يَنفي أيّةَ محاسنَ أو صفاتٍ حميدةٍ عن شخصٍ أو قبيلةٍ.
  • شعر الحكمة: الذي يكون قصده نابعاً من الحكمة.
  • شعر الاعتذار: وهو طلب الصفح عن أمر ما .
  • شعر الفخر: وهو مدحُ الشخص لنفسهٍ ، ولقبيلته ، ومكانتهم ، وبطولاتهم ، ونسبهم.

فن المناظرات .. الوجه الآخر للخلافات التي عرفها تاريخ العرب[19] :[عدل]

"اجتمع متحاوران، فقال أحدهما: 'هل لك في المناظرة؟' فقال: على شرائط"، ثمّ عددها: "ألا تغضب، ولا تعجب، ولا تشغب، ولا تحكم، ولا تُقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلاً، ولا تجوِّز لنفسك تأويل آية على مذهبك إلا جوَّزت لي تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تؤثر التصادق، وتنقاد للتعارف، وعلى أن كلاً منّا يبني مناظرته على أن الحق ضالته، والرشد غايته". هذه القصة من كتاب محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للراغب الأصفهاني، تعرض آداب المحاورة الفكرية، أو المناظرات التي هذّب العرب شروطها وقوانينها. المناظرات فنٌّ أدرك العالم المعاصر قيمة الحوار فيه، لإرساء مفهوم التعددية واحترام الآخر. ولعل أشهر مناظرات العصر الحالي هي المناظرات السياسية، فمن الأمثلة التي كان لها دوي وحظيت بمتابعة العالم تلك التي جرت بين مرشحي الانتخابات الفرنسية، والأمريكية قبلها، وهي على فرادتها، تذكر إلى حدّ كبير بالمناظرات التي أحاطت مفاهيم الحكم في التاريخ الإسلامي. فكيف كان تعامل العالم القديم مع فنّ المناظرة، وما هي أهم مسائلها وقضاياها؟ يروى الطبري أنه في عام 17 هـ، خرج عمر بن الخطاب إلى أرض الشام، وكان الوباء شائعاً بها آنذاك، وكان من الحكمة أن ينسحب الجنود؛ لئلا يُلقوا بأنفسهم في جحيم الوباء، وبالفعل اقترح الخليفة رجوع الجنود. وعارض بعض المهاجرين الأولين ومهاجري الأنصار مذهبه، حيث قيل: "خرجت لوجه تريد فيه الله وما عنده، ولا نرى أن يصدّك عنه بلاء عرض لك"، بينما أيده مهاجرو الفتح قائلين: "ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء". يظهر على ساحة المناظرة القدرية أبو عبيدة الجراح ليناظر عمر بن الخطاب بعد قرار الرجوع، حيث نهض وقال: "أفرارٌ من قدر الله!" وكادت الكلمة تشق الصفوف، فلم يكن يعرف المسلمون بَعدُ مثل هذه المسائل. احتوى عمر الخلاف وقال: "فرارٌ من قدر الله إلى قدر الله"، حسبما أورد الطبري في الجزء الرابع من تاريخ الرسل والملوك. وانتهت المناظرة إثر الحجة التى ألزم بها عمر أبا عبيدة. المسائل القدرية التي أثيرت في هذه الحقبة بعفوية، صارت في القرنين الثاني والثالث الهجري مذهباً فكرياً له معتنقوه، استثمره عدد من خلفاء بني أمية وبني العباس لتثبيت عروشهم بطريقة ثيوقراطية، وكأنهم ظل الله على الأرض.

الشعوبية والقدرية والخلافة، أشهر مواضيع المناظرات:[عدل]

سجلت المناظرة مسيرة الثقافة الإسلامية في شتى المجالات، إذ رصدت كثيراً من الظواهر الاجتماعية التي اتصف بها المجتمع. تناثرت بذور المناظرة في أرض الثقافة العربية زمن الجاهلية، وأغناها تفاعل تأثيرات ثقافية متنوعة مع الموروث الثقافي الإسلامي، بطوائفه وبيئاته الفكرية. ومع تطاحن القضايا الإشكالية تطور جنسٌ أدبيٌّ له خصوصيته عبر مراحل تكوينه المعرفية. في العصر الجاهلي، كان في مقدمتها مسألة الأحساب والأنساب، ونجد آثارها في الشعر الاحتجاجي، وما دار من جدل شعري في أسواق العرب المتشعبة والممتدة بامتداد جزيرتهم. يرصد ابن هشام في السيرة النبوية أن البعثة غدت حديث الصباح والمساء بين العرب، فسكنت كثيراً من مناظراتهم شعراً ونثراً، ومن أشهرها نجد مناظرات النبي مع قومه ومع عتبة بن أبي ربيعة ومع اليهود ومناظرة أبي سفيان بن حرب وهرقل ملك الروم. ونجد أبطال الأخيرة (المناظرة الشعرية) يتمثلون في ثالوث شعراء النَّبي؛ حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة ومناظراتهم مع أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن الزِّبعري وضرار بن الخطاب الفهري وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، ولم يكن لهم سابق عهد بالشعر ولكن الأحداث استولدت شاعريتهم.

وظّفّ فنّ المناظرات عند العرب أدوات الحوار والاستفهام والحكاية والاقتباس ، بعيداً عن التسليم أو أحادية الرأي، اعتمد العرب البلاغة والحوار وأشكال النقاش الفكري .

بعد موت النبي يرصد أبو علي السكوني في عيون المناظرات، كيف تناظر الصحابة في العديد من المسائل، بينها ارتيابهم في موت النبي، وموضع دفنه، وجمع القرآن، وفي الإمامة الأولى حيث اجتماع السَّقيفة. وثمة إرهاصات للمناظرات القدرية وجدت في ثنايا هذه الحقبة مروراً بمناظرات الإمامة الثانية بين علي ومعاوية إثر مقتل الخليفة عثمان بن عفان، انتهاء بمناظرات فتنة التحكيم، لنقف إزاء مناظرات الخوارج وقد اشتد عودها وصارت فرقة لها مبادئها المذهبية التي كثيراً ما تناظرت فيها ليل نهار زمن بني أمية. تنوعت أوجه القضايا التي أثارت خلافات زمن بني أمية، فسياسياً تنازل الحسن بن على لمعاوية عن أمر الخلافة حقناً لدماء المسلمين، وعلى إثر هذا انهالت المناظرات على معاوية من كل جانب. وكان محورها تقييم المواقف السياسية بينه وبين علي، وكان أبطالها رجالاً ونساءً، بحسب ما ورد في موسوعة المناظرات لسيد صديق عبد الفتاح. لم يختلف الأمر كثيراً على المستوى العقدي، ولم يكن مستغرباً على أرض كأرض العراق التي تشبَّعت بالمذاهب والمعتقدات والملل والنحل، أن تتدافع مواقف مذاهبها وفرقها فنجد المرجئة والقدرية والجبرية والمعتزلة والخوارج والشيعة يتناظرون في أفكارهم ومبادئهم. وفي القرن الثالث الهجري زمن العباسيين، انعكس في المناظرات النضج الفكري والعقلي واللغوي بأحداثه السياسية المتشعبة. فانشطر الهاشميون إلى عباسيين وعلويين، وتَنصَّل العباسيون من الحق العلوي في الخلافة رغم أن البيعة والثورة دارت باسم البيت العلوي واتخذوا "الرضا من آل البيت" شعاراً لهم، وكان ذلك مادة لمناظرات مستمرة.

نقائض جرير والفرزدق:[عدل]

خلقت الحياة الأدبية فنًّاً عبقرياً، عرف بفنّ "النقائض" وهو فنَّ المناظرة الأدبية، بحسب توصيف الدكتور شوقي ضيف في كتابه التطور والتجديد في الشعر العربي. وكما يعرفه: "فالنقائض التى اشتهرت في تاريخ الشعر الأموي ليست إلا مناظرات بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، وهي أدب أموي غذَّته وطوَّرته بيئة العراق الجدلية، وما اشتملت عليه من حوار واستدلال". ويضيف: أن الفرزدق وجرير، "تناولا قبساً منه ألَّفا في ضوئه هذه النقائض، وسرعان ما أقبل الأخطل ليشاركهما هذا الحوار، أو قل هذه المناظرة، ويبعث فيها جانباً من المفاضلة بين قيس وتغلب".

مناظرة جرير والأخطل والفرزدق [20]:[عدل]

كان الشعراء الثلاثة ( جرير , والفرزدق , والأخطل ) أشهر الشعراء في العصر الأموي , وهم حملة لواء الشعر في هذا العصر وأئمته , ولقد قامت معركة شعرية كبيرة بين هؤلاء الشعراء الثلاثة أسفرت عن ما يسمى في تاريخ الشعر العربي بـ ( مناقضات جرير والفرزدق ) , وكانت حرب هجائية ممتعة انتصر فيها جرير في النهاية على الفرزدق والأخطل ، وهذا طرف من المعركة : ( قال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال : دخل رجل من بني عذرة على عبد الملك بن مروان يمتدحه بقصيدة وعنده الشعراء الثلاثة ، جرير والفرزدق والأخطل، فلم يعرفهم الأعرابي .. فقال عبد الملك للأعرابي : هل تعرف أهجى بيت قالته العرب في الإسلام ؟ قال : نعم ، قول جرير:

فغض الطرف إنك من نميرٍ * فلا كعباً بلغت ولا كلابا .

وسبب هذين البيتين : أن الشاعر "عبيد الراعي" عاصر الشاعرين جريرًا والفرزدق ، فقيل إن الراعي الشاعر كان يسأل عن هذين الشاعرين فيقول: الفرزدق أكبر منهما وأشعرهما .

ومرة في الطريق رآه الشاعر جرير وطلب منه أن لا يدخل بينه وبين الفرزدق ، فوعده بذلك .. ولكن الراعي هذا لم يلبث أن عاد إلى تفضيل الفرزدق على جرير، فحدث أن رآه ثانية ، فعاتبه فأخذ يعتذر إليه ، وبينما هما على هذا الحديث ، أقبل ابن الراعي وأبى أن يسمع اعتذار أبيه لجرير، حيث شتم ابن الراعي الشاعر جريراً وأساء إليه.. وكان من الطبيعي أن يسوء ذلك جريراً ويؤلمه ، فقد أهين إهانة بالغة ، فذهب إلى بيته، ولكنه لم يستطع النوم في تلك الليلة ، وظل قلقاً ساهراً ينظم قصيدة سنورد بعض أبياتها بهذه المناسبة، فلما أصبح الصباح ، ألقاها الشاعر جرير في "المربد" على مسمع من الراعي والفرزدق والناس ، فكانت القصيدة شؤما على بني نمير حتى صاروا إذا سئلوا عن نسبهم لا يذكرون نسبهم إلى "نمير" بل إلى جدهم عامر .. وقد سمى جرير قصيدته هذه " الدامغة " لأنها أفحمت خصمه ، وهذه بعض أبياتها :

أعــد الله للشعـراء مني **** صواعـق يخضعون لها الرقابا

أنا البازي المطل على نميرٍ *** أتيح من السماء لها انصبابا

فلا صلى الإلـه على نمـيرٍ **** ولا سقيت قبورهم السحابا

ولو وزنت حلوم بني نميرٍ **** على الميزان ما وزنت ذبـابا

فغض الطرف إنك من نمير **** فلا كعباً بلغت ، ولا كـلابا

إذا غضبت عليك بنو تميـمٍ **** حسبت النـاس كلهم غضـابا .

فقال: أحسنت ، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الاسلام ؟ قال نعم ، قول جرير :

ألستم خير من ركب المطايا * وأندى العالمين بطون راحِ .

وقالها جرير في بيان منزلة الأمويين وكان من شعرائهم .

فقال : أصبت ، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام ؟ قال: نعم ، قول جرير:

إنَّ العيون التي في طرفها حورٌ * قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به * وهنَّ أضعف خلق الله أركانا .

وهذه الأبيات من قصيدة قالها جرير في هجاء الأخطل بدأها بالغزل .

فقال: أحسنت ، فهل تعرف جريرا ؟ قال : لا والله ، وإني إلى رؤيته لمشتاق ؛ قال : فهذا جرير ، وهذا الفرزدق ، وهذا الأخطل ؛ فأنشأ الأعرابي يقول :

فحيا الإله أبا حرزة * وأرغم أنفك يا أخطلُ

وجد الفرزدق أتعس به * ورق خياشيمه الجندلُ .

فأنشأ الفرزدق يقول :

يا أرغم الله أنفاً أنت حامله * يا ذا الخنا ومقال الزور والخطلِ

ما أنت بالحكم التُّرضى حكومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ .

ثم أنشأ الأخطل يقول:

يا شر من حملت ساق على قدم * ما مثل قولك في الأقوام يحتملُ

إن الحكومة ليست في أبيك ولا * في معشر أنت منهم أنهم سفلُ .

فقام جرير مغضباً وقال:

أتشتمان سفاها خيركم حسبا * ففيكما - وإلهي - الزور والخطلُ

شتمتاه على رفعي ووضعكما * لا زلتما في سفال أيها السفلُ .

ثم وثب جرير فقبل رأس الأعرابي ، وقال : يا أمير المؤمنين جائزتي له ، وكانت خمسة آلاف ، فقال عبد الملك : وله مثلها من مالي ، فقبض الأعرابي ذلك كله وخرج ) .

النفس الزكية والمنصور:[عدل]

دارت المناظرة بين المنصور خليفة بني العباس الثاني، ومحمد بن عبد الله، سليل الحسين الملقب بالنفس الزكية، وكان محورها الحق الشرعي في الخلافة. ويسجل لنا الطبري في الجزء السابع من تاريخ الرسل والملوك، نصوص المناظرات التي تبادلاها، والتي استخدم فيها الطرفان فنون الاقناع والجدال، واتهامات وذرائع لإثبات حقّه في الخلافة. ولكن بعد مناظرات عديدة لم تنجح، حيث بقي كل منهما مقتنعاً بمذهبه، أرسل المنصور جيشاً بقيادة عيسى بن موسى، فقتل النفس الزكية في المدينة، وكان هذا في عام 145هـ.

الشعوبية والمناظرات:[عدل]

وسّعت حركة التوسع حدود الأوطان الإسلامية، تاركة أثراً في خارطة التركيبة السكانية فظهر على إثرها تيار عروبي وآخر شعوبي، أسفر عن مناظرات على شاكلة تلك التي دارت بين الأفشين والزيات وآخرين، بالإضافة إلى صبغتها من بعض المؤلفات صبغة جدلية بحتة. اندمجت ثقافات مختلفة تحت لواء الإسلام، ما أسفر عن تنوع صنوف الملل والنحل والأهواء والأفكار بين جنبات المجتمع آنذاك، وتوهجت معها الطرق الجدلية، وزاد نشاط متكلمي الفرق، فنجد المعتزلي أبو الهذيل العلاف وهو يناظر مجوسياً، والنظام وهو يقحم الزنادقة والدهرية. ويخبرنا المسعودي عن هشام بن الحكم أحد رؤوس متكلمي الشيعة، ومن أهل السنة نجد أبا حنيفة يناظر الخوارج، والشافعي يجادل بعض الملحدين، وعبد العزيز المكي يتحاور في بلاط المأمون في مسألة خلق القرآن، وابن حنبل يتناقش في بلاط المعتصم. المشهد الفكري كان حيّاً، يضج بالآراء والحوار والتنافس والمواجهة، حتى أنّ الخلفاء أنفسهم كانوا يتناظرون مع الثنويين وغيرهم. ونرى بأن الخليفة السفاح كان يوصي بتعلم فنون الجدل إذ قال: "هلا أنفقتم جزءاً من أعماركم في قراءة علم تردون به على من ألحد في دين الله يوماً من الدهر". عرفت الثقافة العربية المناظرات، ببناء فنّي محكم، وظَّف أدوات الحوار والاستفهام والحكاية والاقتباس للوصول بالخصم لإقرار المختلف عليه وإرساء ثقافة الحوار، وإنْ أدّت المناظرة أحياناً بصاحبها إلى أنْ يقتل أو يسجن خاصة إذا كان موضوع المناظرة عقدياً أو سياسياً.


  1. ^ Team, Almaany. "تعريف و شرح و معنى مشاعرة بالعربي في معاجم اللغة العربية معجم المعاني الجامع، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط - معجم عربي عربي صفحة 1". www.almaany.com (بالإنجليزية). Retrieved 2020-12-06.
  2. ^ Team, Almaany. "تعريف و شرح و معنى مناظرة بالعربي في معاجم اللغة العربية معجم المعاني الجامع، المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط - معجم عربي عربي صفحة 1". www.almaany.com (بالإنجليزية). Retrieved 2020-12-06.
  3. ^ "المناظرات في الأدب العباسي | أشهر المناظرات". Wiki Wic | ويكي ويك. 30 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 2020-12-06.
  4. ^ Team, Almaany. "قاموس ومعجم المعاني متعدد اللغات والمجالات - قاموس عربي عربي و قاموس عربي انجليزي ثنائي". www.almaany.com (بالإنجليزية). Retrieved 2020-12-06.
  5. ^ "أنواع الشعر في اللغة العربية". موسوعة , كله لك. اطلع عليه بتاريخ 2020-12-06.
  6. ^ مصطفى حركات (1998)، أوزان الشعر ، صفحة 24. بتصرّف
  7. ^ أحمد عبد القادر المهندس (19-08-2016)، "الشعر المسرحي"، جريدة الرياض، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2016. بتصرّف.
  8. ^ د.الياس حسين حديد (16-08-2010)، "العناصر المكونة للراوية والملحمة"، مؤسسة النور للثقافة والإعلام، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2016. بتصرّف.
  9. ^ عبد الفتاح رواس، دراسات ونصوص في الشعر الشعبي الغنائي، صفحة 3. بتصرّف.
  10. ^ د.سلام احمد خلف، "السرد القصصي في شعر أبي تمام"، مجلة كلية الاداب، العدد 101، صفحة 198. بتصرّف.
  11. ^ نازك الملائكة، قضايا الشعر المُعاصر، صفحة 41. بتصرّف.
  12. ^ عدنان علي رضا، "مع مصطلح الشعر العمودي"، المختار الإسلامي، اطّلع عليه بتاريخ 25-11-2016. بتصرّف.
  13. ^ نازك الملائكة، قضايا الشعر المُعاصر، صفحة 214. بتصرّف.
  14. ^ محمد العرفج (25-01-2014)، "سلطة القافية في الشعر الحرّ المرسل"، جريدة الرياض، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2016. بتصرّف.
  15. ^ حنان بنت غالب المطيري، رباعيات محمد حسن فقي - دراسة في المضمون والشكل ، صفحة 3. بتصرّف.
  16. ^ مصطفى صادق الرافعي، تاريخ اّداب العرب - الجزء الثالث (الطبعة الأولى)، صفحة 127-128. بتصرّف.
  17. ^ أحمد مجاهد (14-7-2009)، "شعر العامية"، الشروق، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2016. بتصرّف.
  18. ^ نييلا فيندي عملية (2012)، إرادة الحياة في شعر أبي القاسم الشابي - رسالة جامعية، صفحة 22-32. بتصرّف.
  19. ^ "فن المناظرات: الوجه الآخر للخلافات التي عرفها تاريخ العرب". رصيف 22. 1 يوليو 2017. اطلع عليه بتاريخ 2020-12-06.
  20. ^ "مناظرة جرير والفرزدق والأخطل - لغة عربيّة روزان بولس". sites.google.com. اطلع عليه بتاريخ 2020-12-06.