انتقل إلى المحتوى

مستخدم:جواد مصباحي/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

مدخل حول فنون الزخرفة الهندسية (التسطير)

ترتكز الفنون الإسلامية إلى أصول مشروطة بمقاصد ورؤى عقائدية، وما إبداعات الفنانين (سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك) ضمن ربوع الجغرافية الإسلامية وعلى الخط التاريخي لتكوين الأمة الإسلامية إلا تنميط جمالي واستجابة إنسانية مظهرية اقتداءا بما أوجده المولى عز وجل في خلقه لهذا الكون من حسن وجمال، يقول سبحانه وتعالى: "الذي أحسن كل شيء خلقه" سورة السجدة – الآية 7. وفي موضع آخر جاء قوله تبارك وتعالى دليل على التناسق والتوازن حيث قال: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور" سورة الملك – الآية 3 . كما دلل على الإتقان في محكم التنزيل بقوله سبحانه: "صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون" سورة النمل – الآية 88.

فالإبداعات الفنية الإسلامية هي صناعة الجمال بكل محتويات منظومتيها: المعمارية  والزخرفية، وما يهمنا هنا هي المنظومة الزخرفية والتي تتأسس على ثلات مرتكزات أساسية هي: 1 - فنون الخط والكتابة العربية بما تحمله من حمولة رمزية بحكم أنها إسقاط مظهري وتشكيل جمالي لكلام رب العالمين (القرآن الكريم)، 2 – فنون الزخرفة النباتية (التوريق) وهي الحركة الانسيابية للخط الهندسي بما تمثله من لين ولطف، استقى الفنان المبدع عناصر تكويناتها مما هو موجود بالطبيعة من نباتات وأزهار، 3 – فنون الزخرفة الهندسية (التسطير) وهي تطبيق جمالي وإخراج فني لقواعد رياضية تنتظم ضمن مبادئ الاستنباط والتوالد. ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر ببراعة الفنان المسلم في صياغة أشكال رائعة مستعملا المسطرة والفرجار ومستخدما العلاقات الهندسية بين الدائرة وقطرها. ومن أشكال المضلعات البسيطة الاستنباط مثل: المربع والمثلث والخماسي وباستخدام القواعد الجبرية والهندسية تمكن من إبداع زخارف مركبة ومتشابكة تتشح بجمال أخذ مقوماته من التناسق والتوازن وتستوقف عين المتأمل وهو يتنقل بين المكونات الجزئية والتركيبة الكلية للجملة الزخرفية.

هذه الزخارف نجدها منفذة على كل المواد التي تستخدم معماريا أو لأغراض الزينة، وقد تميزت عند الفنانين المسلمين بما يعرف بـ (الأطباق النجمية) وهي تشكيل من أشكال أساسية ترص وتجمع لتكوين وحدة تتكرر على المساحة المشغولة تجعل المتلقي يسرح بمخيلته في تأويلات متعددة كلها تصب في استقراء الجمال والإحساس به فتزداد نفسه انشراحا وبسطة. ونستحضر هنا تعبيرا دقيقا حول هذا الموضوع لأحد مؤرخي الفن وهو الفرنسي (Henri Focillon)[1] أدرجه الدكتور (ثروت عكاشة)[2] في كتابه "القيم الجمالية في العمارة الإسلامية"*، حيث قال: (ما أخال شيئًا يمكنه أن يجرِّد الحياة من ثوبها الظاهر، وينقلنا إلى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية؛ فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على الحساب الدقيق، قد يتحول إلى نوع من الرسوم البيانية لأفكار فلسفية ومعانٍ رُوحية. غير أنه ينبغي ألاَّ يفوتنا أنه خلال هذا الإطار التجريدي تنطلق حياةٌ متدفِّقة عَبْرَ الخطوط، فتؤلّف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد، متفرِّقة مَرَّة ومجتمعة مَرَّات، وكأن هناك رُوحًا هائمة هي التي تمزج تلك التكوينات وتُبَاعِدُ بينها، ثم تُجَمِّعُهَا من جديد، فكلُّ تكوين منها يَصْلُح لأكثرَ من تأويل، يتوقَّفُ على ما يُصَوِّبُ عليه المَرْءُ نظرَه ويتأَمَّلُه منها، وجميعها تُخْفِي وتكشف في آنٍ واحد عن سِرِّ ما تَتَضَمَّنُه من إمكانات وطاقات بلا حدود).

بقي أن نشير إلى أن الفنون الإسلامية بكل مرتكزاتها هي وسيلة لغاية خدمة الحق والفضيلة في سبيل قيم الخير والجمال.


[1]  (Henri Focillon). يرجى مراجعة الرابط : http://fr.wikipedia.org/wiki/Henri_Focillon

[2]  (ثروت عكاشة). يرجى مراجعة الرابط: ثروت_عكاشة /http://ar.wikipedia.org/wiki

*- عكاشة، ثروت. تاريخ الفن: العين تسمع والأذن ترى، القيم الجمالية في العمارة الإسلامية، الصفحة 46، ط 1 – دار الشروق – 1414 هـ ، 1994 م.