انتقل إلى المحتوى

مستخدم:مساعده الاخرين/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

بدأت القصة عندما كان يمر وائل في كل يوم بجانب بيت قديمٍ وهو يذهب إلى مدرسته أو يعود منها، كانت أبواب المنزل متصدعة بعض الشيء، والجدران مكونة من اللّبن والطين وقد باتت تتفتت من أثر الشتاء والرياح التي تعصف في مثل هذا التوقيت من السنة كل عام، في بداية الأمر ظنَّ وائل أنَّ ذلك البيت مهجور لكنَّ الأمر تغيَّر بعد أن رأى آثار أقدامٍ تدخل إلى البيت عدة مرات أو تخرج منه. وكان يتساءل وائل في نفسه كل مرة كيف يمكن لشخصٍ أن يعيش في مثل هذا المنزل، ثم يجول في خاطره دفء بيتهم وهدوؤه وسكونه وجماله في الشتاء، ويتمنى أن يساعد أهل ذلك البيت ويحضر في ذهنه قول الله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.[١] كان ذلك البيت يحتل تفكير وائل صباح مساء، وفي أحد الأيام لفت أنظار وائل شيئًا وهو أنَّه لم يعد يلاحظ آثار الأقدام أمامه، خاصة أنَّ تلك الآثار كانت لقدم صغيرة ما يعني أنَّها كانت لامرأة، أحبَّ وائل استكشاف الأمر بنفسه، وقرر حين عودته من المدرسة أن يطرق الباب ليرى من سيفتح له البيت وما قضية تلك العائلة، انتهى دوام المدرسة وعاد وائل يقفز على الأرض مشتاقًا لغامرته الجديدة، وقف أمام المنزل وطرق الباب ولكنَّ الباب لم يكن مغلقًا ففتح من تلقاء نفسه. سار وائل بشكل بطيء ولكنَّ ذلك لم يكن ليمنع من تشكل آثار قدميه على الطين، وقال: هل من أحد هنا؟ ثم أعاد كلماته حتى سمع صوتًا ضعيفًا يأتي من إحدى الغرف فيقول: من أنت؟ وما الذي جاء بك إلى هنا؟ خاف وائل قليلًا ولكنَّنه استجمع قواه وشجاعته وتقدم من جديد، ثم دخل وائل إلى الغرفة فوجد المياه تتسرب من السقف وأشياء الغرفة مبلة بالماء وفي يمين الغرفة امرأة ممددة وكأنها تموت، فوجهها يعتليه الشحوب وأسنانها تصطك من شدة البرد، ركض وائل إليها وقال لها: ماذا حدث لك؟ فقالت له: لا شيء قليلٌ من التوعك من أثر الجو البارد. قال لها وائل: انتظريني سأحضر الطبيب، ركض وائل إلى دكان والده القريبة من المنزل وقال له: هناك امرأة ربما هي تموت..أحضر الطبيب، ركض الأب من فووره وأحضر الطبيب للمرأة وذهبوا إليها وعاينها الطبيب بكل دقة ووصف لها الدواء المناسب، قال وائل للأب: أبي ألا يمكننا أن نساعدها بعض الشيء، نظر إليه الأب بكل عطف وقال له: سنساعدها يا بني فأثر مساعدة الآخرين في النفس لا يمكن نكران جماله، فهو يصلح الفرد ويُمكنه من التمتع في عيشه وبالتالي يصلح المجتمع. ولا تكون مساعدة لآخرين فقط بالمال يا بني، بل قد تكون بالعطف عليهم وبالكلمة الطيبة والابتسامة فكل ذلك مساعة يؤجر الإنسان عليها، والآن سنأخذ تلك المرأة إلى بيتنا ريثما نصلح لها هذا المنزل، فرح وائل كثيرًا بقرار والده، فقد تربى منذ نعومة أظفاره على الاهتمام بشؤون الآخرين. موقفُ لا أنساه وضع الله في قلوب عباده الرحمة حتى يتراحموا فيها، وتختلف الرقة بين عباده فمنهم من يساعد الآخرين دائمًا ويعطف عليهم ومنهم بَيْنَ بَيْن، وكثيرًا ما ربت الأم ابنها على تلك الخصال ولكن قد لا تجني التربية الطيبة ثمرة طيبة في بعض الأحيان، وكما قال الشاعر: المرء يُعرف فِي الأَنَامِ بِفِعْلِهِ وَخَصَائِل المَرْءِ الكَرِيم كَأَصْلِه ومن بين من تربى على بيت الشعر ذاك هو رائد موظف الشؤون المالية، يبلغ رائد من العمر ثلاثًا وعشرين عامًا، تخرج قبل ثلاث سنوات من قسم المحاسبة والتحق من فوره بوظيفة في قسم المالية، ولكنَّ مرتب رائد لم يكن يكفيه حتى نهاية الشهر، خاصَّةَ أنَّه يُعيل أمه وإخوته بعد أن مات والده في حادث سيرٍ قبل مدة. أتى أول يومٍ من أيَّام الشهر بعد طول عناءٍ وشظف عيش، وكانت عينا رائد تطوق للمس مرتبه فالبيت يحتاج إلى كثير من الأساسيَّات التي لا بدَّ منها في بداية كل شهر، وقف رائد أمام الصراف وهو يسمع صوت النقود كأنَّها أجمل مقطوعات بيتهوفين وما إن أمسك رائد نقوده وبدأ عدها حتَّى باغته لصٌّ من خلفه وسرق أمواله وفرَّ هاربًا إلى حيث لا يراه. في هذه اللحظة تسمَّر رائد في مكانه وحتى الصّراخ لم يكد يخرج منه، وما نفع الصراخ إذا ضاعت بسمات إخوته الصغار الذين ينتظرونه في مثل هذا اليوم لأن يأتي لهم بالحلوى التي الموعودة، أمسك رائد برأسه وجلس على قارعة الرَّصيف وخصلات شعره تدلى بين أصابعه وكأنَّها تشاركه حزنه الذي يعانيه الآن، لا مرتب وذلك يعني أنه لن يستطيع دفع آجار المنزل وهل يا ترى سيصبر عليه صاحب البيت أم سيقول له لا دخل لي، ولن يستطيع شراء اللحم المشوي لهذا اليوم فهو اعاد على أن يشتري لأهله طعامًا جاهزًا يوم قبض مرتبه. جلس رائد غارقًا في أفكاره لم يقطعه سوى يد رجل في الأربعين من عمره تمتد يده إلى كتف رائد ويقول له: انهض ولا تحزن فقد رأيت كلّ ما حدث، رفع رائد بصره إلى الرجل وقال له: لا مشكلة يعوض الله، أخرج الرَّجل من جيبه ظرفًا وقال له: خذ هذا حلالًا لك، رفض رائد جدًّا ولكنَّ الرَّجل أصر عليه أن يأخذه فقال رائد: ما هذا العطاء يا سيدي أنا لا أحب أن آخذ إحسانًا منأي أحد. فردَّ عليه الرجل وقال: ليس إحسانًا وإنما تكون السعادة في مساعدة الآخرين، لقد أثر ذلك الموقف في رائد كثيرًا وأخذ عهدًا على نفسه أن يكون مثل هذا الرجل، وسيقتطع من مرتبه ولو جزءًا صغيرًا من المال كل يوم حتى يساعد به من يحتاج إليه. كيف تساعد الآخرين؟ إنَّ مدَّ يد العون للآخر هي من الصفات التي حضَّت عليها الديانات بمختلفها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"،[٢] والمساعدة لا تأخذ شكلًا واحدًا فكثيرًا ما يحتاج الطفل صغيرًا مساعدةً أكثر من الكبير وهو ما قد لا ينتبه له الكثير من النَّاس، عدا عن أنَّ المساعدة تجلي النفس والصدر والروح من الشوائب السيئة التي قد تعلق بها، فما أبهى أن يقف المرء أمام صنيعته ليرى تلك الابتسامة تلاحقه في مخيلته أينما ذهب، في كثير من الأحيان يحتاج الإنسان إلى مساعدة نفسه عن طريق مساعدة الآخرين، فهو يجلي الصدأ عن ذاته بهذه الطريقة. ومن صور مساعدة الآخرين تفقد الأشخاص الذين لا يسألون الناس مساعدة؛ لأنَّ كرامتهم تأبى عليهم ذلك، فلو قطعوا من القماش وربطوا بطونهم إنهم لا يسألون أحدًا ماله، ولا تكون لمساعدة مادية فقط بل يحتاج الإنسان في بعض المواضع مساعدات من نوع آخر مثل شهادة حق يقولها المرء فينقذ إنسانًا من مأزق قد يلحق به الأذى طوال حياته، وقد تكون المساعدة عن طريق تقديم نصيحة في السر دون أن يفضح صاحبها أو يذكر السوء عنه في كل مجلس يكون فيه. ولا بدَّ لمن يساعد الآخرين ألا يذكر ذلك كله أمام الناس ولا يلحق مساعدة الناس بالمنّ والأذى، بل عليه دائمًا أن ينسى مواضع المعروف الذي صنعه، وأن يسير من فوره بعد عمل الخير فلا ينتظر منهم شكرًا ولا دعاء، بل من صفات النذالة التي تأباها الفطرة العربية أن يلحق الرجل مساعدته بالمن والأذى، وتكمن أهمية مساعدة الآخرين في دعم المجتمع وبنائه فلا ينشأ مجتمع سؤولٌ يطلب دائمًا سواء كان محتاجًا أم لا، عدا ذلك يجب أن تربي كل أم أبناءها على عدم سفح ماء وجهه لأي سبب وأن ينتظر العبد فرج الله حتى يأتيه فيتمتع به. إن تقديم المساعدة للآخرين لا يعني فقط المساعدة المادية التي يحصل عليها أي الطرفين من الآخر على العكس من ذلك، فالمساعدة تعني الحب والوئام ورسم البسمة على قلوب الطرفين قبل وجههما، ومحاولة نشر الحب بين الناس جميعهم، المساعدة لا تعني تحميل الآخرين عبء الشكر ولا تعني أن يتفضل أي امرئ على الآخر بل المساعدة تعني أنَّ الإنسان يشعر بأخيه الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومنشئه وحياته كلها، وذلك كله يصب في مصلحة الجماعة في إقامة دولةٍ عادلةٍ يسودها المن والأمان وينعم الأفراد فيها بالكثير من الطمأنينة. المراجع[+]