تعد نزوى بموقعها الاستراتيجي زينة المدن العمانية، ففيها السهول والواحات والحدائق والإفلاح والآبار، تقع على سفح الجبل الأخضر من جهته الجنوبية، وتحدها ولاية أزكى من الجهة الشرقية، والجبل الأخضر من الجهة الشمالية، وولاية بهلا من الجهة الغربية، وولاية منح من الجهة الجنوبية، وقد اتخذها الأئمة عاصمة لهم منذ القرن الثاني الهجري، في عهد الإمام محمد بن عبدالله بن أبي عفان اليحمدي، ورغم ظهور عواصم أخرى فيما بعد مثل الرستاق ومسقط، إلّا أنها كانت أهم مراكز العلم والعلماء في سلطنة عمان على مر العصور، حيث كانت جوامعها ومساجدها الشهيرة مدارس يتخرج فيها أفواج من العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء.
كتاب ومثقفون أشادوا بالقرار وأكدوا أنه رد الاعتبار لواحدة من أشهر حواضر العالم العربي والإسلامي، وذكروا أن الاحتفاء الحقيقي بها يتطلب إنشاء صندوق للثقافة والتراث.
====== الشاعر عبد الرزاق الربيعي يؤكد أن نزوى تمثل منطقة جذب لزوّار عمان، وقد اعتدنا في المؤتمرات، والملتقيات التي تقام في عمان أن نجد فقرة سياحيّة ملازمة لبرامجها، وهذه الفقرة هي زيارة «نزوى» ليسير زوار عمان على خطى رحّالة كثر من بينهم ابن بطوطة (ت: 779ه/ 1377م)، الذي ذكر «إنها تسترخي على سفح جبل، هو الجبل الأخضر الذي يبلغ ارتفاعه 3000 متر، تحفّ بها البساتين والأنهار، ولها أسواق حسنة، ومساجد معظّمة نقية، هذه المساجد تعود إلى القرن السابع الهجري، وإلى اليوم تشتهر نزوى بمساجدها، ومعالمها التاريخية، والمعمارية، حتى إن شعار نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية 2015م حمل رمزاً دلاليّاً لمَعْلمَيْن من معالمها، هما: قبة جامع السلطان قابوس، الذي ذكره الرحالة باسم «جامع حارة العقر»، إذ بني في القرن الثاني الهجري، وتتميّز نزوى بوجود المساجد الأثرية، منها «مسجد الشواذنة» في حارة العقر، ويقال: إنه أول مسجد بني في نزوى، و«جامع سعال» الذي بني في مدة مبكرة من القرن الهجري الأول، ويعدّ محرابه من أقدم محاريب الجوامع بمدينة نزوى، فتاريخ الزخرفة، يشير إلى أنه يعود إلى ثمانية قرون
وأوضح الربيعى أن ياقوت الحموي ذكر في كتابه «معجم البلدان» نزوى، ورأى أنّ اسمها جاء من النزو وهو الوثب، وأضاف: تشتهر منطقة نزوى بالثياب المنمقة بالحرير، وهي ثياب جيدة فائقة، لا يعمل مثلها في بلاد العرب، ويصنعون مآزر من صنف تلك الثياب، أثمانها مرتفعة، ويبالغون فيها.
وتعد قلعة نزوى من أشهر معالمها، أمر بتشييدها الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي الذي حكم للفترة من 1649 - 1679م واستغرق بناؤها 12 عاماً، ويبلغ ارتفاعها 24 متراً، وقطرها الخارجي 43 متراً، والداخلي 39 متراً، وبها سبع آبار، وينتصب أمام قلعة نزوى مدفعان، الأول يعود إلى القرن 16م، صنع من البرونز عام 1580م، والثاني من عيار 18 رطلاً، إلى جانب مدفعين آخرين، في الساحة الداخلية للقلعة، الأول صنع من البرونز في بداية القرن السابع عشر الميلادي، والثاني صنع من الحديد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
ويقف الحصن الذي شيّد في عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي (القرن الثالث الهجري)، شامخاً، يحمل عراقة الماضي، وفي غرفه توجد بعض الحرف العمانية التقليدية، كصناعة الفضيات، والنحاسيات، والسَّعفيات.
وليس هذا هو الحصن الوحيد في نزوى، فهناك حصون أخرى أصغر حجماً من الحصون المذكورة، سكنها الولاة، كحصن بيت سليط، الذي شيد في القرن الحادي عشر الهجري، وفي مدينة تنوف حصن آخر تحيط به ثلاثة أبراج، وفي نيابة بركة الموز حصن «بيت الرّديدة» الذي شيّد في القرن السابع عشر الميلادي.
واشتهرت نزوى، تاريخياً، بنشاطها الفكري، وكانت عاصمة سياسية لمدة تزيد على ألف عام، ومقراً لحكم الإمامة منذ القرن الثاني الهجري، لذا أطلق عليها «تخت الأئمة»، وقد عاش فيها نخبة من المفكرين، والمؤرخين، والفقهاء الذين أثروا المكتبة العمانية بمؤلفات كثيرة، فسميت «بيضة الإسلام»، ولنزوى دور في الفتوحات الإسلاميّة، فمنها خرج جيش الإمام الصلت بن مالك الخروصي لتحرير جزيرة سقطرى بعد أن سمع بما تعرّضت له الزهراء السقطريّة من ظلم فاستغاثت به مستنجدة، ولنزوى دور في الفتوحات الإسلامية، التي وصلت إلى شرق إفريقيا.
معرفة وعلوم وذكر الربيعي أن هذه القوة العسكرية كانت مدعومة بالمعرفة، والعلوم، فنزوى مدينة علم، وبها تتنوع المكتبات القديمة التي تعد خزائن علم مليئة بالكتب، والمؤلفات، وأنت تتجوّل في نزوى ترى حيطان الطين في حاراتها القديمة مبنية بالطين أو الحجارة، ويعد سوق نزوى أعرق الأسواق الأثرية القائمة والزاخرة بحركة البيع والشراء، فحالما يدخله الزائر يشعر بعراقة المكان، يعرض تحفاً، وأنواعاً مختلفة من المنسوجات، والعطور، والأعشاب، والزيوت الطبية ومصنوعات الحدادة العمانية، والخناجر، والسيوف الفضية، والأساور والقلائد الذهبية، والتحف النحاسية، ويقابل سوق الصنصرة القديم، سوق آخر يطلق عليه اسم «السوق الغربي»، أو «سوق البز»، تباع فيه الأنسجة والملبوسات الفاخرة.
إن اختيار نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية 2015م، من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو)، جعلها تعود للواجهة من جديد لتكون ساحة للحراك الثقافي من خلال احتضانها للمهرجانات، والمؤتمرات، والندوات، والمعارض، واستكمال البرامج المعدّة لترميم المعالم الأثرية بهذه المدينة التاريخية.
د. إبراهيم بن حمود الصبحي يذكر في دراسة له أن نزوى لم تنل اهتمام المؤرخ العماني أو الباحث السيسيولوجي أو الاجتماعي أو حتى الاقتصادي أو المخطط السياسي والعسكري والخبير الأمني، فتعامل معها على أنها مدينة قديمة وحسب، وإن إعادة الرونق لها مكلف مادياً وإنسانياً مع علمي المتيقن بأن نزوى تملك ثروة لا تقدر بثمن.
فهي يمكن أن تمثل لعمان قيمة إضافية أو رأس مال متجدداً أو ثروة غير ناضبة؛ لأن قلبها بالرغم من شيخوختها إلّا أنه نابض بالحياة متفائل، منذ أكثر من 50 قرناً من الزمان.
نزوى ثروة سياحية كبيرة مربوطة بالجبل الأخضر وهو ما يحتاج منا لجهود لاكتشافهما كما تم اكتشاف منابع نهر النيل في أعالي بحيرات إفريقيا (تانجا)، شباب الباحثين اكتشفوا ما يزيد على 6000 مخطوطة سيعرضها في جامعة نزوى التي تنزوي هي الأخرى في موقع احتل أهميته لأنه في نزوى.
يقبل عام 2015 على نهايته وبريق نزوى لم يشع إلّا من خلال وجوه أبنائها في نواديها أو مجموعاتها أو تجمعاتها، وجه نزوى يحاول البعض إبرازه في بناء بوابة مستحدثة على ثغر نزوى وتحسين شوارعها، فعاليات تقام هنا وهناك.
نزوى أعطتنا بغير منة وبغير حدود فمن الوفاء لها ولعمان ولجميع المدن التي أسهمت في الحضارة الإنسانية، من مسندم حتى المزيونة ومن السنينة إلى رأس الحد حفية أن نهتم بها، لأنها مكونات النسيج التراثي والعلمي والثقافي، فعمان مستودع للتراث الإنساني من فترات ضاربة في جذور التاريخ، وما نزوى إلّا أحد إشعاعات هذا التراث العريق.
إذا لم نبادر بوضع استراتيجية وطنية للحفاظ على هذا الموروث الذي صنعته أجيال سابقة سيقبر وهو حي، أو يتساقط بفعل الزمن أو يتلاشى بسبب الإهمال والإنكار، أو تضيع معالمه بسبب الاعتداء عليه لسوء تقدير لقيمة هذا الموقع.
وتابع الصبحي: أغتنم هذه الفرصة الذهبية أن أطلق الدعوة لحملة وطنية للمساهمة في أحياء تراث نزوى مساهمة لا تقتصر على المؤسسات الرسمية، لكنها تشمل القطاع الخاص بكل مكوناته أفراداً وشركات وبنوكاً ومؤسسات خاصة، وأهيب بالجهات الرسمية المحترمة المسؤولة عن الثقافة والتراث، بإنشاء سجل لكافة المواقع التراثية والثقافية وتحديد مدينة كل عام للاحتفاء بها، وإلقاء الضوء على المواقع الأثرية فيها وتأثيرها في التراث الإنساني، كما أدعو إلى إنشاء صندوق وطني باسم (صندوق الثقافة والتراث) ويفتح باب المساهمة فيه للمؤسسات والأفراد، تشكل هيئة وطنية لإدارته يكون مقرها نزوى.