انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Abdulelah000/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

المعتقدات والعبادات في الجزيرة العربية


قبل ظهور الوهابية


مما يثير الانتباه انتشار الحنبلية في واحات نجد ، وكان ذلك ظاهرة فريدة بالنسبة للعالم الإسلامي . وعندما يذكر مؤرخو الوهابية وفاة الأشخاص المشهورين في عصرهم . لاينسون العلماء الحنبليين . فما هي أسباب بقاء الحنبلية في هذه الأرجاء ؟

إن وسط الجزيرة المعزول بحكم طائفة من الملابسات عن المناطق الأخرى الأكثر تطورا في الشرق الأوسط لم يبتعد كثيرا عن مستوى النظام الاجتماعي الذي كان قد بلغه الحجاز في فجر الإسلام ، أي مستوى المجتمع الاستغلالي البدائي لدرجة كبيرة .

وفي العقائد الإسلامية المبكرة التي وضعت في القرون الأولى لنشوء الإسلام كثير من الأشكال الفكرية للعلاقات الاجتماعية للحجاز في فجر الإسلام ، ومن أعراف وعادات مكة والمدينة التي باركتها الأحادين . ولما كانت الحنبلية تعترف من حيث المبدأ بالإسلام المبكر فقط فقد كانت على العموم تستجيب لحاجات مجتمع وسط الجزيرة فيا لقرن الثامن عشر .

كان وسط وشرق الجزيرة مهملين دوما من الإمبراطوريات الإسلامية في الشرق الأوسط . وقد حافظا على أصالتهما . ولذا كانت هناك ظروف ملائمة لمختلف تيارات (الزندقة) مثل الخوارج والاباضية . وخلال حقبة طويلة ظلت قائمة في الإحساء دولة القرامطة القوية ذات التركيب الاجتماعي الفريد . أما بخصوص المناطق الأخرى في الجزيرة فإن قسما كبيرا من سكان عمان كانوا ينتمون إلى الطائفة الاباضية ، وفي اليمن كانوا ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية المعتدلة . وفي المناطق الشرقية والشمالية الشرقية للجزيرة والمرتبطة مع جنوب العراق ومع إيران كان الكثير من العرب من الشيعة . وفي بعض مناطق اليمن ونجران كان يقطن اليهود . ويقول نيبور أنه يصادف وجود صائبة في الإحساء . إن الأغلبية في مدن وواحات الحجاز تتكون من المسلمين من مختلف المذاهب الأصولية .

وكانت جميع المذاهب الإسلامية في الجزيرة تتعايش بوئام مع عبادة الأولياء المنتشرة على نطاق واسع في الجزيرة كلها ، بل وحتى مع بقايا عبادة الأوتان . وقد ترك لنا ابن غنام وصفا مفصلا لمعتقدات سكان الجزيرة العربية . فقد كتب عن الفترة التي ظهر فيها محمد بن عبدالوهاب يقول : (كان غالب الناس في زمانه متضمخين بالأرجاس متلطخين بالأنجاس ... فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصاحلين وخلعوا ربقة التوحيد والدين ...) وكانوا يترددون على الأولياء أو على أضرحتهم طالبين منهم عمل الصالحات أو تخليصهم من المصائب والخائبات ، ويرجون ذلك من الأحياء والأموات . وكثير منهم (يعتقد النفع والأضرار في الجمادات كالأحجار والأشجار ... ولعب بعقولهم الشيطان ... وجعلوا لغيره مايجوز صرفه إلى سواء وزادوا على أهل الجاهلية) .

(وكان في بلدان نجد من ذلك أمر عظيم والكل على تلك الأحوال مقيم) . وفي وادي حنيفة كان هناك ضريح زيد بن الخطاب . وكانوا يترددون عليه راجين تخليصهم من المصائب والنكبات . وفي الجبيلة والدرعية كانوا يقدسون قبورا دفن فيها ، كما يقال ، بعض أنصار الرسول . وفي منطقة الفدا كانت تنمو نخلة يأتي إليها الرجال والنساء يطلبون التبريك ويقومون (بأقبح الأفعال) . وتتقاطر على النخلة النساء العانسات وكل منهم تصيح (أريد حلا...) وكان الناس يلتفون حول النخلة ويعلقون عليها الزينة . وعلى مقربة من الدرعية كان هناك غار مقدسي يسمى غار بنت الأمير يتركون فيه الخبز واللحم . ويقال أن بعض الأرجاس أرادوا ذات مرة أن يوقعوا ببنت الأمير ، فاستعانت بالله وانفتح الجبل أمامها عن الغار الذي صار محجة للعباد . وفي الخرج على مقربة من الدرعية ، كان يعيش ولي اسمه تاج . وكانوا يتوجهون إليه طلبا للتبريك ويرجونه تحقيق المعجزات وإزالة الغمة . وكانوا يدفعون له لقاء ذلك . اشتهر الولي بأنه أعمى ولكنه يسير من غير قائد يقوده . وكان الحكام المحليون يخافونه .

وفي مكة يوجد ضريح أبي طالب وقبر ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وقبر خديجة وغيرها .وكان الرجال والنساء يخاطبون هذه القبور بصيحات عالية طالبين منها العون . وكان الشيء ذاته يجري عند قبر عبدالله بن عباس في الطائف . ويقال أن (قبر حوى) موجود في جدة . وأنشئ هناك معبد يأوى إليه المفلسون والمدينون واللصوص . وحتى الشريف لايستطيع إخراجهم منه . ففي عام 1795/1796 التجأ إلى هذا المعبد تاجر بلغت ديونه 70 ألف ريال ، وبذلك أرغم دائنيه على تأجيل الدفع وكانت القرابين تذبح عند قبور الأولياء . وفي اليمن كانت تجري مواكب يطعن المشاركون فيها أنفسهم بالسكاكين .

وسمع ابن غنام عن عبادة الأولياء خارج الجزيرة أيضا . ففي الشام ومصر الأمثلة على ذلك كثيرة حتى أن المؤرخ لم يذكرها . وأعرب عن استيائه كذلك من عبادة ضريح الإمام علي في العراق . وكتب يقول أن الشيعة كأنما يعتقدون بأن زيارة هذا الضريح أفضل من سبعين حجة . ويذكر ابن غنام الأضرحة والمساجد الكثيرة حول قبور الأولياء في البصرة والساحل الشرقي من الجزيرة العربية والبحرين . وتوجد معطيات تفيد بوجود المتنبين في بعض الأماكن . وقد شجبهم محمد بن عبدالوهاب بحزم . وقال عبدالرحمن بن حسن حفيد محمد بن عبدالوهاب أن الأعراب كانوا آنذاك ينحرون القرابين للجن ويطلبون منها أن تشفيهم من الأمراض . وكتب بلغريف يقول : (قبل ظهور الوهابية كان سكان الجوف (في شمال الجزيرة) ، شأنهم شأن جميع سكان الجزيرة ، قد انهمكوا في عبادة شبه وثنية وراحوا يقدسون الجني المحلي) . وحتى بعد مرور أكثر من مائة عام على ظهور الوهابية كان سكان الجوف ، كما لاحظ بلغريف ، (شأن أغلبية أشقائهم قد استبدلوا من زمان المحمدية بالصنمية المحلية والعبادة شبه السبائية والابتهالات الموجهة إلى الشمس ونحر القرابين للموتى).



البدو والإسلام


يشير جميع دراسي الجزيرة العربية إلى أن الإسلام يغرس بصعوبة بين البدو . وقد أشار فولني في حينه إلى موقف البدو اللامبالي من الفرائض الإسلامية . (فالبدو القانطون على الحدود مع العثمانيين يتظاهرون بأنهم مسلمون لاعتبارات سياسية ، ولكنهم ضعيفو الإيمان وتدينهم ضعيف إلى درجة يعتبرون معها كفرة ليس لديهم نبي ولاقانون . وهم بأنفسهم يعترفون بأن دين محمد فوق مستواهم . فكيف نقوم بالوضوء إذا كنا لانمتلك ماءا ؟ وكيف نقدم الصدقة إذا كنا لسنا أغنياء ؟ وما حاجتنا إلى الصيام في شهر رمضان إذا كنا صائمين طوال العام ؟ ولماذا نذهب إلى مكة إذا كان الله موجودا في كل مكان ؟) .

ويقول بوركهاردت أن البدو قبل الوهابية غالبا ماكانوا لا يعرفون الإسلام عموما . ويؤكد بلغريف (أن دين محمد لم يحدث طوال 12 قرنا إلا تأثيرا ضعيفا أو لم يحدث أي تأثير بين جماهير البدو الرحل ... وفي الوقت ذاته فإن البدو المحاطين بمسلمين صادقين بل ومتعصبين والمعتمدين عليهم أحيانا كانوا يعتقدون في بعض الأوقات أن من الحكمة القول بأنهم مسلمون) . ويقول مونتان أن البدو الذين يهتدون بالإجرام السماوية في تجوالهم قد ابتدعوا عبادة الشمس والقمر والنجوم . واستنادا إلى مراقبة قبائل شمال الجزيرة استنتج بلغريف (أن الإله بالنسبة للبدو هو زعيم يقيم أساسا ، كما يخيل إلينا ، على الشمس وهم يجسدونه بالشمس بمعنى ما) .

وهذا ما التفت إليه أيضا الرحالة الفنلندي فالين الذي طاف الجزيرة العربية في منتصف القرن التاسع عشر . فقد كتب يقول (إن قبيلة (معزة) ، شأن أغلبية القبائل التي لم ترغم على تبني تعاليم الطائفة الوهابية الإصلاحية في فترة تصاعد سلطتها في الجزيرة ، لاتعرف إطلاقا الدين الذي تعتنقه . وبالكاد أتذكر أني صادفت أحدا من أفراد القبيلة الذين كانوا يؤدون الفرائض الإسلامية أو لديهم أبسط فكرة عن أصول الإسلام وأركانه الأساسية . ويمكن في الوقت ذاته قول العكس بدرجة معينة عن البدو الذين صاروا من الوهابيين أو كانوا منهم في السابق) .

وبعد عدة عقود من رحلات فالين كتب دافليتشين وهو أحد ضباط الأركان العامة في جيش روسيا القيصرية (إن أعراب البادية لايتميزون بالتدين إطلاقا ، وهم يخلطون مع الدين كثيرا من العادات والأساطير الفريدة التي تتعارض تماما مع التعاليم الإسلامية) . وظلت باقية عند البدو عبادة الأجداد . فقد كتب جوسان أن البدو كانوا يقدمون القرابين للأجداد أو لله عن طريق الأجداد . ويجري ذلك بفخفخة كبيرة بعد الانتصار في الغزو . ولايفوت الرولة أية مناسبة لنحر ناقة على قبر جدهم إحياءا لذكراه . ويرتبط بعبادة الأجداد وجود (المركب) عند البدو ، وهو عبارة عن هودج خاص على ظهر الجمل يعتقدون بأنه ملجأ لروح جدهم ، ولذا يقدمون له القرابين . ويجلس فيه الحادي وهو عبد أو غلام ، وأحيانا بنت الشيخ أو أجمل فتاة في القبيلة تستحث المحاربين في القتال .

وهكذا كانت في الجزيرة العربية قبيل ظهور الوهابية طائفة واسعة من المذاهب والاتجاهات الإسلامية ابتداءا من الحنبليين وسائر مذاهب السنة وانتهاءا بالزيدية والشيعة والإباضية . كما انتشرت على نطاق واسع عبادة الأولياء والصالحين ، واختلطت بالإسلام أو حلت محله المعتقدات والعبادات الجاهلية كالسحر والوثنية وعبادة الشمس والأرواح والجمادات وعبادة الأجداد . تلك هي التركة الروحية التي نشأت على أساسها آراء محمد بن عبدالوهاب ، وتلك هي البيئة التي عاش فيها .