انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Ajoojy/التعلم بالملاحظة

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

التعلم بالملاحظة هو التعلم من خلال مشاهدة سلوك الآخرين، وهو نوع من أنواع التعلم الاجتماعي الذي يأخذ أشكالاً عدة ويحدث استناداً لعمليات شتى، ويبدو أن عملية التعلم بالملاحظة تحدث عند البشر دون الحاجة إلى التعزيز، بل تتطلب نموذجاً اجتماعياً في البيئة المحيطة عوضاً عن ذلك كأب أو أخ أو صديق أو معلم، خصوصاً في فترة الطفولة، ويجب أن يكون هذا النموذج ذو سلطةٍ أو مكانةٍ اجتماعيةٍ رفيعة، أما عند الحيوانات فيحدث التعلم بالملاحظة في العادة نتيجة للاشتراط التقليدي والذي يقتضي استحداث استجابة من مثير محايد عن طريق استخدامه مع مثير فعَّال، فيُثَارُ السلوك الغريزي نتيجةً لهذا الاشتراط من خلال مشاهدة سلوك حيوان آخر، مثل سلوك التجمهر عند الطيور، ولكن قد تكون هناك عوامل أخرى تساهم في عملية التعلم بالملاحظة.

التعلم بالملاحظة عند البشر[عدل]

إن عدة من السلوكيات التي يشاهدها ويتذكرها ويقلدها المتعلم هي في الحقيقة أفعال يتعلمها من نموذج اجتماعي، حتى وإن لم يكن يحاول هذا النموذج غرس سلوك ما عمداً، إلَّا أن الطفل قد يتعلم الشتم والضرب والتدخين ويستسيغ سلوكيات غير مناسبة أخرى في حال كان لديه نموذج اجتماعي سيء، ويرى ألبرت باندورا أن الأطفال يتعلمون السلوكيات المناسبة وغير المناسبة على حد سواء بشكل مستمر عن طريق الملاحظة، ويشير التعلم بالملاحظة إلى أن بيئة الفرد وإدراكه وسلوكه مُجتَمِعَةً هي ما تحدد تصرفات الفرد ومدى تأثيرها على الآخرين.

يمكن للسلوكيات الفردية أن تنتشر عبر الثقافات من خلال عملية التعلم بالملاحظة عن طريق ما يسمى بالانتشار التسلسلي، ويحدث هذا بشكل أساسي عندما يتعلم أحد الأفراد سلوكاً ما عن طريق مشاهدة فرد آخر، فيصبح الفرد الذي تعلم هذا السلوك حديثاً نموذجاً اجتماعياً ناقلاً ينتشر من خلاله هذا السلوك إلى بقية الأفراد.

تقوم الثقافة بدور هام فيما إذا كان التعلم بالملاحظة هو نمط التعلم السائد لدى الأفراد والمجتمعات، فتتوقع بعض الثقافات أن يساهم أطفالها بشكل فعال في المجتمع، مما يكشفهم على مهارات وأدوار مختلفة بشكل يومي، وهذا يتيح لهم مشاهدة وتعلم المهارات والممارسات القيِّمَة في مجتمعهم عن كثب.

اكتشف ألبرت باندورا الذي قام بتجربة الدمية بوبو هذا الشكل الأساسي من التعلم في عام 1961، وتكمن أهمية التعلم بالملاحظة في مساعدة الأفراد والأطفال خصوصاً على اكتساب استجابات جديدة عن طريق مشاهدة سلوك الآخرين.

الدمية بوبو

يقول ألبرت باندورا أنه يمكن للبيئة المحيطة أن تحكم تصرفات الأشخاص، ويحدث التعلم بالملاحظة من خلال مشاهدة التصرفات السلبية والإيجابية على حد سواء، ويتبع باندورا نظرية الحتمية التبادلية التي تقول أنه يمكن للبيئة أن تؤثر في تصرفات الأشخاص كما يمكن أيضاً أن تؤثر تصرفات الأشخاص في البيئة ، فقد تبين من خلال تجربة الدمية بوبو على سبيل المثال أن النموذج الاجتماعي في بيئة معينة يؤثر في تصرفات الأطفال، ويثبت باندورا في هذه التجربة أن مجموعة الأطفال الذين وُضِعُوا في بيئة عدوانية تصرفوا بعدوانية، بينما اتضح أن مجموعة المقارنة التي لم يجرى عليها تجارب والمجموعة الأخرى التي وُضِعَت في بيئة ذات نموذج اجتماعي محايد بالكاد أظهرت أي نوع من العدوانية.

من النادر أن ينفصل الأطفال عن أنشطة الكبار في المجتمعات التي يسود فيها تعلم الأطفال بالملاحظة، مما يتيح لهم استخدام مهارات التعلم بالملاحظة في شتى مناحي الحياة، ويتطلب هذا النوع من التعلم قدرة فائقة على التركيز، فيدرك الأطفال من الناحية الثقافية أن مشاركتهم واسهاماتهم موضِعُ تَقدِيرٍ في مجتمعاتهم، وهذا يعلمهم أن مشاهدة مساهمات الآخرين جزء من مسؤوليتهم بصفتهم أعضاءَ في المجتمع كي يصبحوا بذاتهم أكثر فعاليةً واسهاماً في المجتمع تدريجياً.

المراحل[عدل]

مشاهدة الآخرين يتزلجون

تنص نظرية التعلم الإدراكي الاجتماعي لباندورا على وجود أربع مراحل جوهرية تساهم في عملية التعلم بالملاحظة:

  1. الانتباه: لن يتمكن المُشاهِد من التعلم حتى ينتبه إلى ما يدور حوله، وتتأثر هذه العملية بسمات النموذج الاجتماعي مثل مدى محبة الأشخاص له أو مدى تماهيهم معه، بالإضافة إلى سمات المُشاهِد مثل توقعاته أو مستوى استثارة عواطفه.
  2. الحفظ / الاستذكار: يتوجب على المُشاهِد أن يميز ويستذكر السلوك الذي يشاهده في وقت لاحق، وتعتمد هذه العملية على قدرة المٌشاهِد على ترميز أو تركيب المعلومات على نمط يسهل حفظه، أو قدرته على تكرار أفعال النموذج ذهنياً أو جسدياً.
  3. البدء / الحركة: يجب أن يمتلك المشاهد القدرة الجسدية والذهنية لتقليد أفعال النموذج، ويتمتع المشاهد في العديد من الحالات بالاستجابات اللازمة التي تخوله القيام بذلك، إلا أن تقليد أفعال النموذج قد يتطلب في بعض الأحيان مهارات لم يكتسبها المشاهد بَعد، فشتان ما بين مشاهدة عروض السيرك بتمعُّن وتقليدها في المنزل.
  4. التحفيز: يجب أن يكون لدى المشاهد دوافعَ تحفزُهُ على تقليد أفعال النموذج.

يُفرقِّ باندورا بوضوح بين التعلم والتطبيق، فلن يُطَبِّقَ شخصٌ ما السلوك الذي تعلمه في حال لم يجد ما يحفزه لذلك، وقد يأتي هذا التحفيز من عوامل خارجية كأن يَعِدَهُ صاحب التجربة بمكافَأَة كما اتضح في بعض تجارب باندورا أو أن يرشوه أحد والِدَيه، أو قد يأتي التعزيز بشكل غير مباشر عندما يلاحظ المتعلم أن النموذج سيكافأُ على فعله، ويمكن أن تؤثر النماذج الاجتماعية رفيعة المكانة في أداء المُشاهِد عن طريق التحفيز، وتعد المهمة الحركية التي قامت بها مجموعة من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين سن الحادية عشرة والرابعة عشرة أحد الأمثلة على ذلك، حيث كان أداهن أفضل عندما ظنوا أن النموذج الذي قام بالفعل ذو مكانة اجتماعية عالية.

وأضاف البعض خطوةً بين مرحلتي الحفظ والاستذكار تتضمن تشفير السلوكيات.

يُفضِي التعلم بالملاحظة إلى تغيير سلوك الفرد من ثلاثة جوانب:

  1. يفكر الفرد في المواقف بشكل مختلف وقد يكون لديه حافز ليستجيب لها.
  2. يعد التغير الحاصل نتيجة لتجارب الشخص المباشرة وليس تغيراً فطرياً.
  3. يعد التغير الذي طرأ على فرد ما تغيراً دائماً في أغلب الأحيان.

آثار التعلم بالملاحظة على السلوك[عدل]

تعلم العزف على الطبلة.

تشير نظرية التعلم الإدراكي الاجتماعي لباندورا إلى أنه يمكن للتعلم بالملاحظة أن يؤثر في السلوك بطرق عديدة ويسفر عن نتائج ايجابية وسلبية على حد سواء، ويمكن من خلاله تعلُّم سلوكيات جديدة تماماً، كما يمكنه أن يزيد أو يقلل من وتيرة ممارسة السلوكيات التي تعلمها الفرد سابقاً، ويمكنه حتى أن يحث على ممارسة السلوكيات التي كانت تعد ممنوعةً مثل السلوكيات العنيفة التي قلدها الأطفال في دراسة ألبرت باندورا تجاه الدمية بوبو، ويمكنه أيضاً أن يؤثر في السلوكيات المشابهة لتلك التي يقوم بها النموذج، مثل أن يتحفز مشاهدٌ ما للعزف على الساكسفون عندما يرى نموذجاً بارعاً في العزف على البيانو.

الفروقات العمرية[عدل]

شَدَّدَ ألبرت باندورا على أن الأطفال يتعلمون من نماذج اجتماعية مختلفة طوال فترة نموهم مما يستبعد أن يتأثر طفلان بالنماذج الاجتماعية نفسها، فهم مكشوفون لنماذج عديدة من مرحلة الطفولة حتى سن المراهقة، وأظهرت دراسة أُجرِيَت في عام 2013 أنه لا يَلزَمُ الأطفالَ في سن الحبو دائماً معرفة مسبقة بالنموذج كي يتعلموا منه، كما يمكنهم التعلم من خلال مشاهدة أحد الغرباء يقوم بعرض أو نَمذَجَة فعل جديد لغريب آخر.

كان الاعتقاد السائِد أن الرُّضَّعَ غير قادرين على محاكاة الأفعال حتى يبلغون النصف الثاني من سنتهم الأولى، إلَّا أن عدداً من الدراسات الحديثة تفيد بأنه يمكن للرضع في عمر سبعة أيام محاكاة تعابير الوجه البسيطة، وبحلول النصف الثاني من سنتهم الأولى سيتمكن الرضع في عمر تسعة أشهر من محاكاة الأفعال بعد ساعات قليلة من مشاهدتها، ومع نموهم المستمر سيتمكن الأطفال في السنة الثانية من عمرهم من اكتساب مهارات شخصية واجتماعية مهمة عن طريق محاكاة نموذج اجتماعيٍّ ما.

يعد التقليد المؤجل مرحلة نمو مهمة لدى الأطفال في عمر السنتين، حيث يتمكن الأطفال في هذه المرحلة من تركيب تمثيلات رمزية فضلاً عن استذكار المعلومات، وعلى خلاف الأطفال في سن الحبو، يقل اعتماد الأطفال في عمر المدرسة الابتدائية على المخيلة لوصف تجاربهم، لأنهم يستطيعون وصف تصرفات النموذج لفظياً، ومن المرجح أن يحدث هذا النوع من التعلم على نحو منتظم كونه لا يتطلب التعزيز.

قد تضعف المهارات الحركية للتعلم بالملاحظة المتصلة بالعمر مع التقدم في السن عند الرياضيين ولاعبي الغولف، حيث يمتلك لاعبي الغولف الصغار الماهرين قدرة أكبر على التعلم بالملاحظة على عكس اللاعبين الكبار الأقل مهارة.

استنباط العلاقات السببية عن طريق التعلم الملاحظة[عدل]

يستخدم البشر التعلم بالملاحظة لمشاهدة وتحليل أفعال الآخرين واستنباط ماهية هذه الأفعال وكيفية أدائها.

كشفت دراسة أُجريَت على أطفال يبلغون من العمر خمسة وعشرين شهراً أن بإمكانهم تعلم العلاقات السببية من خلال مشاهدة التدخلات البشري، كما يمكنهم التعلم عن طريق مشاهدة الأفعال العفوية غير المقصودة.

التعلم بالملاحظة مقارنةً بالمحاكاة[عدل]

يسعنا الافتراض أن عملية التعلم بالملاحظة قد حدثت عندما تقلد إحدى الكائنات الحية فعلاً أو نتيجةً لفعل ليس من طبيعتها بعد أن شاهدته، خصوصاً إذا تبيَّنَ أن الآلية الوحيدة لتفسير نشأة هذا التصرف المطابق هي التعلم بالملاحظة، فقد جذب انتباه علماء النفس بصفة خاصة أحد أشكال التعلم بالملاحظة المعروف بالمحاكاة وكيفية تمييزه عن سائر عمليات التعلم الأخرى، ولكي نميز المحاكاة بشكل صحيح يجب ان نفرق بين الدرجات المختلفة للتشابه السلوكي، فقد يكون هذا التشابه ناتجاً عن (أ) نزعة وراثية، (ب) تحفيز ناجمٌ عن وجود حيوان آخر، (ج) لفت الانتباه إلى مكان أو غرض ما، (د) تعلم كيفية عمل البيئة وذلك خلافاً لمعتقداتنا عن طريقة عملها، (ه) المحاكاة (تقليد السلوك الحاصل أمامنا).

يختلف التعلم بالملاحظة عن التعلم بالمحاكاة في كونه لا يستدعي تكرار السلوك المشاهد من النموذج، فقد يشاهد متعلم ما سلوكاً غير مرغوب والعواقب المترتبة عليه ويتعلم من ذلك أن يتجنب ذلك السلوك، ومن أمثلة ذلك التجربة التي قام بها ريوبيلي (1960)، حيث وجد أن القرود تُحسِن الاختيار من خلال التعلم بالملاحظة في حال شاهدوا القرد المعلم يخطئ قبل أن يتخذ القرار الصحيح، ويفرق هيز (1993) بين المحاكاة والتعلم الاجتماعي الذي لا يقوم على المحاكاة من الناحية التالية: تحدث المحاكاة عندما تتعلم الحيوانات سلوكيات من خلال مشاهدة أبناء جنسها، بينما يحدث التعلم الاجتماعي الذي لا يقوم على المحاكاة عندما تتعلم الحيوانات عن البيئة من خلال مشاهدة الآخرين.

ليست كل عمليات التعلم عن طريق المحاكاة والملاحظة متشابهة، فهي تختلف غالباً حسب النمط الذي تتخذه ومدى شدته فقد تتخذ نمطاً نشطاً أو سلبياً ، ويصف جود ديوي فرقاً مهماً بين نوعين من المحاكاة: المحاكاة كهدف والمحاكاة لغاية، حيث يقوم المشاهد في حالة المحاكاة كهدف بتكرار الفعل الذي يشاهده لغرض التكرار فقط، ويحدث هذا النوع من المحاكاة غالباً عند الحيوانات، بينما تُستَخدَم المحاكاة لغاية من أجل الوصول إلى هدف أكثر أهمية، وفي حين وُثِّقَت حالات للنمط السلبي من المحاكاة غير الهادفة في بعض المجتمعات الأمريكية من أصل أوروبي، وُثِّقَت أيضاً حالات للنمط النشط من المحاكاة الهادفة في مجتمعات أخرى حول العالم.

قد تتخذ الملاحظة نمطاً نشطاً لدى الأطفال المتعلمين في مجتمعات السكان الأصليين الواقعة في أمريكا، حيث أثبتت الدراسات الإنسانية لوصف الأعراق التي أُجرِيَت على مجتمع اليوكاتيك من شعوب المايا ومجتمع كيشوا من بيرو أن الأنظمة الاقتصادية المحلية لتلك الثقافات تتيح للأطفال وبشكل مباشر مشاهدة النشاطات المفيدة التي ستوفر لهم سبل العيش وتشد من عضد المجتمع، فلدى هؤلاء الأطفال الفرصة لمشاهدة نشاطات ذات صلة بمجتمعهم مما سيدفعهم للارتقاء بمعرفتهم العملية والتعلم من محيطهم، وعلى الرغم من تواجد الأطفال وقت حدوث تلك النشاطات إلا أنهم ليسوا ملزمين بمشاهدتها، ومع ذلك يختار الأطفال بمحض إرادتهم عادةً حضور تلك النشاطات لغرض المشاهدة والتعلم، ويؤكد هذا الخيار على أهمية هذا النمط من التعلم لدى العديد من مجتمعات السكان الأصليين الواقعة في أمريكا، فهو يتجاوز بكثير تعلم المهام العادية من خلال توظيف المحاكاة الروتينية، ويعد هذا النمط من التعلم ركيزة أساسية يتحول من خلالها أطفال ذلك المجتمع تدريجياً إلى أعضاء واعين يتقنون ممارسات مجتمعهم المميزة، وتشير دراسة أخرى أُجرِيَت على الأطفال أن السلوك المحاكى يمكن استذكاره لاحقاً واستخدامه في مواقف مختلفة أو حتى في الموقف نفسه.

التدريب المهني[عدل]

قد يشتمل التدريب المهني على التعلم بالملاحظة والنمذجة على حد سواء، حيث يكتسب المتدربين مهاراتهم جزئياً من خلال العمل مع خبراء في تلك المهن وأيضاً من خلال مشاهدة وتقييم أداء زملائهم المتدربين، ويعد الرسام والمخترع ليوناردو دافنشي بالإضافةً إلى مايكل أنجلو من الأمثلة على ذلك، فقد كانوا هم أنفسهم متدربين قبل أن ينجحوا في مهنهم.

التعلم بدون المحاكاة[عدل]

بَيَّنَ مايكل توماسيلو عدة طرق في علم السلوك الحيواني توظف فيها الحيوانات الملاحظة للتعلم دون الحاجة إلى المحاكاة:

  • الانكشاف: يتعلم الأفراد عن البيئة المحيطة بهم وهم على مقربة من أفراد أكثر خبرة، فيتعلم صغير الدلفين مثلاً عن أماكن صيد تزخر بالأسماك من خلال البقاء بجوار والدته.
  • تعزيز السلوك: يثارُ فضول الأفراد حيال شيءٍ ما عند مشاهدة الآخرين يتفاعلون مع ذلك الشيء، وقد يؤدي الفضول المفرط إلى التلاعب به، مما يساعد على توليد سلوكيات جديدة متعلقة بهذا الشيء من خلال التعلم عن طريق التجربة والخطأ، فقد يرغب صغير الحوت القاتل على سبيل المثال باللعب بجرو أسد البحر عندما يرى الحيتان الأخرى تتقاذفه يميناً وشمالاً، وبعد أن يلعب به قد تتولد لديه سلوكيات مخصصة لهذه الفريسة تدفعه للبحث عنها وافتراسها، وفي هذه الحالة لم يتعلم الحوت القاتل صيد أسود البحر من مشاهدة الآخرين، بل بسبب الفضول الذي غمره بعد أن شاهد الحيتان الأخرى تلعب بجرو أسد البحر ودفعه ذلك الفضول إلى التفاعل مع أسد البحر، مما أثار سلوكيات مستقبلية تقوده لافتراسه.
  • محاكاة الهدف: تكون النتيجة النهائية لسلوك ما مغريةً لدرجةٍ تدفعُ الأفراد لمحاولة الحصول على نفس النتيجة بطريقة مختلفة، فقد ابتكر هاغرتي (1909) على سبيل المثال تجربة تسلَّق فيها قردٌ على جانب قفصٍ ثم أخرج يده ليسحب حبلاً كي يخرج له الطعام من مكان مخصص، ثم خضع قرد آخر لنفس التجربة بعد أن شاهد القرد السابق يقوم بنفس العملية أربع مرات منفصلة، وكانت النتيجة أن القرد الأخير استخدم طريقة مختلفة ونجح في الحصول على الطعام بعد محاولات فاشلة.

تأثيرات نظير النموذج[عدل]

يصبح التعلم بالملاحظة مفيد جداً عندما تكون هناك نماذج ايجابية لنظراء محفزين، ومع أن الأفراد يمرون بأربع مراحل مختلفة لحدوث عملية التعلم بالملاحظة، التي هي الانتباه والحفظ والانتاج والتحفيز، إلا أن ذلك لا يعني أن عملية التعلم بالملاحظة ستحدث تلقائياً بنفس ذلك الترتيب بمجرد شد انتباه الفرد، حيث يعد التحفيز والتعزيز الإيجابي من أهم المراحل المستمرة للتعلم بالملاحظة خصوصاً عند الأطفال، ويرتفع الأداء عندما يُوَجَّهُ الأطفال إلى كيفية تحسين موقف ما أو عندما يشاركون بفعالية مع شخص ماهر، وتعد السقالة والمشاركة الموجهة من الأمثلة على ذلك، حيث تشير السقالة إلى تجاوب الخبراء بشكل غير مشروط مع المبتدئين حتى يفهموا المزيد حيال مشكلة تواجههم، وتشير المشاركة الموجهة إلى مشاركة الخبراء بشكل فعال في مواقف المبتدئين حتى يتسنَّى للمبتدئين المشاركة معهم أو مشاهدتهم لمحاولة فهم الطريقة الصحيحة لحل مشكلة ما.

التنوع الثقافي[عدل]

يقاس التنوع الثقافي بكم المعلومات الذي يتعلمه أو يستوعبه الأطفال في الثقافات غير الغربية من خلال التعلم بالملاحظة، ولا يقتصر التنوع الثقافي على العرق والجنسية فحسب، بل يمتد ليشمل ممارسات محددة داخل المجتمعات، وفي نمط التعلم بالملاحظة يستعين الأطفال بالملاحظة وحدها للتعلم دون الحاجة إلى طلب التعليمات ودون تَلَقِّي أَيَّةِ إرشادات مباشرة، حيث يميل الأطفال من أصل مكسيكي على سبيل المثال إلى التعلم والاستفادة من المعلومات والعروض التي يتلقونها أثناء الدراسة بشكل أفضل من الأطفال الذين من أصل أوروبي، لأن نوع التعلم الذي يتعايش معه الأطفال من أصل أوروبي يفصلهم عن أنشطة أسرتهم ومجتمعهم، فهم يشاركون بدلا من ذلك في الدروس والتمارين الأخرى في أماكن خاصة مثل المدرسة، وتبرز الاختلافات الثقافية حسب إمكانية أطفال كل ثقافة من توظيف خصائص معينة لتعلم نشاط ما، كما يعد انغماس الأطفال في أوساط البالغين عند مجتمعات السكان الأصليين في القارتين الأمريكيتين من الأمثلة الأخرى على التنوع الثقافي إضافةً إلى تأثير هذا الانغماس على عملية التعلم بالملاحظة وقدرة الأطفال على إنجاز مهام متعددة في آنٍ واحد، فقد يُعزَى هذا التنوع إلى إتاحة الفرصة لأطفال تلك المجتمعات لمشاهدة كبار السن أو نظراءَهم ينجزون مهمة ما ثم محاولتهم تقليدها، وهم يتعلمون بذلك أهمية الملاحظة وفضلها في بناء المهارات القَيِّمة التي يحتاجها مجتمعهم، وهذا النمط من الملاحظة ليس سلبياً، بل يعكس نية الطفل على المشاركة أو التعلم داخل المجتمع.

يتجلى التعلم بالملاحظة في العديد من ميادين الحياة لدى مجتمعات السكان الأصليين، ويعد الفصل الدراسي أحد الأمثلة المهمة على ذلك لأنه يختلف عند مجتمعات السكان الأصليين مقارنة بما هو شائع لدى مدارس المجتمعات الغربية، حيث يكون التركيز لدى المجتمعات الأصلية على الملاحظة الدقيقة لتشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة القائمة ومساعدتهم على تعلم الممارسات واستخدام الأدوات المهمة لمجتمعهم، وينتج عن هذا الانخراط تفاهمٌ متبادل يُقَيِّمُ الخبراءُ من خلاله مدى نفع عملية التعلم بالملاحظة كما يَطَّلِعون على ما يحتاجه قليلو الخبرة كي يتطوروا، ويمكن زيادة مشاركة قليلي الخبرة (الأطفال) في المجتمع، عن طريق تعلمهم أو مشاركتهم في تلك الأنشطة الموضوعة بغرض التقييم، حيث تعتمد مجتمعات السكان الأصليين على التعلم بالملاحظة كوسيلة لإشراك أطفالهم في الأنشطة الجارية داخل المجتمع (ثارب، 2006).

على الرغم من أن التعلم ليس دائماً المحور الرئيسي عند المشاركة في نشاط ما في مجتمعات السكان الأصليين في أمريكا، إلا أن الدراسات قد بينت الفرق بين الانتباه الحاصل في الملاحظة المتعمدة والملاحظة غير المتعمدة، حيث تشتمل الملاحظة المتعمدة على المراقبة الدقيقة والإنصات الجيد عند الانخراط في نشاطات المجتمع، مما يقتضي التركيز على التفاصيل عند العزم على المشاركة في نشاط ما، على عكس الحاصل لو كانت الملاحظة غير متعمدة.

يمكن أن يكون التعلم بالملاحظة عملية نشطة في العديد من مجتمعات السكان الأصليين الأمريكية، حيث يجب أن يبادر المتعلم بحضور الأنشطة الجارية من حوله، كما يبادر الأطفال في هذه المجتمعات بالمساهمة بخبراتهم بطرق ستعود بالنفع على مجتمعهم، ففي العديد من ثقافات السكان الأصليين الأمريكية على سبيل المثال يقوم الأطفال بالأعمال المنزلية دون أن يطلب منهم الكبار، فهم ويرون الحاجة إلى مساهماتهم ويفهمون دورهم في المجتمع، وتبعاً لذلك ويبادرون بالقيام بالمهام التي شاهدوها، وتقوم الدوافع الذاتية أيضاً بدور مهم في فهم الطفل وبنائه للمعاني المترتبة على تلك التجارب التعليمية، حيث تعد الاستقلالية والمسؤولية المرتبطة بالتعلم بالملاحظة في العديد من مجتمعات السكان الأصليين من الأسباب المهمة لكون هذا النمط من التعلم يتضمن أكثر من مجرد المشاهدة والتقليد، فيجب أن ينغمس المتعلم في النشاطات والتجارب كي يفهَمَ ويطبِّقَ المعرفة التي حصل عليها بشكل كامل.

مجتمعات السكان الأصليين في القارتين الأمريكيتين[عدل]

قرويي المايا

يتعلم الأطفال في مجتمعات السكان الأصليين في القارتين الأمريكيتين غالباً من خلال الملاحظة كونها استراتيجية يمكن أن تنتقل إلى مرحلة البلوغ، حيث تَسمَحُ للأطفال إنجاز مهام متعددة والمشاركة في نشاطات متزامنة نظراً لأهميتها البالغة، كما يتعلم الأطفال المهارات والممارسات الثمينة لدى مجتمعاتهم نتيجة الانفتاح غير الخاضع للرقابة على أسلوب حياة البالغين، فيشاهد الأطفالَ كبار السن وأولياء الأمور والأخوة ينجزون المهام ويتعلمون المشاركة فيها، ويعدهم المجتمع مساهمين فاعلين مما يدفعهم إلى مراقبة وتعلم مهامٍّ عدة تنجز في آن واحد الشيء الذي سيعلمهم كيفية إنجاز المهام والتفاعل مع أفراد المجتمع في وقتٍ واحد دون أن يتشتت انتباههم.

تتوفر فرص عديدة في مجتمعات السكان الأصليين تسمح للأطفال الانخراط في مشاغل الحياة اليومية، ويمكن مشاهدة ذلك عند بعض مجتمعات المايا، حيث تُعطَى الصلاحيات الكاملة للأطفال بالدخول إلى فعاليات المجتمع مما يستدعي حدوث عملية التعلم بالملاحظة بوتيرة أكبر، ومن المعروف أن أطفال شعب المازاهوا في المكسيك يشاهدون النشاطات الجارية عن كثب، كما يتعلم الأطفال غالباً في مجتمعات شعوب المايا ومجتمعات السكان الأصليين في شمال كندا كطرف ثالث عن طريق الاستماع إلى المحادثات والقصص التي يرويها الآخرون، وتحمِلُ أمهات شعوب المايا أطفالهن على ظهورهن طوال اليوم الشيء الذي يتيح للأطفال مشاهدة الأعمال التي يَقُمنَ بها بالإضافة إلى مشاهدة العالم من منظورهن، فيتحمل الأطفال في مجتمعات السكان الأصليين الأمريكية غالباً القدر الأكبر من المسؤولية لتعلمهم، ويكتشفون طرائقهم الخاصة في التعلم، ويُسمح للأطفال غالبًا بالتعلم دون قيود وبأقل قدر من التوجيه، كما يُشَجَّعُون على المشاركة في نشاطات المجتمع حتى لو لم يتقنوها، فلديهم دوافع ذاتية تحثهم على التعلم وعلى إنجاز أعمالهم، ويعد هؤلاء الأطفال بمثابة أعين وآذان لآبائهم تطلعهم على مستجدات المجتمع.

يشارك الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الست والثمان سنوات في مجتمع السكان الأصليين في مدينة غوادالاخارا في المكسيك في الأعمال شاقة كالطبخ وأشغال المنزل ليعود نفعها على الأسرة جمعاء، في حين يندر حدوث ذلك عند أطفال سكان المدينة كونهم يشاركون في أنشطة ينظمها البالغون وليس لديهم متسع من الوقت للعب، بينما لدى أطفال مجتمع السكان الأصليين المزيد من الوقت للعب والشروع في أنشطتهم بعد المدرسة، كما أن لديهم شعوراً قوياً بالانتماء إلى مجتمعهم.

لا يسعى الناس عادة في مجتمعات محددة للسكان الأصليين للبحث عن تفسير لما يحدث أمامهم ويكتفون بالمشاهدة، ذلك لأنهم بارعون في التعلم من خلال الملاحظة الذكية، فقد ظلت مجموعة من النسَّاجِينَ الهواة في مصنع لحياكة الأقمشة في غواتيمالا تشاهد مجموعة من النساجين المَهَرَة على مدى أسابيع دون طرح أسئلة أو تلقي تفسيرات، وعلى إثر ذلك بدأ الهواةُ بالعمل بالوتيرة التي تناسبهم حين شعروا بالثقة الكافية، حيث يمكن أن تستخدم جماعات شتى في المجتمع إطار تعلم الحياكة بالملاحظة كنموذج مرجعي يرشدهم في مجالات معينة من الحياة، فالمجتمعات التي توظف التعلم بالملاحظة تعزز التسامح والتفاهم المتبادل مع مَن هُم مِن خلفيات ثقافية مختلفة.

تجارب سلوكية أخرى على الإنسان والحيوان[عدل]

تزيد دائماً نسبة نجاح حيوان ما في إنجاز مهمة بعدما يشاهد حيوان آخر يقوم بنفس المهمة قبله، وقد أُجرِيَت تجارب عدة على أنواع مختلفة من الحيوانات وجميعها أدت إلى نفس النتيجة، ألا وهي أن الحيوانات باستطاعتها تعلم السلوكيات من نظائرها، ولكن يجب التفريق بين انتشار السلوك واستقراره، فقد أظهرت الأبحاث أنه يمكن للتعلم الاجتماعي أن ينشر سلوكاً ما، لكن لا تزال هناك المزيد من العوامل المتعلقة بكيفية استقرار السلوك وانتقاله عبر أجيال من الثقافات الحيوانية.

التعلم عند السمك[عدل]

أظهرت التجارب على أسماك أبو شوكة تُسَاعِي الشوكات أن الأفراد يستخدمون التعلم الاجتماعي لتحديد مكان الطعام.

التعلم الاجتماعي عند الحمام[عدل]

حمامة

أجريت تجربة عام 1996 في جامعة كنتاكي لاختبار قدرة الحمام على توظيف التعلم الاجتماعي، حيث استخدمت التجربة جهازاً يكافئ الحمام بالطعام عند النقر على الدواسة أو الدوس عليها، ووجدت الدراسة تشابهاً كبيراً بين الطرق التي استخدمها النموذج للحصول على الطعام وبين الطرق التي استخدمها المشاهدون من بعدِه.

اكتساب طرق جديدة للبحث عن الطعام[عدل]

أجريت دراسات في جامعة أوسلو وجامعة ساسكاتشوان حول قدرة الطيور على التعلم الاجتماعي ولتحديد الفرق بين الاكتساب الثقافي والوراثي، إذ توجد بالفعل دلائل قوية تدعم قدرة الطيور على اختيار شريكها والغناء وتمييز الحيوانات المفترسة وتحديد أماكن الطعام.

قام باحثون بتبديل البيض بين أعشاش طيور القرقف الأزرق وطيور القرقف الكبير وشاهدوا السلوك الناتج عبر تسجيلات صوتية ومرئية، حيث تعلمت الطيور التي ترعرعت لدى الأسرة الحاضنة عن أماكن طعام تلك العائلة في وقت مبكر واستمرت بالتردد على تلك الأماكن طوال حياتها بدلاً من أن تذهب إلى أماكن طعام بني جنسها، فقد انتقل ذلك السلوك الجديد الذي تعلمته الطيور من اسرتها الحاضنة إلى ذريتها، وهذا يشير إلى انتقال سلوكيات البحث عن الطعام في البرية ثقافياً عبر الأجيال.

التعلم الاجتماعي عند الغربان[عدل]

قامت جامعة واشنطن بدراسة هذه الظاهرة عند الغربان آخذين بالاعتبار المقايضة التطورية التي تشير إلى أن حصول فردٍ ما على المعلومات بنفسه سيكلفه الكثير، في حين أن تعلم تلك المعلومات من أفراد المجتمع سيكون أقل تكلفة لكن لن يضمن دقتها، وعلى إثر ذلك ارتدى القائمون بالتجربة قناعاً مميزاً للدلالة على الخطر أثناء ما كانوا ينصبون الفخاخ ويضعون الأساور ويطلقون سراح الغربان البرية التي يتراوح عددها بين سبعة إلى خمسة عشر غراباً في خمس مناطق مختلفة جرت فيها الدراسة في أرجاء مدينة سياتل بولاية واشنطن، حيث تقوم الغربان التي سبق أسرُهَا بالنعيق مباشرةً بعد رؤية القناع مما يدل على أنها تعلمت الخطر المصاحب لذلك القناع، كما قامت بعض الغربان التي لم يسبق أسرها بالنعيق، مما يدل على أن الغربان التي كانت حاضرة وقت الامساك بالآخرين تعلمت خطورة ذلك القناع.

يتماشى التعلم الاجتماعي الأفقي (التعلم من النظراء) مع سلوكيات الغربان الوحيدة التي تعرفت على خطر القناع دون أن تُؤسَر، ويتكيف أبناء الغربان الذي سبق أَسرُهُم على النعيق عند رؤية القناع، وهذا يشير إلى التعلم الاجتماعي العمودي (التعلم من الآباء)، فقد كانت الغربان التي سبق أسرها أكثر دقة في التمييز بين الأقنعة الخَطِرَة والأقنعة المحايدة من الغربان التي تعلمت ذلك من تجارب نظرائها، وضاعفت قدرة الغربان على التعلم من وتيرة النعيق، حيث امتد النعيق على نطاق 1.2 كم على الأقل على مدى 5 سنوات في أحد المواقع التي أجريت فيها الدراسة.

انتشار الثقافة الحيوانية[عدل]

أقر باحثون في قسم الدراسات المعرفية لمعهد جان نيكود في المدرسة العليا لإعداد المعلمين بوجود صعوبة في دراسة ظواهر التعلم الاجتماعي، حيث يجب أن يتحقق شرطان كي يعد السلوك المكتسب سلوكاً ثقافياً، وهما: يجب أن ينتشر السلوك اجتماعياً بين الجماعات، ويجب أن يستقر هذا السلوك عبر الأجيال، وقد دَلَّلَت الدراسات أن المحاكاة قد تقوم بدور في نشر سلوك ما، لكن يعتقد الباحثون أن دقة هذه الدلائل ليست كافية لتثبت استقرار الثقافة الحيوانية.

قد تفسِّر عوامل أخرى أسباب استقرار الثقافة الحيوانية في البراري إلى جانب المحاكاة مثل التوافر البيئي والعوامل القائمة على المكافأة والمحتوى والمصدر، ومن أمثلة التوافر البيئي امكانية تعلم حيوانات الشمبانزي كيفية اصطياد النمل باستخدام العصا من نظرائها، ولكن يؤثر نوع النمل وحالته أيضاً في هذا السلوك، فعندما يتعلم الأفراد سلوكاً ما من مجتمعهم فهذا لا يضمن استمرار ذلك السلوك، أما كون السلوك مجزياً فيقوم بدور هام في استقراره ثقافياً، لكن يعد تعقيد السلوكيات التي يتعلمها الأفراد من مجتمعهم أحد العوائق التي تحد من استقرارها عبر الأجيال، وتختلف قدرة الأفراد من كل جنس حيواني على استخدام الأدوات المعقدة، كما يؤثر السياق الذي تعلم فيه الحيوان سلوكاً ما على ثبات ذلك السلوك في الثقافة الحيوانية، فيرجح استقرار سلوك ما عبر الأجيال إذا تبنته غالبية الحيوانات بحجة امتثاله لثقافتها.

تستطيع الحيوانات اكتساب السلوكيات عن طريق التعلم الاجتماعي، ولكن ما زال البحث قائماً عما إذا كان تلك السلوكيات ستنتقل عبر الأجيال.

تجربة الطائر الطنان[عدل]

تعد التجارب على الطيور الطنانة أحد الأمثلة التي يحدث فيها التعلم بالملاحظة بوضوح عند الكائنات الحية غير البشرية، ففي إحدى التجارب قُسِّمَت الطيور الطنانة إلى مجموعتين، إحداهما شاهدت معلماً خبيراً يأكل غذاءه في حين لم تشاهد المجموعة الأخرى ذلك، واتضح في الاختبارات اللاحقة أن الطيور التي شاهدت المعلم كانت تأكل بكفاءة أكبر من المجموعة الأخرى.

الدلفين[عدل]

اقترح هيرمان (2002) أن الدلافين تتعلم السلوكيات عن طريق محاكاة أهدافها بدلاً من محاكاة الآخرين، فالدلفين الذي يشاهد نموذجاً يضع كرةً في السلة قد يستطيع أن يقلد ذلك السلوك عندما يُطلَب منه ذلك، لكنه سيفعل ذلك بطريقة مختلفة.

القرد الريسوسي[عدل]

ذكر كينمان (1902) أن أحد قرود الريسوس تعلم كيف يحصل على الطعام عن طريق سحب قابس من صندوق بأسنانه بعد أن شاهد قرداً آخر قبله يقوم بذلك بنجاح.

كما أجرى فريدمان (2012) أيضاً تجربة على سلوك الملاحظة، حيث شاهدت قرودٌ ربتها البشر في التجربة الأولى نموذجًا بشرياً مألوفًا لهم يستخدم أداةً لفتح صندوق يحتوي على الطعام بطريقتين مختلفتين، إما عن طريق الرفع أو الوخز، وفي التجربة الثانية شاهدت قرود ربتها أمهاتها طرقاً مشابهة يقوم بها قرودٌ آخرون، بينما كان هناك أفراد في كل مجموعة لم يشاهدوا أي نموذج، واستطاع المشاركون في الدراسة تحديد الطريقة التي شاهدها كل قردٍ في كلتا التجربتين مما يؤكد حدوث التعلم الاجتماعي، ودرست المزيد من التحليلات التقليد على ثلاث مستويات.

أظهرت القرود التي ربتها البشر القدرة الأكبر على التعلم باستخدام الطريقة المحددة التي رأتها لاستخدام الأداة، حيث أن القرود التي شاهدت طريقة الرفع لفتح صندوق الطعام هي وحدها من قامت بهذه الطريقة مقارنةً بمن شاهدوا طريقة الوخز ومن لم يشاهدوا أي نموذج، بينما تجاهلت القرود التي ربتها أمهاتها الأداة وأظهرت مستوى متدني من الطاعة، حيث قَلَّدت غالباً النتيجة التي توصل إليها النموذج سواءً بطريقة الرفع أو الوخز.

بيدَ أن نسبة نجاح هذا المستوى من التعلم الاجتماعي عند القرود التي شاهدت نموذجاً أعلى بكثير من القرود التي لم تشاهد نموذجاً، إلا أن هذا التأثير غير موجود عند القرود التي ربتها البشر، وتنسجم نتائج كلتا المجموعتين مع السلوكيات المرجعية التي تعلمت منها القرود الطريقة المستخدمة في التجربة، وسينتج عن ذلك صورة سلوكية محددة ذات طابع اجتماعي عند القرود التي كان لديها نموذج مقارنةً مع التي لم يكن لديها نموذج.

تجربة صندوق الإضاءة[عدل]

أجرى بينكهام وجاسوال (2011) تجربة لمعرفة ما إذا كان طفل ما سيتعلم كيفية تشغيل صندوق الإضاءة عن طريق مشاهدة أحد الوالدين، ووجدوا أن الأطفال الذين شاهدوا أحد والديهم يستخدم رأسه لتشغيل صندوق الإضاءة يميلون إلى تشغيل الصندوق بنفس الطريقة، في حين يستخدم الأطفال الذين لم يشاهدوا أحد والديهم أيديهم لتشغيل الصندوق بدلاً من ذلك.

قياس أداء مهارة السباحة[عدل]

يرتفع الأداء والقدرة على تعلم المهارات عندما يتدرب المتعلم جيداً بعد مشاهدتها ويتلقى تعليقاتٍ بَنَّاءَة، فقد أجرى لويس (1974) دراسة على الأطفال الذين كانوا يخافون من السباحة ولاحظ تأثير النموذج والتدريب المتواصل على مجمل أدائهم، واستمرت الدراسة لتسعة أيام وتضمنت العديد من الخطوات، وجرى تقييم الأطفال في البداية استناداً لمستوى القلق لديهم ومهارتهم في السباحة، ثم وُضِعُوا في واحدة من ثلاث مجموعات تحت ظروف مختلفة لبضعة أيام.

يشارك جميع الأطفال في درس جماعي نهاية كل يوم، فكانت المجموعة الأولى مجموعة مراقبة يشاهد فيها الأطفال رسوماً متحركة قصيرة لا علاقة لها بالسباحة، وكانت المجموعة الثانية مجموعة تنافسية بين النظراء يشاهد فيها الأطفال مقاطع فيديو قصيرة لأطفال مقاربين لهم في العمر يمتازون بأداء عالي وثقة كبيرة، أما المجموعة الثالثة فكانت مجموعة تأقلم مع النظراء يشاهد فيها الأطفال مقاطع فيديو لأطفال مقاربين لهم في العمر كان أدائهم وثقتهم متدنيين ثم تحسنا بشكل كبير.

أُعِيدَ تقييم الأطفال في اليوم الذي تلا مجابهتهم لكل من الظروف التي وُضِعَت لهم، كما أٌجرِيَ للأطفال أيضا تقييم متابعة بعد بضعة أيام، وتَبَيَّنَ عند إعادة تقييم المجموعات التي شاهدت مقاطع فيديو لأطفال مقاربين لهم في العمر وكان لهم نموذجٌ يحتذى به أن معدلات النجاح ارتفعت في المهارات التي جَرَى تقييمها لأنهم كانوا يرون النماذج الاجتماعية كمصدر للمعلومات والتحفيز.

التعلم بالملاحظة في علم الأعصاب[عدل]

تقترح الدراسات الحديثة في علم الأعصاب وجود علاقة أساسية بين الخلايا العصبية المرآتية والوظائف العصبية المتعلقة بالتعلم بالملاحظة، حيث تطلق تلك الخلايا العصبية البصرية الحركية المتخصصة موجات جهد الفعل عندما يقوم الفرد بمهمة حركية كما تُطلق الموجات أيضًا عندما يشاهد أحد الأفراد بشكل سلبي شخصًا آخر يقوم بنفس المهمة الحركية، فتبدأ العملية عند تعلم المهام الحركية بالملاحظة بعرض مرئي لفرد آخر يقوم بمهمة حركية على هيئة نموذج، ويحتاج المتعلم بعد ذلك إلى تحويل المعلومات المرئية المرصودة إلى أوامر حركية داخلية تسمح له بأداء تلك المهمة الحركية، ويعرف هذا بالتحويل الحركي البصري، وتوفر شبكات الخلايا العصبية المرآتية آلية للتحويل والتفاعل البصري والحركي، كما تقترح الدراسات أيضاً وجود علاقة بين الشبكات العصبية المشابهة لشبكات الخلايا العصبية المرآتية وبين التعلم الاجتماعي والإدراك الحركي والاجتماعي. [[تصنيف:استعراف حيواني]] [[تصنيف:تعلم]] [[تصنيف:مفاهيم إدراكية]] [[تصنيف:نظرية التعلم الاجتماعي]] [[تصنيف:صفحات بترجمات غير مراجعة]]