مستخدم:Aya.a.e/ملعب
أن ترغب في مساعدةِ الآخرين فهذا شعور نبيل، لكن السؤالَ هو: كيف ستساعد الآخرين؟ قد تحسب للوهلةِ الأولى أنَّ الإجابةَ عن هذا السؤال يسيرة، أو أنَّ كل ما عليك هو البحث عما يحتاجُه الآخرون لتسارعَ بتقديمه لهم؛ لكن ما يجب أن تفكرَ فيه بحق هو أن تتعلمَ فن مساعدة الآخرين، ولكل فن أصوله.
إن موقفَ تقديم المساعدة لشخص ما، يشتمل على ثلاثةِ عناصر رئيسة هي: (ماهية المساعدة، مَن تقدم له المساعدة، أسلوب أو كيفية تقديم المساعدة)، وإذا أردت أن تحسنَ الأداء في هذا الموقف، فعليك أن تعطي كلَّ عنصر حقَّه من الاهتمام، فماهية المساعدة من أيسرِ العناصر؛ فإذا رأيت كفيفًا يقف على جانبِ الطريق، فأنت تعلم أنَّ المساعدة التي يحتاجُ إليها في هذه الحالة هي أن تعينَه على عبور الطريق مثلاً، وإذا كان أبوك مريضًا ويحاول النهوضَ من كرسيه، فأنت تعلمُ أنَّ المساعدةَ المطلوبة في تلك اللحظةِ هي معاونته على الوقوف، وإذا رأيتَ أخاك الصغير يستذكر دروسَه ويعجز عن حلِّ مسألة ما، فأنت تعلمُ أن المساعدةَ المطلوبة هي معاونته على حلها، إذًا فمن اليسير أن تعرفَ ما سوف تقدم، ولهذا عليك أن تركزَ كثيرًا في العنصر التالي وهو: مَن تقدم له المساعدة؟
إن لكلِّ شخص ظروفه وصفاته الخاصة التي تجعل أسلوب التعامل معه يختلفُ عن غيره، فحين تعين طفلاً على عبورِ الطريق، فأنت تتعاملُ بأسلوب مختلف عما كنتَ تعامل كفيفًا أو رجلاً مسنًّا، كما أن تقديمَ المساعدة لطفل صغير في مادةِ الرياضيات يختلفُ عن تقديم ذات المساعدة لطفل يعاني من مشكلاتٍ عقلية أو بصرية مثلاً، ورعايتك لوالدتك المريضة تختلفُ عن تخفيف الأعباء عنها إن كانت صحيحة وهكذا، وعليك أن تتذكرَ أن الأشخاص المصابين بالإعاقاتِ والأمراض أكثر تحسُّسًا لقبولِ المساعدة، في واقع الأمر هم بحاجة لها، لكن تقديم المساعدات لهم هو أصعب ما يكون؛ لأن من المفترض أن تقدم المساعدة دون أن تنقلَ للطرف الآخر شعورًا صريحًا بعجزه، وعليك أن تتوقعَ ردَّ فعل سلبي منه، وإن حدث فهذا فهو يدلُّ في الغالبِ على فشلك في تقديم المساعدة بالطريقة الصحيحة، وهذا يحدث بشكلٍ لا إرادي من الطرف الآخر، وكل ما عليك هو تقبُّل الأمر بصدرٍ رحب، وإعادة المحاولة بطريقة مختلفة، ولهذا نجدُ أن الأشخاصَ المصاحبين لمثل هؤلاء بشكلٍ مستمر هم أفضل من يقدم لهم المساعدة؛ لأنَّ المصاحب هنا قد مر بتجارِبَ عديدة أكسبته الخبرةَ الكافية، فتجده يقدم المساعدةَ دون جرح لمشاعر الطرف الآخر، كما أنَّ الشخص المصاب قد يتجه لطلبِ العون منه بشكلٍ طبيعي؛ لأنَّه أدرك أن هذا الشخصَ يقدمُ له ما يحتاج إليه بلباقة، وهذه اللباقة لا تُدرك بسهولة، ولا بد أن تمرَّ بتجارب كثيرة حتى تتعلمها وتتقنها.
هناك أيضًا المساعدات الإضافية وليست الضرورية، إن تقديم مثل هذا النوع يكون غالبًا للأصحاء، وهي مساعدات دافعها الحبُّ أو الخوف على شخصٍ ما، أو إبعاده عن أي مصدر قلق أو خطر، ومن الأمثلة على هذا النوع: رغبتك في مساعدةِ والديك إبعادًا لهما عن أي مصدر قد يمثل خطرًا، أو يؤدي إلى مشكلاتٍ صحية مثلاً، فرغم أنَّ والدَك صحيح وذو بنية جيدة تجد أنك تصر على ألا يقودَ سيارتَه لتنوبَ أنت عنه في هذا، أو تصر على أن تكون مهمة حمل الأغراض - وبخاصة ثقيلة الوزن - من نصيبِك أنت، وهكذا، هذا النوع من المساعدات أيضًا يحتاج إلى حذرٍ في الأداء، حيث المطلوب أن تأتي مساعدتك محملة على محمل الحبِّ والتدليل للطرف الآخر وليس إعانته.
أمَّا إذا تحدثنا عن العنصرِ الثالث وهو كيفية تقديم المساعدات، فنجد أنه عنصرٌ متغير يرتبط بالعنصرِ الذي استوفيناه سابقًا؛ وهو الشخص الذي تقدِّم له المساعدة، وعلى كلِّ حال فإنَّنا نجد أنَّ المُساعداتِ المستَتِرة هي الأفضل، كما أن تجنبَ العبارات اللفظية الدالة على عجزِ الطرف الآخر أمرٌ شديد الأهمية، ومن المفيد جدًّا ألا تقدم مساعدة في غير موضعِها، حتى وإن كنت تتعامل مع شخصٍ يُعاني إعاقة ما، حاول أن تراقبَ الطرف الآخر لتتبينَ الأحوال التي يجب أن تلعبَ فيها دورًا فعالاً لإبداء المساعدة، ولا تسرف فيها أيضًا، فقد يؤدِّي الإسرافُ إلى قلبِ الأمور رأسًا على عقب، وبدلاً من أن يكون الطرف الآخر ممتنًّا لك، من الممكن أن يصبح مستاءً من مصاحبتك له، وهذا الاستياء مرجعه إصرارُك دون وعي على جعلِه سجين إعاقته الحقيقية أو الخيالية.
لهذا عزِّز رغبتك في مساعدة الآخرين بتعلم فنِّ المساعدة، ولا تنس قيمةَ التواضعِ والتباسط والحب، وأخيرًا لا تمنَّ على أحد بمساعدتك فتذهب بها أدراج الرياح.