مستخدم:Hasanisawi/التاويل عند ديلتاي
ب
أن يكون للنص بمعناه الاستغراقي منطقة نظر وتفكير او حقلا للبحث, يعني انه بحاجة الى قراءة لاستخراج ما به من امكان الى فعل معرفي. [1]
«هرمنيوطيقا» من الكلمة اليونانية «هرمنويين hermeneuin» بمعنى فسر , وضح. وقد استخدم هايدجر هذا المصطلح في دراسة طبيعة الوجود الإنساني. وقام ديلتاي بنقل هذا المصطلح من اللاهوت إلى الفلسفة ثم إلى العلوم الإنسانية. واستخدمه للإشارة إلى المناهج الخاصة بالبحث في المؤسسات الإنسانية والسلوك الإنساني التي يصعب شرحها منخلال طريق مناهج العلوم الطبيعية. وأصبحت الهرمنيوطيقا بالنسبة لبعض العلماء هي الطريقة الوحيدة الممكنة لقراءة النصوص الدينية والشعرية والتاريخية والفلسفية وأي نص يتحدث عن الإنسان. [2]
الهرمنيوطيقا ومعضلة التفسير/Ermeneutica e il dilemma dell'interpretazione
[عدل]القضية الأساسية التي تتناولها الهرمنيوطيقا هي معضلة تفسير النص سواء كان تاريخيا او دينيا. ومن الاسئلة التي تحاول الاجابة عليها هي علاقة المفسر بالنص (للتوضيح بحاجة الى أمثلة حول هذه العلاقة).
مصطلح التأويل اعمق من مصطلح التفسير, وفي نظرياته الحديثة تجاوز مجال النص الديني الى الكثير من مجالات المعرفة وخصوصا الانسانية مثل الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والنقد الادبي ... .
في مجال تفسير وفهم النصوص بشكل عام, الهرمنيوطيقا تسلك طريقين:
- اتباع منهج وقواعد لفهم وتفسير النص, او لفهم عام للسلوك والمواقف
- البحث عن حقيقة الفهم والرؤيا الفلسفية له ومعالمه العامة, وشروط حصوله, وبالتالي عدم اتباع منهج للتفسير
تغيرت وتطورت عملية التفسير واتسعت مجالاتها, وهذا أدى الى اختلافات في الآراء المتعلقة مثلاً بطبيعة النص ومعناه، وعلاقته بالتراث والتقاليد، أو بالنص والمؤلف، او بالمفسر؛ وهل للنص شخصية مستقلة عن المؤلف ؟، وهل فهم المفسر هو الاهم , أو ما قصده المؤلف ؟ وكيف يمكن الوصول إليه؟. وما هي تأثيرات اختلاف الظروف الثقافية والفكرية والاجتماعية بين المؤلف والمفسر، وخصوصا في اختلاف الزمان والمكان؟. هذه وغيرها من المسائل هي ما مبحث نظريات التأويل.
قضية التأويل تعتبر قضية قديمة وجديدة في تراثنا العربي ولذلك فهي لا تقتصر على ما يأتينا من الغرب. فمثلا في تراثنا القديم هناك تفرقة في تفسير القرآن بين اتجاهين:
- اصحاب التفسير بالمأثور, وهدفهم الوصول الى الموضوعية في فهم النص من خلال تجميع الادلة التاريخية واللغوية, أي فهمه كالمعاصرون لنزول النص. وكان ينظر لهم بتقدير واحترام ويطلق عليهم اهل السنة والسلف الصالح.
- أما اصحاب التفسير بالرأي (أو التأويل), فقد اعتبر تفسيرهم غير موضوعي لأنه لا يعتمد على حقائق تاريخية ولغوية , وانما ينطلقون من مواقف راهنة محاولين ايجاد في النص سندا لموقفهم. ونظر اليهم نظرة توجس وحذر وصلت في كثير من الاحيان الى التكفير. مثل المعتزلة والفلاسفة والمتصوفة والشيعة.
ولكن على المستوى العملي لم يكن هناك تمايز حاسم بين الاتجاهين. فأصحاب التفسير بالماثور كان لهم اجتهادات تاويلية, وكذلك اصحاب التفسير بالرأي في كثير من الاحيان لم يتجاهلوا الحقائق التاريخية واللغوية المتعلقة بالنص. [3]
ولكن معضلة (Dilemma) التأويل الميتافيزيقية -نقص الانسان ومحدوديته في فهم نص الله الكامل- ربما تكون اخف وطئا للمؤولة لأنهم فتحوا ابواب حرية الاجتهاد ولم يتمسكوا كما اهل السلف بامكانية الفهم الموضوعي. بالرغم من ذلك فإن العامة في العصر الحديث تؤيد الاتجاه الموضوعي في تفسير النص الديني. الذي يهمش المفسر لحساب النص وحقائقه التاريخية واللغوية؛ خلافا لذلك الاتجاه التأويلي يعطي اهمية للعلاقة بين المفسر والنص ويؤكد على فعاليتها لفهم معنى النص.
ولكن وبما ان النص الادبي يمكن ان يتسع للعديد من التفسيرات تبعا لاتجاهات النقاد ومذاهبهم, فالمعضلة في تفسير النص في العصر الحديث -وليس فقط- هي ان كل مفسر يضفي طابعه الخاص على النص. فمثلا فسرت كتابات نجيب محفوظ على انه كاتب الاشتراكية تارة , او انه كاتب الروحانية الاسلامية تارةاخرى. وبهذه الطريقة المفسر يوحد بين نظرته الذاتية وبين قصد المؤلف. وهذه الاشكالية , اي العلاقة بين القصد والنص والمفسر, تعتبر من الاشكاليات التي تحاول الهرمنيوطيقا حلها.
اشكالية العلاقة الثلاثية بين المؤلف والنص والمفسر
[عدل]ما هي العلاقة بين النص وقصد المؤلف, وهل يمكن اعتبارهما متساويان ؟. وإن كان كذلك , فهل يمكن للناقد النفاذ الى ما قصده المؤلف من خلال النص ؟. وإن لم يكن هناك تطابق بين القصد والنص, فما هي طبيعة العلاقة بينهما ؟. وبالتالي ما هي العلاقة بين النص والمفسر, وهل يمكن الوصول الى فهم موضوعي, أي كما قصده المؤلف ؟. ومن المؤكد ان هذه العلاقة الثلاثية تزداد تعقيدا اذا كان عصر المفسر يختلف عن ذلك للمؤلف.
لقد حاولت نظرية الادب في تطورها التاريخي ان تحل هذه المعضلات , ولكن علاقة النص بالمفسر ظلت مهملة, حتى في الاشتراكية الواقعية ومقولنها في الجدل.
مثلا علاقة الفن بالابداع
[عدل]- افلاطون, التأكيد دور الواقع الخارجي على الفنان, فيما عرف بنظرية المحاكاة. وتفسير العمل الفني تكمن في محاولة للعثور على دلالات خارجية يشير اليها العمل. وإتحدت هذه الدلالات عند افلاطون بالحقيقة الفلسفية المتوارية خلف عالم الظواهر والمتعالية على الوجود المادي
- ارسطو لم يسلم بموازاة الفن والواقع ولم يرده الى موقف المبدع من الواقع بل الى قيم معيارية مطلقة كمقياس لجودة العمل, فيما عرف بنظرية التطهير الاخلاقية.
خلافا لذلك الرومانسية اكدت على دور المبدع على حساب الواقع. وأخلت العنان للفنان للتعبير عن مشاعره الداخلية. وصارت مهمة المفسر هي فهم الفنان اولا من اجل فهم عمله. وبالتالي الرومانسية اكدت على حرية الناقد في تفسير العمل الادبي , أي انها افسحت مجالا للذاتية, وطالماان عمل الفنان يعبر عن مشاعر وانفعالات, فمن الصعب ان يصل الى تفسيره بموضوعية علمية. وتعدد دلالات العمل الادبي (او الفني) بتعدد القارئين له يعتمد على الاداة التي تتفاعل مع الفنان فتتغير بنيتها وتتجسد في عمل فني بعد ان كانت في حالة تشوش وغموض.
بعد الرومانسية جاء الناقد والشاعر ت. س. إليوت ليعطي الاهتمام فقط للنص واعتبره كيان مستقل عن مبدعه وعن الواقع الذي تم فيه. وبالتالي مهمة الناقد تقوم على اساس موضوعي محايد بالتحليل والمقارنة مع نصوص اخرى وليس بالاعتماد على مشاعره الشخصية. وهذا الفصل بين الذات والموضوع نجده ايضا في بعض الاتجاهات الواقعية.
أما البنوية فقد تجاوزت ثنائية الذات والموضوع باخضاعهما الى فكرة النظام. أي ان المعضلة الثلاثية (القصد, والنص, والتفسير) ليست الا تجليات بمستويات مختلفة لظاهرة النظام كما تتجلى في الفكر (القصد) والتشكيل (النص) والتحليل(التفسير). ووحدت البنوية بين هذه المستويات وبين مستويات اخرى واقعية: اجتماعية واقتصادية وسياسبة. وبالتالي فالبنوية تجعل الادب معتمد على معطى خارجي مقرر سلفا.
شلايرماخر
[عدل]يمثل الموقف الكلاسيكي للتأويلية, ويعود اليه الفضل في انه نقل المصطلح من الدائرة اللاهوتية ليكون علما في عملية فهم وتحليل النصوص.
يقول شليرماخر ان النص يمثل الوسيط بين المؤلف والقارئ, فالنص يشير الى جانبين: اللغوي والنفسي (او الموضوعي والذاتي) . ففي جانبه اللغوي يشير الى اللغة بكاملها , أما في جانبه النفسي فيشير الى فكر المبدع. وبالتالي فهي علاقة جدلية. وبالاعتماد على هاذين الجانبين فعملية فهم النص ممكنة. فالعلاقة بين النص والمؤلف تعتمد من جهة على اللغة بجانبيها الموضوعي والذاتي. وهذا الاخير يشر الى فكر المؤلف وكيفية استخدامه للغة. وهاذان الجانبين يشيران الى تجربة المؤلف التي يسعى القارئ الى اعادة بنائها بهدف فهم النص.
الدائرة التأويلية
[عدل]شلايرماخر حاول وضع قواعد للهرمنيوطيقا من اجل تجنب سوء الفهم.لأن مهمة الهرمنيوطيقا هي فهم النص كما فهمه مؤلفه بل احسن من ذلك. وهذه القواعد التي تتناول الجانبين الذاتي والموضوعي يمكن تمثيلها بواسطة دائرة تأويلية حين يمكن البدء من اي نقطة والعودة اليها. ومن الطبيعي -كما يقول شلايرماخر- ان يكون البدء على مستوى لغوي. أي الدائرة التأويلية تعني العلاقة التبادلية بين الجزء والكل. أي لكي نفهم النص في جزئيته , لا بد اولا من فهم النص في كليته. وهذا الكل ينبع من فهم العناصر الجزئية المكونة له. ولكن يقول شلايماخر ان الدائرة التأويلية (اي عمليات الفهم والتفسير بجانبيها - الموضوعي (او اللغوي) والذاتي(او النفسي)) لا تبقى نفسها, أي انها تتغير من خلال فهم المفسر للنص بطريقة جديدة. أو يمكن القول مثلا أن الدائرة التأويلية لا تكون دائما بنفس السماكة عند الوصول الى اغلاق الدائرة (او عند الوصول الى نقطة البداية). وهذا يعني أن المفسر يجب أن يغير ويعدل النتائج التي فهمها عند الانتهاء من كل جولة, طبقا لما يسفر عنه دورانه فى جزئيات النص وجوانبه المتعددة.
ويطالب شلايماخر المفسر ان يتخلى عن ذاتيته وافقه التاريخي الراهن, لكي يفهم النص بطريقة موضوعية. أي يطلب منه ان يحل محل المؤلف عن طريق اعادة البناء الذاتي والموضوعي لتجربة المؤلف من خلال النص. وبهذا يعتبر شلايرماخر اب الهرمنيوطيقيا وممهدا لمن جاؤوا بعده وخصوصا دلتاي وغادمير , سواء بدؤوا بالاتفاق او الاختلاف معه .
ديلتاي
[عدل]وليام ديلتاى (1833 - 1911), عالم اجتماع ألماني، إسهامه الأساسي هو في محاولته التفريق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية. لأن معرفة الإنسان من خلال الملاحظة البرانية وتبادل المعلومات الموضوعية المادية عنه أمر غير ممكن، فهو كائن ذو قصد، أي أن سلوكه تحدده دوافع إنسانية جوانية (معنى ـ ضمير ـ إحساس بالذنب ـ رموز ـ ذكريات الطفولة ـ تأمل في العقل) يصعب شرحها وشرح أسبابها. والإنسان لا يعيش منعزلاً وإنما يتفاعل مع الآخرين وتتحدد تجربته الشخصية من خلال هذا التفاعل. ولكل هذا، لا يمكننا أن نشرح الإنسان وسلوكه بشكل براني أو نخضعه للتجريب. ويشير ديلتاي إلى حقيقة أساسية وهي أننا قد لا نعرف العقل البشري بنفس الدرجة أو الطريقة التي نعرف بها الأشياء. فالعلوم الطبيعية لا تنفذ إلى كينونة هذه الأشياء، أما الجوهر الإنساني فيمكن الوصول إليه من خلال تفهم ومعايشة الآخر. وهذه الثنائية تبين الفرق بين الإنساني والطبيعي وبين مناهج العلوم الاجتماعية ومناهج العلوم الطبيعية، وكما يقول دلتاي: يمكننا ان نشرح الطبيعة بطريقة برانية ولكننا نفهم أو نتفهم الإنسان، أي نفسره بطريقة اجتهادية جوانية. [4]
العلوم الانسانية هي علوم تاريخية ثقافية وبالتالي موضوعاتها يمكن ان تحيى مثل التجربة العقلية والشعورية ولذلك اقترح ديلتاي التقمص الوجداني.
من كان في زمن دلتاي ؟. درويسن الذي ركز على المعرفة التاريخية, وقال ان كل شيء يخضع للتطور التاريخي. دلتاي معجب بالمدرسة التاريخية التي ارادت تجاوز كانط وهيجل واهتمت بالبعد التاريخي. ولكنها ليست البديل , لأن الفشل الذى تعانيه العلوم الاجتماعية ، خاصة المدرسة التاريخية يكمن فى أن دراستها وتقييمها للظاهرة التاريخية لم يقم على تحليل الوعى، ولم يكن لها أساس فلسفى، ولم تنشأ لها علاقة صحيحة بنظرية المعرفة وعلم النفس. ولهذا فشلت فى تطوير منهجها. وهذه هى نقطة البدء فى تأسيس ديلتاي للإنسانيات ، وهى إقامتها على أساس معرفى وأساس سيكولوجى.
المعرفة عند دلتاي تتمثل في التجربة المعاشة, عملية الادراك الحي. وهي ليست موضوع للتأمل بل انها التجربة السابقة على ثنائية الذات والموضوع. واذا اهملنا حقائق الوعي التي تعطينا تجربتنا الداخلية فان رؤية العالم الطبيعي تصبح غريبة عنا. وتحليل حقائق الوعي هو مركز اهتمام الدراسات الانسانية. ومن خلالها تستطيع ان تستقل عن العلوم الطبيعية.
التجربة لذاتية هي اساس كل معرفة. وبما ان هناك معرفة مشتركة بين البشر, فانها تصبح اساس الادراك الموضوعي خارج الذات. وهذا ما يشير له ديلتاي باعادة اكتشاف الانا في الانت. أو اسقاط الذات في شخص او عمل, أو نفاذ ذات المدرك في معطى معقد من التعبيرات, وهنا تنشأ اعلى اشكال الفهم في الحياة العقلية.
كيف تتحول التجربة الذاتية عند الاخر الى موضوع ؟
[عدل]تتحول التجربة الذاتية عند الاخر الى موضوع من خلال التعبيرات, سواء كان سلوك اجتماعي او نص مكتوب او فن. التعبير هو الذي يعطي للتجربة موضوعيتها, انه يحولها من حالة الذاتية الى حالة خارجية موضوعية يمكن المشاركة فيها. وبالتالي يمكن اعادة الحياة للموضوع او الشخص. وهذه الموضوعية لا تعبر عن ذات المبدع بقدر ما تعبر عن تجربة الحياة في تجربة المبدع. أي ان تجربة المبدع تجتاز اطار ذاتية المبدع من خلال وسيط موضوعي- لغوي في حالة التعبير الادبي- لتعبر عن تجربة الحياة. ويقول دلتاي انه من بين التجليات المختلفة للحياة من فن وفكر وفعل, الفن عموما والادب خصوصا هما التعبيرات الاكثر خصوبة وقابلية للمشاركة الفعالة وبالتالي احتفظ لهما بالتعبير "تجربة الحياة المعاشة"(expressions of lived experience). وبماان الادب يستخدم وسيط مشترك وهو اللغة فهو الاكثر موضوعية في اخراج ما في الذات الى الخارج. فالهرمنيوطيقا لا تعني مجرد عملية فهم لشيء خارجي محايد, بل ان هناك شيئا مشتركا هو تجربة الحياة بين النص والمتلقي. وبالتالي فعملية الفهم هي حوار بين التجربة الذاتية للمتلقي وبين التجربة الموضوعية للنص. فالفهم ليس عملية تعريف عقلية كما في العلوم الطبيعية التي تسعر الى تفسير الظواهر الطبيعية, بل هي عملية تفهم بين الحياة وذاتها.
كيف تتم عملية فهم الحياة لنفسها ؟
[عدل]تتم من خلال معايشة النص (او العمل الفني). وهذا يعني ان تجربة النص تثير فينا احاسيس وافكار حول تجربتنا الخاصة, وهذه الاثارة توسع وتثري تجربتنا لتصبح هي نفسها تجربة الحياة ككل. انها تبدأ من المعلوم (الأنا) لتنفذ الى المجهول (الأنت). وليس بالمعنى السيكولوجي بل بالمعنى العام للتجربة المعاشة. وهذا الانفتاح من خلال النص هو اساس تطور الحياة وحركتها المستمرة. وهذا يقودنا الى ان الانسان كائن تاريخي كما يقول دلتاي في نظريته التأويلية.
والتاريخ هنا ليس معطى موضوعيا في الماضي بل هو في حالة تغير مستمر, لاننا في كل عصر نفهمه بطريقة جديدة. وفهمنا للنصوص التي تنتمي للماضي (او للحاضر) عن طريق معايشة تجربة الحياة فيها, يؤدي بنا الى تعديل فهمنا الآني لأنفسنا . وبالتالي فإننا نفهم انفسنا من خلال التاريخ باعتباره عملية مستمرة ومتغيرة من الفهم والتأويل. فكما تتم المعايشةبين تجربة النص وتجربتنا, فكذلك تتم المعايشة بين تجربة الماضي وتجربة الحاضر بطريقة تراكمية. وهذه هي الدائرة التأويلية عند دلتاي.
ان المعنى في الادب والتاريخ ليس موضوعيا تماما ولكنه ايضا ليس ذاتيا محضا. لأن العلاقة بين النص والمفسر تتغير بتغير الزمان والمكان. مفهوم الدائرة التأويلية عند دلتاي يتسع ليشمل ليس فقط العلاقة التبادلية بين الكل والجزء بل ايضا تجربة الحياة نفسها.
انماط الفهم
[عدل]هناك نمطين من الفهم:
- الاشكال الاولية للفهم
تظهر في الحياة العملية, في التعاملات بين البشر. وهي نتيجة الادراك المباشر لمعنى كلاماتهم وايماءاتهم. وهذا الفهم ليس بحاجة الى عملية استدلال معقدة لانه معطى في الممارسة الاجتماعية. وتعتمد هذه الاشكال على منطق المماثلة. الذي يعني ان الفرد يرد معاني كل التجارب المشابهة الى تجربة مرجعية سابقة. وهنا يتم الادراك بالمماثلة ولا يتطلب استدلال واعي ليحدد العلاقة بين تعبير ما ومعناه.
- الاشكال العليا للفهم
وهذه تحدث عندما يواجه المرء حالات منعدم اليقين في المعنى, نتيجة غموض او عدم اتساق وتناقض او خداع. وهكذا الاشكال العليا من الفهم تكون ضرورية عندما تكون العلاقة مضطربة بين التعبير والمعنى. او عندما تكون هذه العلاقة غير كافية لتحقيق اهداف معينة. الحالة الاولى يمكن ان تنتج عن التباعد الثقافي والتاريخي بين الذات والموضوع. اما الحالة الثانية فتنتج عن الضرورة العملية لمعرفة الشخص الاخر بطريقة افضل.
انتقادات ل دلتاي
[عدل]- لقد لفت دلتاي الانتباه الى تجربة الحياة للمفسر الذي ظل غائبا في الدراسات الادبية, ولكنه من اجل ذلك ضحى بذاتية المبدع. لأنه وحد بين تجربة مبدع او مبدع اخر.
- اعتبر الدكتور وليد عطاري ان توجه دلتاي لوضع منهج يوصل الى الموضوعية في العلوم الانسانية وفي نفس الوقت تحييد تأثر هذه العلوم بالتاريخ والمجتمع هو توجه خاطئ. لأن العلوم الانسانية لا تقوم على اساس منهج مضمون, من حيث انها نماذج معرفية توضح تطور التراث التاريخي الذي تنتمي اليه. فكل جيل يؤول ما يرثه بطريقة مختلفة باختلاف منظوره واهتماماته.
- تجربة التقمص الوجداني او اعادة احياء التجربة , كان عرضة لنقد شديد. وحيث قال غادمير انها انعكاس او صورة اخرى لمناهج العلوم الطبيعية.
- بالرغم من ان دلتاي حاول تجاوز العقل الخالص الى العقل التاريخي من خلال تجاوز الشروط التاريخية, الا انه كرر التعريف العلمي للفهم التاريخي.
- يقول غادمير هناك توتر عند دلتاي بين التوجه الى المعرفة الموضوعية وبين فلسفته في الحياة.
- انتقد غادمير ديلتاي بسبب فشله في التمييز بين نوعين من اليقين: بين اليقين الموجود في الحياة والذي يتجسد في الاعراف والتقاليد, وبين اليقين الناشئ عن الشك الديكارتي. وهذا لا ينشأ عن الحياة بل عن حركة معاكسة للحياة. ولأن العلوم الانسانية نفسها تندرج في وعاء التراث والتاريخ.
- غادمير قال ان البحث التأويلي فكك التجربة التاريخي بدلا من بنائها.
- وقال غدمير ان المدرسة التاريخي ودلتاي انطلقوا من محدودية المعرفة الاجتماعية-والتاريخية - على عكس هيجل- الا انهم اغفلوها في سعيهم للفهم الكلي للتاريخ
- تبين لغادمير ان دلتاي فشل في مساره الهرمنيوطي لان محاولة الكشف عن الشروط التي تسمع بالفهم الاجتماعي- التاريخي, لا يمكنها ان تتجاهل التاريخ. لأنها هي نفسها شأن تاريخي.
الأطروحات الأساسية للهرمنيوطيقا عند ديلتاي
[عدل]- 1- التفسير العلمي ليس هو الشكل الوحيد للتفسير. فالتفسير العلمي ينظر للإنسان باعتباره كياناً عضوياً تحركه دوافع فيزيقية، بينما يفترض أن له قيماً ودوافع داخلية .
- 2- إننا نفهم العالم الإنساني من خلال طرح الأسئلة. وكل سؤال يتحدد، من ناحية الشكل والمضمون، بمقدار الاهتمام الكامن وراءه.
- 3- السؤال ذاته يمثل تفسيراً جزئياً للظاهرة موضع السؤال.
ومن هذه الأطروحات، يظهر ما يُسمَّى «الدائرة الهرمنيوطيقية» [5]
الدائرة الهرمنيوطيقية
[عدل]- 1- لا يمكن أن نفهم أجزاء أية وحدة أو أن نتعامل معها إلا وعندنا إدراك مسبق بالمعنى الكلي، لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع معرفة المعنى الكلي إلا من خلال معرفة معاني أجزائه.
- 2ـ ويمكن طرح القضية بطريقة أخرى فنقول: إن التفسير لا يمكن أن يكون إلا بعد أن يبدأ التفسير، فالعالم لا يوجد كموضوع ل وعينا إلا من خلال اللغة.
ودائرة الهرمنيوطيقا ليست حلقة مفرغة، إذ أن فهمنا يتعمق من خلال عملية حلزونية تبدأ بالإحساس بالمعنى الكلي، ثم ندرس المكونات الجزئية في ضوء المعنى الكلي فيتعمق المعنى الكلي من خلال معرفة معنى الأجزاء، ثم نعود للأجزاء مرة أخرى... وهكذا. [6]
هل يستطيع المؤول تجاوز أفقه الراهن في فهم الظاهرة التاريخية؟
[عدل]وهل صحيح القول بالقدرة على رؤية الماضي رؤية موضوعية؟ وما المقصود بتاريخية التأويل؟
الإنسان يمكن وصفه كائناً تاريخياً، طالما ذاته الإنسانية في صيرورة وتغيير. لأن الوجود البشري هو إمكان يتحقق عبر المستقبل انطلاقاً من الحاضر الذي تكّون من خلال التراث المنحدر إليه من الماضي. فالعالم التاريخي والاجتماعي يحاورنا من الداخل، ولسنا شهوداً خارجيين. ذلك لأن الماضي ينشأ عنا نحن. إنه حياتنا نفسها. [7]
مصادر وحواشي
[عدل]- ^ مفهوم الهرمينوطيقا/إلياس قويسم
- ^ الهرمنيوطيقا/الدكتور عبد الوهاب المسيري
- ^ الهرمنيوطيقا ومعضلة تفسير النص
- ^ ا[ المسيري/المصدرالسابق]
- ^ ا[ المسيري/المصدرالسابق]
- ^ ا[ المسيري/المصدرالسابق]
- ^ تأويل التاريخ وتاريخية التأويل/ مجدي عزالدين حسن/الحوار المتمدن-العدد: 3662 - 2012 / 3 / 9 - 17:30