مستخدم:Hasanisawi/الغزالي وابن رشد/المسائل 11و12و13
المسألة 11: في تعجيزهم أن الاول يعلم غيره و يعلم الأنواع و الأجناس على نحو كلي
[عدل]كتب ابن رشد تهافت التهافت نحو السنة 1180، حيث يرد على نقد الغزالي للفلاسفة. ويقول
"الكلام في علم البارئ سبحانه وتعالى بذاته وبغيره مما يحرم على طريق الجدل في حال المناظرة فضلاً عن أن يثبت في كتاب، فإنه لا تنتهي أفهام الجمهور إلى مثل هذه الدقائق. أي إن الجمهور لا يمكنه فهم الأمور الدقيقة المتعلقة بالعلم الإلهي.
وإذا خيض معهم في هذا، بطل معنى الإلهية عندهم، فلذلك كان الخوض في هذا العلم محرماً عليهم... فهذه المسألة هي خاصة بالعلماء الراسخين الذين أطلعهم الله على الحقائق... فالكلام في هذه الأشياء مع الجمهور هو بمنزلة من يسقي السموم لأبدان كثر. [1]
القرآن استخدم الجوارح لتبسيط التواصل مع المسلمين. مثلا يد الله فوق ايديهم.
وماذا يبتغي البدوي العائش في الصحراء ؟. الماء والخضراء والوجه الحسن. ولما قالوا أهل الشام هي الجنة يا رسول الله ؟. قال لهم "فيها مالا عين رأت ولا خطر على قلب بشر". ولذلك كلام القرآن كان واضح كل الوضوح, كقوله تعالى " الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة ... . أي ان هناك تشبيه لأشياء موجودة ومحسوسة , ولكن لا يصلح تجميعها في شيء واحد.
ولذلك اقتصر الشرع الذي قصده تعليم الجمهور على الامور التي يمكنهم فهمها. ولذلك اضطر الشرع حتى يصل الى عقول الناس ان يجسد صفات الله. مثلا "أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون".
على أية حال مسألة علم الله , ولا يعلم تأويلها الا الله والراسخين في العلم الذين اطلعهم الله على حقائق الامور, ويجب ان تكتب في كتب ذو برهان ومن أشخاص حصلوا على علوم اخرى, وهي تضيق على اكثر الناس النظر فيها. اولئك الاشخاص هم اقل الاقل من الناس وذو فطرة فائقة.ويقول ابن رشد التكلم بهذه المسألة مع الناس كمن يسقي السم لابدان كثر.
اللغة العربية التي كنب فيها القرآن من اهم سماتها انها لغة بيان وفصاحة وبلاغة. عندما ارسل شخصا ليستمع لما يقوله الرسول, فقال واصفا القرآن "ان له لحلاوه ... وان عليه لطلاوة ... وان اعلاه لمثمر .. وان اسفله لمغدق .... وانه يعلو ولا يعلى عليه.
هناك الحاجة إلى رياضيات قبل الدخول في مسالة العلم الإلهي.
وبعد ان يتكلم ابن رشد عن القضايا البرهانية والغير برهانية, والجدلية, يقول وعلى هذا يجب ان يفهم ما كتبناه هنا. وعن كتابه يقول : كان احق ان يسمى تهافت الفرقتين جميعا. أي الفلاسفة والغزالي على السواء. ومسألة العلم الإلهي عندي هي تعدي على الشريعة (sembra che mette le mani davanti). وكأنما ابن رشد يلتمس عذرا لانه يريد ان يتحدث عن مسألة العلم الالهي ردا على الغزالي. ويقول قوى البشر مقصورة عنها. وان سكت الشرع عن هذه المسالة فيجب ان لا يفحص ويصرح به للجمهور. خلافا لذلك يتولد عنه هذا التخليط العظيم. ويكفي التعليم المشترك لكي يبلغ الجمهور سعادته. حتى وان كانت الباطنية في الأمور العلمية اسعد من الظاهرية في الأمور العملية. أي ان اصحاب الجانب النظري يكونون اكثر سعادة.
وأن تقرر هذا- اي الفرق بين الكلام للخاصة والكلام للعامة, فلنرجع لما كنا بسبيله, مما دعت اليه الضرورة, والا فالله العالم والشاهد والمطلع ما كنا لنجتجيز ان نتكلم بهذه الاشياء. أي انه كان مضطر للتحدث بها. [2]
في هذا الكلام ابن رشد تجاوز الفقهاء, ولذلك فقد خاف على نفسه, لأن الفقهاء كان لهم سطوة. ولذلك اراد ان يستبق الامور ليقول انه مضطر ان يتحدث بهذه الامور. [3]
مقدمات الغزالي
[عدل]الغزالي يضع مقدمات قبل تناول اقوال الفلاسفة ومن ثم نقدها
- المقدمة الاولى: انحصر الوجود عند المسلمين بين حادث وقديم
- القديم هو القديم في ذاته وكل ما عداه حادث
- كل ما هو حادث حدث من جهة القديم وبارادته
- المراد بالضرورة معلوم للمريد. أي اذا اراد الله شيئا فلا بد اولا ان يعرفه.
والنتيجة المترتبة على هذه المقدمة ان الكل معلوم له لانه مراد له, لأن كل ما حدث حدث بارادته وبالتالي فهو معلوم له.
ثم يقول مقدمات اخرى : بانه يعرف ذاته. طالماانه ثبت انه مريد وعالم بما اراد فهو حي , وبما ان كل حي يعرف غيره, فمن باب اولى ان يعرف ذاته.
ثم ينتقل الغزالي الى اقوال القلاسفة. اذا كان العالم قديما ولم يحدث بارادتةالله فمن اين عرفتم انه يعرف غير ذاته, أين الدليل ؟. ولكن هنا الغزالي كالعادة يقوّل الفلاسفة ما لا يقولون.
الغزالي يستدعي اقوال ابن سينا الذي يقول في
- الفندالاول: الله او الاول موجود لا في مادة, لانه لو كان ي مادة لكان مستكملا. لكان بالقوة لما فيه مادة.
- وما ليس في مادة فهو عقل محض. وما هو كذلك جميع المعقولات مكشوفة له. لأن المانع عن ادراك الاشياء كلها, هو التعلق بالمادة والانشغال بها. النفس مشغولة في تدبير البدن , فاذا انقطع هذا الانشغال بالموت, ولم تكن النفس قد تدنست بشهوات البدن الحاصلة للنفس من الامور الطبيعية, تنكشف لها حقائق المعقولات كلها.
أي ان النفس عندما تتحرر من البدن, تنكشف لها حقائق الاشياء. وكذلك الملائكة لا تعلق لها بالمادة, ولا شيء من الطبيعة , فانها عقل محض يدرك الاشياء كلها. يرد الغزالي على ما قاله نفسه نسبة لابن سينا: اذا كان معناه ان الله ليس بجسم ولا هو بمكان ولا جهة وليس بمتحيز, فهذا امر مسلم به, ولكن ما ورد في الفند الثاني ان كل ما ليس بمادة فهو عقل محض, فهنا نريد نسألكم يا فلاسفة ما معنى عقل ؟.
- اذا كان ما يعقل سائر الاشياء, فهو موضع النزاع.
- اما اذا كان معنى العقل ما يعقل نفسه, فهذا ما يعتقد به بعض الفلاسفة امثالك. والقول ان من يعقل نفسه يعقل غيره بالضرورة, فهذا مجرد ادعاء وليس ضروري. وان كان لديكم برهان فما هو ؟.
- اما القول بان المانع من ادراك الاشياء هو المادة وليس في الله مادة, فهذا صحيح. ولكنها ليست المانع الوحيد.
ويعترض الغزالي على قياسهم الشرطي:
- اذا كان هذا في مادة لا يعقل الاشياء
- ولكنه ليس في مادة فهو يعقل الاشياء
وهذا القياس الشرطي غير منتج لأن الجزء الثاني نقيض الجزء الاول من الجملةالشرطية. أي اذا كنت المقدمةالثانية نقيض المقدمة الاولى فالقضية لا تكون منتجة. وتكون منتجية اذا ثبت أن المقدمة الثانية عكس المقدمة الاولى. مثلا
- اذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود
- لكن الشمس غير طالعة فالنهار غير موجود
وأن قال الفلاسفة اننا ندعي بقياسنا التعاكس وأن المانع محصور في مادة. أي لا شيء غيرها يمنع الشيء من ان يدرَك او يدرِك, يكون الامر تحكمي ويريد دليل.
ابن رشد
[عدل]يقول ابن رشد كل ما اورده الغزالي هي مقدمة ليقارن بين رؤيته ورؤية الفلاسفة حول قضية اساسية : العلم القديم. ويعتقدابن رشد اناقوال الغزالي تبدو لأول وهلة مقنعة. ولكن اذا انكشف امر المتكلمين ظهرانهم جعلوا من الله انسانا ازليا. أي انهم رفعوا الصفات الانسانية الى حد الاطلاق فصار كما يقول الجويني: "الانسان الكامل". ويقول ابن رشد جعلوا من الله انسانا ازليا, لأنهم شبهوا العالم بالصناعة الانسانية. التي هي حاصلة عن ارادة الانسان والعالم حاصل عن ارادة الله. فليزم غن قولهم هذا ان يكون الله جسما. ولكن يقول ابن رشد, كنا قد اتفقنا ان كل جسم محدث, ولذلك يلزمهم ان يضعوا انسانا من غير مادة ويجعلوه صانعا للعالم.
قبل ان يدخل ابن رشد في تفاصيل الفند الاول للغزالي, اراد توضيح وجهة نظر خاصة للتمايز بينما هو قديم وماهو حادث. فيقول ان طباع الكائن الفاسد ابعد ما تكون من طباع الموجود الازلي, ولا يمكن ان يكون هناك موجودان ازليان.
حتى الجنس الواحد , مثلا حيوان, يختلف وينقسم الى انواع ناطق , صاهل, زائر, باغم, ... الخ. لا بل ان تباعد الازلي عن المحدث اكبر من تباعد الانواع عن بعضها. فكيف يصح الانتقال من الشاهد الى الغائب ؟. لأنك يا غزالي قست ارادة الانسان ثم رفعتها باطلاق وطبقتها على ارادة الغائب. وهما امران متضادان. لأن واحدم نهما ازلي في صفاته وفي وجوده وواحد فاسد. والارادة مقولة عليهما باشتراك الاسم فقط.
مثلا خذ صفة الحياة التي هي شيء والعقل شيء اخر عند الانسان. مع ان الحياة شرط للعقل الا انهما امران مختلفان فينا. الحياة هي الصفة التي نطلقها على القوة المحركة والحاصلة عن الادراك الحسي وعن الارادة , أي الشوق. حواس ثم ارادة ثم جركة. والحواس هي ابعد ما تكون عن الله. ممتنعة عليه. وأبعد عن الله ايضا الحركة في المكان. حتى المتكلمين يقولونان الله غير متحرك.
فالمتكلون يضعون حياة لله بدون حاسة وينفون عنه الحركةباطلاق. فإما ان يكون معنى الحياة عند الله غير عن تلك عند الانسان, وإما ان يجعلوا الحياةهي نفس الادراك كما يقولون الفلاسفة. أي ان الارادة واللم في الاول هما نفس الحياة.
وكذلك الامر في معنى الارادة. التي هي في الحيوان الشهوة الباعثة على الحركة. وهي في الانسان عارضة لاستكمال شيء في ذاته. فاذا حضر المراد بطلت الارادة. والله مستحيل ان يكون عنده شهوة لاستكمال شيء ينقصه في ذاته. فلا يمكننا ان نتخيل ارادة ازلية سبب لشيء محدث. أي لا يمكن ان يصدر عن القديم حادث. كما لا يمكننا تخيل شهوة وإرادة حالهما قبل الفعل وأثناءه وبعده نفسها لا تتغير.
الشهوة هي الحركة وهي لا توجد الا في جسم او في حيوان متنفس. وبذلك تختلف الارادة في الله عن معناها في الحيوان, فهي بحسب قول الفلاسفة ليس لها معنى الارادة في الاول. لأن الغزالي قال ان الفلاسفة نفوا عن الله الإرادة. ولكن ابن رشد يقول ان معنى الارادة عند الاول كما اعتقد به الفلاسفة تختلف عن تلك عند الإنسان. إلا ان كان فعله صادر عن علمه, ففي هذه الحاله فهو ارادي. ويحاول ابن رشد ان يثبت ذلك قائلا: ان العلم من حيث هو علم بالضدين , يعني ان يصدر عنه أي واحد منهما.أي انهقادر على فعل احد الضدين, ولكن بصدور الافضل , العالم يسمى فاضلا. ويستشهد ابن رشد: ولذلك يقال في حق الباري ان له 3 صفات: العالم والفاضل والقادر.
ويقول الفلاسفة ان مشيئته سارية في الموجودات بحسب علمه, فهو علمها فارادها. وان قدرته لا تنقص عن مشيته , اي ما يشاء قادر على فعله. وليس الحال كما في الانسان أي تنقص قدرته عن مشيئته.
وهذا كله يا غزالي ويا اشاعرة لا يأتي الا بالصنائع البرهانية. التي مثلها مثل الصنائع العملية. حتى تكون متقنة بحاجة الى صانع متقن (وكما يقال في العامية أعطي الخبز لخبازه حتى لو اكل نصه).
وأصناف الاقاويل كثيرة فمنها ما هو مبرهن ومنها ما هو ليس كذلك والذي يمكن ان يكون مقنع.
يقول ابن رشد لقد قام الغزالي بوصف الطرق التي بها اثبت المتكلمون صفة العلم الالهي: كلما هومراد له معلوم له. وادعى انها واضحة لانها في غاية الشهرة وفي غاية السهولة في التصديق, ثم قارن ابن رشد بينها وبين طرق الفلاسفة, فظهر انه قول خطابي وليس مبني على ادلة. مثلا عندما يقول الغزالي عند المسلمون ثبت انه كذا وكذا.
الفند الاول
[عدل]وبما يتعلق بقول الفلاسفه انه ليس في مادة فلا بد ان يكون عقل, وضع ابن رشد مقدمات:
- كل ما هو موجود محسوس مكون من مادة وصورة. كل شيء يلزمه اربعة علل: مادية وفاعلة وصورية وغائية. وفي نهايةالمطاف لا يبقى منه الا مادته وصورته. فكل شيء محسوس سواء كان طبيعي او صناعي فهو مؤلف من مادة وصورة. عند الفلاسفة الصورة هي ما به الشيء هو هو. والصورة منشأ الاثر وهي تؤدي الى فعل ما. المادةوحدها لا تحدث شيئا, يجب ان تلحقها صورة لكي تصبح منشأ اثر. وعن الصورة منشأ الفعل الخاص بكل الموجودات. لماذا انت تفكر لأن فيك صورة النفس الناطقة.
- المادة والصورة اسمهما جوهر. الجواهر فيها قوى فاعلة وقوى منفعلة. فاعلة من حيث صورتها ومنفعلة من حيث مادتها. مثلا الحواس مشتركة بين الانسان والحيوان. ولكن التفكير خاص بالانسان فقط. الشيء لا يمكن ان يكون فاعلا ومنفعلا من نفس الجهة. لأن الفعل نقيض الانفعال, والنقيضان لا يجتمعان. مثلا الشيء الساخن لا يمكن ان يكون بارد الا اذا انسخلت عنه الحرارة.
- الجوهر نوعان: جوهر بالفعل وجوهر بالقوة. ما هو بالفعل كمال لما هو بالقوة. الطفل هو شاب بالقوة.
لما نظر الفلاسفة في صور الموجودات وجدوا ان هذه يجب ان تنتهي الى موجود هو بالفعل من كل وجه.أي يتسلسل الامر الى موجود بالفعل من كل جهة. هذا الجوهر الاخير الذي تؤدي اليه كل الجواهر الفاعلة والمنفعلة يلزمان يكون فاعل دائما.
ويقول ابن رشد طالما ان الجوهر بالقوة لا يمكن ان ينتقل من حال هو عليها بالقوة الى حال هو عليها بالفعل الا بفعل فاعل. فلا بد في نهاية المطاف ان يكون هناك فاعل محض. وبعد ان اثبتوا هذه الجواهر نظروا في طبيعة الصور الموجودة في الاشياء فوجدوا ان بعضها اقرب للفعل وبعضها اقرب الى ما هو مادي اي بالقوة. وكلما كانت الصورة اقل انفعالا كلما كانت اقرب الى الفعل. فوجدوا ان النفس الناطقةهي اشدالصور تبري من المادة, وبخاصة العقل الذي فيها. فشك الفلاسفة هل هي من الصور المادية او غير المادية؟. ولما التفتوا الى الصور المدركة للنفس وجدوها بريئة من الهيولي. كما عندما نقول انسان.
اذا كانت الاشياء بالقوة كمالا لما هي بالقوة, فهي جماد. اما اذا كانت كمالا محضا لا تشوبها القوة فانها تكون عقل.
ويصل ابن رشد الى اثبات قول الفلاسفة بأن ما ليس في مادة فهو عقل. ويقول ان هذه الامور ثبتت للفلاسفة بالبرهان ولا يمكن ذكرها جميعا لأنها كثيرة. ولكنها ثبتت بترتيب برهاني وأقيسة. وهنا يريد ان يقول ان الغزالي لم يعالج الامور في اوائلها بل بنتائجها. وكانيجب عليه ان يعالج المبادئ الاولى القائلة بأنما ليس في مادة فهو عقل كما فعل الفلاسفة.
كيف استنتج الفلاسفة ان هناك اله عاقل
[عدل]لمارآى الفلاسفة النظام في الطبيعة وجدوا انه نظام عقلي, وهو شبيه بالنظام الصناعي, أي عندما تخترع آلة يكون فيها ترتيب نظام معين.
عندما وجدوا النظام في الكون استنتجوا ان هناك عقلا افاد هذه القوى الطبيعية ان تفعل على النحو الذي تفعل فيه. مثلا عندما تذهب الى صحراء وترى حجارة مرصوفة بطريقة منظمة, تقول ان هذا المكان كان مسكونا. أي انك تستدل من وجود هذا النظام على وجود بشر. وهكذا استنج الفلاسفة ايضا ان عقله هو عقل الموجودات كلها. ولكنهذه مقولة تحكمية.
ولا ينطبق عليه التقسيم الذي فينا
[عدل]عندنا ما يعقل غير عن المعقول. أي هناك تمايز بين العقل المدرك والمدركات. أما عند الله فليس هناك فصل معرفته لذاته هي معرفته لجميع الموجودات
القياس الشرطي
[عدل]اما القياس الذي صاغه الغزالي على ما تأوله, فليس صحيح. والصحيح هو:
- ما كان ليس عقل في مادة
- فما هو في مادة ليس بعقل
وهذا القياس الشرطي يكون منتج اذا صحت المقدمتان.
وهذه كلها نتائج لبحث برهاني طويل واقيسة طبيعية. وليس كما فعل الغزالي. اي انه اخذ النتائج فقط. وهذه ليست مشهورة ولا يصدق بها لأول وهلة . الغزالي اخرج العلم عن اصله.
المسألة 12: في تعجيزهم عن اقامة الدليل على ان الله يعلم ذاته ايضا
[عدل]كيف يعلم الله غيره. الاول موجود ولكن ليس في مادة وكما يقول ابن سينا المانع الوحيد من ان الشيء يدرك او يدرِك هي المادة. وكان رد الغزالي اذا كان رأيك انه ليس في مادة وليس بجسم فليس هناك اختلاف بيننا, ولكن عندما تقول انه عقل مجرد فهنا يكمن موضع النقاش.
ووصلنا الى الفند الثاني, حيث يقول ابن سينا: وإن لم نقل ان الكل قابل للاحداث فإنه فعله وقد وجد منه.
يقول الغزالي القلاسفة لا يختلفون مع المتكلمين من حيث المبدأ بأن العالم هو فعل الله. ولكن كما يقول ابن سينا وإن لم نقل بأن الاول مريد للاحداث (أي ان العالم حدث ولكن ليس بإرادة), ولا ان الكل حادث حدوث زماني , لأن الزمان داخل في الكون وجزء منه. ولكننا نقول ان الكل فعله. وهذا ما يميز ما نعتقد به كفلاسفة عما يعتقد به غيرنا, اما من حيث اصل الفعل فلا اختلاف بيننا. أما الغزالي فيريد ان يثبت بأن الكون حدث بإرادة قديمة. ويريد ان يثبت ان طريقة الفلاسفة تؤدي الى ان الله لا يعرف الا نفسه.
من حيث المبدأ لا يوجد اختلاف ولكن طريقة كيف ان الله يعلم غيره هي الاختلاف بين الفلاسفة والمتكلمين (الغزالي). الفلاسفة يقولون الكل فعله فإن كان الكل صادر عنه من فعله واذا وجب ان يكون الفاعل عالم بفعله فإن الكل معلوم له.
الغزالي يرد على قول الفلاسفة من وجهين
[عدل]- الفعل الارداي, مثل فعل الانسان والحيوان.
- الفعل الطبيعي, مثل صدور النور عن الشمس ومثل صدور الحرارة عن النار.
ويقول الغزالي أن العلم بالفعل يكون فقط في الفعل الارداي. أما في الفعل الطبيعي فلا يكون علم للفاعل بفعله. مثلا الشمس لا تعلم بالضوء الذي يصدر عنها.
الغزالي يتهم الفلاسفة (بتقويلهم ما لا يقولون) أن الله فعل العالم على سبيل لزوم ذاته بالطبع والاضطرار. فعندما يكون كذلك فهو لا يستلزم ان يكون عالما بفعله. كما حال الضوء الصادرة عن الشمس باللزوم والاضطرار لا من ارادة وعلم. ولا قدرة للشمس عن كف النور. ولو اجزنا ان نسمي ذلك فعلا فانه لا يقتضي علم الفاعل بفعله, كما يقول الغزالي نسبة للفلاسفة. وان قيل ان هناكفرق بينهما, أي بين صدور النور عن الشمس وبين علم الله كعلة لكل شيء اخر. وأن صدور الكل عن ذاته هو حاصل عن علمه بالكل. لأنه عندما تمثل نظام الكل كان علمه سبب فيض الكل عنه, وعلة هذا الفيض علمه بالكل. وهذا العلم بالكل هو عين ذاته ولو لم يكن له علم بالكل لما صدر الكل عنه.
أي عندما تمثل الله نظام الخير في الكون , وُجد الكون, خلقه.
تمثل الله للكل هي صورة العلم الالهي التي تجلت وانعكست في الكون. ولا يمكن قياس الشاهد على الغائب كما يفعل الغزالي, لأن علم الله غير علمنا وارادته غير ارادتنا. وكما يقول ابن رشدلا يعلم هذه الجهة الا هو.
يقول الغزالي الى ابن سينا : انت حر بما تقول ولكن هناك فلاسفة خالفوك هذا الرأي. أي أن نظرية الفيض ليست مقبولة عند كل الفلاسفة, مثل يحيى بن عدي.
الوجة الثاني
[عدل]يقول الغزالي حتى لو سلمنا مع الفلاسفة ان صدور الشيء عن فاعله يقتضي علم الفاعل بما صدر. عند المعتزلة هناك شيء يسمى الافعال المولدة. يعني ان ارمي حجرا على الزجاج واعلم انه فعلي ولكن ما يحدث بعد ذلك لا اعلم به. أي ما حصل عمل حصل عني. الافعال التي تتولد عن فعلي الاول.
وبما ان نظرية الفيض تقول ان ما يصدر عن الواحد يكون واحد من سنخته وعلى شاكلته, فالله يعرف فقط الفعل الاول الذي صدر عنه. ولكن الغزالي كالمعتاد يقيس الغائب على الشاهد, لأننا نحن لا نعرف ماذا يترتب او يتولد عن افعالنا بعد ذلك.
الغزالي يقول : عندهم فعل الله واحد وهو للمعلول الاول ولا ينبغي ان يكون الله عالما الا به. أي لا يعرف الا الصادر الاول. والعالم لم يصدر عن الله دفعة واحدة. الفارابي يقول ان الموجودات تتراتب وكأنها امر واحد فلا يلزمه الا فعل واحد.
الغزالي يقول طالما ان العالم لم يصدر عن الله دفعة واحدة بل بوساطة, لأن نظرية الفيض تنص على ان العقل الثاني صدر عن الاول والعقل الثالث صدر عن الثاني وهكذا حتى العقل العاشر. فكل صادر يعرف ما صدر عنه, أما ان يعلم ما صدر عما صدر عنه, فكيف يكون ذلك ؟. وهذا لا يلزم في الفعل الارادي , أي الانسان لا يعرف ماذا يتولد عن فعله, فكيف يكون ذلكفي الفعل الطييعي؟.
وإن قيل انه لا يعرف الا نفسه, قلنا هذا اشنع وأقبح. لأننا نحن نعرف انفسنا ونعرف غيرنا, فكيف يكون الشاهد اعلم من الغائب. فيكون المعلول اشرف من العلة. نحن معلولاته نعرفه ونعرف انفسنا ونعرف غيرنا وهو لا يعرف الا نفسه, فهذا امر شنيع.
ويرى الغزالي ان كل هذه الشناعة حاصلة عن مقولة الفلاسفة في نفي حدوث العالم بالارادة القديمة, فلا بد لكم من ترك الفلسفة والاعتراف بان العالم حادث بالارادة.
قراءة الفند الثاني
[عدل]فإنه ان سلم لهم ان صدور الشيء من الفاعل يقتضي العلم ايضا بالصادر. فعندهم علم الله واحد والواحد لا يصدر عنه الا واحد وهو المعلول الاول: عقل بسيط , فينبغي الا يكون عالما الا به. وهنا يقيس الغزالي الغائب على الشاهد لأن ما يتولد عن الفعل الاول لنا ليس لنابه علم. وهنا يريد الغزالي ان يوصلنا الى ان الكل تم بواسطة, اي ليس دفعة واحدة. أي صدر بواسطة وبالتولد واللزوم.
...
فيكون المعلول اشرف من العلة. وهذه الشناعة نتجت لأن الفلاسفة نفوا الارادة ونفوا حدوث العالم.
نحن استدلينا من حدوث العالم على ارادة الله ومن هذه على علمه بما اراد, لأن المراد معلوم للمريد.
وإن قيل ان الشاهد هو الذي بحاجة الى العلم ليستفيد منه كمالا, لأن الانسان في ذاته ناقص ويشرف بالمعقولات, اما ليطلع على عواقبه في الدنيا والاخرة وإما ليستكمل ذاته المطلمة الناقصة وكذلك كافة المخلوقات.
وأما ذات الله فهي مستغنية عن التكميل. ولو قدر لع علما يستكمل به ذاته , لكانت ذاته ناقصة. والله بريء عن النقص. وهذا في العلم والبصر وفي الجزئيات الداخلة في الزمان.
فأنك (مخاطب ابن سينا) وسائر الفلاسفة تقولون بأن الله منزه عن السمع والبصر والاشياء الداخلة في الزمان.. كعلمك ان زيدا سيأتي غدا يختلف عن علمك عندما يكون زيد قد أتى. وأن المتغيرات المنقسمة في الزمان (الحوادث الجزئية) لا يعلمها الأول. لأن ذلك يوجب تغير في ذاته. لأن العلم تابع للمعلوم. فإذا كان المعلوم متغيرا فلا بد ان يكون العلم ايضا. فالعلم هو عين ذاته.
أن تقول ان الله ليس بحاجة الى سمع او بصر فانك لا تسلب عنه نقصان. بل انه كمال له. والدليل اننا بحاجة الى الحواس لتحرسنا عما نتعرض له من ضرر.
وكذلك العلم بالحوادث الجزئية زعمتم انه نقصان. ما كائن وما كان وما سيكون. فاننا ندرك المحسوسات كلها والاول لا يعرف شيئا من الجزئيات ولا يدرك شيئا من المحسوسات, وهذا لا يكون نقصا ؟.
عندئذ يمكننا القول ان العلم بالمعقولات ايضا يجوز ان يثبت لغيره ولا يثبت له ولا يكون نقصان. أي اذا قلتم اننا ندرك المحسوسات كلها ولو كانت في الاول لكانت نقصا فيه, وبالمثل يمكن ان يكون العلم بالكليات نقصا فيه ايضا. وكلهذا يقوله الغزالي بطريقة تحكمية.
ولذلك يقول ابن رشد هذا الرجل استفتح بتقويل الفلاسفة امرا شنيعا. أي ان نتيجة ما قوّله الغزالي للفلاسفة هي ان الاول ليس مريدا ولا عالما بما يصدر عنه . والسبب انه اعتقد ان الفلاسفة يقولوا بان فعل الاول صادرعنه بالضرورة واللزوم كما يصدر الضوء عن الشمس.
ابن رشد
[عدل]يقول الفلاسفة لم ينفوا الارادة عن الاول , لا يوجداي فيلسوف مسلم لا يقول ان الله عالما مريدا ... الخ. لكنهم لم يثبتون ارادة كإرادة الانسان. لأنك يا غزالي قست الغائب على الشاهد. الأرادة في الانسان ناتجة عن نقص في المريد وانفعال عن المراد. ي ما تريدهاحدث عندك انفعال ودفعك الى ان تريده. فإن حصل المراد عند الشاهد تم النقص وارتفع ذلك الانفعال الذي سميته ارادة. الفلاسفة لم ينفوا الارادة عن الله ولكنهم نفوا الارادة التي تشبه ارادة الانسان. معنى الارادة عند الاول هي ان الافعال الصادرة عنه, صادرة عن علمه. وهذا هو علة صدور الكل عنه. وكل ما صدر عن علم وحكمة فهو صادر بارادةالفاعل. أي انها عكسية كما قصدها الغزالي, لا تستدل على العلم من الارادة , بل كلما صدر عن علم هوارادة. اذا كان لك علم بالفعل الذي يصدر عنك فهو لا بد ان يكون مراد لك.
وبالتالي فالافعال الصادرة عنه, صادرةعن علمه وليس بناء على ضرورة او لزوم طبيعي.
واذا رجعنا الى المعتزلة كانوا يقولون: مريد من حيث هو عالم, وعالم من حيث هو مريد وقادر, وقادر منحيث هوعالم ومريد.
الغزالي: العالم حادث عن ارادة ومنها استدلينا على العلم
الفلاسفة: لأنه عالم فهومريد, لأن العلم سبب صدور الكل عنه.
وعلى اية حال ولأبقاء استمرارية في تفكير الغزالي, يجب التذكران منطقه هو الوصول الى اثبات المعجزات في كل ما يقوله. لأنه ما دامت يد الله في الكون فهو فعال لما يريد, يجعل منالنار بردا على ابراهيم, ويجعل العصى افعى, واليدالعادية برصاء.
ولتفسير ذلك يقول ابن رشد ان الكتب السماوية كتبت بلغة رمزية, لتخاطب العامة . كيف يستطيع النص ان يفهم الجمهور بانه لا يعجز عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء, بالعلم الازلي ؟. او بالاحرى انني اراقبكم في كل آن.
أي ان هناك الحاجة الى تأويل. ما هي جنة الاعرابي في الصحراء: الماء والخضراء والوجه الحسن.
مثلا في سورة الزمر: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( 73 ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين.
فليس فعل الله عند الفلاسفة فعلا طبيعيا ولا ارادي باطلاق كما هو فينا. انه ارادي منزه عن النقص . الفعل فينا يحصل عن انفعال عن المراد, فننزع اليه , فإذا حصل المراد تم النقص. فالارادة فيه تختلف عن الارادة فينا. ان فعل الله ارادي ولكنه منزه عن النقص الموجود في فعل الانسان. والارادة فيهما مقولة باشتراك الاسم فقط. في الانسان والحيوان المراد هو الذي اثر في ان يفعلوا, اي انها ارادة معلولة. بينما في الله لا يوجد اي صفة معلولة. فينا العلم حاصل عن المعلوم, أما في الله فهو علة ما نسميه المعلوم, علمه هو علة كون الاشياء. كل فعل له حاصل عن علم.
- الغزالي: لأنه مريد فهو عالم
- الفلاسفة: لأنه عالم فهو مريد
مثلا في قاعة المحكمة اذا كان القاضي الغزالي يقول لك هل اردت ان يكون فعلك على هذا النحو. أما اذا كان القاضي ابن رشد يقول لك هل كان لديك علم بأن الامور ستكون على هذا النحو.
من حيث المبدأ, منذ كان الله كان عالما ومريدا وقادرا. والكون حاصل عن كل هذا وليس كما يريد الغزالي وضع الاولويات للارادة. أي ان كل كمال في الكون هو انعكاس لكماله. وبقياس الغائب على الشاهد: أن اعلم شيء ولا اريده أو ان اعلم شيء واريده ولكني لست قادرا على فعله. ولكن علم الله وارادته وقدرته عين ذاته, اي شيئا واحدا. والسؤال هنا هو: اذا كانت كل صفاته عين ذاته, فلماذالم يكن الكون على شاكلة واحدة ؟. لأنه كما قال ابن سينا عندما تمثل الله نظام الكل صدر عنه الكل. وهذا النظام في الكون على هذا النحو هو النظام الاتم. لأنه صادر عن موجود كامل وخير.
كيق يتجاوز علمه ما صدر عنه ؟. الغزالي يقول نسبة للفلاسفة: ان الله لا يعرف الا الصادر الاول. ويرد عليه ابن رشد: ان الله يعلم كل الاشياء سواء كانت بواسطة او بلا واسطة. لأن ارادته ليست من جنس ارادتنا , علمنا ناقص ومتأخر عن المعلوم. بينما علمه تام وهو علة لكل شيء.
أما ما قوّله الغزالي للفلاسفة أنهم نفوا الارادة ونفوا حدوث العالم, فهي شناعة الزمهم بها. ويتابع ابن رشد: الفلاسفة لم ينفوا الارادة ولكنهم نفوا الارادة الناقصة مثل ارادتنا المنفعلة.
وحول موضوع علمه بالجزئيات, وأن ادراكه لها يؤدي الى تغير في ذاته. فهذه شناعة الزمهم بها, لأنه قاس الشاهد على الغائب. في الشاهد العلم تابع للمعلوم, فإذا كان المعلوم متغير, والاحداث الجزئية متغيرة , فيحصل تغير في ذات العالم.
الغزالي يقول نسبة للفلاسفة ان الله لا يعلم الجزئيات, لأن سلبها عنه كمال له, وليس نقصان. الجزئيات مدركة بالحواس والله مبرئ عن الحواس. ليستنتج الغزالي : وبما ان الله لا يدرك المحسوسات وانه ثابت لغيره (اي نحن الذين ندركها), فيمكن القول ايضا انه لا يدرك الكليات العقلية ولا يكون ذلك نقصانا. وهذه حجة أولئك الفلاسفة الذين قالوا انه لا يعرف الا نفسه. ولكن الذين يقولون ذلك أكدوا ان ذاته هي العلم بكل شيء بما في ذلك الجزئيات والمحسوسات. وقالوا ايضا ان الله هو الموجودات كلها. وهم اتباع وحدة الوجود. فإن اقررنا هذا, يقول ابن رشد, وقعت الراحة بين المتشاجرين.
وبتذكر ما قاله الغزالي: أما المسلمون عندما انحصر عندهم الوجود بين حادث وقديم, ولم يكن عندهم الا الله قديم وكل ما عداه حادث من جهته وبإرادته, حصل عندهم مقدمة ضرورية في علمه. فإن المراد لا بد ان يكون معلوم للمريد. أي ان الغزالي نسب كل شيء للارادة, وطالما انه اراده فهو عالم به.
وهو قول مقنع لأول وهلة كما يقول ابن رشد. ولكن ما هو حاصل عن علمه لا بد ان يكون حاصل عن ارادة, وهذا ما يعنيه الفلاسفة.
في تعجزيهم على اقامة دليل على ان الله يعلم ذاته, أي بناء على ما قوّلهم نصل الى هذه النتيجة.
ويقول الغزالي , لما عرفوا المسلمون حدوث العالم بارادته استدلوا بالارادة على العلم. فالمراد معلول للمريد وبالتالي فهو عالم به. ومن هو مريدا وعالما لا بدان يكون حي, وكل حي يشعر بنفسه فيعرف ذاته.
وهذا يبدو منهجا معقولا في غاية المتانة. أما استدلال الفلاسفة لا يوصلهم الى ان الله يعرف ذاته. لأنه اذا كان يلزم ان يصدر عن ذاته معلول واحد ثم يلزم عن هذا معلول ثالث ... وهكذا. فكيف يعرف ذاته, كالشمس يلزم منها النور, والنار يلزم منها الحرارة وكلاهما لا يعرف ذاته. فكيف من لا يعرف نفسه يعرف غيره ؟ (الدليل على ان الله لا يعلم غيره).
وقوّل الغزالي الفلاسفة اقوالا اشبه بالتكفير: يلزمكم على مذهبكم هذا القول ان كل ما لا يفعل بارادة وقدرة واختيار ولا يسمع ولا يبصر, فهو ميت وكذلك من لا يعرف غيره. ودائما بقياس الغائب على الشاهد: اذا كان الاول لا يسمع ولا يبصر اي لا يتصف بهذه الصفات, فما حاجته لأن يعرف نفسه.
واذا اقام الفلاسفة براهينهم على ان الموجود ينقسم الى حي وميت والحي اقدم واشرف من الميت, ولما كان الله هو الاقدم, فهو حي وكل حي يشعر بذاته, لأنه يستحيل ان يكون بين معلولاته من هو حي وأن لا يكون هو حيا. لأن فاقد الشيء لا يعطيه. على اعتبار ان العلة اشرف من المعلول. وكلها امور تحكمية كما يظهر. نه ليس من برهان يثبت ان العلة اشرف من المعلول, ولماذا لا يكون المعلول اشرف من العلة. لأن الامر ليس بديهي وبحاجة الى برهان.
ثم يرى الغزالي ان الفلاسفة ينكرون صفات السمع والبصر عن الله, فإن جاز عندهم انه يمكن ان يصدر عن ما لا سمع له ولا بصر , من له سمع وبصر, او عن ما ليس بعالم عالم ؟. وأن كان ذلك ممكنا أن الشرف ليس بالبصر والعلم بالاشياء بل بالاستغتاء عنها, فانهم سيضطرون الى نفي العلم عنه.
ولا يدل على علمه سوى الارادة , ولا يدل على الارادة سوى حدوث العالم. وهكذا رجعنا الى نفس المقدمات. وكل ما صدر عن الفلاسفة تخمينات وظنون. والفقهاء يستغنون عن الظنيات.
ابن رشد بشكل عام حاول دائما اعادة تعريف الامور للغزالي. مثلا بالنسبة لصفات السمع والبصر والعلم ... الخ, التي تحدث عنها الغزالي, يقول ابن رشد لا بد ان يكون من هو اشرف من الحي, حي؛ ومن هو اشرف مما له سمع وبصر , له سمع وبصر. وبما ان الفلاسفة لا يقرون هذا بحق الله, فالغزالي استنتج انه اذا جاز عندهم ان يكون اشرف من السميع والبصير ليس سميع وبصير ؛ وأن يكون ما هو اشرف من الحي والعالم, غير حي وغير عالم. وهذا قول سفسطائي وفيه مغالطة. فلا يقال ما ليس له سمع وبصر باطلاق, بل من جهة ان له ادراك اشرف من السمع والبصر. وإن ابوا الفلاسفة ان يصفوه بالسمع والبصر, هو لأن هذه الصفات تقتضي ان يكون له نفس. لأن الحواس تابعة للنفس. وإن سبب وصفه بالسمع والبصر , هو لتسهيل التواصل مع العامة والتحدث بلغتهم بأن الله يعلم كل شيء.
وبالتالي فالفلاسفة لم يصفوه بالسمع والبصر لأن هذه الحواس هي مصدر المعرفة عند الانسان. وهما صفتان في الانسان لأن له نفس. والله ليس بذي نفس. لأنه لو كان كذلك لكان مثلنا.
المسألة 13: في ابطال اقوالهم ان الله لا يعلم الجزئيات المنقسمة في الزمان (ما كائن وما كان وما سيكون
[عدل]مثلا الكسوف يتعلق بما يحسه الانسان وهو ادراك يحصل بحصول المدرَك ويزول بزواله. وهذا يختلف عن ادراكه حسب الاسباب المسببة له. أي ادراك ثابت لا يتغير حتى وإن كان علم جزئي. علماء الفلك يتنبئون بحدوث الكسوف قبل حدوثه بمئات السنين. وهذا علم ثابت لا يتغير, وما يتغير هو في المدرٍك الذي يستخدم حساسية النظر.
الاسفين الذي وضعه الغزالي فيما قوّله للفلاسفة هو ان الله لا يعلم الجزئيات الا على نحو كلي, وأضاف: الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان (ماضي حاضر ومستقبل).
يقول ابن سينا أن الاشياء التي في الزمان تكون فاسدة, توجد وتزول , خاضعة للكون والفساد. وهي تدرك مقارنة بالمادة وعوارضها. تدرك على نجو معين وعلى صورة مشخصة, يكون في وقت ويزول في وقت. وهذا الادراك يكون بألة (العين, الاذن, اليد). والله لا يستخدم ألة.
ادراك الاشياء الجزئية على هذا النحو - أي مقارنة بالمادة وتحت الزمان- يكون بطريقتين: حس او تخيل. وهذا لا يكون بحق الله وليس نقصا وانما كمالا. وبماان علمه حقيقي فليس حسياولا تخيلا. الله يعقل الموجودات من حيث انه يعقل اسبابها, أي من خلال ما يوجبها. لأن كل الاشياء ممكنة وهناك ممكن اصبح واجب بغيره اي أن علله اوجبت وجوده. وبما أن الله عالم بعلل الاشياء فهو عالم بما يصدر عنها من اشياء جزئية. الله يعلم الأسباب ويعلم الامور المطابقة لها في الواقع. وكل العلل في نهاية المطاف تتأدى إليه, الى العلة الاولى. فهو يعلم الأشياء الجزئية في الازمنة التي تحدث فيها (مثل الكسوف). وتتابع الحوادث حتى تتكرر.
فمثلا لما كان الله يعلم كل الحركات السماوية فانه يعلم كل انفصال واتصال بينها. وبالتالي فهو يعلم الكسوف بعلمثابت لا يتغير. يعلم كلكسوف قبل حصوله وفي حال حصوله وبعد حصوله, وحاله لا يتغير لأنه يعلم بعلم سابق لا يتغير كل الحركات السماوية, فيعلم كل كسوف والفاصل الزمني بينها.
ولذلك النتيجة يقول ابن سينا بأن الله يعلم كل شيء سواء كان بواسطة او بلا واسطة.
القضاء والقدر
[عدل]هناك مفهومين اخرين وضعهما ابن سينا وهما القضاء والقدر. القضاء هو العلم الثابت الذي لا يتغير, وما يحدث عن القضاء من تفصيلات هو القدر. مثلا القضاء أنه يعلم حركات الافلاك من انفصال واتصال في الزمان. وما يحدث منها من تفصيلات مثل الكسوف هو القدر. أي ان القدر هو تفسير لقضاءه الاول: علمه الثابت. الذي يؤدي له واجبا عند حدوثه. لأن ما لا يجب لا يوجد. كل موجود وجد فهو واجب بغيره وفقط الله واجب بذاته.
الغزالي
[عدل]الغزالي متفق مع الفلاسفة في أن الله يعلم الجزئيات ولكنه يريد تعجز طريقتهم في الوصول الى ذلك.
ابن سينا وقبله الفارابي قال العلم بالعلة يعني العلم بالمعلول, لا بل العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول ولكنه لا يوجب الاحساس به. وإدراك الجزئيات المتغيرة يتم بالألات الحسية. المدرك في هذا النوع من الادراك الجزئي يتغير بتغير المدرَك. مثلا بالنظر الى الخسوف والكسوف. او علمي بأن عمر قد يأتي غدا يختلف عن علمي بعمر عندما يأتي. أما ادراك الاشياء على نحو كلي فإنه ادراك عقلي ثابت لا يتغير.
الغزالي يقول ان الفلاسفة قرروا هذا بناء على معطيات, فقال المقولات العشرة: جوهر وتسعة اعراض. [4] ومن بين الاعراض الاضافة. مثلا انت امامي, يعني انك اضافة بالنسبة لي. والاضافة ثلاثة انواع:
- العلاقة بالمدرَك. أي اذا كان عمر علي يساري ثم انتقل على يميني لن يغير فيي شيئا, تغيرت الاضافة في المدرَك.
- الاضافة الثانية لها علاقة بالمدرٍك. لها علاقة بالذات. مثلا انا قادر ان احرك الكتاب الموجود امامي, ولكن عدم وجود الكتاب لا ينفي قدرتي على تحريكه في حال وجوده. وأيضا هذا النوع من الاضافة لا يغير شيئا في المدرٍك.
- الاضافة الثالثة, لا بدان يتغير المدرٍك بتغيرها. وهي الاضافة التي تؤدي الى تغير في الذات. مثلا ان لا اكون عالما واصبح عالما, او ان لا اكون قادرا ثم اصبح قادرا. كما هو حال الانسان لم يكن قادرا للوصول الى القمر ثم اصبح ذلك. وتسمى الاضافة الثالثة عين العلم التي تحدث تغير في الذات. ولما كان علم الله هو عين ذاته. فلا بد انتؤدي هذه الاضافة الى تغير في الذات الالهية. وهو محال على الله. مثلا العلم بالكسوف لا يغير شيئا قبله ولا بعده ولا اثناء حدوثه. وهذه التغيرات ما هي الا اضافات لا تؤدي الى تغير في العلم الالهي.
ثم يقول الغزالي ان الله يعلم الجزئيات بعلم واحد منذ الازل , وما هو ازلي ثابت لا يتغير. والحال فيه لا يتغير رغم تغير الزمان. أما قول الفلاسفة بأن العلم بالآن وما قبله وما بعده يوجب التغير فهو ليس امر مسلم به.
مثلا علمنا بما سيكون وما كان وما يكن هو علم متغير. علمنا بأنعمر قد يأتي غير عن علمنا بعمر عندما أتى. أي ينما كان تنبؤ بالمستقبل اصبح علم بالماضي.
الغزالي يقول ان العلم بالمتغيرات يوجب تغير في الذات الالهية وهو امر محال. اثبات ان التغير في الزمان يؤدي الى تغير في العلم الالهي, فهو امر غير مسلم به. ولا يضع الغزالي بديل.
الاعتراض الثاني للغزالي
[عدل]يقول الغزالي انت يا فلاسفة قلتم ان العالم قديم ويجد فيه تغير, فلماذا تنكرون على ان القديم يمكن ان يكون فيه تغير. أي لماذا هذا القديم يوجد فيه تغير وذلك القديم لا يوجد فيه تغير ؟. ويستشهد باقوال الكرامية [5], التي تقول ان الله محل الحوادث.
ويقول الغزالي للفلاسفة اذا قلتم بان الله له علم واحد ازلي لا يتغير , فنحن متفقين على ذلك, أماادراك الاشياء تحت الزمان يؤدكي الى تغير في المدرٍك فهو امر غير مسلم به.
في الانسان, الادراك في الزمان يؤدي الى تغير في العلم وبالتالي في العالم. أما ما علمه ليس تحت الزمان فلا يحدث فيه تغير. ولكن مشكلة الفلاسفة هي ان الله يجب ان يعرف كل شيء, خلافا لذلك فهو ليس بإله. فكيف يعلم الله الاشياء في الزمان دون ان يتغير علمه. وهذا ما ارادالفلاسفة تبرية الله عنه. ولذلك أتوا بمثال الكسوف.
الغزالي اتى من مدخل اخر قائلا: ان الانسان مفهوم كلي ولكن عمر وزيد يختلفان. أي الغزالي يريد ابطال اقوالهم بأن الله يعلم الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان.
الشمس هي علة الحياة على الارض وعلم الله بما يحصل عنها يعني علمه بما يحصل على الارض.
الفلاسفة قالوا بان الله يعلم الكليات ويعلم الجزئيات على نحو كلي.
يقول الغزالي : هناك من الفلاسفة من قال ان الله يعلم الكليات وهي متعددة (الإنسان الفرس ...) وتعدد الأنواع والاجناس وهي مبتعدة عن بعضها يوجب تعدد العلم الالهي.
نسلم مع الفلاسفة بأن الله يعلم الاشياء بعلم واحد كلي, أي الكلي والجزئي, وحاله لا يتغير, وغرضهم نفي التغير عنه. ولكن طريقتهم في اثبات ان الله يعلم الجزئيات يؤدي الى تغير في الذات الالهية. أي
ابن رشد
[عدل]يقول ابن رشد ان الفلاسفة الحقيقين لم يقولوا بأن الله كلي ولا جزئي. الكلي ينطبق على علمنا كبشر وما فعل الغزالي لتعجيز الفلاسفة هو في تشبيه علم الله بعلم الانسان. ويخالف ابن رشد رؤية ابن سينا وينضم الى انتقاد الغزالي بأن تعدد لاجناس والانواع وهي متباعدة يوجب تعدد بالعلم. لأن علمك بالانسان يختلف عن علمك بالحصان.
الله يعلم الجزئيات التي نعلمها نحن ولكن بعلم اشرف.أي يقر ان هناك جانبان: الجانب الشريف والجانب الخسيس. أي ما يتعلق به علمنا يختلف عما يتعلق به علم الله. وهو مشابه لقول القدما ان الباري هو الموجودات كلها وهو المنعم بها. والصوفية قالوا لا هو الا هو. أي لا وجود الا له. فوجوده يشمل كل الموجودات.
ويقول ابن رشد وهذا يجب ان لا يكتب لانه ليس من الشارع (الله), فمن اثبت في غير موضعه فقد ظلم ومن كتبه عن اهله فقد ظلم. أي ليس موضوع يطرح للعامة.
أما قول الغزالي ان الفلاسفة اجازوا التغير في القديم العالم ولم يجيزوا التغير في القديم الله. أي طالما انكم اجزتم قديما تحل به الحوادث فلماذا لا تجيزوا القديم الله تحل به الحوادث.
يقول ابن رشد هذه معادلة جدلية. لأن الحوادث منها ما لا يحل في القديم وهي الحوادث التي تغير في جوهره. ومنها ما يحل في القديم ولا يغير من جوهره. مثل الحركة في المكان.
الحادث يمكن ان يصدر عن قديم في جوهره وحادث في حركته. مثلا الكون , حركةالسماوات قديمة في جوهرها حادثة في حركتها.
هناك حوادث تصدر عن قديم ولا في جوهره كالنجم السماوي. وكانه كما المتوسط بين قديم مطلق وحادث مطلق. أي ما بينهما قديم من جهة وحادث من جهة. كما الكون قديم في جوهره وحادث في حركته. والسبب الذي منع الفلاسفة من قبول وجود الحوادث في الاول هو انه ليس جسما. أما الكون فهو جسم وبالتالي تحل به الحوادث. لأن الحوادث لا تحل الا في جسم. ولأن الجسم صفته القبول اما الله الذي ليس في مادة فلا يحدث ذلك.
استكمال الكتابة من التلخيص الموجود في دفتر وزارة الأوقاف والمقدسات الاسلامية
حواشي ومصادر
[عدل]- ^ فلسفة العالم الإسلامي.الفلاسفة وأهم مواضيع كتابتهم. الباب السادس. النقل والعقل
- ^ اعتبر ابن رشد انه ابو العلمانية تبعا لكتابه "فصل المقال". لأنه كان يقول اذا كان هناك خلاف بين العقل والشرع فيجب ان يؤخذ بتأويل الشرع وفقا للعقل. وكان يعتبر ابن رشد روح الاسلام المتداول, فمثلا عندما كان يقول أما المسلمون عندما انحصر عندهم كذا وكذا, فانه لم يقل المفكرون او المتكلمون. أي ان ابن رشد كان اقرب الى عامة الناس.
- ^ وظيفة الفلسفة هي اعطاء اعطاء مرونة للمخزون الذهني الذي يملكه كل شخص. أي ان لا يصبح دوغما, أي الوصول الى الشك بأي شيء. مثلا الزرع الذي يضعون له الزبل يكون اخضر ويانع, ولكن اذا مشيت بينه, ستلاحظ ان رائحته كريهة وتربته مخمجة. أي تحت الشيء الذي اقتنعت به يوجدرؤيا اخرى. وبالتالي الفلسفة يجب ان تخرج الشخص من الحالة الجزمية الى حالة التفكير النقدي بالاشياء؟. ولا تقل باني فاعلا غدا الا ان يشاء الله. أي كل ما افعله مربوط بالمشيئة الالهية الازلية. وبالتالي فإن فعلي يكون أزلي سواء انجزته او لم انجزه.
- ^ الاعراض هي كيفيات الأجسام المادية، وأبعادها، وألوانها، فاللون أو الرائحة مثلا ليس لها وجود مستقل عن الموضوع الذي توجد فيه ولأجل ذلك فهي تسمى أعراضا للموضوع.
- ^ فإن الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السجستاني، والكرامية فرقة من فرق المرجئة الذين قالوا بأن كل من آمن بوحدانية الله لا يمكن الحكم عليه بالكفر, لأن الحكم عليه موكول إلى الله تعالى وحده يوم القيامة, مهما كانت الذنوب التي اقترفها. وهم يستندون في اعتقادهم إلى قوله تعالى (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)