انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Mohammad.nassar1190167/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الشريعة الاسلامية والقانون[عدل]

إن تناول عبر مقاربةٍ قانونية حداثية سيؤدي إلى سوء فهمٍ لطبيعة هذا النظام المختلف عن النظام القانوني بمفهومه الحديث. الشريعة الإسلامية هي نظام ما قبل حداثي لا يمكن توصيفه بأوصافٍ مثل "القانون الإسلامي" لأن القانون بمفهومه الحديث مرتبط بسلطة الدولة وقدرتها على التشريع – الهندسة الاجتماعية- والفرض أي أنه "يأتي من الأعلى" مما يؤدي الى العديد من المضاعفات كتقليل الوصول إلى القانون، والتمسك بالشكليات الهادفة لإحداث نوع من الرهبة والخصوصية على "المحكمة" البيت المقدس للقانون. كما أن القانون بمفهومه الحديث لا يتسع للأخلاق، بل يتسم بشكلٍ يحدد معناه على أنه – محايدٌ أخلاقياً-.

فرق جوهري[عدل]

على خلاف ذلك فإن الشريعةَ تنطلق من عمق النظام الاجتماعي لعدم فصلها بين القانوني والأخلاقي، هذا التماهي أدى إلى طواعية الالتزام بالشريعة لتعبيرها عن حقيقة الإنسان كإنسان أخلاقي، وكشخصٍ لا ككائنٍ يُفترض فيه مسبقاً الوصول للقانون رغم المعيقات التي يضعها هذا القانون. إن الوصول للعدالة في منظومة الشريعة الإسلامية لا يحتاجٌ إلى إجراءات أو شكلياتٍ أو مالٍ أو حتى معرفةٍ بالفقه. بل على العكس كان باب القضاء والفتوى مفتوحاً على مصراعيه دوماً وبشكل مجانيٍ. أضف إلى ذلك أن الشريعة الإسلامية لم تعرف -نتيجةً لعدم وجود هذه الشكليات والمتطلبات المسبقة للوصول للعدالة- أشكالاً من التمييز بناءً على الثروة أو السلطة أو الجنس أو حتى الدين. بل إنها استطاعت دوماً أن تخلق نظاماً متوازناً لأنها لا تسعى لتغيير المجتمع وهندسته بل هي عنصر أصيلٌ فيه يحقق تناغماً نابعاً من إيمانٍ مشترك. لم يكن الفقهاء أو القضاة طبقةً معزولة عن مجتمعهم، ولم يكن القانون نصاً جامداً ليس للقاضي دورٌ فيه إلا إسقاطه على الوقائع، بل كان الفقه طابعاً اجتماعياً ومدرسةً مفتوحة، كل من أراد يستطيع الوصول.

الاستعمار ودوره[عدل]

بعد الاستعمار، بدأت الحداثة فرض تصورها للقانون والدولة والمجتمع والعلاقات بين هذه العناصر على الشريعة وبلدان تطبيقها التي هّزمت أو كانت على شفير الهزيمة، إلا أنها لم تفرض مجرد تصور بل هي فرضت ما تراه إصلاحاً لمنظومةٍ فيها خلل بنيوي وتخلّف. هذا "الإصلاح" تناول بشكل رئيسي تقنين الشريعة وتجميدها في نصوص، كما الفصل بين الأخلاقي والقانوني كسمة حداثية هامة. تقنين الشريعة لم يقتلها من ناحية حصر الأحكام الفقهية المتنوعة بين المذاهب المختلفة وحسب، بل ضربها في مقتلين: الأول أن الجمود هو العدو اللدود للعملية الفقهية، فهي عملية مستمرة من الفهم واستنباط الأحكام من النص ثم مقارنة ذلك مع الواقع في ضوء مقاصدٍ كلية وأحوالٍ معينة لكل شخصٍ على حدة = هي ببساطة تتناقض مع مفهوم العدالة الواحدة إلى عدالات عديدة مما جعلها تتناقض جوهرياً مع التقنين الذي يجد ماهيتهُ في العدالة الواحدة الجاهزة للتطبيق. والمقتل الثاني هو جعلها رهينة لانتقاء وتفسير وتطبيق الدولة لهذه الأحكام الفقهية، فالتقنين يتضمن حتماً عملية حصر للأقوال واعتماد لما يتوافق منها مع عدة عواملٍ كالطبقة الحاكمة وسياستها مثلاً. إن هذا لم يكن الحال يوماً، إذ أن الشريعة الإسلامية لم تكن مرتبطةٍ بالدولة ولا بالحاكم أبدا، لا تشريعاً ولا تحديداً. فربطها بالدولة – الحديثة- سيتضمن ضرورةً إقصاءاتٍ لأهم عناصر قوتها وتميزها كمنظومة تشريعية: الاستقلال عن الوضعية المحكومة بالسياسة والدولة وتوجهات الحكّام، وشعبويتها التي ستخسرها إلى مظاهر "هيبة القضاء" مما سيؤدي إلى تقلص هائل في دورها المجتمعي، ناهيك عن تجميد نصوصها وجعلها رهناً لرقابة وتفسير الدولة. أضف إلى كل هذا أن مطلب الشريعة الرئيس وهمها الأول كان دوماً تحقيق "التوازن الاجتماعي" في مقابل القانون الذي مطلبه الرئيس حفظ سيادته ومنع التعدي عليه و/أو على الدولة. هذا الفرق يمكن النظر إلى فقه (الصلح سيّد الأحكام) الذي تؤكده شواهدٌ تاريخية لا حصر لها، حيث يحاول القاضي بشكل رئيسي أن يصل إلى حلولٍ تحفظ إمكانية استمرارية الحياة وعودتها لطبيعتها بعد الحادثة مما يتطلب غالباً الصلح بين الأطراف وعدم إيقاع العقوبات. بل إنك نادراً ما تجد في تاريخ الشريعة أن القضاة ذهبوا لفرض أحكامٍ على أحد الأطراف إلا إذا كان سبيل الصلح منعدماً. في مقابل ما نرى في القانون من أهميةٍ لتطبيق النص على المذنب بغض النظر عن أي أُثرٍ اجتماعي لمجرد حفظ سيادة "النصّ". هذا الدور الأخير برأيي، جعل الشريعة في مرتبةٍ أعلى من أي تشريعٍ آخر، كأنه السمو الأخلاقي في مقابل الدناوة التقنية المتحجرة التي بحاجةٍ للإصلاح، بل إن الشريعة هي من يجب أن تصلح غيرها وليس العكس.

إن الشريعة كانت هنا دائماً، تتمشى بالأسواق وتعتكف بالمساجد، تكيةٌ للعدالة مفتوحة الأبواب دوماً. ليس بنصٍ يناسب الجميع، بل بعدالةٍ ترى الفروق والخصوصيات -ليست معصوبة العينين! –، ترى العرف وتحفظه، تنظر إلى القوي بريبةٍ دوماً، وتحب الضعفاء. ولا تحاول هندسة المجتمع لحساب أحد بل تحرص كل الحرص على توازنه كما هو..


محمد نصّار