انتقل إلى المحتوى

مستخدم:Othmane Bouaddi/ملعب

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

مدخل حول فلسفة نيتشه

يعتبر الفيلسوف نيتشه الفيلسوف الذي ضرب الفلسفة أو تعاطى الفلسفة بقرع من المطرقة كما يقول . الفيلسوف الذي أسس فكره و فلسفته على الوجود وإحداث قطيعة إبستيمولوجية مع الفلسفات السابقة ، فنيتشه يعتبر من الفلاسفة الأكثر شيوعا في المرحلة المعاصرة أو فلسفة ما بعد الحداثة أو فلسفة موت الحداثة . تناول نيتشه مجموعة من القضايا كالحقيقة التي اعتبرها سوى وهم نسي الإنسان انها كذلك . كما شكلت نظريته الشهيرة العود الأبدي أو التكرار الأزلي مصدر شيوع فلسفته في القرن 19 . حيث يعتبر أن كل ما نعيشه الآن قد عشناه من قبل وسنعيشه مستقبلا فنحن سنعود كما نحن الأن . ففلسفة نيتشه فلسفة موت الإنسان حيت اعتبر الإنسان ليس مصدرا للحقائق لأن الحقيقة ليست موجودة . كما أنه إنتقد الأديان و خصوصا المسيحية باعتبارها تمثل اخلاق الإنحطاط والعبيد . من بين أهم الإهتمامات لنيتشه في كتبه و هي موضوع الأخلاق وقلب كل القيم كما يقول في كتابه هذا هو الإنسان : "قلب كل قيم تلك هي صيغتي المبجلة للتعبير عن أرقى وعي ذاتي للإنسانية قد تحول لحما و عبقرية لدي ...". فالاخلاق عنده ليست سوى إستراتيجية للدفاع عن مصالح محددة تمنع الفرد من إطلاق العنان لرغباته .ولذلك أطلق على نفسه اسم اللاأخلاقي الأول . لأنه عمل على تكسير النظام الأخلاقي الكوني . كم أنه إنتقد الخيرين والمتفائلين حيث يقول :"سأتوقف عند سيكولوجية الخيّر . كي نقدر قيمة نموذج ما من البشر علينا ان نحدد الثمن الذي يدفعة من أجل البقاء . أي أن نتعرف على شروط وجوده . إن شرط الوجود لدى الخيرين هو الكذب بتعبير أخر الإسرار على عدم الرغبة في رؤية الكيفية التي يتكون عليها الواقع في الأساس... " من كتاب هذا هو الانسان .

ويعد كتابه الأعظم أو المقدس كما يقول "هكذا تكلم زرادشت" الذي يتحدث فيه عن إنسانه المتفوق "übermensch" حيث يعتبر نيتشه ان الإنسان خاضع للتطور و مع مرور الزمن سيتطور الإنسان ليصبح أسمى أو بعبارته المتفوق ومن خصاله كما يقول سيعمل هذا الإنسان على تكسير النظام الأخلاقي المستمد من الأديان ليطلق العنان لرغباته و لذاته بعيدا عن كل الميتافيزيقيات و المثاليات . سيصبح ذا خلق أسمى قائم على حرية قدرية ، ومع انتهاء أو موت الإله كما يقول سيواجه إنسانه المتفوق تحمل الإمتيازات الإلهية التي من أهمها صياغة قيم أخلاقية تؤمن بالحياة وقيم جمالية تحسن الحياة والتشبت بإرادة الحياة... له مؤلفات كثيرة من بينها : "هكذا تكلم زرادشت" ."ما وراء الخير والشر"."جنيالوجيا الأخلاق "."هذا هو الإنسان "."العلم المرح"."إنساني مفرط في الإنسانية"...

فلسفة نيتشه حول الأخلاق

يعتبر نيتشه رائدا في مجال الأخلاق فإذا تأملنا كتبه سنجد أكثرها يتحدث عن الأخلاق جنيالوجيا و يميزها بين أخلاق العبيد و أخلاق السادة . كما أنه إنتقد بعض الأخلاق التي نعتبرها اخلاقا سامية كنكران الذات و الخير واعتبرها أخلاقا تجرد الواقع من ماهيته و حقيقته و لاتصلح لإنتاج الإنسان المتفوق .

فحسب نيتشه فالفضيلة يجب أن نفعلها لذاتها ولا ننتظر ثوابا عليها لأنها الثواب نفسها ويقول بأن أخطر الناس هم أهل الصلاح و العدل لأنهم يحاكمون بإخلاص و يقتلون بكل صلاح و يكذبون بكل عدل و هم يعتقدون بأنهم يعرفون ما هو خير للبشر و ما هو شر عليهم ومن هنا يمارسون وصايتهم الممقوتة.  حيث يقول :"لقد شاهد زارا كثيرا من البلدان و كثيرا من الشعوب فنفذ إلى حقيقة الخير والشر و عرف أن لا قوة في العالم تفوق قوتهما، تحقق أن ليس على الأرض من شعب تحلو له الحياة دون أن يخضع النظم والسنن لتقديره . وأن كل شعب يرى من واجبه إذا أراد الحياة أن يجيء بتقدير يختلف عن تقدير من يجاوره من الشعوب.وهكذا كان ما يراه أحدها خيرا يراه الآخر دناءة و عارا..." ص 92 'هكذا تكلم زرادشت'

كما أنه في كتابه الفجر يقدم تحليلا لآليات الأخلاق حيث يقول :"تمة طريقتان لإنكار الأخلاق فقد يعني إنكار الأخلاق. أولا إنكار أن تكون البواعث الأخلاقية التي سيستخدمها الناس هي التي تقف حقا وراء أفعالهم.وهو ما يعني ان الأخلاق مجرد كلام وأنها من الخدع الفظة أو المعقدة التي يمارسها الإنسان و ربما خصوصا أولئك الرجال المشهورين بفضيلتهم وهي كثيرا ما تكون خداعا للنفس ".

ويواصل نيتشه تفسيره حول الأخلاق حيث يوضح ماهية أخلاق الشر وأخلاق الخير ويبين انعكاساتها وأصلها كصراع تاريخي عن طريق المنهج الجينيالوجي حيث يقول:"إن الخير والشر نسبيان فما هو خير لك لايعني بالضرورة خير لي .بل ربما يكون شرا علي فما تراه أنت خيرا أراه شرا في أحيان كثيرة.لذا فكل طريقه ولاتوجد جادة سليمة واحدة يسير عليها العالم . فالحكمة تقتضي على الإنسان أن يعرف خيره وشره وأن يتكامل في خيره وشره . كما أن الشر الأعظم هو جزء من الخير الأعظم ." ويقول أيضا:"ما خلق الخير والشر في كل عصر إلا المتهوسون المبدعون و ما أضرم نارهما إلا عاطفة الحب و عاطفة الغضب باسم الفضائل جمعاء"ص94 هكذا تكلم زرادشت.

حسب نيتشه فقد وقع حدث أساسي في التاريخ البشري الذي جعل الإنسان يتحول من التفكير في الجيد والسيء إلى التفكير في الخير والشر بسبب تنوع الأخلاق وتنوع مصادرها .ولكي يوضح التناقض في القيم والأخلاق عمل على تفكيكها جينيالوجيا أي عن طريق الأصل من خلال جدلية أخلاق السادة وأخلاق العبيد . فأخلاق العبيد تمثل رد فعل على أفعال السادة . فالخير يكون ممثلا في التقوى ونكران الذات وغيرها أما الشر فيرادف القسوة والأنانية والعدوانية . ويرى نيتشه أن علينا قلب قيم العبيد أو عكسها لأنها أخلاق جبانة وتهدف فقط للتخفيف على أنفسهم والذين يعانون الشيء نفسه . حيث يقول :"إن الثورة مفخرة للعبيد فليكن إفتخاركم أنتم قائما على طاعتكم .وليكن أمر الآمر فيكم جزئا من هذه الطاعة نفسها .إن المحارب الصادق يفضل ما يجب عليه على ما يريده . فعليكم أن توجهوا ما تؤمرون به إلى هدف رغباتكم .وليكن حبكم للحياة تعبيرا عن أسمى أمانيك ولتكن هذه الأماني عبارة عن أرفع فكرة في الحياة.وما ارفع فكرة لكم وأنا أستميحكم إبداءها لكم كأمر ألا هذه القاعدة: ما الإنسان إلا كائن يجب ان نتفوق عليه."ص81 هكذا تكلم زرادشت.فاخلاق العبيد ولدت بسبب الحقد والحسد تجاه السادة لكن مع التعايش بينهم وإنكار العبيد للتفاوت الطبيعي إكتسب العبيد طريقة لتوليد قيم جديدة للتغلب على شعورهم بالدونية تحت قيم أخلاق السادة .فيرى العبيد أن ضعفهم يمثل اختيار.كما أن الرجل الجيد في نظام أخلاق السادة يتحول إلى الرجل الشرير في أخلاق العبيد والرجل السيء في أخلاق السادة يمثل الخير في أخلاق العبيد .لذلك يقر نيتشه على ان الأخلاق و الخير والشر نسبيان فهي قيم تم توليدها بسبب الوصولية وغريزة البقاء.

ينتقد نيتشه أخلاق الدين والأديان وخاصة المسيحية باعتبارها قيم جردت الإنسان من قيمته العليا حيث نمثل أخلاق الإنحطاط وإرادة النهاية و المثالية المنحطة والذهاب نحو الخلاص .بينما هذه الأخلاق لا تساهم في تطور الإنسان.ويأتي نيتشه بمصطلح قوي وهو إرادة الحياة .فإرادة الإنسان عند نيتشه تمثل حريته ومن هنا يحدث نيتشه قطيعة إبستمولوجية مع الفلسفة الحديثة.ففلسفة العصر الثالث ربطت الإرادة الإنسانية ووضعتها تحت إرادة الخالق و قيدتها بأخلاق الواجب .لكن نيتشه يعتبر بأن الإرادة الحقيقية هي إرادة الحياة وهي إرادة تم نفيها بفعل أخلاق زائفة مستمدة من تعاليم المسيحية.فإذا كانت المثل الزهدية قد مارست قوتها بفعل إرادة المعنى الذي أعطاه لحياة الإنسان إلا أنه داخل هذه الإرادة قد تم إقصاء كل ما هو إنساني في الإنسان لذلك يدعو الإنسان للتخلص من كل التعاليم الأخلاقية والإنصات لإرادة الذات التي تعبر عن الروح الحرة التي لاتقيدها عادات . هنا نيتشه عمد إلى تخليص الإرادة الإنسانية من أية قيود وجعلها مرتبطة بنداء الذات .

كما نجد أن نيتشه قد إنتقد قيمة الحقيقة و اعتبرها قيمة وجودية حيث ينفي وجود حقيقة خالصة في ذاتها فالحقائق لاتعدو أن تكون في نهاية المطاف مجرد وهم مع الزمن وبفعل النسيان تتحرك هذه الأوهام إلى مستوى الحقائق . فالحقيقة هي جملة من الإستعارات والكنايات والمجازات اللغوية التي لا تعبر عن حقيقة الواقع . كما أن الإنسان تدفعه غرائزه وحقه في البقاء لاستخدام العقل من أجل إنتاج الأوهام بدل الحقائق وهكذا فما يدفع الإنسان لقول الحقيقة هو دفاعه عن استمراريته في الحياة. يقول نيتشه:"لقد وضع الإنسان للأمور أقدارها ليحافظ على نفسه فهو الذي اوجد للأشياء معانيها الإنسانية ."ص93 هكذا تكلم زرادشت.

المنهج الجنيالوجي عند نيتشه:

تبدو فلسفة نيتشه كمحاولة جازمة لنقد الفلسفات السابقة وهدم المثالية والميتافيزقا واستبدال مشكلة الوجود بمشكلة القيم . من هنا يمكن ان نذكر أهمية المنهج الجنيالوجي في فكر نيتشه .فهو يفكك الميتافيزقا ويهدمها بضربات المطرقة المتمثلة في النقد والتفكيك وهذا ما يتجلى في كتابه جينيالوجيا الأخلاق . يعتبر المنهج الجنيالوجي في فلسفة نيتشه منهجا ساهم في البحث في مسألة القيم وتعريتها من الأقنعة الأخلاقية والعادات والدين وفضح أصولها . فالمشروع النتشوي يتمثل في تدمير النظريات الأخلاقية وإعادة بنائها جنيالوجيا وذلك من خلال الغوص في الأعماق . حيث يقول :"قدري هو الذي أراد لي أن أكون أول إنسان مستقيم وأن أعي نفسي كنقيض لأكاذيب الآلاف من السنين ...إنني أول من إكتشف الحقيقة لأنني استطعت أن أرى إلى الكذب ككذب إشتممته ... عبقريتي في أنفي ... أناقض كما ليس لأحد أن يناقض ومع ذلك فأنا النقيض لكل عقل ناف.إنني رسول بشرى سعيدة ليس له من مثيل ولي خبرة بمهمات على درجة من السمو يعج عن وصفها الكلام إبتداءا مني أنا غدت هناك مجددا آمال."ص154 ويقول أيضا :"إنني أفظع إنسان من بين ما وجد إلى حد الآن لكن هذا لا ينفي أنني سأكون الأكثر إحسانا . أعرف لذة في التدمير تتناسب وطاقاتي التدميرية وأنا في كلا الأمرين خاضع لطبيعتي الديونيزية التي لاتفصل بين فعل النفي والإستجابة الإثباتية . إنني اللاأخلاقي الأول لذلك فأنا المدمر بامتياز ."ص155 هذا هو الإنسان. على هذا الأساس يمكن القول بأن الجنيالوجيا هي بالأساس دراسة النشاة للوقوف عند الأصل.فقد إنتقد نيتشه الأخلاق المستمدة من الدين والخير والشر وأصل الطيب والخبيث. من هذا المنظور يمكن القول أن التفكير الفلسفي الذي يفتتحه السؤال الجنيالوجي يسعى إلى هدم السائد وإعادة الخلق والتاسيس. من هنا يسعى مشروع نيتشه الذي يتمثل في قلب القيم المبني على أساس فضح السائد ومراجعته وإرجاع الظواهر والأشياء إلى أصولها . فالجينيالوجيا في هذا الإطار تعد منهجا نقديا للمسألة القيمية من حيث أصلها ومشروعيتها . فنيتشه بعد ان طبق هذا المنهج اكد على ضرورة تقويم القيم لما تمثله من أخلاق الإنحطاط وإرادة النهاية التي استطاع نيتشه فضحها بفعل الجنيالوجيا ومن خلال قوله:"لاتوجد أسطح جميلة من دون عمق رهيب".بناءا على هذا القول فالجنيالوجيا هي بمثابة أداة تفكيك ونقد ومراجعة لجل الأخلاقيات والعادات ووسيلة للنزول إلى الأعماق والتنقيب عن أصل الأخلاق والتمييز بينها وفضح للحداثة وما يسودها من إلتباسات و غموض.

خاتمة

إن كل من يتناول كتب نيتشه سيجد فيها إستتناءا كبيرا وفلسفة تحاول الخروج من التقليد . كما أن نيتشه سعى لوضع الأسس الوجودية للإنسان و تحدياته كإنسان . فإن فريدريك نيتشه يمكننا أن نقول أن فلسفته حاولت أن تخرج الإنسان من معاناته وإعطاءه حقه في الحياة و إطلاق العنان لرغباته . كما أن نيتشه حاول تعرية القيم وفضحها عن طريق  مطرقته التدميرية للخروج من مستنقع الإنحطاط كما يقول.من أجل التفوق عن الإنسان ليصبح إنسانا أرقى أو أسمى لذلك إنتقد الأديان وأخلاق العبيد والسياسة الأوروبية وثقافتها كذلك . وكل ما اعتبر حديثا في زمنه.وذلك لتعريتها وفضحها عن طريق الجنيالوجيا أو علم الأصول الذي اتخدها نيتشه منهجا للكشف عن الحقيقة الفضيعة المتخفية ما وراء الذي نظنه حقيقة .وكما يقول في كتابه هذا هو الإنسان :"أعرف قدري ذات يوم سيقترن إسمي بذكرى شيء هائل رهيب بأزمة لم يعرف لها مثيل عن وجه الأرض أعمق رجة في الوعي وحكم قرار حاسم ضد كل ما ظل عقيدة وواجبا وقداسة حتى الآن. فأنا لست إنسانا بل عبوة ديناميت ومع هذا كله ليس في ما يمت بصلة إلى مؤسس ديانة.فالأديان شان الرعاع و إني لأشعر بالحاجة إلى غسل يدي بعد ملامسة المتدينين ... لاأريد أن أكون قديسا بل أفضل أن أكون مهرجا ... إذ ليس هنالك إلى حد الآن أكثر كذبا من القديسين . فالحقيقة هي التي تنطق من خلالي لكن حقيقتي فظيعة ذلك أن الكذب هو الذي ظل يدعى حقيقة حتى الآن ."ص153


المصادر

إسم الكتاب المؤلف المترجم دار النشر الطبعة
هكذا تكلم زرادشت فريدريك علي منشورات 2011
هذا هو الإنسان نيتشه مصباح الجمل 2006
نيتشه والوجودية محمد الشربيني فاروس للنشر والتوزيع 2016

إضافة إلى مقالة حول المنهج الجنيالوجي لنيتشه لخديجة المسعودي