مستخدم:Saee for awqaf development/ملعب
#مقالات_ساعي بعنوان (اهتمام المملكة العربية السعودية بالأوقاف)
[عدل]حظيت الأوقاف باهتمام المملكة العربية السعودية منذ طويل الآمد انطلاقاً من تطبيقها لشرع الله في جميع مناحي الحياة، باعتبار المكانة العظيمة التي تحظى بها الأوقاف في شرع الله، فهي من أعظم سُبل الإنفاق في سبيل الله وأعظمها أجراً، وأدومها نفعاً وأبقاها أثراً، وتمتد منافعها لتشمل المُنْفق والمُنفَق عليه، وتشمل الفرد والجماعة، وتشمل المجتمع بأسره، وتشمل الجوانب المادية للإنفاق من سدّ حاجة الفقراء والمساكين والمحتاجين، والجوانب المعنوية من التكافل والترابط وإشاعة المحبة بين أفراد المجتمع، وبالحملة فإنها تشمل خيري الدنيا والآخرة.
وعناية المملكة بالأوقاف تنطلق كذلك من مكانتها الكبيرة في نفوس المسلمين، باعتبارها مهبط الوحي، ومنطلق الرسالة الخاتمة إلى جميع الناس، وموئل الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين في كل مكان، مما يضعها في موضع الريادة والقدوة والأسوة الحسن للمسلمين في كل مكان في هذا المجال وفي جميع المجالات الشرعية، فإليها دائماً يتطلعون، وبها يقتدون، وإلى رحابها تهفو نفوسهم وأفئدتهم، ومن شرع الله الذي نزل على أرضها ينهلون، وبأفعال الخير والمعروف الذي تقدمه هنا وهناك يتأسون.
كان اهتمــام المملكــة جليــاً مــذ البدايــات فــي مجــال الأوقاف، حيث يتضح اهتمام الدولة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – بأمور الأوقاف والعناية بها حيث كانت شؤون الأوقاف ملحقة بالمحاكم الشرعية حتى أُنشئت لها إدارة خاصة، واستمرت العناية بالأوقاف حتى أُنشئت وزارة الحج والأوقاف عام 1381هـــ – ثم خُصص للحج وزارة مستقلة، وأُنشئت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – وتولاها معالي الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي كأول وزير للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
كما صدر نظام مجلس الأوقاف الأعلى الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/35 في 18/7/1386هــــ، وقد اشتمل هذا النظام على تنظيم لمجالس الأوقاف الفرعية في مناطق المملكة، وكان لهذا النظام الأثر الطيب في متابعة الأمور المتعلقة بالأوقاف والمحافظة عليها وطرق استغلالها وتنميتها.
واستمراراً لجهود الدولة في إضفاء الطابع المؤسسي على العمل الوقفي، صدر الأمر بإنشـاء الهيئة العامـة للأوقاف بموجـب المرسـوم الملكـي رقـم م/11 بتاريـخ 26/2/1437هـ، و هـي هيئـة عامـة ذات
شـخصية اعتبارية مســتقلة تتمتــع بالاستقلال المالــي والإداري، وترتبــط برئيــس مجلــس الـوزراء، وتهـدف إلـى تنظيـم الأوقاف والمحافظة عليهـا وتطويرها وتنميتها بمـا يحقـق شـروط واقفيهـا ويعـزز دورهـا فــي التنميــة الاقتصادية والاجتماعية والتكافــل الاجتماعي. فوفقاً لإحصائيات عام 2020م، بلغت قيمة الأصول التي تسلمتها الهيئة العامة للأوقاف نحو 54 مليار ريال (14 مليار تديرها إدارة الهيئة العامة للأوقاف، 40 مليار ريال تديرها الجهات الأخرى)، فيما تسجل محاكم المملكة أكثر من 600 وقف سنوياً. وبحسب التقسيم الجغرافي، تعتبر أوقاف الحرمين الشريفين أكبر بقعة في العالم تحتضن الأوقاف الخيرية والذرية.
وبالنظر لخريطة الأوقاف بالمملكة، يُشكل العقار نحو 80% من إجمالي الأوقاف العامة، في حين أن 54% من الأوقاف في المملكة العربية السعودية هي عبارة عن أراض بيضاء، 19% من الوقف يذهب للأضاحي، 4% لبناء المساجد ورعايتها، و 0.5 % يُصرف لتعليم الجامعات.
تجسد الأرقام السابقة الأهمية الحيوية لهذا القطاع ودوره في تعزيز الاقتصاد الوطني، كما أن حجم الأوقاف المتوقع في 2030 هو 348.75 مليار ريال، وذلك حسب تقرير إقتصاديات الأوقاف الصادر من غرفة الشرقية لعام 2020.
وبما أن قطاع الأوقاف من القطاعات المهمة؛ فإنه لم يغب عن رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ حيث استهدفت «رؤية 2030» رفع مساهمة الوقف في الناتج المحلي الإجمالي
من 1 في المائة إلى 5 في المائة، وهذا يؤكد أن « رؤية 2030» تعمل على تفعيل موارد الدولة والارتقاء بأدائها.
ومن المعلوم أن حجم الأوقاف في المملكة العربية السعودية يُعد الأضخم في العالم الإسلامي؛ وبناءاً على التقديرات المتوافرة، فإن المجال الوقفي في المملكة في ارتفاع مطَّرد. ويُقدر عدد المشاريع الوقفية القائمة في المملكة بما يزيد على 120 ألف مرفق أو عقار، تتصدرها أوقاف الحرمين الشريفين في الداخل والخارج، وقد شهدت السنوات القليلة التي خلت حزمة من العمل المؤسسي القائم على الفهم العميق للدور النهضوي للوقف ضمن أطر تدعمها الدولة، وتحرص على الوقوف على مسافة موازية وأمينة بينها وبين الجهد المجتمعي والأهلي.
وتتنوع الأوقاف في المملكة العربية السعودية ما بين أوقاف صحية وأوقاف تعليمية واجتماعية. فلقد اعتمدت بعض جامعات المملكة على نظام الوقف العلمي لدعم مشاريعها، ومنها جامعة الملك
سعود التي يبلغ حجم أوقافها (4.9 مليار ريال سعودي)، كما يبلغ حجم أوقاف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (7 مليار ريال سعودي)، ويبلغ حجم أوقاف الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (2 مليار ريال). وفي مجال الأوقاف الصحية، تم إنشاء صندوق الوقف الصحي، وهو أول صندوق وقفي صحي مستقل في السعودية وهو شريك استراتيجي مع وزارة الصحة، ويهدف إلى إشراك المجتمع في تحقيق تنمية صحية مستدامة، ويشمل في إدارته الأهالي وممثلي عدد من الجهات الحكومية. تلقى صندوق الوقف الصحي أكثر من مليار ريال خلال أزمة جائحة كورونا، مقدمة من 35 شركة وطنية، منها 500 مليون من شركات الطاقة، و160 مليوناً من البنوك، و67 مليوناً من التأمين.
كما يأتي إهتمام الدولة بالأوقاف من خلال مؤسساتها المختلفة، حيث تعمل غرف التجارة والصناعة بمحافظات الرياض المختلفة ممثلة في لجنة الأوقاف على ترسيخ ثقافة الأوقاف لدى القطاع الخاص ورجال الأعمال، والمساهمة في زيادة عدد الاوقاف بأنواعها المختلفة، وإقامة الفعاليات التي تدعم القطاع الوقفي من خلال عقد ورش العمل والدوارات التدريبية للقائمين على الأوقاف وذلك بمشاركة واسعة من الخبراء والمختصين من القطاعين العام والخاص.
ولم يقتصر اهتمام المملكة بالدعم المالي الحكومي بسياسات وإجراءات الحوكمة والرقابة والإفصاح للجهات الوقفية، بل امتد ليشمل المنشــآت والمرافــق، الخطــط الإستراتيجية والتشــغيلية، كما امتد ليشمل تطويــر منتجــات وخدمــات وقفيــة، تطويــر أتمتــة العمليــات وتكاملهــا، تطويــر آليــات تســهيل إجــراءات تســجيل الأصول، تحديــث الأنظمة واللوائــح، إيجــاد فــرص اســتثمارية لتعظيــم عوائــد الأوقاف، وتنمية الموارد البشرية والمالية للجهات الوقفية. كما برزت التوجهات الوقفية الحديثة في دعم الشراكات الاستراتيجية مثل الشراكات مـع القطـاع الخـاص لخصخصـة بعـض الأصول، وشـراكات مع مكاتـب استشـارية متخصصـة، وشـراكات مــع جامعــات ومعاهــد علميــة، وشــراكات مــع المنظمــات الدوليــة.
لقــد كانــت الأوقاف ولا تــزال جــزءاً لا يتجــزأ مــن المجتمــع الإسلامي علــى وجــه العمـوم ومـن المملكـة العربيـة السـعودية علـى وجـه الخصـوص، وبفضـل الفـرص التــي توفّرهــا رؤيــة المملكــة 2030 فــي الوقــت الراهــن، أصبحــت عوامــل التطــورّ كبيـرة أمـام قطـاع الأوقاف لترسيخ مكانته الحيوية في أن يصبح مسـاهماً رئيسـياً فـي القطـاع غيـر الربحـي. إن قطاع الأوقاف في المملكة قطاع واعد، وتنتظره آفاق
واسعة من التطوير والتنمية، خصوصاً بعد تأسيس الهيئة العامة للأوقاف وجهودها الرامية إلى إعادة هيكلة القطاع وتطوير أنظمته والتوجه لتنويع استثمارات الأوقاف، وإعداد استراتيجية الهيئة بما يتواكب مع أهداف رؤية المملكة 2030.