مُنذُ أن أدرَكَ الإنسان مفهوم الوقت وأنّ الحاضرَ والماضي شيئان مُختلفان بَدأ يسعى لمَعرفة الوقت باستخدام وسائل مُختلفة، وعمل على تطويرها وتَحسينها إلى أن اخترعَ الساعة؛ فالساعة هي أداة معرفة الوقت وقِياسه، وقد بدأ ظهورها عند اليونانيين والرومان، وفي العصور الوسطى ظَهرت عند المسلمين، فتمّ تَطويرها إلى أشكالٍ وأحجامٍ مختلفة، فظهرت ساعات اليد، وساعات الحائط، والساعات المنبّهة، إضافةً إلى الساعات التي يحملها الأشخاص في رحلاتهم والتي تُدعى الساعة النقالة.
لا يُمكن القول بأنّ هناك مُخترعاً وحيداً اخترع الساعة؛ إذ اجتهَدَ الإنسان منذ أقدم العصور في اختراع الساعة وتَطويرها من شكل إلى آخر؛ حيث إنّها الوَسيلة الوحيدة لقياس الزمن ومعرفة الوقت والتقويم. كان السومريّون هم أوّل شعوب الأرض التي اهتمّت في الوقت، فقد نجحوا في حسابِ السنة من خلال الشمس؛ حيث تتبّعوا حركة الشمس منذ شروقها في اليوم الأوّل إلى شروقها في اليوم الذي يليه، وتبعاً لذلك قسّموا العام إلى اثني عشر شهراً، واعتمد المصريّون على القمر لتَحديد الزّمن وبالتالي قسّموا العام إلى 365 جزءاً وهو المعروف حاليّاً بعدد أيّام السنة. كان للعرب المسلمين دورٌ كبيرٌ في اختراع الساعة الرملية والساعة المائية، وأبدعوا أيضاً في اختراعهم للساعة الرخامية التي كانت تَنطق الوقت بصوتٍ مَسموع، وكانت الساعة التي أهداها الخليفة هارون الرشيد لقارلة الفرنجي من أشهر الساعات المُبتكرة على يد المسلمين، وفي القرن الرابع عشر اختُرعت الساعة الميكانيكية تليها الساعة الكهربائية، ثم الساعة الذرية والكوارتز، أمّا الساعة البندولية الدقيقة فكانت من اختراع الهولندي كريستيان هيوغينز في عام 1656م، وجاء المُخترع جورج غراهام من بعده وطَوّرها بتصحيح الأخطاء البسيطة فيها، وفي القرن العشرين من العصر الحديث اختَرَع المُهندس الكندي ووارين ماريسون ساعة الكوارتز ثلاثية العقارب.
ظَهرت أدواتٌ غَريبة على مرّ العصور لمعرفة الوقت وقياسه، فقد كانت الحضارات القديمة مثل الصينية واليابانية والفرعونية من أوائل الحضارات المُخترعة لِآلات حساب الزمن، إلّا أنَّ الصينيين كانوا يَعتمدون على أغرب هذه الآلات لمَعرفة الوقت؛ ففي القرنِ الرّابع عشر الميلادي استخدم الصينيّون ساعاتٍ من البخور. قبل أن تظهر الساعات في شكلها الحالي والمتعارف عليه الآن كانت الحضارات القديمة تستخدم سبلاً مُختلفة لمَعرفة الوقت مثل: الاعتماد على الأجرام السماوية والماء، وسعى الإنسان على مرّ العُصور إلى تحديد الوقت بأيّ أداةٍ مُتوفّرة ممّا يَكشف عن عبقريّته الكامنة وراء اختراع الساعة؛ فقد لا يُصدّق بعض الناس أنّ الإنسان القديم تَعلّمَ معرفة الوقت وصَنع الساعات عن طريق ملاحظته ودقة انتباهه إلى الدورات الطبيعية مثل دورة الشمس ودورة القمر والفصول الأربعة.
تُعدّ الساعة الشمسية من أقدم الساعات التي كان الناس يَعتمدون عليها في مُلاحظاتهم للدّورات الطبيعيّة التي تحدث في السماء، وكانت هذه الساعة عبارة عن شواهد صخريّة أو دوائر عِملاقة مصنوعة من الحجر أو أيّ مادّةٍ أخرى؛ بحيث كان الهدفُ منها هو تحديد تَعاقُب الفُصول الأربعة أو حَركة النجوم في السماء، وتكمُن وظيفة هذه الشواهد الصخريّة أنّه في وقتٍ مُعيّن من السّنة تكون الشمس والقمر على خطٍّ واحدٍ مع بعض الصخور، وبِحُدوث ذلك يُدرك العُلماء أنّه قد بدأ فصلٌ جَديد من فصولِ السنة. إنّ تَقسيم الأيّام إلى ساعات لَم يكن يَخطُر على بالِ البشر إلّا منذ ما يقارب 4000 سنة مضت، فقد تمّ تقسيم اليوم إلى أربعٍ وعشرين ساعة عن طريق البابليين، وهم الّذين ابتَكرو الساعة الشمسيّة التي كانت عبارة عن دائرةٍ عليها علامات مُحدّدة تُبيّن الساعات بين شروق الشمس وغروبها، وفي وسط هذه الدائرة تنغرس ساق خشبيّة يقع ظلّها على العلامات المرسومة ومع حركة الشمس عبر السماء يتحرّكُ ظلّ الساق ويُشير إلى الوقت، وقد كانت فائدة الساعة الشمسية تتوقّف على الأيّام المُشمسة؛ حيث إنّها لن تعمل في الأيّام غير المُشمسة أو في الليل.
أدرك المصريون القدامى منذ نحو 3400 سنة أن تدفق الماء من ثقب صغير في وعاء ممتلئ بالماء يحدث بمعدل ثابت، وبإدراكهم لهذه النقطة الهامة تم اختراع الساعة المائية، حيث كان الماء في هذه الساعة يتدفق من ثقب قريب من قاع إناء من الحجر تاركا علامات على جدران الوعاء، وهذه العلامات المحفورة على الجدران هي التي تبين الساعات، حيث يعرف الناس الوقت عن طريق النظر إلى كمية الماء المتبقية في الوعاء.
ومع بداية القرن الرابع عشر بدأ استعمال الساعة الرملية فقد كانت تعمل بنفس طريقة عمل الساعة المائية، والساعة الرملية بشكلها البسيط هي عبارة عن انتفاخين زجاجيين متصلان من خلال عنق صغير في الوسط، تنساب الرمال من الانتفاخ الزجاجي العلوي إلى الانتفاخ الزجاجي السفلي، وبانتقال الرمال من الجزء العلوي يدرك المراقب أن فترة زمنية معينة قد مضت.
منذ ما يقارب 700 عام ظهرت الساعة الميكانيكية في أوروبا؛ حيث كانت هذه الساعات قائمةً في عَملها على استِخدام أوزانٍ هابطة وصاعدة لمَعرفة الوقت المُنقضي وذلك عن طريق أحد التروس الذي يتحرّكُ باستمرار حتى يُطلق رنين الجرس، وباستماع أحد الرهبان أو رجال الدين لهذا الرنين يُدرك أنّ وقت الصلاة حان فيتمّ الاجتِماع لأدائها. لم تَكن السّاعات الميكانيكيّة القديمة تَذكُر الوقت حيث لم تكن بها عقارب كما هو الحال الآن، وإنما كانت تُطلق إشارةً مُعيّنة عند مرور ساعة كاملة، إضافةً إلى أنّ هذا الأمر لم يكن على مستوىً عالٍ من الدقة؛ إذ كانت تتأخّر عن إطلاق الإشارة ما يُقارب 15 دقيقة في كل يوم.
عُرف هذا النوع الغَريب من الساعات في الصين واليابان وذلك في القرن السّادس للميلاد، وبَقي مُستخدماً حتى بدايات القرن العشرين، وكانت هذه الساعة مُكوّنة من عصا بخور له قِياسات مُحدّدة إضافةً إلى وجود مجرى محفور كالمتاهة يحتوي على عدّة أنواع من البخور، وبإشعال عود البخّور من طرفه فإنه لن يَنتهي إلّا بعد مرور ساعة، وعندما تتغير رائحة البخور يدرك النّاس أنّ ساعةً من الزمن قد مضت.
ابتكر عالم الفلك والمُهندس الصيني سوسونج ساعةً فلكيّةً تُدار بالماء خلال القرن الحادي عشر؛ حيث يتمّ تَدويرها باستخدام ساقية ارتفاعها تسعة أمتار ووزنها عدّة أطنان، وكانت هذه الساعة تُبيّن حركة الشمس والقمر والنجوم،واستخدم في هذه الساعة تقنية الميزان إضافةً إلى سلسلة نقل الحركة التي تُدير الحركات، وفي بداية القرن الثاني عشر طوّر الفلكيّون المُسلمون هذه الساعة واستَخدموها في المَساجد، ومن أشهر من ساهم في عمليّة تطويرها الجزري وابن الشاطر وأبو الريحان البيروني، وتعود الساعة الفلكية في تاريخها إلى عام 2500 قبل الميلاد حيث كانت الفترة فيها تنقسم بين الغسق والفجر إلى 12 ساعة، واليوم كان مقسّماً إلى 24 ساعة، كما قُسمت الساعة إلى 60 دقيقة.
كانت هناك أدوات توقيت عجيبة عبر التاريخ؛ فكانت للمَلك الإنجليزي ألفريد الكبير في أوائل القرن التاسع الميلادي ساعة مصنوعة من شمعات عددها ستة، وطول كلّ واحدة منها ثلاثون سنتيمتراً، وكان الخدم في قصره يُشعلون الشّموع على مدار اليوم، كُلّ شمعةٍ يتمّ إشعالها إثر الأخرى؛ حيث كان احتراق كل شمعة يستغرق حوالي ثماني دقائق لكل سنتيمتر، وبِذلك تستغرق الشمعات الست 24 ساعة، وفي عام 1354م أكمل صانعو السّاعات في كاتدرائية ستراتسبورج صناعة ساعةٍ ميكانيكيّة قادرة على تقديم عرض فني؛ حيثُ تعزف أجراسها نشيداً ما، وعندها تدور الشخصيّات الدينية حول الساعة، بالإضافة إلى وجود ديك يرفرف ويصيح عند مرور كل ساعة، وتوجد هذه الساعة في فرنسا الآن ولم يتبقّ منها سوى الديك. من الساعت العَجيبة أيضاً ساعة الفيل والتي صَنعها الحرزي؛ وهي عِبارة عن ساعةٍ مائيّة كانت تضبط الوقتَ مرّتين في اليوم عند شروق الشمس وعند الغروب، وهي على شكل فيلٍ ضخم، يعلوه بيت صغير، ويقود الفيل رجال آليون، ويوجد تنين وطائر العنقاء، وقد دمجت هذه الساعة في تصميمها حَضارات العالم القديم؛ حيث يُمثّل الفيل الحَضارة الهندية، ويُمثّل التنين الحضارة الآسيوية، أمّا طائر العنقاء فيُمثّل الحَضارة المصريّة القديمة.