انتقل إلى المحتوى

نقاش:أحمد بن علوان

محتويات الصفحة غير مدعومة بلغات أخرى.
أضف موضوعًا
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أحدث تعليق: قبل 5 سنوات من شرعب السلام في الموضوع جبا
مشروع ويكي أعلام  
أيقونة مشروع الويكيالمقالة من ضمن مواضيع مشروع ويكي أعلام، وهو مشروعٌ تعاونيٌّ يهدف لتطوير وتغطية المحتويات المُتعلّقة بمقالات الأعلام في ويكيبيديا. إذا أردت المساهمة، فضلًا زر صفحة المشروع، حيث يُمكنك المشاركة في النقاشات ومطالعة قائمة بالمهام التي يُمكن العمل عليها.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الجودة الخاص بالمشروع.
 
مشروع ويكي اليمن  
أيقونة مشروع الويكيالمقالة من ضمن مواضيع مشروع ويكي اليمن، وهو مشروعٌ تعاونيٌّ يهدف لتطوير وتغطية المحتويات المُتعلّقة باليمن في ويكيبيديا. إذا أردت المساهمة، فضلًا زر صفحة المشروع، حيث يُمكنك المشاركة في النقاشات ومطالعة قائمة بالمهام التي يُمكن العمل عليها.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الجودة الخاص بالمشروع.
 ؟؟؟  المقالة لم تُقيّم بعد حسب مقياس الأهمية الخاص بالمشروع.
 
سيرة الشيخ أحمد بن علوان اليماني الذاتية والعلمية والعملية والفكرية والفلسفيةالصوفية .
  بقلم :د. عبدالله محمد الفلاحي 
  اليمن . جامعة إب 
يمثل التصوف ثالث أركان الفكر العربي الإسلامي الخاص بعد الفقه، وعلم الكلام، مهما قيل عن مصادر له غير المصدر الإسلامي الصرف، ومهما صدقت تلك الآراء، وتباينت وجهات نظر أصحابها، فهو لم ينبت إلا على فكر الإسلام، ولم ينم ويزدهر إلا في الواقع الإسلامي منذ بدء الدعوة وحتى يومنا هذا.

وقد اختلف في تعريف التصوف: بين قائل باشتقاقه من لبس الصوف أو نسبة إلى صوفانة "عبد الكعبة"، وقائل أنه مشتق من الصفاء والنقاء، أو الصفة أو من كلمة "صوفيا" اليونانية، أو من "الصفو والمراد بها صفو قلوب التقوى، وانشراح صدورهم، ورضاهم بما يجزيه الله عليهم ثم انهم مع الله في صاء لا يشوبه شاغل، وهم بما اطلعهم الله عليه قد صفوا من الكدر"( ) فكل الاختلافات في تعريفاته أو مصادره، أو تاريخ نشأته ليست مجال دراستنا، ولا من صميم موضوعاتنا *، ولكن ما نستطيع الادلاء به هنا، بتعبير معاصر: أن التصوف بما هو فكر يمثل بجانبه النظري: أدباً رمزياً فنياً مفلسفاً، أو نزعة فردية انسانية، أو فلسفة أدبية فنية. وأنه عندما بدأ في مرحلته الأولى عملياً إنما عكس صفحة تتجلى فيها روحانية الإسلام، ومثل تفسيراً عميقاً له، وذلك بنشأة الزهد والزهاد، وحتى تمحوره في نظرية أخلاقية متكاملة، تجلت بوضوح لدى أبي حامد الغزالي في القرن الخامس الهجري. والتصوف بوصفه منهج للمعرفة بدأ من عند حد عجز التفسير الحرفي للنص عن الاقناع، بمعنى عندما تخطى حرفية النص لأقيسة الفقهاء في منهجه الذوقي مثلما كان الاشراق تخطياً لواقعية المنطق أو لأقيسة الفلاسفة، والمناطقة. أو "حينما جاء بإشباع للعاطفة، وتغذية للقلب في مقابل التفسير العقلي الجاف الذي وضعه المتكلمون، والفلاسفة، والتفسير الظاهر الذي وضعه الفقهاء"( ) وحينما بدأ التصوف يتخذ من القضايا الفلسفية موضوعاً له، كان قد بدأ في أول الأمر تدريباً نفسياً، وتصفية روحية، وفيه شيء خفيت بين السطور من علم الكلام، والعقائد، وفيه أصول راسخة من باطن القرآن الكريم، وإشاراته الخفية المستورة، وفيه أمشاج من لوامع الفلسفات الحدسية، وأمشاج من رموز الفلسفات المثالية، وأمشاج من فيثاغور، وأفلاطون، وأفلوطين. وقد اعتمد في بناء منهجه أولاً على التقشف، والزهد، وعلى تصفية النفس كمرحلة ابتدائية، ومدخلاً إلى استلهام الحق من نور انوار الحق في الحضرة الربانية( ). ومع كل ذلك فان التصوف عندما دخل ميدان البحث في القضايا الفلسفية كان بمنهج ذوقي، حدسي، كشفي، وجداني، يعد حلاً لكل تناقضات المنطق، وتخرصات أو عجز استدلالاته( ). وبنظرة شمولية إلى التصوف نجده يمثل وعياً خاصاً بالحياة، وبالعالم، والإنسان( )، ومنهجاً خاصاً في المعرفة الإنسانية، والمعرفة الإلهية، مهما اقترب ذلك من المنهج الفلسفي أو بَعُدَ، مع ما تضمنه في مراحل تطوره المتتابعة من فلسفة عملية، مثلت نظرية في السلوك، والأخلاق، والتربية المليئة بالمبادئ، والمفاهيم الخلقية السامية المعبرة عن روح ونقاء الإسلام. حيث ارتبط العلم فيه بالعمل، والنظرية بالتطبيق. وليؤكد بفلسفته العملية على أهمية الجانب الروحي في حياة الإنسان أو لنقل إعادة التوازن المفقود بين الجانب الروحي، والمادي، لتشاغل الإنسان بالدنيا، وتناسيه الآخرة، فجرت النفوس تلهث وراء الأطماع، والشهوات، وأهملت ما يؤكد صلتها بخالقها. فكان التصوف هو الرد المناسب، والموقف الطبيعي تجاه ما يجري بصورة لا طبيعية في حياة البشر، على المستويين العام والخاص . إن حياة قوامها تطهير النفس، وجلاء القلب، ودعامتها النظر إلى الكون بعين الوحدة التي تزول معها التفرقة بين أفراد الإنسان، وغايتها المعرفة اليقينية والسعادة الحقيقية، حياة هذا شأنها خليقة أن تبعث من جديد، في ظل ظروف استحالت فيها حياة الأفراد والجماعات، إلى تهافت على الترف الحسي، وإمعان في شهوة الغلبة والسيطرة"( )، وترد مستمر لأوضاع الأمة العربية الإسلامية، وانفلات زمام المبادرة من يدها، فصرنا بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى. وتحقيق هذا الهدف يأتي من خلال تضافر جهود الباحثين لدراستها، ودراسة شخصيات ورموز هذه الحياة الخاصة وانجازها الفكري العظيم، والتي مثلت الأقطاب الأساسية للفكر الصوفي الفلسفي في عالمنا العربي الإسلامي، ومن خلال إنتاجهم العلمي والفكري، والكشف عن العناصر الخلاقة، والجديرة بالبقاء فيه، بما يمكننا من الارتفاع إلى مصاف الأهداف العليا للأمة، هذا على المستوى العام. أما على المستوى الخاص، فإن التصوف كمذهب نشأ في ظل الفكر العربي الإسلامي، لم يحدد تاريخاً قاطعاً لبدايته، وبالتالي لا يمكن وضع تاريخ معين لنهايته عند هذه الشخصية، أو تلك، أو هذا القرن أو ذاك. فإذا كان القرنان الثالث والرابع الهجريان قد مثلا البداية الفعلية لظهور فلسفة صوفية من طراز جديد، قوامها الخروج نحو آفاق جديدة في البحث الصوفي والمتمثلة بتناول قضايا فلسفية، وبمنهج صوفي كما هو حال البسطامي( )، والجنيد( )، والحلاج( )، والشبلي( )، واكتمالها بصيغة فلسفية صوفية لدى الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي( ) في نهاية القرن السادس، وبداية القرن السابع الهجريين، فإن نهاية القرن السابع الهجري وما بعده قد مثل الامتداد، والعمق لتلك الفترات السابقة، يتضح ذلك من خلال انتشار، وامتداد الفكر الصوفي، وطرقه إلى أكثر من مكان من عالمنا العربي الإسلامي، ومنه اليمن موطن شخصيتنا الصوفية الفلسفية محور رسالتنا. وبروز العديد من الشخصيات التي سبقت أو عاصرت ابن عربي أو تبعته، كالسهروردي( )، وابن الفارض( )، أو أدركته كالشيخ أحمد بن علوان والششتري( )، وابن سبعين( )، الذين مثلوا جسر عبور للفكر الصوفي إلى ابن عطاء الله السكندري( )، وعبدالكريم الجيلي( )، من رواد القرن الثامن الهجري وما بعده. لذلك يمكننا القول أن الشخصية الصوفية،- موضوع دراستنا هذه-، ليست إلا صورة من صور الامتداد لمدرسة البسطامي، والجنيد، والحلاج، السهروردي، وليس إلا شيخاً لطريقة صوفية هي خلاصة للعديد من الطرق الصوفية الشهيرة الطريقة القادرية، والشاذلية، والرفاعية، والبدوية، التي عرفت أو انتشرت في اليمن بصفة خاصة في القرنين السادس والسابع الهجريين كما سنرى. وعلى العموم ، فلا يذكر التصوف في اليمن، إلا ويذكر معه الشيخ أحمد بن علوان، على الرغم من وجود أقطاب وأعلام آخرين للتصوف في اليمن من مشايخه ومعاصريه، أو ممن لحقوا به ، لكنهم أقل انتاجاً فكرياً منه، أو أن مؤلفاتهم هي أيضاً لم تظهر أو تنتشر باستثناء البعض منهم ، مثل (اليافعي) الذي ذاع صيته بفضل انتشار مؤلفاته خارج اليمن، وفي الحواضر العربية والاسلامية الأخرى وبعض مشايخ الصوفية في حضرموت الذين انتشروا خارج اليمن، في شمال افريقيا وشرق آسيا ، والحجاز وغيرها، أو ذاع صيتهم بفعل انتشار مؤلفاتهم خارج اليمن عامة، ومؤلفاتهم الفقهية والتفسيرية والصوفية بصفة خاصة بفعل التجارة والترحال في تلك البلدان . ووفقاً لما سبق ، فلم يلمع في سماء اليمن اسم في التصوف كما لمع اسم أحمد بن علوان – باستثناء عبدالرحمن العيدروس، واسماعيل الجبرتي من متصوفة القرن الثامن الهجري الذي انتشر بفضل ظهور تلميذه عبدالكريم الجيلي- حيث عد الشيخ أحمد بن علوان إماماً لمتصوفة اليمن في زمانه، فلقب بسلطان العارفين، وإن كانت الظروف الجغرافية والسياسية والاجتماعية، وحالة العزلة الثقافية التي شهدها اليمن حينذاك، قد حالت دون شهرة الشيخ أحمد بن علوان خارج اليمن، فإن عدداً من أقطاب التصوف الإسلامي من معاصريه، واللاحقين عليه خارج اليمن يعرفونه حق المعرفة ويربطون التصوف في اليمن وفي القرن السابع الهجري حصراً باسمه( ). أولاً: سيرته: سبقتنا ترجمات ثلاث نظن أنها شبه متكاملة لسيرة حياة الشيخ أحمد بن علوان من قبل الباحثين المعاصرين: الأولى: للباحث حمود القيري في مقدمة تحقيقه لديوان وكتاب الفتوح، والثانية: للأستاذ عبدالعزيز سلطان طاهر، في مقدمة كتب الشيخ أحمد بن علوان التي حققها وهي (ديوان وكتاب الفتوح، والتوحيد الأعظم، والمهرجان والبحر المشكل) والثالثة للباحث عبدالكريم القدسي في رسالته للماجستير الموسومة (التصوف عند ابن علوان قضاياه وإشكاليته). وكان حري بنا أن لا نعيد مثل تلك الترجمة إلا القليل منها بهوامش صفحات دراستنا باختصار شديد، ولكن لقلة انتشار تلك المؤلفات والدراسات في المكتبة العربية عموماً، ولغياب بعض من أهم ملامح سيرة الشيخ من هذه الترجمة خصوصاً، فقد آثرنا أن نقدم ترجمة موجزة ومركزة لسيرة الشيخ أحمد بن علوان، في ضوء البيئة الفكرية التي عاشها، وأثرها في طبيعة فكره الصوفي وطريقته الصوفية، فضلاً عن أعماله ومنهجه وأسلوبه في مؤلفاته ، واضعين بين أيدينا تلك الدراسات السابقة الذكر ومقارنتها بالمصادر الأساسية التي تم اعتمادها منهم واستقاء معلوماتهم منها، واحضار ما كان غائباً منها لإجراء التحليلات والمقارنات المناسبة في كل موقف يتطلب ذلك. ومنها: (تاريخ الجندي، واليافعي، والخزرجي، والموزعي، والبريهي، والشرجي، والأهدل، والنبهاني، والعقيلي، وجرادة، والحبشي، وغانم، والبردوني، والمقالح ، وغيرهم)*، بغية الوصول إلى أكثر الأفكار قرباً من الحقيقة عن هذا الشيخ والفيلسوف الصوفي من هذه المصنفات والبحوث والدراسات. فهو الشيخ العارف بالله سلطان العارفين، أبو يزيد المعاني، والجنيد الثاني، تاج الأصفياء، ونقطة بيكار الأولياء، بحر الحقائق الربانية، ومعدن الحقائق العرفانية مولانا وسيدنا وبركتنا أبو العباس أو أبو الحسن صفي الدين أحمد بن علوان بن عطاف بن يوسف بن مطاعن بن عبدالكريم بن حسن بن إبراهيم بن سليمان بن علي بن عبدالله بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عبدالله بن عيسى بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط علي بن أبي طالب كرم الله وجه، ورضي الله عنه، بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم( ) ويلقب جوزي اليمن، ولعل إضافة هذا اللقب إليه يرجع لانتهاجه في كلامه أسلوب الوعظ والتوجيه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر على غرار ابن الجوزي( ). ولد الشيخ أحمد بن علوان بقرية عقاقة أو بقرية ذي الجنان، الأولى برواية الخزرجي( ) والثانية برواية الجندي( )، وربما هما اسمان لقرية واحدة. حيث مازال الاسم الأول يطلق على إحدى قرى جبل اذخر على حد قول عبدالعزيز سلطان( ). وهي في عزلة بني عيسى التابعة لمديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، وتقع في منتصف المسافة بين وادي الضباب، وبين يفرس( ) القرية التي توفي الشيخ أحمد علوان فيها. أما عن ولادته، فلم يذكر الدارسون القدامى أو المحدثون بشكل دقيق تاريخاً محدداً لولادة الشيخ، ولكن ما بأيدينا من هذه الدراسات تستند إلى وترجح بعض الأقوال قياساً على الأحداث السياسية وتواريخها لحكام بن رسول بعد بني أيوب، وموقع الشيخ ووالده منها. حيث رجحت ميلاده بين الفترة من (585-590هـ) (1189-1193م) مستدلين بوفاة والدته عام (600هـ-1204م). أو أن ولادته كانت في زمن الملك المسعود آخر ملوك بني أيوب، الذي وصل إلى اليمن عام (612هـ-1216م) ووفاة والده الذي كان يعمل كاتباً لهذا الملك عام (625هـ-1228م) أي بعد ولادة الشيخ بقرابة ثلاثين عاماً حيث كان في ريعان شبابه، ومقتبل عمره يبحث عن عمل مناسب مكان أبيه، وبذلك تكون الأعوام(585، 586، 587، 588، 589، 590هـ) هي الأعوام المحتملة لولادة الشيخ أحمد بن علوان، أو في إحداها على أرجح الروايات، وأكثر المصادر قرباً من عصره( ). في حين تجمع كل المصادر والدراسات التي أشارت أو تناولت الشيخ أحمد بن علوان بالبحث والدراسة على تاريخ وفاته، بأنه كان في ليلة الاثنين لعشرين خلت من شهر رجب (665هـ) الموافق 16 أبريل 1267م رغم ترجيح بعض الروايات الأعوام (668هـ أو 669هـ) (1270-1271م) تاريخاً لوفاته. في حين تشذ رواية واحدة لترجح سنة (654هـ) على افتراض أن ولادته عام 537هـ، وأنه قد عمر (117) سنة وتستند إلى تعليق ورد في إحدى المخطوطات التي بين أيدينا تقول:(وفاته جنة النعيم) فعند حساب حروفها يكون المجموع الحسابي لها : (3+ 50+ 400+1+ 30+50+ 70+ 10+40) = 654( ) ولكن هذه الرواية تتناقض وسياق تاريخ الأحداث المعاصرة له. وبذلك يكون التاريخ الأول بحسب اجماع معظم الروايات هو الأرجح، والصواب، وعلى أساسه يكون الشيخ أحمد بن علوان قد عمر بين (68-69) سنة( ). تزوج الشيخ أحمد بن علوان حسب ما تذكر روايات الجندي( )، واليافعي( )، والخزرجي( )، والشرجي( )، والعقيلي( )، بآخر مطاف حياته بامرأة من يفرس القرية التي توفي فيها فسكن معها بعد أن ترك قرية ذي الجنان. وكما قيل رزق منها بولدين أحدهما يسمى الحسن، والآخر يسمى العباس. كما وتضيف هذه المصادر أن له ولداً ثالثاً سمي (محمداً)، وأن هذا الأخير سكن ذي الجنان إلى أن توفي فيها سنة (704هـ-1305م) وبنتاً قيل أن زوجها عبدالله بن عمر السمن فسكن في ناحية (بعدان)، مؤسساً زاوية صوفية تتبع الشيخ أحمد بن علوان هناك. وربما أن هذين الآخرين كانا من امرأة أخرى كان الشيخ قد تزوجها قبل هذه الأخيرة. ولا بد من التأكيد على قلة المصادر التي تتناول سيرة الشيخ أحمد بن علوان، وتربيته الأولى قبل تصوفه، غير أن ما لدينا من مصادر أكدت على أن المرحلة الأولى من حياة الشيخ قد كانت في كنف والده، حيث عاش في سعة من المال ورحب من العيش، ونشأ على عادة شباب عصره من أبناء الكتاب بحكم مركز والده في بلاط السلطان ككاتب لإنشاء الملك. فتلقى قدراً من التعليم، واكتسب ثقافة عصره في راحة بال. وقد تعلم الكتابة، واللغة، والفقه، والأدب، يشهد بذلك شعره، ونثره( ) وتتلمذ في المرحلة الأولى على يد أشهر فقهاء عصره، وهو أبو الخطاب عمر بن أحمد بن أسعد المعروف بابن الحذاء رئيس قراء اليمن( ). وتصادفنا روايتان متداخلتان بصدد طبيعة حياته قبل تصوفه: الأولى: شعور الشيخ أحمد بن علوان بعد وفاة والده بالحاجة إلى العمل، فقصد باب السلطان للخدمة مكان أبيه. وبينما هو في الطريق إذ بطائر أخضر وقف على كتفه، ومد منقاره إلى فيه. ففتح الشيخ فاه، فصب فيه شيئاً ابتلعه، فعاد الشيخ من فوره إلى بلده، فلزم الخلوة أربعين يوماً، ثم في الحادي والأربعين خرج من المتعبد، وقعد على صخرة يتعبد، فانفلقت الصخرة، عن كشف، وسمع صوتاً يقول صافح هذا الكف، فقال ومن أنت؟ قال أبو بكر، فصافحه، فقال له قد نصبتك شيخاً( )، وبذا يكون الشيخ قد عاد ولم يعمل مع السلطان بأية وظيفة. والثانية: وإن كانت لا ترفض ما جاء في الرواية السابقة إلا أنها ترجح أن الشيخ قد عمل فعلاً لدى السلطان بوظيفة ما، يعتقد أنها وظيفة والده نفسها، حيث لقب بالأمير. إذ أن لقب الأمير لا يطلق إلا على كاتب إنشاء الملك، وأن الشيخ ربما قد كان رسول الملك المنصور إلى الأمير شمس الدين أحمد بن عبدالله بن حمزة في صعدة. وقد أورد لويس ماسينيون وقبله الخزرجي هذا اللقب مضافاً إلى اسم أحمد بن علوان، وحسب علمنا أنه لا يوجد شخص آخر بهذا الاسم غير الشيخ أحمد بن علوان( ) ونجد في كلام الشيخ نفسه ما يشير إلى وظيفته بقوله: يا سبط سبط السبط من أسباطنا يا جار دار جوارنا يا كاتب وفي هذا البيت الشعري يتحدث الشيخ بلسان الحقيقة المحمدية التي تناديه هو بحكم قرابته منها ونسبته الجسدية والروحية إلى أحد سبطيها من جانب، ومناداته بوظيفته التي شغلها أو عمل فيها بعد وفاة والده من جانب آخر . ومعنى هذا أنه قد عمل بوظيفة كاتب، وأحب أن يطلقها على نفسه، ولكن ربما لأن وظيفته هذه لم تدم لأسباب غير معروفة، ربما لعدم تحقيقها لما كان يطمح إليه الشيخ، وشعوره بعدم الرضا عن حالته ووضعه، حتى صادفته حالة غريبة من التحول النفسي ، أثرت على مجرى حياته، وأدت إلى انصرافه نحو التصوف، والصلاح، فيتحقق له المجد الأخروي التليد، ويكسب قلوب العباد ومحبتهم، ليعوضه ما وصل إليه من مجد جديد بعلمه عن أي مجد آخر( ). وهناك رأي يوضح أن الشيخ أحمد بن علوان لم يلجأ إلى أبواب الحكام لا باحثاً عن عمل، ولا مادحاً بالشعر، فقد عاشر ميسور الحال على ما تركه له والده من مال( ). ووفقاً للرواية الأولى، فإن الشيخ أحمد بن علوان قد مر بعملية تحول نفسي فعلي أحدث له تغير فجائي في حياته، كما حدث للكثير من مشايخ الصوفية أمثال: إبراهيم بن أدهم( ) والفضيل بن عياض( ). وأن عدم خروجه من البلد يشبه سلوك سقراط في عدم خروجه من أثينا( ). ووفقاً للرواية الثانية، فإن الشيخ قد استفاد من وظيفته، ومن خلال تنقله وترحاله في الأمصار، والاستزادة من الثقافة العربية والاسلامية فيها، والتفاعل مع المحيط الثقافي والفكري، والعقائدي السائد في عصره. ونحن لا نرى في هذه الروايات من تناقض، بل نرى فيها أبعاداً مختلفة لها أثرها، في تكوين شخصية الشيخ الفكرية، والفلسفية، والأدبية والصوفية، وأن ترحاله واقترابه من مراكز العلم والثقافة أقرب إلى سكونه وبقائه في المتعبد، ولا سيما وأن معظم رجال التصوف، قد اشتهروا بالترحال، فضلاً عما نجده في مؤلفاته من استيعاب للحركة الفكرية بكافة أبعادها لدليل على ذلك، بجانب ما وهبته العناية الإلهية له، وهذا لا يناقض ما ثبتناه من موقف. ثانياً: نشأته (وبنيته الفكرية): تخضع البنية الفكرية لأي شخص مفكر لجملة من القابليات والإمكانيات بجانب العوامل والأوضاع المتباينة، والبيئة التي يحيها فيها ضمن اطار معطياتها المتعددة. ولذلك ولأجل بيان الإطار الفكري الذي انتظمت به فلسفة الشيخ أحمد بن علوان الصوفية، لابد من التوقف على جملة هذه الأوضاع التي سادت العصر الرسولي في اليمن، وبالتحديد الفترة التي عاشها الشيخ أحمد بن علوان، وما ساد هذه البنية التحتية، من بنية فكرية فوقية ممثلة بالمذاهب الفقهية، والتيارات العقائدية، والكلامية، والفلسفية، والصوفية، ومواقف بعضها من بعض، والموقف السياسي والاجتماعي العام من هذه المشارب القائمة حينها. إذ أن جملة هذه البنى الفكرية قد أسهمت بلا شك في تحديد القسمات العامة لتصوف الشيخ أحمد بن علوان وفلسفته، وهو ما سيتضح عبر تحديد مواقفه منها والتفاعل معها سواء بمواقفه الظاهرة الصريحة، أم الباطنة الخفية، والتي يمكن استنطاقها من بين أسطر مؤلفاته، عند تحليل ما يستدعي تحليله منها في كلامه المنظوم والمنثور، وما تتطلبه الموضوعات التي نطرقها لنبني على ذلك استنتاجاتنا، ونحاول الوصول إلى الدلالات النابضة بالمعاني، والكاشفة عن الحالات النفسية، والقناعات الفكرية، التي التزم بها الشيخ أحمد بن علوان، ودافع عنها طوال حياته. أو عمل من أجل تحقيقها وتأكيد وجودها. وبموجب ما تقدم، فقد رافقت سيرة الشيخ أحمد بن علوان أوضاعاً سياسية واقتصادية، واجتماعية وثقافية خاصة. فقد عاش بين عهدين سياسيين حاكمين هما: النصف الثاني من عهد الايوبيين، ومدة أطول من عهد حكم بني رسول، وفي أهم فترات حكمهم، وهي فترة الملك المنصور( )، والملك المظفر( ). فقد أدرك آخر فترة سياسية لحكم بني أيوب في اليمن تمثلت بآخر حكامهم وهو الملك المسعود( ) والذي وصل قادماً إلى اليمن من مكة عام 612هـ حيث عمل والد الشيخ كاتباً لديه كما ذكرنا. وفي أثناء حكمه كان قد عين له نائباً هو (نور الدين عمر بن علي بن رسول) وما أن توفي الملك المسعود أثناء عودته إلى مصر، باشر نائبه هذا الحكم بدلاً منه عام (626هـ-1231م) وأعلن على اثر ذلك استقلال الدولة اليمنية عن حكم بني أيوب، وتأسيس الدولة الرسولية، والتي عمدت رسمياً عام (630هـ1235م) وقد لقب بالملك المنصور، وقد استمر حكمه إلى عام (647هـ-1249م) بعد أن قتل بالجند( ) التي كان قد اتخذها عاصمة له سابقاً ثم اتخذ من زبيد وتعز عاصمتين له( ). ثم تولى الحكم بعده ولده (يوسف عمر بن علي بن رسول) والملقب بالملك المظفر عام (647هـ-1249م) وقد حكم أطول فترة امتدت من عام (647هـ-1249م) إلى عام (694هـ-1295م) وقد نقل عاصمة حكمه إلى قلعة القاهرة بمدينة تعز مكتفياً بها دون زبيد. وتعد المدة التي حكم بها كل من الملك المنصور، والملك المظفر من بعده من أفضل الفترات التي شهدها اليمن في العصر الوسيط. فقد مثلت فترة ذهبية شملت كل جوانب الحياة، ففيها تم: توحيد اليمن شرقه وغربه، حيث شمل حضرموت ومكة، وسيادة الدولة المركزية، وقيام نظام الحكم المحلي وتنظيم الإدارة، وإقرار قواعد الحكم، واستقدام الخبرات العربية من مصر، وبلاد الشام في الشؤون المدنية، والعسكرية، والإدارية، والدواوين، ومجال الطب والهندسة الزراعية، والصناعية. وشهدت المدن نمواً وازدهاراً في حين تقلص النفوذ القبلي في الأرياف( ). وفي هذه الفترة السياسية شهد اليمن وضعاً اقتصادياً تميز بتقسم المليكة على أساس: التنوع بين (خاصة، وسلطانية، وأوقاف)، والمشاركة في الانتاج بين الملاك والفلاحين بنسب معينة. مما أدى إلى اشتغال معظم الفئات الاجتماعية بالزراعة القائمة على المجهودات الذاتية، حتى ساد نوع من الاقطاع الإداري (خراج ، ضرائب) والخاضع لرقابة الدولة. في حين شهدت الحياة الاجتماعية تقسيماً خاصاً للشرائح الاجتماعية، ساد فيه العنصر القبلي حسب طبيعة الظروف الجغرافية والتاريخية لمناطق اليمن وكان حوضر الدولة المركزية سبباً فاعلاً في تفتيت هذه البنية القبلية، واقتصار تركزها على المناطق الريفية الجبلية منها والصحراوية( ). وقد أحسن الشيخ أحمد بن علوان في وصف هذه الأوضاع وما صاحبها من تطور وازدهار، ما رافق كل ذلك من تناقض وعدم تكافؤ في العلاقة الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية، في رسالته الشهيرة إلى الملك المنصور والتي ضمنها أبيات شعرية، وجدد من خلالها موقفه النقدي مما يجرى على الواقع السياسي والاجتماعي ومطلعها: أيامُ عُمرك أيامٌ لها ثمنُ عدلٌ يعمّ وفعلٌ كلهُ حَسنُ( ) سنكمل أهم ما جاء فيها بهامش هذه الصفحة. بينما شهدت البنية الفكرية والثقافية عصر الشيخ أحمد بن علوان تنوعاً في المذاهب الفقهية، كالمذهب الشيعي، والمذهب الحنبلي، والمذهب الشافعي( )، وتعدداً في التيارات الكلامية، كالمعتزلة، والأشاعرة، والزيدية، والإسماعيلية، والفلسفة الباطنية( ). والتصوف ممثلاً بالعديد من الطرق الصوفية، والعديد من مشايخ الصوفية سواءً من شيوخ أحمد بن علوان نفسه، أو من معاصريه، أو اللاحقين عليه( ). ومما تجدر ملاحظته هو ما واجهه الفكر الصوفي من معارضة قادها خصومه السياسيون المتمثلون بدولة الأيوبيين الذين كانوا ضد الفلسفة الباطنية والتصوف معاً. وخصومه التقليديون الممثلون بفقهاء الحنابلة، والحشوية، والشيعة على حد سواء. برغم تأكيدات الدراسات والأبحاث على الصلة بين التصوف والتشيع وبين الصوفية والشيعة والإسماعيلية فيما يخص العلم الباطني، والإمام القطب والجناح، والمهدي المنتظر( )، وتبنيهما الفكر الاعتزالي ولو بدرجة متفاوتة. ولعل ما يمكن رصده هنا من النزاع بين الصوفية وخصومهم والمتمثل بحملة الفقهاء الحنابلة على الصوفية، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل (ت224هـ839م)( ) وابن تيمية (ت728هـ1328م)( )، وابن القيم الجوزية (ت751هـ-1351م)، وإسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هـ-1373م)، وبشكل عام مقابل من انبرى لمواجهة الصوفية اليمن نفسه بشكل خاص. وهنا يطالعنا العديد من مشاهير فقهاء الحنابلة، والشيعة في حربهم الشعواء، ونقدهم الصارخ لكبار الصوفية، أمثال الحلاج، وابن الفارض، وابن عربي، واتباعهم في اليمن، وكل من سار على نهجهم، وعلى رأسهم يحيى بن أبي الخير (ت558هـ-1163م) والمتكلم جعفر بن أحمد عبدالسلام (ت573هـ-1177م)، وأبو بكر الخياط (ت813هـ-1411م) وأحمد ابو بكر الناشري (ت815هـ-1413هـ)، وعبدالرحمن بن الحسين الأهدل (ت855هـ-1452م)، ويحيى بن حميد بن الحسين المقرئ (ت990هـ-1583م)، وصالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ1697م)، في كتابه العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ ، وأحمد بن عبدالله السلمي (ت1116هـ-1705م)، ومن تلاهم من أمثال محمد بن اسماعيل الأمير (ت1182هـ-1769م) ومحمد بن علي الشوكاني (ت1250هـ-1835م)( ). وعلى الجانب الآخر نجد صورة مماثلة للجدل القائم بين علماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة تظهر في الساحة الفكرية اليمنية استمرت طوال القرنين السادس والسابع الهجريين، حيث ساد علم الكلام الأشعري في أغلب مناطق اليمن لاعتناق الدولة حينها المذهب الشافعي، وهو ما ساعد الأشاعرة المنتمين إلى المذهب الشافعي في تعزيز حضورهم الفكري وانتشار مؤلفاتهم الكلامية( )، الأمر الذي أدى إلى قلة الاهتمام بالاتجاه الاعتزالي رغم حضور أفكار اعتزاليه في العقول، ولا سيما لدى الشيعة بشقيها الزيدي والإسماعيلي، ومن تقبل أفكارهم من الآخرين عامة( ). وفي جانب الفلسفة ، نجد فلسفة اخوان الصفاء، وهي تمثل الفلسفة الباطنية في المنظور الفكري في اليمن، وفلسفة الغزالي، وهي تمثل الفلسفة المستظهرية الأكثر حظا في اليمن وأكثر حضوراً، وانتشاراً بسبب انتشار مؤلفات الغزالي، وكثرة تداولها بين الكثيرين من فقهاء الشافعية ومتكلمي الأشاعرة، والصوفية منهم على وجه الخصوص، حيث اتخذت أداة ممتازة للتصدي للفلسفة والفلاسفة والمتكلمين معاً ولاسيما المعتزلة منهم ،أما الأشاعرة فقد رأوا في هذه المؤلفات سلاحاً يقارعون به كلاً من متكلمي المعتزلة، والفلاسفة الباطنيين على حد سواء. بقي علينا معرفة موقع الشيخ أحمد بن علوان مما يدور حوله من صراع فكري مادام التصوف، ورجاله ومذاهبه أحد المجالات المعرضة للنقد من قبل فقهاء الحنابلة والزيدية معاً. حيث تركز نقدهم بصورة أساسية على الحلاج، وابن الفارض، وابن عربي، واتباهم من مشايخ الصوفية في اليمن كأبي اغيث بن جميل، واسماعيل الجبرتي. ناهيك عن الصراع بين متكلمي المعتزلة والأشاعرة من جانب، وبين هؤلاء جميعاً والفقهاء من جانب آخر. ولكن نقهم لم ينل الشيخ أحمد بن علوان لعدم ظهروه بصورة مباشرة على ساحة الصراع. رغم اشتراكه في نقد الفقهاء، والرد على روافض عصره، من منتقدي التصوف والصوفية، فأين الشيخ من هذه الصراعات الفكرية إذن؟ وما التفسير الملائم لعدم تعرضه للنقد من هؤلاء بما في ذلك بعض الكتاب المعاصرين الذين كتبوا عنا لتصوف وعن الشيخ من وجهة نظر سلفية ، تقف موقفا مناقضا للتصوف منهجا ونظرية وسلوكا ( ).يعبر الشيخ أحمد بن علوان عن صراعه النفسي ازاء ما هو قائم وعدم تمكنه من البوح بفكره الصوفي فيقول: فلو أني نطقت عل فنائي ولكن شد من أهواه أزري لقلت مقالة الحلاج قبلي وقوى عزيمتي وأمد عقلي وهو على ما يبدو من قوله هذا موزع بين الظاهر والباطن والبقاء والفناء كدلالة على موقف الحيرة من كل ما يدور حوله من صراع فكري كما يرى (البردوني)( ) مستدلاً بقول الشيخ: فبعضي في فنون الحب فانٍ فلا أدري للإخوان أبقى فلي وجهان مكنون وبادٍ وبعض بين اخواني وأهلي أم الأهلين أم لله لي ولي علمان جزئي وكلي

فالشيخ إذن من الناحية الفكرية والعقائدية تتوزعه الحيرة بين الباطنية والإسماعيلية، والفلسفة السينوية (ابن سينا)، والفلسفة الصفئية (اخوان الصفاء)، وبين علم الكلام الاعتزالي، والأشعري، وبين التصوف السني المتمثل بالغزالي، والتصوف الفلسفي الممثل بالحلاج، وابن عربي. وبالمقابل فإن عدم تعرضه للنقد برغم مشاركته في هذا الصراع ونقده لا طرافه وتفاعله النفسي، والوجداني والعقلاني معه له تفسيران: الأول: أن الشيخ بموقفه العقلاني المتزن من الشريعة والفقه وبجمعه في فلسفته الصوفية بين العقلي والحسي، والمجرد والعياني، وببعده عن تصوف الدراويش، ومدعي التصوف الجهلة بدون دعوى، ونقده لهؤلاء من دعاة التصوف، وبابتعاده عن الشطح قد جنب نفسه نقد النقاد على اختلافهم فلم يدع لهم مجالاً يستطيعون النفاذ إليه من خلاله، وعدم قدرتهم على فك رموز كلامه، برغم هجومه على الفقهاء الحسيين، أو فقهاء السلطة في أكثر من مرة( ). الثاني: ربما كان صوته المسموع لدى الحكام، وقوة تأثيره في عامة الناس قد حال دون أن يكون هدفاً لنقد النقاد، حتى لا تقوم القائمة عليهم، مع توليه الدفاع عن المتصوفة من أي نقد يوجه إليهم. بدليل أن الملك المظفر كان على مسمع ومرأى مما يدور من هجمة الفقهاء على الصوفية في وقته، حيث كتب إليهم "أن ارجعوا إلى كتاب الله، وسنة رسول الله انفع لكم من الخوض في أشياء هي ليست من شأنكم، فإن لم تكفوا عن هؤلاء –يقصد الصوفية- فالسيف في وجوهكم"( ). نستنتج إذن مما سبق أن الشيخ أحمد بن علوان صار بوقفته الحائرة تلك، متعدد المسالك والرؤى، فهو في الجانب الواعي أو البادي في فلسفته كان غزالياً لرفضه التقليد، والتمرد، واتخاذه المنحى النقدي لفلسفته، وأشعرياً في نهجه الكلامي رغم كونه مثل الجانب الأكثر عقلانية ليقترب من التيار الاعتزالي وخاصة فيما يتعلق بالجبر، والاختيار والقدرة، والإرادة والحرية، ورفض التقليد( ). وكان شافعياً في نهجه المذهبي عن تقليد علمي وتدين فهمي، وتفكير نظمي. في حين كانت طريقته في التصوف صديقية، علوية كما سنرى. وهو في الجانب اللاوعي (أو المكنون) في فلسفته وبتعبير الشيخ نفسه يشير من طرف خفي إلى الفلسفة السينوية (ابن سينا) والصفئية نسبة إلى (اخوان الصفاء) والحلاجية نسبة إلى الحسين بن منصور الحلاج ، حيث يقول( ): باهوت بهت عقائل الناسوتي تفاحة فواحة بروائح حسبت لها الاعلام قبل ظهورها أسار ما في باطن التابوت جنوية في الملك والملكوت في عالم الملكوت والناسوت

فاللاهوت تعبير عن الطبيعة الإلهية عند الفلاسفة، والناسوت تعبير عن النظام البشري. بينما أسرار باطن التابوت توحي إلى الغيب، ومكاشفته عن طريق المعرفة والتي رمز لها بالتفاحة الفواحة، بوصفها شجرة المعرفة أو السر المعرفي فوجودها قبل الوجود من أجل اكتشاف الوجود( ). نتبين من الوجه المكنون للشيخ أحمد بن علوان انتماءه إلى الحكمة الصوفية والفلسفية المتحققة بكل وضوح بموضوعات الإنسان، والنفس الإنسانية والمعرفة، والوجود بوصفها أهم القضايا التي عالجها من وجهة نظره الفلسفية الصوفية وما يتخللها من أمشاج فلسفية إشراقية أو مثالية أو مشائية أو رياضية اعتماداً على تحليل، واستنطاق نصوصه التي تركها لنا في مؤلفاته*. ثالثاً: منهجه: تعد مؤلفات الشيخ أحمد بن علوان الترجمة الحقيقية لفلسفته الصوفية، ولذلك فلا بد من التطرق إليها بغرض الكشف عن منهجه من جانب، والاعتماد عليها في دراستنا من جانب آخر، حيث وصلتنا من المؤلفات الكثيرة للشيخ أحمد بن علوان مطبوعة، ومحققة، مع عدد محدود من رسائله التي مازالت مخطوطة. ومع ذلك فلم يزل العديد من مؤلفاته، ورسائله وأوردته لم تصل إلينا لضياعها أو لاحتفاظ البعض بها ممن لا يرغبون في اطلاع الغير عليها( ). ومما وصلتنا من مؤلفات الشيخ أحمد بن علوان:- 1- ديوان وكتاب الفتوح، (وقد تم تحقيقه مرتين): الأولى: على يد الباحث حمود القيري حيث نال عليه درجة الماجستير (ولم يزل مخطوطاً). والثانية: على يد الأستاذ عبدالعزيز سلطان طاهر، وهو مطبوع بدار الفكر المعاصر، بيروت، 1992، والصادر عن مركز الدراسات اليمنية – صنعاء تحت تصنيف (سلسلة الصفاء).والمؤلف بشقيه الشعري والنثري يتضمن الجزء الأكبر من نظرية الشيخ في التصوف والسلوك عامة، وبعض الموضوعات المتداخلة معها ذات الصلة بالطبيعيات والإلهيات والعلم والمعرفة. وقد تضمن أيضاً نظرية متكاملة في الأسس النفسية والخلقية للتربية. والكتاب من وجهة نظرنا من أقدم مؤلفات الشيخ إن لم يكن أولها، برغم تأكيد بعض الباحثين على سبق كتاب المهرجان عليه، مستدلين بإشارة الشيخ في إحدى قصائده إلى (المهرجان الأخضري). وبرأينا أن فكرة المهرجان عندما ذكرها بالفتوح ربما قد تحولت في ذهنه إلى فكرة عنوان لمؤلف من مؤلفاته. علاوة على أن الشيخ لا يمكن أن يبدأ في تأليف كتاب تحت عنوان البحر المشكل مثلاً بل أن يسبقه بـ(الفتوح) وهو ما نظنه، لاقتداء الشيخ وهو يضع عنوان مؤلفه بمحي الدين بن عربي في مؤلفه الفتوحات المكية كما يرى الدكتور المقالح( ). ومما يؤكد صحة هذا الرأي تلك الرسائل الموجهة إلى الملك المنصور في نهاية كتاب الفتوح –إذا صحت إضافتها إلى هذه المؤلف دون غيره -يجعلنا نرجح أن الفتوح أقدم من غيره من مؤلفاته التي بين أيدينا على الأقل. ونحن لا نرى بذلك أي وجه من وجوده الاشكال حو تقديمه بعض المؤلفات على غيرها إلا بقدر التمييز بين أقواله القديمة، وأقواله المتأخرة للوقوف على القول النهائي له في هذه المسألة أو تلك من الموضوعات التي سوف نطرقها في الفصول القادمة. 2- التوحيد الأعظم، المقرب من لا يعلم إلى رتبة من يعلم، تحقيق عبدالعزيز سلطان طاهر، والصادر عن مركز الدراسات اليمنية (سلسلة الصفاء) في طبعته الأولى عن دار الفكر المعاصر، بيروت، 1990م. وهو من وجهة نظرنا يجيء من حيث زمن تأليفه في المرتبة الثالثة من بعد مؤلفات الفتوح، والمهرجان والبحر المشكل. ذلك لأن الرسالة الموجهة إلى الملك المظفر المتضمنة فيه –إذا صحت إضافتها إليه – تدل على تأخير تأليفه، حيث ألفه في مرحلة النضج الفكري، أو على الأقل أواخر أيامه وتكاد تتفق كل النسخ المخطوطة منها والمطبوعة، في إضافة هذه الرسالة إلى كتاب التوحيد. وقد جمع الشيخ في مؤلفه هذا خلاصة أفكاره الفلسفية والصوفية لأنه احتوى على نظرية متكاملة في الطبيعيات والإلهيات، إضافة إلى موضوعات أخرى في الأخلاق والسلوك والتربية النفسية والوعظ والإرشاد والمعرفة الصوفية. وضمنه آراءه الكلامية، والعقائدية، وموقفه من القضايا التي كانت مثار جدل فكري حينئذ، وكونت بمجموعها نظريته في التربية والتي سار فيها على وفق مننهج الغزالي. 3- المهرجان، والبحر المشكل، وهما أصغر مؤلفاته التي بين أيدينا المطبوعة وملحق بهما رسالتا الكبريت الأحمر، وتأملات في سورة الفاتحة وآية الكرسي وعدد من الملاحق الشعرية، حيث صدرت طبعته الأولى عن دار الفكر المعاصر، بيروت، 1992م. والصادر عن مركز الدراسات اليمنية، صنعاء (سلسلة الصفاء)، ويعده بعض الباحثين أسبق مؤلفاته الشيخ بينما نرى اسبقية الفتوح عليه. وقد ضمنه – برسائله الملحقة قضايا متفرقة صوفية – فلسفية، في المعرفة والنفس وطرق تدريبها وتهذيبها، وطريقة الوصول إلى الله، وتوجيه السالكين وتفسير لبعض آي القرآن الكريم، والرد على الفقهاء. 3- الأجوبة اللائقة على الأسئلة الفائقة (رسالة مخطوطة) وهي إجابة على تساؤلات أحد تلاميذه أو معاصريه ، وقد أشرنا في المقدمة إلى وجود أصل واحد لها – حسب اعتقادنا – بخط المرحوم يحيى الدلالي مؤرخه (1370هـ)، وملحقة ضمن مجموعة مؤلفاته الشيخ المذكور سابقاً وبخط الوراق الدلالي أيضاً. وقد عنونها الكاتب على هذه الصيغة "هذه الأجوبة اللائقة، والأسئلة الفائقة للشيخ العلامة شيخ الإسلام، ومفتي الأنام شرف الدين حسن العجمي حفظه الله ورضي الله عنه، وما أجاب بها سيدي الشيخ غوث الزمان سيدي الشيخ أحمد بن علوان رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه ونفعنا به وبعلومه في الدارين آمين". ويبدوا من الرسالة أن هناك أسئلة من سائل وإجابة من الشيخ أحمد بن علوان عليها دون أن ترى للسائل اسماً يذكر، لا في الأسئلة ولا في الإجابة عليها، وقد يكون تجريد لسائل مفترض من قبل الشيخ، أما الاسم المذكور بالعنوان ربما قد يكون جامعها أو مدونها، وزاد التساؤل حينما وجدنا في عنوانها الخارجي كلمة "حفظه الله ورضي عنه" من قبل كاتب الرسالة (الدلالي) المذكور، ومن ثم نستبعد أن يكون هو من وجه الأسئلة للشيخ أو هو المقصود من الشيخ أحمد بن علوان بالإجابة. وهذه الرسالة على صغر حجمها، وعدد صفحاتها التي لا تزيد على عشر صفحات من القطع الكبير، قد مثلت خلاصة موجزة لنظريته في المعرفة وموقفه النهائي من مسألة الوجود. ونراها آخر ما آلفه الشيخ لاستشهاده بنصوص سبق ذكرها في كتاب التوحيد. أما مؤلفاته المفقودة فقد سمى الباحث عبدالعزيز سلطان منها : (قاموس الحقائق وكنز العرش، والبحر المحيط، ووداع رمضان، والهداية في علم الغيب، والبلاغة والتصويب، وعدد سبعين رسالة لم تعرف بعد)( ) وبعد ما تقدم من عرض لمؤلفات الشيخ أحمد بن علوان، لابد من بيان منهجه في التأليف، وما يمتاز به من خصائص، مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تتمتع به اللغة الصوفية بشكل عام من التعبير عن المقامات، والأحوال، والمواجيد، والأذواق الصوفية، والتي لا يمكن التعبير عنها إلا بلغة خاصة ومصطلحات أخص ،إنها لغة وجدانية، قادرة على الانطلاق إلى ما وراء الفهم الحسي أو العقلي للكلمات أو الألفاظ، والجمل أو العبارات. وقد جمع الشيخ أحمد بن علوان في مؤلفاته بين الشعر، والنثر، واتخذ كغيره من الصوفية صيغ تعبيرية لعل من أوضح معالهما:- أولاً: الرمز: ويعد أخص خصائص الخطاب الصوفي حيث حل كثيراً من المشكلات الناجمة عن التصريح بما يريد الصوفية التحدث عنه أو تفادي سوء الفهم الذي قد يقع به أصحاب التفسيرات الشكلية، فكان الرمز هو الأسلوب الأفضل لتجاوز كل هذه الصعوبات، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن عالم الإلهام الصوفي يتسع لدلالات وفيرة، يستمدها الصوفي من الكلمات، والأصوات، أو الحوادث الطبيعية، ويتخذها رموزاً لمعان جديدة، فيوجهها حسب حاله( ). وبشكل خاص في الشعر الصوفي، وهو شعر يتشكل من وحدة الموقف، والتعبير كما تشير بذلك الدراسات المعاصرة، حتى صار أحد طرفي هذه الوحدة (وحدة الفكر والشعور)، ومن ثم حاول أن يستولي على الجانب الأكبر من مكونات التجربة الصوفية، وأن يشكل الخصائص الأوضح في أبعادها الشعرية( ). وفضلاً عن ذلك، فقد اقتربت لغة الرمز والإشارة في الفكر الصوفي على وجه الخصوص بلغة الحب الإلهي، حتى صارت أسلوباً للتعبير عن الأحوال، والمواجيد والأذواق، والرياضات الصوفية، وذلك لبعد التجربة الصوفية عن العالم المادي وخروجها عن نطاق موضوعات الحس والعقل المعبر عنهما باللغة الاعتيادية( ) حتى أغرت الشيخ أحمد بن علوان كغيره من الصوفية على استخدام الرمز، وخاصة في الجانب الشعري من كلامه الصوفي، الأمر الذي يجعل قصائده بحاجة إلى شراح ومفسرين لها على غرار تفسير ديوان الحلاج، وتائية ابن الفارض على سبيل الذكر ليفهم ماذا أراد من هذه العبارات، والجمل المملؤة بالألفاظ والمصطلحات الغامضة الفهم لدى القارئ العادي. وقد توزع الرمز لدى الشيخ أحمد بن علوان، فهناك: 1- الرمز اللفظي أو الإشاري وهو : أ‌- إما أن يستخدم حروف أسماء أوائل السور، حيث يعد الشيخ، القرآن الكريم المنظور الأول له بحروفه المقطوعة المفتتحة لبعض السور على أساس أن ورائها سراً كامناً( ). حيث أول الشيخ هذه الرموز تأويلاً انطولوجياً، أو ميتافيزيقيا كقوله: زبرات زير كتابك المكنوني رآميم، صاد عج فيها لامها واللام لام الله في الفاته والراء والصاد التي هي قبلها والهاء هاوية هوت من ها هو طس طه كاف ها – ياسين أسرار علم في القلوب مصون والميم ميم محمد المكنون( ) روح لها حمد لأهل الدين هادي الغواة، وهازم الملعون ب- أو أن يستخدم كلمات قد تستوحي من عناصر الطبيعة من أسماء الحيوانات، والنباتات، وعناصر الطبيعة كالهواء، الماء، والنار، أو أسماء المواد. فتقابلنا في مؤلفاته أسماء عديدة مثل : (الطاووس، الكراسي، البلابل، السلسبيل، الزهور، السفن، الرياح، الشموس، الأقمار، النجوم)( ). ج- أو أن يستعير الفاظاً ذات دلالات ومعاني خاصة، ولكنها من لغات أخرى كالفارسية، والهندية، والسريانية مثلاً، ولا نستطيع الجزم إلى أي لغة ينتمي أي من هذه الألفاظ. فقد ورد في أحد مؤلفاته وهو (الفتوح) وفي قصائده الشعرية أكثر من خمسين مصطلحاً، ولم يستطع أي من المهتمين بتحليلها تحديد طبيعة هذا الاشتقاق إن كان من اللغة العربية القديمة أو اللهجة المحلية ، أومن لغات أخرى كالعبرية والفارسية والكردية والأردية ،لعدم وجود دراسة فيلولوجية أدبية تبحث فيها، ومنها على سبيل المثال( ): (اسباطون، أسطاسون، الزرادكاش، هتربار، بارقوش، طيرسون، بالون، بانون، أصفهسلارة، نافروت، هرجمان هيوم، رستفا، دستكان، أردشير، راقشون، هاسون، مهتار، استمدار، زامخشلوش، أزبردكوش، اشمالون، سباهشتون، شابور، شبهشاهوت، أزرمخشن، خاش باش، ازبخشنا، زامختروش، اشبخشنا، نارشون، سرنار-سربار) وهي في أغلبها على وزن : فاعول، فاعولن، افعولن. والمصادر القديمة التي تحدثت عن الشيخ أحمد بن علوان، حاولت اعطاء تفسيراً لسر استخدام هذه المصطلحات، بأن روح الشيخ كانت مهبطاً لأولياء الله، فيتحدث اليهم ويتحدثون إليه فيسمع ويعي ويفهم منهم، وحين يتحدث به إلى مريديه لا يفهمونه منه. فيعمد احياناً إلى تمزيق ما كتبه منها، وقد عبر عن هذا بقوله: "يا قائم على الماء وهو عطشان"، وقيل كان يكتب كلاماً وهو في حالة الفناء، يم يعود ليقرأه، فلا يفهمه فيقوم بإحراقه أو يغسله( ).على أن هذه الألفاظ لا نجد لها في اللهجة اليمنية ما يقابلها، ولعل بعض الباحثين قد رأى أن ذلك من عمل الشيخ نفسه، أي أنه نحت لنفسه مصطلحات وركبها، دون أن يكون لها ما يقابلها من معان في لغات أخرى. بحجة أن الشيخ لم يخرج من اليمن، فكيف له بمعرفة لغات بلدان لم يرزها أو يخرج إليها( ). أما الباحث فيرى ثلاثة أمور لاستخدام الشيخ أحمد بن علوان هذه المصطلحات واشتقاقها: الأول: استفادته من بعض الألفاظ والمصطلحات من غير اللغة العربية بحكم اطلاعه على علوم وثقافة بعض الشعوب ومنها الهندية والفارسية، واليونانية والسريانية. والثاني: التركيب الخاص ويعتمد معناه على نهاية المصطلح وقد وجدنا فيها صور من المتقابلات المنطقية، مثل: (أسطاسون – أسباطون) الأول: يشير فيه إلى الملأ الأعلى، وسدرة المنتهى، والثاني: يشير فيه إلى الملأ الأسفل وعوالمه، أي العرش والفرش، والسماء والأرض . ومثلها: (سرنار – سربار)، (راقشون – نارشون) ، (اسطاسمون – ناسمون) ، فإذا دل المصطلح الأول على معنى أو دلالة أنطولوجية أو كوزمولوجية، دل ثنائيه باختلاف أحد حروفه على المقابل له، وعادة ما يشير بها إلى النورانيات، والظلمانيات، الكثائف واللطائف، العوالم الملكية، والملكوتية، السماوية، والأرضية، والعلوم، والمعارف، يتضح هذا جلياً من خلال السياق العام للقصيدة وموضعها الذي تشير إليه. والثالث: وهو مجرد احتمال ان يكون الشيخ أحمد بن علوان قد استخدم بعض هذه المصطلحات كما يفعل كثير من الصوفية وعلماء الفلك، والرياضين ونحوهم. د- أو أن يستخدم أمساء الأماكن المقدسة، وأسماء أعضاء الأنسان، والأفلاك والكواكب، والسموات، والجنان، والنيران، ومرادفاتها، ومن أمثلة هذه الأسماء (الحرم المكي والمدني، المسجد الأقصى، طور سيناء، ومزم، عرش بلقيس، هدد سبأ، جبريل، اسرافيل، مقام إبراهيم، حجر إسماعيل، عصا موسى، قميص يوسف، القصو، الخمور، حور العين، الخدور، الزبرق، الصراط، الأنهار). 2- قصص الأنبياء: وهي من صور الرمز لدى الشيخ أحمد بن علوان، حيث حملت أسماء الأنبياء وقصصهم دلالات ميتافيزيقية، وأنطولوجية، فكل نبي، يرمز إلى موضوع خاص على غرار ما فعل ابن عربي في فصوصه، مع اختلاف في طريقة التركيب، والاستخدام، مثال ذلك ما نجده شعراً في بعض قصائده كقوله( ): يا زعفرانة أنه يوسف حبكم في حب جب منه فاختار زمزم وأقواله: وإلى قلوب العاشقين فاقبلي حجر ينادي سرها داوودها ياعرش بلقيس محمولاً على الاسما كأن عيني عصا موسى إذا ترمى إذ آدم في مائه تلميذها في الحسن يوسف والتقى نوح اقام شرعها، وشراعها وصل خلف إبراهيم وقرب مثل اسماعيل بقميص يوسف يستفيق من العنا خذني فبي اسف على جالوت ياروح أمر نبينا له جسما لتغلق البحر أو تجري عيون الماء أسرار ما في آدم أم المسيح، وفي الغناء داوود للخوف من طوفان أمة نوح إلى باب من التعظيم ليأتي بالفداء جبريل( )

وهذه النماذج من الأبيات التي يستعير فيها أسماء الأنبياء وقصصهم ومعجزاتهم، البعض منها يشير إلى النفس الإنسانية، والبعض الآخر يتحدث عن الجمال الإلهي والجمال المحمدي، والبعض منها يتعلق بالحب الإلهي وسر الوجود المتعلق به. كما يشير في بعض منها إلى الشريعة، والطريقة أو الحقيقة في اعتقادنا، وأن الأمر لا يستقيم إلا بكليهما. ثانياً: التأويل: يتخذ الشيخ أحمد بن علوان صورتين: الأولى: التأويل الرمزي الباطني، لبعض الآيات القرآنية، وأوائل السور بوصفها مطالع شموس القرآن، وعلى أساس فهمها يمكن فهم سور القرآن. وهو كغيره قد صرف دلالة الحرف عن ظاهره إلى باطنه لمعرفة معناه ودلالته من خلال تأويل الكثير من الحروف للكشف عن أسرارها( ). والثانية: تأويل بعض الآيات القرآنية تأويلاً باطناً بعد أن يحدد معناها الظاهري، على أساس أن للآية دليلاً أو شاهداً يقود إلى تأويلها، ورغم استخدام التأويل يرفض الشيخ أن نبني على منهج التأويل أحكاماً، أو أن يبطل التأويل احكامها إلهية واضحة. أحكم ربكم التأويل يبطله ماذا القويضي يزيل الحكم إذ وجبا( ) ومن جانب آخر فإن الشيخ يتعرض أيضاً لشرح أسماء الله الحسنى على غرار ما فعله بعض الصوفية، مثل الجيلاني، وابن عربي، حيث لجأ إلى شرح أسماء الله الحسنى بطريقة التسبيحات، ثم يعطي معانياً ميتافيزيقية وانطولوجية لكل اسم كقوله: "سبحانك قيوم أنت، أقمت الأشياء على الأشياء، وأنت القائم بالأشياء، العالم تحت أسرك قائم على قاعدة من أمرك"( ). ويجب أن لا يفوتنا هنا أن نقول بصدد طريقة عرض الشيخ أحمد بن علوان لمادته العلمية في مؤلفاته، والتي تتحدد مظاهرها من كونها تمثل خلاصة الأساليب التربوية والمعروفة من خلال: 1- الأسلوب الانشائي الخطابي، القائم على صورة أدعية، وابتهالات، وأوردة، وترد بشكل خاص في مؤلف التوحيد. 2- أسلوب الحوار (المتضمن السؤال والجواب، كقول الشيخ مثلاً: سأل سائل، سؤلك أيها الأخ، سألت أيها الأخ) كما هو الحال في مؤلفاته (الفتوح، والمهرجان، والرسالة، والتوحيد). 3- الخطاب المباشر، وقد اتخذ صورتين:

أ ) الرسائل: إلى الأخوة والمحبين بذكر أسمائهم أو بدون.

ب ) النداء المباشر: اعلم يا أخي، أعلموا أيها الأخوة، أعلم أيها الأخ وفقك الله. وهو هنا يشبه الجنيد في رسائله، واخوان الصفا في رسائلهم، والغزالي في رسالته (أيها الولد)، وهذا النوع من الخطاب منتشر في كل مؤلفاته. 4- الوعظ والارشاد: القائم على الترغيب والترهيب اللذين يعتمدان على مبدأ الثوا والعقاب. وهذا دليل على فهم عميق للطبيعة الإنسانية، ومؤلفاته التي بين أيدينا مليئة بهذا الأسلوب. 5- البسط والإيجاز: عادة ما يعرض للفكرة بإيجاز، ثم يعود إلى شرحها إن تطلب ذلك، وقد تنوعت طريقته في ذلك، فمرة يعرض للفكرة الموجزة نثراً ثم يشرحها شعراً، ومرة يعرض للفكرة شعراً ثم يشرحها نثراً. 6- الأمثلة والتدليل: يقوم معظم كلام الشيخ أحمد بن علوان على الأمثلة، وعرض الأدلة والشواهد القرآنية أو النبوية في كل موقف يتطلب ذلك، وهذا من أهم الأساليب العلمية المتبعة في التربية المعاصرة. 7- التسلسل المنطقي للأفكار: (الجدل الصاعد والهابط)، بمعنى الترقي من الجزء إلى الكل أو يعرض لمقدمات كلية لينتهي إلى نتائج جزئية. 8-المقابلات المنطقية: (باتخاذ فكرة تقابل القضايا)، بمعنى الفكرة وضدها فهو يقابل مثلاً (الجزء بالكل، والسلب بالإيجاب، والقبول بالفرض)، بجانب تحديده لمقابلات عامة تتمثل بـ (الجهل والعلم، النظر والعمل) ونحوها. 9- ثلاثية المقولات في الجمل والعبارات: (ملك، ملكوت، جبروت) ، (روح، عقل، نفس) ، (ذات، صفات، أفعال) ، (شموس ، أقمار ، كواكب) ، (عقل ، نفس، جسم) ، (عابد، عالم، عارف) ، (علم اليقين، عين اليقين، حق اليقين) ، (العموم ، الخصوص، خصوص الخصوص) ، (وراء، دون، كل)، حيث يعتمدها الشيخ أحمد بن علوان بوصفها نوعاً من التصنيف له دلالته الخاصة لديه ولدى غيره من الصوفية البسطامي، والحلاج، وابن عربي. وللتثليث جذور دينية، ورياضية، بدايته من العدد ثلاثة، صعوداً إلى اتخاذها طابعاً وجودياً قدسياً يبدأ من أصل التكوين أو أصل الكون، إلى القضايا المنطقية كما يتضح لدى ابن عربي( ). أو ما يمكن من خلاله تحديد طبيعة العلاقة بين النفس والروح والعقل من جهة، واعمالها من جهة أخرى، الزهد، والتقوى، والعلم، كما يتضح لدى البسطامي( ). أو تحديد مراتب الوجود الانساني كما هو لدى الشيخ أحمد بن علوان( ) وتجدر الإشارة إلى خلو مؤلفات الشيخ أحمد بن علوان من الألفاظ ذات الشطح( ). كما نجدها لدى غيره من الصوفية أمثال البسطامي، والحلاج، وابن الفارض، وابن عربي. بل نجد عبارات تكاد لا تحمل أو لا تحدد بشطحها دلالات واضحة في مقاصدها الانطولوجية ولا سيما فيما يتعلق بعلاقة الله بالعالم أو بالإنسان (علاقة اللاهوت بالناسوت) وإنما فقد تصف حالة التمكين التي يرى الشيخ أحمد بن علوان أنه تمتع بها كقوله: أنا شمسون الشماسون فبلحظي وبلفظي لبن ماء سلاف ذا يقيني ذاك ديني لي رحى بالحب درات المعاني تحت خفـضي من محاريب الشـرنبي وبصدري وبكعبي عسل صاف لشـربي ذاك حبي ذاك ربي فأدارت كل قطبي تحت رفعي تحت نصبي وقوله: أنا شمسون ساقية من محاريب عالية صاف من وصفه الصفاء كف عيسى بها الشفاء وشماسون سامية حلوة الحال حالية حال من حاله الوفاء وعصا كل عاصية( ) رابعاً: طريقته الصوفية (العلوانية): في ظل القدر المسموح به من حركة الاتصال الحضاري، والفكري والثقافي، بين حواضر العالم العربي الإسلامي، واليمن حينذاك. كان لابد للعديد من الطرق الصوفية الشهيرة أن تلقى طريقها إلى اليمن، وتنتشر هناك، إضافة إلى قيام طرق صوفية خاصة في اليمن، نسبت إلى شيوخ في التصوف حينها، ومنها على سبيل المثال: الطريقة الأهدلية( )، والطريقة الحدادية( )، والطريقة الجبرتية( )، والطريقة العيدروسية( ) وهي على الرغم من انضوائها تحت لواء التصوف الإسلامي عامة، إلا أنها قد تشكلت وفقاً للخصوصية اليمانية، وسميت باسم أعلامها. ومع ذلك فقد دخلت بعض الطرق الصوفية الكبرى الشهرية إلى اليمن، وانتشرت وكان لها اتباعها، وتعايشت جنباً إلى جنب مع الطرق السابقة، ومنها: الطريقة القادرية( )، وقد دخلت إلى اليمن عن طريق اثنين من مشايخ الصوفية هما: الشيخ علي عبدالرحمن الحداد، والشيخ عبدالله الأسدي. والطريقة الرفاعية( ). وقد انتقلت إلى اليمن عن بواسطة الشيخ عمر بن عبدالرحمن بن حسان القدسي (ت 688هـ - 1269م) والذي اجتمع بالشيخ عمر بن سعيد الهمداني وسمله الطريقة الرفاعية. والطريقة المغربية( )، والطريقة الشاذلية( )، وقد انتقلت إلى اليمن عن طريق الشيخ عمر بن دعسين المتوفي (821هـ -1419م)، والطريقة السهروردية( )، وحسب رأي بعض الباحثين أن هذه الطريقة لم يعرف من آثارها سوى الخرقة المنسوبة إليها. وكما أشار العيدروس إلى بعض اتباعها كالعلوي (ت 752هـ - 1352م) أو الجبرتي، شيخ عبدالكريم الجيلي، والطريقة النقشبندية( ). وهي من الطرق الصوفية المتأخرة في اليمن. وقد اخذها أحمد بن محمد العجيلي (ت 1074هـ -1664م) وابنه موسى بن أحمد، والشيخ عبدالباقي المزجاجي (ت 1074هـ - 1664م) ويعد خلف النقشبندي بهذه الطريقة( ). وحسبنا أن نشير بعد عرضنا للعديد من الطرق الصوفية المتأخرة عن الشيخ أحمد بن علوان، إلى أن الشيخ قد أفاد من جميع الطرق التي سبقته أو عاصرته وخرج بطريقة صوفية مزجت بين خصائص هذه الطرق، وحملت الخصوصية اليمانية، بما يمكن أن يطلق عليها تسمية خاصة هي تسمية الطريقة العلوانية والتي من أخص خصائها: البعد عن الدروشة، وأسلوب الشطح والمغالاة، والواقعية، ونزعة المشاركة في الحياة العامة، والاستناد إلى ثوابت المعرفة الدينية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الانفصال عن واقع الناس. وقبل عرض طريقة الشيخ، وتصوفه، باعتبارهما عصارة فكرة المتكامل، ذو النهج والانتماء الخاص به، لابد من التعرف على من أخذ به نحو الطريق الصوفي من المشايخ من جانب، ومن سار على نهجه واتبع طريقته العلوانية من المريدين من جانب آخر. وصولاً إلى تثبيت ما صدر عنه، أو أقر له من الكرامات بنظر أغلب مؤرخي الشيخ في عصره او من اللاحقين عليه بقرون ، لكونه ليس استثناء من دون أقرانه من الصوفية في هذا المجال . أمامنا رأيان فيما يتعلق بشيوخ أحمد بن علوان في التصوف، وحصول تلمذته على بعضهم من عدمه: الأول : يرى بأن الشيخ أحمد بن علوان قد تتلمذ على يد شمس الشموس أبي الغيث بن جميل( ). ويستدل أصحاب هذا الرأي بالمرسالات التي جرت بين الشيخ أحمد بن علوان وأبي الغيث بن جميل. حيث أكدتها معظم الدراسات السابقة، مع مؤلفات الشيخ نفسها. كالرسالة الإخوانية ونصها: "من أحمد بن علوان إلى أبي الغيث بن جميل. أما بعد فإني: جزت الصفوف إلى الحروف إلى الهجاء لا باسم ليلى استعين على السـرى حتى انتهيت مراتب الإبداع كلا ولا لبنى تقل شراع فأجابه أبو الغيث بن جميل بقوله: من الفقير إلى الله غذي نعمة الله في محل الحضرة، أما بعد فإني: تجلى لي الاسم القديم باسمه وحباني الملك المهيمن وارتضـى فاشتقت الأسماء من أسمائي فالأرض أرضي والسماء سمائي يا بن علوان ابت المراهم أن تقع على جرحك، حتى تقدم شراب العقاقير (يقصد شراب المحبة). فحين وصل إليه الجواب، قيل أنه تقدم إليه، وأكمل تلمذته على يده والبسه الخرقة الشريفة( ). أما الشخصية الثانية التي ربما تتلمذ الشيخ على يدها –وحسب الرأي نفسه – فهي شخصية عمر المسن المعروف بالطيار( ) وقد استندت تلك الدراسات على ما يظهر من مرثية الشيخ أحمد بن علوان للشيخ المذكور عند وفاته، حيث وردت في ديوان الفتوح، وقال فيها( ): كنا الظلام وكنت أنت سراجنا لا بالمهين ولا المهين لقادم أسست فينا الخير واستنهضتنا وهديتنا سبلاً بهن سقيتنا تحدوننا، وتشوق نحو الهنا كنا العطاش وكنت أنت الساقي منا أبا حفص ولا البراق لمراتب عليوة ومراقي حييت من هاد ومن سواق حييت من حاد ومن شواق

وبذلك يكون الرأي الأول، قد أثبت تلمذة الشيخ أحمد بن علوان على يد هذين الشيخين. والثاني : يرى بأن الشيخ لم يكن له شيخ أخذ عنه، وقد انفرد به الباحث المعاصر عبد الكريم القدسي( ) حيث علل رأيه هذا بأن الشيخ لم يشر إلى شيخ له صراحة، وأن تلك المراسلة التي جرت بينه وبين أبي الغيث ليست دليلاً على تلمذته على يده، بل إن الخطاب كان موجهاً من شيخ إلى شيخ، وأن بعضاً من كلامه يثبت الوصول إلى الله من غير شيخ( ). كما لا يعد محتوى المرثية للشيخ الثاني دليلاً على تلمذته المباشرة على يده كما أشار بهذا أصحاب الرأي الأول( ) والباحث يرجح الرأي الأول، وهو أن أبا الغيث قد اجتمع بالشيخ أحمد بن علوان بعد المراسلة، وتحاورا معاً، وهو ما يؤكده الجندي أيضاً( ). هذا من جانب، ومن جانب آخر تجدر الإشارة إلى ما أثبتته المصنفات التاريخية من أن أبا الغيث تتلمذ على يد الشيخ على الأهدل، وهو جد الشيخ أحمد بن علوان من طريق أمه، وهذا دليل على الصلة بينهما. يضاف إلى ذلك أبيات الرثاء العلوانية للشيخ عمر المسن، حيث لا يستطيع أحد منا إنكار مضمون التلمذة فيها لوضوحها، ولو لم تكن مباشرة. وفي محاولتنا لمناقشة صاحب الرأي الثاني تبين لنا عدم اتساق بين التمرد والنقد، ورفض التلمذة من أساسها، من جهة. وعدم صمود هذا الرأي أمام الأدلة السابقة وأقوال الشيخ أحمد بن علوان المتعلقة بأهمية الشيخ للمريدين، من جهة ثانية. حيث يقول: " اعلم أن من أراد الله به خيراً من المريدين الطالبين، يسر الله له من أهل هذا المقام، من يتولى تربيته في طريق الحق، وإلا طالت عليه الطريق، وحصل على التعويق، وتزلزل قدمه في طريق الإرادة، فلو جهد نفسه ما خرج من مواطن العادة واطلب الرفيق قبل الطريق، واسمع ما قاله الناصح الشفيق ( ): إذا المرء زكى نفسه بمراده ومن لا تربيه الرجال فيستقى فذاك لقيط ماله نسبة الولاء فقد شاد بنياناً على غير رأسه لبناً لهم قد در من ثدي قدسه ولن يتبع في الدهر أبناء جنسه وفوق ما تقدم كله لا يمنع تأثر الشيخ أحمد بن علوان في تصوفه بالعديد من مشايخ وأقطاب الصوفية، داخل وخارج اليمن، حيث يعدون شيوخاً له بطريقة غير مباشرة. فقد ضمنهم في مؤلفاته، وأشار إليهم تصريحاً أو تلميحاً ممن عاصرهم من اليمن وراسلهم، وممن سبقوه من خارج اليمن وذكرهم، أو ذكر مؤلفاتهم أو أشار إلى أقوالهم. فمن اليمن نجد: الشيخ علي الأهدل، وأبوبكر الأهدل، والشيخ الحكمي، والشيخ مدافع بن أحمد الخولاني، والشيخ عمر بن سعيد بن محمد الهمداني المعاصر للشيخ أبي الغيث بن جميل( )، في حين تدلنا مؤلفاته على ذكره لعدد غير قليل من مشايخ الصوفية من خار اليمن واتباعه مسلكهم سواء في إشارته إلى بعضهم بأسمائهم، واختياره من أقوالهم، ومنهم على سبيل الذكر الحسن البصري( )، وإبراهيم بن أدهم، والبسطامي، والجنيد، والحلاج، والشبلي، ومحمد عبدالجبار النفّري( )، والغزالي مثلاً، أو من تأثر بأقوالهم ومؤلفاتهم وأخذ بأسلوبهم مثلما هو الحال بالنسبة لابن عربي، أو من أعجب بطريقتهم كالشيخ عبدالقادر الجيلاني. هؤلاء جميعاً شكلوا المدرسة الصوفية الكبرى التي تعلم منها بصورة غير مباشرة، وظهر ذلك جلياً، في نظريته الصوفية، ناهيك عن الآثار الفلسفية التي تركها هؤلاء، وغيرهم عليه، كما سيتضح فيما بعد. ولا بد من ذكر مريدي الشيخ أحمد بن علوان، حيث وردت أسماء عديدة من هؤلاء في مؤلفات الشيخ نفسه، الذين راسلهم، أو سافر إليهم أو راسلوه، وسافروا إليه، كأبي العلاء السمكري، وابن أرحب، والشيخ عمر العطاب، وداود النساخ، ومحمد بن عمر الحضرمي، والشيخ علي بن عرمان، وأحمد بن عبدالوهاب، وهم –حسب علم الباحث- من أعلام التصوف في اليمن ومن معاصري الشيخ أحمد بن علوان أو اللاحقين عليه( ). وما بقي من الحديث ذو الصلة بالطريقة الصوفية العلوانية، ونتيجة لها وعنها هو موضوع كرامات الشيخ أحمد بن علوان، وهو حديث يتردد صداه على مسامع الناس منذ عصره، وحتى يومنا هذا. وأن عبارة "يا بن علوان" يرددها من يعتقد به من الناس كلما داهمتهم مصيبة، مهما اكتنف أصل تلك الحكاية من الأسطورة، والخيال. فالرصد الشعبي لكراماته قد بدأ منذ ولادة أمه به ورؤيتها للنجم الذي تحولت قرونه إلى حراب نارية، وتحوله إلى آذان خيل، مروراً بتحكم الجن على يده، وحتى تسميته بالباهوت، تلك التسمية التي أخذت عن لسانه حين كان يرددها في اشعاره( ). ولم يقتصر الحديث عن كراماته بين عامة الناس، بل تعداه إلى الصفوة من المثقفين أو المتصوفة، وكتاب التاريخ اليمني الوسيط ، حيث تشير أغلب نقول تلك المصنفات والتراجم المتعاطفة معه أو الناقدة له إلى ظهور العديد من الكرامات التي رافقت حياة الشيخ أو عقب وفاته( ) وحتى بعض الدراسات المعاصرة التي كتبت عنه تؤكد حصول كرامات متواترة له، وشملت كل من تابعه أو قام بمقامه بعد وفاته من مريديه أو اتباعه، أو من ذريته أو سالكي طريقته الصوفية . وإذا أردنا أن نقف موقف الحياد من كل هذه التفسيرات سواءً منها التي نرجعها إلى الكرامة البحتة، أو تلك التي ترد الكرامة إلى قوة شخصية الشيخ أحمد بن علوان وأثرها على اعتقاد الناس وتصورهم، فإن ما لا نستطيع تجاوزه هو أن أهم كرامة له هي اختيار العناية الإلهية له، وتحول مسير حياته الطبيعية نحو الاشتغال بما هو أهل له، وهو العلم بالله بدلاً من السعي وراء الدنيا الفانية. فكرامة العلم والمعرفة أفضل ما يمكن أن، يناله العبد من ربه في هذه الحياة. ومع ذلك فإن ما نريد تثبيته أيضاً بصدد تقويم الموضوع، ومناقشته هنا، ذلاك التلازم بين الكرامة الصوفية والتجربة الصوفية نفسها، أو أن الكرامة الصوفية مظهراً من مظاهر المعرفة لدى جميع الصوفية. حيث أصبحت الكرامة جزء لا يتجزأ من التجربة الصوفية، أو الفكر الصوفي نفسه عبر تاريخه الطويل من جهة، ومن جهة أخرى فقد جاءت الدراسات المعاصرة وبشكل خاص الدراسات البارا سيكولوجية والنفسية( ).وبعد قرون من تطور العلم لتؤكد بعض الحقائق التي كانت من نسيج الخيال، والأسطورة بنظر الناس على الأقل –أو ممن يؤكدون العلية والسببية في القوانين الطبيعية الظاهرة- مما ينسب إلى بعض الأشخاص الموهوبين، من القيام بأفعال وتصرفات خارقة للعادة أو خارجة عن المألوف أو الوضع الطبيعي، مما يسمى بذوي القدرات فوق الحسية المعروفة والتي تأتي للمتعبد، وغير المتعبد، فكيف بالكرامة التي هي هبة الله لمن يشاء من عباده التي قد تأتي بصورة القدرة على فعل شيء خارج المألوف، فجاءت بصورة المعجزة للأنبياء، وتأتي بصورة الكرامة لأوليائه، فهي فعل الله عن طريق أحد عباده، وذلك مثبت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي التي جعلت الغزالي المؤمن بالسببية ينكرها، ويفسح المجال للتدخل الإلهي، في خرق القوانين المألوفة( )

جبا

[عدل]

قام المستخدم مستخدم:Aya Reyad بالرجوع عن التعديل الاخير الذي قمت به حول وصلة (wikilink) في الموضع (جبا عاصمة المعافر) حيث أن الوصله لكلمة جبا توصل إلى مقالة حول لباس وليس لها علاقة بموضع جبا التي هي في اليمن. --شرعب السلام (نقاش) 00:58، 1 فبراير 2019 (ت ع م)ردّ