نقاش:الحركة العلمية في العصر العباسي
أضف موضوعًااثر تطور العلم في العصر العباسي
[عدل]يظهر اثر تطور العلم في هذاالعصر في إنشاء المدارس ومن أهمها:
- المدرسة المستنصرية: تقع في الجانب الشرقي من بغداد على رأس جسر الشهداء وتمتد جبهتها على ضفة دجلة, شيدها المستنصر بالله الخليفة العباسي السابع والثلاثون (623 هـ-640 هـ)-(1226 م-1242 م).وقد بدأ بإنشائها سنة652 هجرية - 1227 ميلادية واكتملت سنة 631 هجرية - 1233 ميلادية ،وقد انفق على بنائها 700 الف دينار ذهب واوقف عليها املاكا كثيرة تقدر بمليوني دينار, يدر عليها دخلا سنويا يقدر بسبعين الف دينار. والمدرسة المستنصرية تعد أقدم جامعة في العالم من حيث تنوع مواضيع الدراسة فيها إذ كانت تدرس فيها علوم القرآن والفقه والفلسفة والحديث والعلوم التطبيقية كالطب والصيدلة والرياضيات وغيرها. وكانت تشتمل على جميع المستلزمات الضرورية كالمسجد وحجر الدرس والسكن والطعام وخزانة كتب عامرة قدرت بنحو ثمانين الف مجلد ومستشفى وصيدلية وساعة عجيبة وخازن وحمام وبستان ،ومن ملحقاتها دار القرآن ودار الحديث.
- المدرسة النظامية: وهي أول مدرسة بنيت سنة 459 هجرية بناها الوزير السلجوقي نظام الملك وهو وزير محب للعلم نسبت إلى اسمه فسميت بالنظامية وهي من المدارس الحسنة البناء المتعددة المرافق ولم تخل اي مدينة من هذه المدرسة أهمها تلك في بغداد التي فتحت أبوابها للدارسين بعد عامين من بداية انشائها وكان يدرس فيها الفقه والعلوم الإسلامية. ومن أهم مدرسيها الامام الغزالي، كما زارها الرحالة ابن جبير وقال عنها انها اعظم مدارس بغداد وظل بناؤها قائما حتى القرن الخامس الهجري. ولم يقتصر الإقبال على هذه المدارس على الطلاب فقط, بل شمل أيضا الأساتذة الذين تطلعوا ألى التدريس بها حتى وصل الامر بعضهم إلى ان يضحي في سبيل هذه الغاية بالتخلي عن مذهبه في عصر كان التعصب المذهبي سمة من سماته البارزة, ومن هؤلاء: أبو الفتح أحمد بن علي بن تركان المعرف بابن الحمامي سنة 518 هجرية كان حنبليا، فانتقل إلى المذهب الشافعي, وتفقه فيه على يد أبي بكر الشاشي والغزالي فجعله اصحاب الشافعية مدرسا بالنظامية, ويبدو أن انتقال الحنابلة إلى المذهب الشافعي في هذه الفترة كان امرا كثير الحدوث بدرجة ازعجت أحد ائمتهم وهو أبو الوفاء علي بن عقيل 513 هجرية حيث ينقل عنه أبو الفرج بن الجوزي قوله: أن أكثر أعمال الناس لا يقع إلا للناس إلا من عصم الله. أي أن معظم الناس لا يبتغون بأعمالهم وجه الله :وإنما يحاولون التقرب بها إلى ذوي النفوذ والجاه طمعا في متاع الحياة الدنيا, وقد وجد أبو الوفاء المثل على ذلك في انتقال الكثير من أصحاب المذاهب إلى المذهب الأشعري والشافعي بعدما عظم شأن هؤلاء عند الخلفاء، طمعا في المال والجاه. كانت ما تتلقاه هذه المدرسة من الأوقاف يكفي لتوفي كل المستلزمات للدارسين والأساتذة.
- المدرسة الشرابية (القصر العباسي): يعد من أبرز المعلم العباسية الشاخصة اليوم في بغداد وهو بناء فخم فريد في هندسته وتخطيط عمارته، يعود تاريخ تشييده إلى القرن السابع الهجري، ويذهب بعض الباحثين إلى انه دار الامسناة التي تنسب للخليفة الناصر لدين الله العباسي (575 ملادية-622 هجرية) بينما يذكر لفيف آخر منهم إلى انه المدرسة الشرابية التي شيدها شرف الدين إقبال الشرابي مقدم الجيوش في زمن الخليفة المستنصر بالله والمعتصم بالله العباسيين. وتذكر المصادر التاريخية ان بناء المدرسة الشرابية قد اكمل في سنة 628 هجرية. ويتألف هذا البناء العباسي من طابقين يحيطان بصحن واسع مستطيل الشكل مساحته 430 مترا مربع ويتوسط الضلع الشرقي ايوان كبير ارتفاعه نحو 9 أمتار وتوجد مجموعة من الحجر والقاعات في كل طابق. وان جميع واجهات البناية مزدانة بزخارف آجرية جميلة التكوين تتألف من عناصر هندسية ونباتية وأبرز الحليات المعمارية تشاهد في الرواق الجنوبي.
وهناك الكثير من المدارس الأخرى من ابرزها المدرسة المرجانية والمدرسة العصمتية ومدرسة سابور بن اردشير التي قال عنها الامام السبكي: انها أول مدرسة فتحت للفقهاء... ولم يكن التعليم فقط في المدارس بل كان منتشرا في الحلقات العلمية المختلفة في هذا العصر وكان لكل فرع من المعرفة حلقته أو حلقاته الخاصة.. ومن أبرز الحلقات كانت حلقة المتكلمين لما يجري فيها من مناظرات ومحاورات بينهم وبين أصحاب الملل والنحل. وكان يتحلق كثيرون في حلقات اللغوين والنحاة, ويقال أنه كان يحضر حلقة ابن الاعرابي الكوفي زهاء مائة شخص, وكثيرا ما كانت تحتدم المناظرات بين أصحابها على نحو ما يروى مسألة محاورا ومناقشا مناقشات مستفيضة. وكانت هناك حلقات للفقهاء والمحدثين والمفسرين والنحوين والشعراء والقصاص وغيرهم. وهذه الحلقات الكثيرة لم يكن يشترط للحضور فيها أي شرط سوى التزام قواعد السماع وآداب الحوار والمناظرة (التي جاء على ذكرها عدد من الأدباء والفقهاء والمتكلمين, وفي مقدمتهم الغزالي..). والملاحظ في هذا العصر كثرة العلماء والمتخصصين في كل علم وفن, حتى ليروى ان النضر بن شميل تلميذ الخليل بن أحمد حين عزم على الخروج من البصرة إلى خراسان شيعه نحو ثلاثة آلاف شخص بين محدث ولغوي ونحوي وأخباري. وأذا كانت البصرة قد اشتملت على هذا العدد الوفير من العلماء فأنه مما لاشك فيه أن بغداد كانت تضم منهم أضعاف ذلك. من الظواهر التي برزت في هذا العصر أيضا هي دور الوراقين المعروفة اليوم بالمكتبات ومن أهمها مكتبة دار الحكمة أو بيت الحكمة التي أنشأها الخليفة هارون الرشيد وعمل ابنه المأمون من بعده على امدادها بمختلف الكتب في الطب والفلسفة والرياضيات ومختلف المخطوطات الارامية واليونانية والهندية والمصنفات, فصارت تحتوي على جميع الكتب في العلوم, كما كان للعلماء والكتاب الذين يتقاضون وزن الكتب ذهبا والمترجمين الذين ينقلون الكتب من وإلى اللغة العربية والأدباء الذين كانو يرتادونها أكبر الأثر في تقدم الحركة العلمية ونشر الثقافة العربية.
وروى ابن خلكان: انه في إحدى مدارس نيسابور, كان يوجد خمسمئة دواة معدة لمن يريد الكتابة, وأن الحاكم بأمر الله الفاطمي قد انفق على مكتبته التي انشأها في القاهرة أموالا طائلة, وذكر: أن الصاحب بن عباد أوقف مكتبته عل الري. وروى ياقوت ان مرو كان فيها في مطلع القرن السابع الهجري عشر خزائن للوقوف جميعها مجانية, والإعارة فيها دون رهن, (معجم البلدان :8/36). أما مكتبة سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي التي انشأها في حي الكرخ في بغداد سنة 382 هجرية كجزء من دار العلم, فقد أوقف عليها أوقافا كثيرة, وبلغ مجموع كتبها عشرة آلاف مجلد, معظمها بخط أصحابها. والمكتبات في هذا العصر لم تكن مجرد أماكن لبيع الكتب إنما كان أصحابها من الأدباء ويجتمع فيها من العلماء والأدباء للمناقشة وطرح الأسئلة وكانت المكتبات على ثلاثة أنواع منها العامة التي تعير الكتب لعامة الناس وللفقراء والطلاب، والخاصة التي كانت موجودة في بيوت الخلفاء والأمراء والأغنياء، والمكتبات بين العامة والخاصة التي تعير الكتب لطبقة معينة من العلماء والطلاب.
المصدر: كتاب بغداد للدكتور عيسى سلمان