انتقل إلى المحتوى

ويكيبيديا:مشروع المعرفة/دورات المسابقة/الدورة الثالثة/محمد ناصر النصر الله

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

المشارك

محمد ناصر النصر الله

فئة المشارك

غير مُحددة

عدد المقالات

2
ملاحظات ضرورية!
  • تأكد من مطابقة مقالاتك لشروط مقالات المشروع ليتمّ احتسابها.
  • أضف {{مقالة مسابقة|مشروع المعرفة - الدورة الثالثة}} إلى صفحة نقاش مقالاتك الجديدة من أجل إحصائها.
  • أضف المقالات التي طوّرتها منفصلةً في قسم "المقالات المطورة".
  • إذا احتجت لمساعدة، فضلًا اطرح سؤالك في هذه الصفحة.

بالتوفيق!

المقالات المنشأة[عدل]

م المقالة
1 مقالة 1

سورة الماعون دراسة تحليليةنص مائل

المقـــــــــــــدمـــــــــــــــــــة

       الحمد لله الذي نزل كتابه الكريم على نبيه الاكرم تبيانا لكل شيء , وجعله و جعله في حفظ وحماية من الدنس والتحريف إذ قال : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ل[1]  , وله الشكر على ما من به علينا من الهداية بهذا الدين الحنيف والمذهب الشريف والكتاب اللطيف .
     وها أنا اقف بين يدي الله عز وجل وامام اعظم رسالة في الخلق واقعد عند سورة من سور القرآن الكريم الا وهي : سورة الماعون حسب التسمية المشهورة , وأنهل من نمير عذبها , واستقي من صافي وردها لتنير العقل وتفتح الافاق المعرفية من مدرسة القرآن الكريم .
     وقد اتكأت في بحثي هذا على كتاب الله العزيز وبعض التفاسير التي وجدت فيها مادة كافية لتعطي التحليل الكافي لهذه السورة المباركة , وكذلك استعنت ببعض المعاجم العربية لكي اتوصل الى المعاني الرائعة في آياتها السبع , مما جعلني احيط بمعانيها اللغوية المتعارفة لدى أهل اللغة . 
     وكذلك استعنت على المادة بالبحث الالكتروني لتذليل بعض الصعوبات , وتوفير بعض المصادر غير المتوفرة عندي ذاكرا المصدر الالكتروني الذي استللت منه واستعنت به .
    ذكرت بإيجاز أهمية هذا البحث لكي يتعرف القارئ عليها قبل الولوج الى صلب البحث , ثم تطرقت الى بعض اهداف البحث المرجوة من هذا الجهد لكي اختصر المقام للمتتبع لهذا البحث , وبعدها تعرضت لذكر مشكلة البحث وهذا مما ينفع ذكره البحث العلمي , ليتبين مستوى الجهد المبذول لأجل التعرف على هذه الكلمات النورانية من كتاب الله العزيز .
     ثم بدأت البحث بذكر معاني المفردات المهمة في السورة المباركة من خلال المعاجم اللغوية لتسهيل فهم الآية وربط معانيها بسابقتها ولاحقتها وهذا مما يزيد في تيسير فهم المراد .
     وبعد ذلك شرعت في تحليل الآيات حسب آراء المفسرين واللغويين وذكرت النكات اللغوية والبلاغية وغيرها مما ينفع في المقام  , وهذا ما استطعت التوصل اليه لفهم كلام الله والاشارة الى منافع هذا النور العظيم , والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين 

أهمية البحث:

       تدبر القرآن هو التأمل لفهم المعنى، والتوصل إلى معرفة فوائد الآيات وأهدافها، وما ترمي إليه من المعاني والحكم والأحكام، وذلك بقصد الانتفاع بما فيها من العلم والإيمان، و الاهتداء  بها والامتثال بما تدعو إليه.

وقد حوت سورة الماعون على بيان المنهج القرآني في باب المعاملات والأخلاق ؛ وقد اشتملت سورة الماعون على ذكر جملة من التعاملات والأخلاق سواء مع الخالق أو المخلوق؛ وهي ترسم صورة قبيحة لنفس الكافر والمنافق الذي لا يحسن التعامل مع الله ولا مع خلقه ؛ ومعرفة تفسيرها والوقوف على فوائدها يجعل المؤمن في حذر من الوقوع فيما حذر الله منه؛ ومن هنا تبرز أهمية هذا الموضوع.

أهداف البحث: 1 ـ إبراز ما ذم الله به الكفار والمنافقين من الأخلاق السيئة في هذه السورة العظيمة. 2 ـ إظهار ما اشتملت عليه الآيات من فوائد عظيمة في التحذير من مشابهة الكافرين والمنافقين. 3 ـ تعزيز الصفات الحسنة في نفس المؤمن بتقبيح أضدادها كما بينتها السورة، وتضمنتها آياتها. 4 -جمع ما كتبه العلماء المتقدمون وكذا المعاصرون حول آيات سورة الماعون، وما حوتها من لطائف وفوائد وأحكام.

مشكلة البحث:

       هذه السورة رغم قصرها الا أنها احتوت الكثير من الفوائد واللطائف ضمن آياتها، وقد اهتم العلماء في إبرازها ما بين مكثر ومقل، وقد انتشرت في المجتمعات ما حذر الله تعالى منه في الآيات ، فعزمت على جمع فوائد هذه السورة وإبرازها مما يجعل المؤمن في حذر من الوقوع فيما حذر الله منه في آيات السورة.	


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1 (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) . ﴾

      الحمد لله الواحد الاحد الفرد الصمد , وله الحمد على ما الهم , وله الشكر على ما اكرم , وأسأله جل شأنه ان يجعلني من خدمة كتابه العزيز القرآن الكريم , وها انا اتأمل بإحدى سور القرآن المباركة واعتمد ما قاله العلماء الاعلام والمفسرون الكرام ؛ وهي سورة الماعون المباركة , ولعل النظرة الاولى والتأمل الافتتاحي لهذه السورة المباركة يعطينا معنىً اجماليا لها ؛ فهي سورة تذكر صفات المنكر ليوم الحساب والمنافق [2]  , وذكرها لصفات هؤلاء على خمس مراحل فهؤلاء نتيجة لتكذيبهم بذلك اليوم , لا ينفقون في سبيل الله , ولا مساعدة اليتامى والمساكين , ثم هم يتساهلون في الصلاة , ويعرضون عن مساعدة المحتاجين [3] . 
     سورة الماعون التي نتبرك بها  مكية ؛ واسلوبها الذي يتحدث عن منكري يوم القيامة وعن صفاتهم واعمالهم يؤيد انها مكية وليست مدنية , وهذا ما ذكره اكثر المفسرين .
     وفي تسميتها عدة اطروحات : [4] 

الاولى : الماعون , وهي التسمية المشهورة . الثانية : اليتيم كما سماها ابو البقاء العكبري . الثالثة :السورة التي ذكر فيها الماعون أو التي ذكر فيها اليتيم . سيرا على طريقة الشريف الرضي قدس سره . الرابعة : الاشارة لها برقمها في المصحف المتداول وهو (107) .

      أما سبب نزول السورة المباركة فقيل انها نزلت في أبي سفيان الذي كان ينحر في اليوم اثنين من الابل ويطعم اصحابه , ولكن يتيما جاءه يوما يطلب منه شيئا فضبره بعصاه وطرده .
     وقيل : انها نزلت في الوليد بن المغيرة , وقيل : في العاص بن وائل . 
       و أما فضيلة هذه السورة  , فقد ورد عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال : ( من قرأ :﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ في فرائضه ونوافله ؛ قبل الله صلاته وصيامه , ولم يحاسبه بما منه في الحياة الدنيا)[5]  .
       لعله من المهم ان ابدأ قبل الخوض في غمار السورة المباركة أن اتعرف على معاني بعض المفردات وما قاله المفسرون و أهل اللغة في تلك المعاني , واليكم بعض ما نحتاجه من تلك المعاني الشريفة :

الدِّين :يقال للطاعة والجزاء ,واستعير للشريعة , والدين كالملة لكنه يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشريعة [6] . يَدُعُّ : بالتشديد : يدفع , وقُرئَ بفتح الدال وتخفيف العين : أي يهمله , والله اعلم [7] . اليتيم : اليتم ؛ انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه [8]. يَحُضُّ : الحضٌّ ؛ التحريض كالحث , الا ان الحث يكون بسوق وسير, والحض لا يكون كذلك [9] . ويل : الوَيْلُ :حلول الشر . والويلةٌ : الفضيحة والبليّة ,واذا قال : واويلتاه , فإنما معناه : وا فضيحتاه [10] . ساهون : السَّهْوُ : الغفلةُ عن الشيء , وذهاب القلب عنه , وسها الرجل في صلاته اذا غفل عن شيء منها[11] . يُرَاءُونَ : راءى فلان يرائي . وفعل ذلك رئاء الناس , وهو ان يفعل شيئا ليراه الناس[12] . الماعون : اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس والقصعة ونحو ذلك , مما جرت العادة بإعارته . والانقياد والطاعة والماء والمعروف والزكاة[13] .

      هذه المعاني المهمة تنفع في الفهم الصحيح لآيات الكتاب العزيز , وتزرع الفهم الاولي في ذهن المتلقي , وتعطي للباحث امكانية الوصول الميسر الى شرح وتوضيح ودراسة الآيات الكريمات  , ومن هنا يمكن لنا ان ننطلق في دراسة تحليلية ذات لمحات بلاغية لسورة الماعون المباركة .

﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) ﴾

        افتتاح السورة المباركة بهذا الاسلوب وهو اسلوب الاستفهام الاستنكاري , وهو ليس استفهاما حقيقيا , ذلك لأن الله تبارك وتعالى لا يريد ان يسأل النبي (صلى الله عليه وآله ) ؛ هل انه رأى الذي يكذب بالدين أم لم يره , وهذا الاسلوب يكون اكثر وقعا في النفس وفيه معنى واضح للاستنكار على المكذب بيوم الدين وهو يوم القيامة والمعاد ,فالاستنكار هنا بسبب عملهم الخاطئ الذي وقعوا فيه وهو التكذيب والجحود بما آمنت وسلمت به جميع الديانات السماوية السابقة , ثم اراد ان يبين اهم صفات ذلك المكذب بيوم الدين وماذا يترتب عليه فقال تبارك وتعالى :

﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) ﴾

     ذلك ؛ اسم اشارة للبعيد , وهذا نوع من الاساليب البلاغية ؛ لعله اراد التعريض بمن يكون على هذه الشاكلة أو بذات الشخص المقصود بقوله :  ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي... ﴾ . 

وحينما نتأمل في هذه الآية المباركة نلاحظ اسلوبا بلاغيا اخر فقد جاءت الصفة الاولى للمكذب بالدين على صيغة الجملة الفعلية : ﴿... يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ لأنها تفيد الحدوث والتجدد بعكس الجملة الاسمية التي لا تفيد الحدوث عادة الا اذا جاءت قرينة دلت على الحدوث وفي هذا المجال ذكر الدكتور عبد العزيز عتيق : (الجملة الاسمية لا تفيد الثبوت بأصل وضعها ولا الدوام والاستمرار بالقرائن إلا إذا كان خبرها مفردا أو جملة إسمية، أما إذا كان خبرها جملة فعلية فإنها تفيد التجدد. فإذا قلت: «الدولة تكرّم العاملين من أبنائها»، كان معنى هذا أن تكريم الدولة للعاملين من أبنائها أمر متجدد غير منقطع , أما الجملة الفعلية فموضوعة أصلا لإفادة الحدوث في زمن معين، فإذا قلت: «عاد الغريب إلى وطنه» أو «يعود الغريب إلى وطنه» أو «سيعود الغريب إلى وطنه» لم يستفد السامع من الجملة الأولى إلا حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن الماضي، ولم يستفد من الجملة الثانية إلا احتمال حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن الحاضر أو المستقبل، كما لم يستفد من الجملة الثالثة إلا حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن المستقبل)[14] , وعلى هذا الاساس فان الآية هنا تدل على الحدوث في الزمن الحاضر والزمن المستقبل وبهذا تكون هذه الصفة ملازمة للمنكرين والمكذبين بيوم الدين اعاذنا الله واياكم . ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) ﴾ وهذه الصفة الثانية ؛ فالمنكر للدين وللمعاد لا يهتم بالأمور المعنوية والخيرية ولا يساهم في مساعدة المساكين او اطعامهم لان هذا الامر خارج عن اهتماماته اصلا لأنه جاحد بالدين فلا يوجد في منظومته الفكرية ما يحثه على اطعام المسكين فضلا عن الحض على هذا الامر المحمود , وهذه الصفة كسابقتها من الناحية البلاغية فإنها تفيد الحدوث والاستمرار ,لأنها في سياق الجملة الفعلية , فهو لا يحض على طعام المسكين والمحتاج وعدم الحض والحث هذا مستمر عليه ويعتبر صفة ملازمة لشخصه كما هو واضح من سياق الآية الشريفة . ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) ﴾ ويستمر وصف اولئك المكذبين بالدين وتذكر لنا هاتان الآيتان صفة ذميمة اخرى لهم وهي انهم لا يهتمون للصلاة بل لا يقيمون لها وزناً ,قال صاحب تفسير الامثل : السهو : هو الخطأ الذي يصدر من الانسان عن غفلة , سواء أكان مقصراً في المقدمات أم لم يكن . في الحالة الاولى لا يكون الساهي معذورا , وفي الحالة الثانية معذور . والمقصود في الآية السهو المقرون بالتقصير .

        ويلاحظ أن الآية لم تقل « في صلاتهم ساهون » , لان السهو في الصلاة يعرض لكل فرد , ولكنها قالت :«عن صلاتهم ساهون»  فهم يسهون عن صلاتهم بأجمعها[15]  .
    ولدى تأملي في هذه السورة المباركة وبالأخص في هذه الآية الشريفة ؛ لاحظت انها كلمة « ساهون » جاءت على صيغة اسم الفاعل كما هو واضح , وهذه الصيغة لا تدل على الحدوث والتجدد انما تدل على الثبات والملازمة لحالة واحدة , وتدل على تأكيد ذلك الامر وهو « السهو » وذا يعني انهم لا ينفكون عن حالة السهو عن الصلاة , وهي صفة بائسة نستجير بالله تعالى . 
     وفي هذا الصدد أود ان اذكر مناقشة جديرة بالذكر طرحها السيد الشهيد الصدر «قدس سره» وهي في معاني السهو قال[16]  :

المعنى الأول : ترك الصلاة . فإن قلت : إنه قد فرضهم مصلين . قلنا : إن المصلين هنا بمعنى المسلمين - ظاهراً – أو هم من اهل القبلة .لكي ينسجم المعنى , فهم مصلون , لاقتضاء الصلاة لهم بالاقتضاء التشريعي , يعني من تجب الصلاة عليهم . في مقابل الاديان الأخرى التي لا تؤمن بالصلاة . المعنى الثاني : الشك والسهو الواقع في الصلاة . قال الشهيد الثاني [صاحب الروضة البهية] : ان كلا منها يطلق على الآخر , استعمالا شرعيا أو تجوزاً لتقارب المعنيين . ولكن هذا المعنى غير مقصود لأكثر من وجه واحد : الأول : ان هؤلاء الساهين معاتبون بقوله : ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ ولم يقل : للساهين . الثاني : ان الشك والسهو غير اختياري عادة , فلا يكون الفرد معاتباً عليهما , لان العتب والعقاب خاص بما هو اختياري . فنستنتج من ذلك ان هذا الوجه غير محتمل .

إلا ان نقول : إن الشك والسهو وان لم يكن اختيارياً , إلا انه أن اسبابه قد تكون اختيارية . فالعتب يتوجه على عدم ترك اسبابه ورفعها . ولكن ما هي هذه الاسباب , أعني المنتجة لزوال الشك والسهو ؟ هي على نحوين : الأول : الراحة الدنيوية ؛ يقال : أرح ذهنك لكي لا يكثر سهوُكَ . الثاني : التكامل في درجات اليقين , فان حصول ذلك هناك يكون متعذراً ونادراً . المعنى الثالث : ما فهمه صاحب الميزان قدس سره حيث قال : غافلون لا يهتمون بها , ولا يبالون ان تفوتهم بالكلية أو في بعض الاوقات أو تتأخر في وقت فضيلتها . وهكذا .

﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)﴾

       وهذه صفة اخرى للذين يكذبون بالدين , وهي الرياء ؛ فهم يتوجهون بعملهم ولا سيما الاعمال العبادية الى الناس لا الى رب الناس , وبهذا يحبط عملهم  . وهذه الآية الكريمة متعلقة بالتي قبلها ؛ فهم يراؤون في صلاتهم التي عبر عنهم انهم ساهون عنها  , ولعل هذه الآية تعطينا معنىً جديداً للسهو الذي ذكرناه فيما سبق وهو : انه قد يطلق السهو ويراد به ما اذا كان المصلي قد أدى الحركات الصلاتية ولكنها عبارة عن حركات استعراضية ومجرد رياء لا يبتغي فيها وجه الله , وبهذا يكون قد سها عن صلاته الحقيقية ولم يؤدِ ما عليه من فريضة . 
     وهنا تجدر الاشارة الى ما ذكره السيد الشهيد الصدر «قدس سره» حول تكرار : «الذين هم» في الآيتين , فقال : ينبغي التعرف على اعراب الجملة قبل الشروع  في الجواب[17]  .
        «ويل» مبتدأ خبره محذوف , والجار والمجرور متعلق به  . و «هم» مبتدأ و «ساهون» خبره . و  «عن صلاتهم» جار ومجرور متعلق باسم الفاعل . ويكون التقدير : الذين هم  الساهون عن  صلاتهم .
      فالضمير «هم» ليس ضمير فصل . بل مبتدأ نحتاج اليه ليكون عائداً على الموصول . بل حتى لو لم يذكر الضمير لاحتجنا الى تقديره . 
      «والذين» مبتدأ و «هم»  مبتدأ ثانٍ , خبره «يراؤون» والجملة خبر للمبتدأ الاول .
     أو «هم» ضمير فصل يفيد التأكيد , وبالتالي لا تحتاج الجملة الى وجوده  , لكون العائد صالحا في ان يكون هو فاعل «يراؤون» فهنا يتـأكد السؤال : لماذا وجد الضمير ؟

جوابه من عدة وجوه :

الوجه الأول : - كأطروحة - : لعل هناك قراءة بترك «هم» . وهذا لا ينافي السياق اللفظي القرآني . والاحتمال مبطل للاستدلال المقابل . الوجه الثاني : ما عليه المفسرون من انه وضع لأجل إيجاد التماثل بين الآيتين , واحراز وحدة السياق اللفظي بينهما , ولو تركت لما حصل ذلك . الوجه الثالث : ان «هم» تفيد التأكيد . والحاجة التأكيد متحققة . وهي التركيز على عصيانهم وفسقهم وسوء تصرفهم . فهم مضافا الى كونهم «ساهون عن صلاتهم» فانهم ايضا يراؤون ويمنعون الماعون . الوجه الرابع : ان فيه اشعاراً بالتقييد والتحديد , دون ارادة الكلي المفهوم بدون الضمير . فهذه الصفات خاصة بهم لا تتعداهم الى غيرهم . وهم الجماعة المعنية التي تُفهم على المستوى المعنوي من التفكير . وهي جماعة كلية لا جزئية . لهم ثلاث صفات : السهو في[لعله أراد : عن ] الصلاة , والرياء , والمنع عن الصدقات . هذه هي الوجوه الأربعة التي تنفع في تصور سبب التكرار المذكور والله المسدد والمؤيد .

﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)﴾
       صفة المنع والبخل ايضا من الصفات الملازمة لتلك الشخصيات المنحرفة التي فيها ما فيها من صفات الرذيلة والتي تبعد عن الله تبارك وتعالى , و«المنع» مقابل «البذل» والعطاء والسخاء وهذه صفات يحبها الله جل شأنه , فالمنكر للدين لا يتحلى بهذه الصفات الحميدة عادة كما ذكرنا , فهم يمنعون كل انواع العون والبر و الخير وتكون دائما نفوسهم شحيحة تجاه الخير والاحسان .

وهنا تجدر الإشارة الى ما ذكره الدكتور طارق اسماعيل سليمان في بحث له:

    (  معناها: أي يمنعون الناس منافع ما عندهم، وأصل الماعون من كل شيء منفعته. ويمنعون الماعون الزكاة أو ما يتعاور في العادة والفاء جزائية. والمعنى إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصالة التي هي عماد الدين والرياء الذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة السالم أحق بذلك ولذلك رتب عليها الويل، أو للسببية على معنى فويل لهم، وإنما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على سوء معاملتهم مع الخالق والخلق . 
       ولم يذكر المفعول للمنع، إما للعلم به، أي: يمنعون الناس، أو الطالبين، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه، تنبيها لخساستهم، وضنهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد . 
        التنديد بمانعي الماعون سواء أكان المعونة عامة أم الزكاة أم أدوات البيت جدير بالتنويه من حيث كون منع الماعون مظهرا من مظاهر عدم التعاون وعدم تبادل المعروف أو عدم بذل ما يكون الآخر في حاجة إليه من عون. ومن حيث تضمنه حقا لكل مسلم على تجنبه وعلى بذل كل عون يقدر عليه إلى من هو في حاجة إليه . - وقوله: «ويمنعون الماعون» أي: لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم.  فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى . 

قال المحققون في الملاءمة بين قوله: يراؤون وبين قوله: ويمنعون الماعون كأنه تعالى يقول الصلاة لي والماعون للخلق، فما يجب جعله لي يعرضونه على الخلق وما هو حق الخلق يسترونه عنهم فكأنه لا يعامل الخلق والرب إلا على العكس .

        وأخذ منها أنه يستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ويتفضل عليهم ولا يقتصر على الواجب . فإن قيل على هذا: كيف خص المنافقين، وهم شر الخليقة بمنع الماعون، وهو من المحقرات، وفيهم من الكبائر ما هو أكبر من كل كبيرة قيل: هذا تنبيه على بخلهم، وسوء خلتهم ، وموضع عداوتهم ، وإشارة إلى غاية بغضهم للإسلام وأهله، وذلك أنهم إذا منعوا ما لا يرزأ مالاً ولا يغير حالاً فهم للكثير أمنع ، وإذا لم يصلوا من مضرة المسلمين إلا إلى منع الحقير فهم بغير ذلك أدع، وإليه أسرع )[18]  .

الخاتمة

        بعد الخوض في غمار سورة الماعون المباركة واتمام ما تمكنت منه , اسأل الله تبارك وتعالى ان يوفقني لهذا العمل وان اسير مع منهج القرآن العظيم , وان أكون قد استفدت من معاني ومضامين هذه السورة المباركة وكلي أمل ان اكون نافعا في هذا الجهد الذي بذلته وموفقا لوضع الأمور في مواضعها الصحيحة , وأن لا اكون قد تجنيت على كتاب الله العزيز أو تجاوزت حدود فهمي وعلمي .
       هذا ما تمكنت من ادراكه وفهمه من هذه السورة المباركة قد وضعته بين يدي أستاذي جناب الدكتور شــهـــيـــب زادگــان دام توفيقه , ليبين لي مواطن الضعف و الهفوات التي قد اقتحمتها ووقعت فيها ولكي يتسنى لأستاذنا الموقر تقويم هذه البحث ووضعه على الجادة الصحيحة من البحث العلمي الرصين .

وأسأل الله تعالى ان يكون هذا العمل مقبولا عند الله تعالى وعند نبيه الكريم وآله الاطهار , فان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم : ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾[19] وآخر قولي : ان الحمد لله رب العالمين , أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً , وله المنة على نعمة العافية وسلامة الدين والدنيا . والصلاة والسلام على خير الانام محمد المصطفى وعلى آله السادات الميامين الكرام . ___________________________________

 الهوامش :
 1-سورة التوبة , الآية :  105.
 2-من كتاب الخرائط الذهنية , السحيباني , صفية عبد الرحمن , ص60 .
 3-الامثل , الشيرازي , ناصر مكارم , ج20  , ص 375 .
 4-منة المنان في الدفاع عن القران , الصدر , محمد محمدصادق , ص 155 .
 5-مجمع البيان ,ج10 , ص 546 .
 6-المفردات للراغب , كتاب الدال , باب : دين , ص 323 .
 7-املاء ما من به الرحمن , العكبري , ابو البقاء , ج2 , ص295 .
 8-المفردات للراغب , كتاب الياء , باب : يتم , ص889 .
 9-المصدر نفسه , كتاب الحاء , باب : حض , ص241 .
 10-كتاب العين مرتبا على حروف المعجم   , باب : الواو , ج4 , ص407 .
 11-المصدر السابق ,باب : السين ,ج2 , ص290 .
 12-معجم مقاييس اللغة , مادة : ر أ ى  , ج2 , ص473 .
 13-المعجم الوسيط , ص 878 .
 14-علم المعاني , عبد العزيز عتيق , ص49 
 15-الامثل , ج20 , ص377 . 
 16-منة المنان , ج1 , ص162 .
 17-المصدر السابق , ج1 , ص163 .
 18-الفوائد المستنبطة من سورة الماعون دراسة استقرائية , د. طارق اسماعيل سليمان , المجلة 

الالكترونية الشاملة متعددة المعرفة لنشر الابحاث العلمية والتربوية , العدد السابع عشر «أيلول»2019 , ص17 .

 19-سورة الحِجر , الآية : 9  .

المصادر:

1- القرآن الكريم . 2- املاء ما من به الرحمن , العكبري , ابو البقاء . 3- تفسير الامثل , الشيرازي , ناصر مكارم. 4- الخرائط الذهنية , السحيباني , صفية عبد الرحمن . 5- علم المعاني , عبد العزيز عتيق . 6- الفوائد المستنبطة من سورة الماعون دراسة استقرائية , د. طارق اسماعيل سليمان , المجلة الالكترونية الشاملة متعددة المعرفة لنشر الابحاث العلمية والتربوية , العدد السابع عشر «أيلول»2019 . 7- كتاب العين مرتبا على حروف المعجم ,الفراهيدي , الخليل بن احمد . 8- مجمع البيان ,الطبرسي . 9- مفردات الفاظ القرآن ,الراغب الاصفهاني . 10- معجم مقاييس اللغة ,ابو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا . 11- المعجم الوسيط, مجمع اللغة العربية . 12- منة المنان في الدفاع عن القران , الصدر , محمد محمدصادق .

المقالات المطورة[عدل]

م المقالة
1 مقالة 1