انتقل إلى المحتوى

مستخدم:أبو العباس/ملعب 1

من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
أمير المُؤمنين
أبو جعفر المنصور
عبد الله بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب الهاشِميُّ القُرشي
رسمٌ تخيُّلي للخليفة أبُو جعفر المنصُور

معلومات شخصية
الميلاد صفر 95هـ / نوفمبر 713م
الحميمة، جند الشراة، الخلافة الأمويَّة
الوفاة 6 ذي الحجَّة 158هـ / 6 أكتوبر 775م

(بالهجري:63 سنة و9 أشهر)

(بالميلادي: 61 سنة و 11 شهر)
مكة، الحجاز، الخلافة العبَّاسية
مكان الدفن مقبرة المعلاة، مكَّة المُكرَّمة، السعودية
الكنية أبو جعفر
اللقب المنصور
العرق عربي
الديانة مسلمٌ سُنيٌ
الزوج/الزوجة زوجاته:
أم موسى الحِميَريةحمَّادة بنت عيسىفاطمة بنت محمد التيمي
الأولاد جعفر الأكبرمُحمَّد المهديسليمان جعفر الأصغرصالح المسكينالعالية (للمزيد)
الأب مُحمَّد بن علي العبَّاسي
الأم سلامة بنت بشير البربريَّة
إخوة وأخوات إبراهيم الإمام أبو العبَّاس السَّفَّاح(للمزيد)
منصب
الخليفة العبَّاسي الثاني
الحياة العملية
معلومات عامة
الفترة 13 ذو الحجة 136 - 6 ذو الحجة 158هـ
(10 يونيو 754 - 6 أكتوبر 775م)
أبو العبَّاس السَّفَّاح
مُحمَّد المهدي
السلالة بنو العبَّاس

أميرُ المُؤمِنين وخليفةُ المُسْلمين أبُو جَعْفَر عبد الله المَنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب الهاشميُّ القُرشي (صفر 95 - 6 ذو الحجَّة 158هـ / نوفمبر 713 - 6 أكتوبر 775م) المعرُوف اختصارًا بكنيته ولقبه معًا أبُو جَعْفَر المَنْصُور أو المَنْصُور، هو ثاني خُلفاء بني العبَّاس، والخليفة الواحد والعشرون في ترتيب الخُلفاء بعد النَّبيُّ مُحمَّد. بُويع له بالخلافة في 13 ذو الحجَّة 136هـ / العاشِر من يونيو 754م، بعد وفاة أخيه أبي العَبَّاس السَّفاح.

وُلد عبد الله بن مُحمَّد المعرُوف لاحقًا بكنيته أبو جعفر..

شارك أبو جعفر في الثورة العبَّاسيَّة ..

ساهم أبو جعفر في خلافة أخيه ..

تولَّى أبو جعفر الخلافة بعد ..

واجه أبو جعفر العديد من الثورات والتحديات ..

ونتيجةً لاهتمامه بالعِلم والعُلماء ..

بنى المنصُور عاصمته الجديدة بغداد ..

تُوفي المنصُور أثناء سفره للحج ..

يُعتبر المنصُور المُؤسس الحقيقي .. والجد الجامع للخُلفاء العباسيين ..

نشأته وتعليمه[عدل]

نسبه[عدل]

هو عبد الله المنصور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالِب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

والدهُ هو الإمام مُحمَّد بن علي الحفيد المباشر للصَّحابي عبد الله بن عبَّاس، ويُصنف من التابعين، فقد كان عالمًا زاهدًا وأكبر أولاد أبيه علي بن عبد الله المعرُوف بالسَّجَّاد.[1]

والدتُه هي أمُّ ولد تُدعى سلامة بنت بشير من قبيلة صنهاجة البربريَّة من مدينة نفزة في إفريقية.[2][3][4][5][6] وقيل من مولَّدات البصرة.[7] اشتراها مُحمَّد بن علي بعد جلبها من نفزة، فحظيت لديه، وولدت له عبد الله أبو جعفر، فأعتقها ثم تزوَّجها.[8][9][10]

ولادته[عدل]

ولد عبد الله في شهر صفر سنة 95هـ / نوفمبر 713م على أصح الأقوال.[6][11][12][13][14][15] ويُقال أنه ولد في ذو الحجَّة سنة 95هـ / سبتمبر 714م،[16][17] وقيل بل ولد في سنة 101هـ / 720م،[18] أو في إحدى السنوات التالية 93 و94 و95هـ / 712 و713 و714م.[19]

أجمع معظم المُؤرخين أنه ولد في قرية صغيرة تُدعى الحُمَيْمَة، وهي من بلاد البلقاء الواقعة في جند الشراة الشَّامية.[6][14][20][21] وقيل بأنه ولد في إيذج قرب الأهواز.[22] نقل عن والدته سلامة قولها: «رأيتُ حين حملتُ به، كأنه خرج مني أسد فزأر، وأقعى على يديه، فما بقي أسد حتى جاء فسجد له».[14]

وهو الولد الثاني بعد أخيه غير الشَّقيق إبراهيم. يُقال أن تسميته بعبد الله هو نتيجة وصيَّة من أبي هاشم إلى مُحمَّد بن علي قائلًا له:«.. وأعلم أن صاحب هذا الأمر من ولدك عبد الله بن الحارثيَّة ثم عبد الله أخوه الذي أكبر منه ..»، ما جعل مُحمَّد بن علي يُطلق اسم عبد الله على كلا ولديه، إيمانًا منه بأن الخلافة ستؤول إلى أحدهما، وخوفًا من أن يموت أحدٌ منهما قبل أن يتم له الأمر، وبذلك يضمن ما تنبأت به الوصيَّة.[23] جاءت ولادة أبو جعفر عبد الله في السنة التي توفي فيها الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي والي العراق،[24] وفي آخر خلافة الوليد بن عبد الملك الأموي (حكم 86-96هـ / 705-715م).[25]

طفولته[عدل]

نشأ عبد الله والذي كنَّاه والده أبُو جعفر، في قرية الحميمة، وهي قرية صغيرة لم يكن لها شأنٌ يُذكر فيما مضى، إلا أن أمرها ظهر للوجود منذ أن نزلها جده، علي بن عبد الله بن عبَّاس بقرار من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، لسببين أساسيين، الأول هو زواج عليًا من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهي ابنة عم هاشميَّة له، وكان ذلك مرفوضًا لدى الخليفة الوليد، لكونها كانت إحدى زوجات أبيه الخليفة عبد الملك بن مروان، واتهمه قائلًا: «انما تتزوج أمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم»، وأما السبب الآخر فهو لأن عليًا كان يقول أن الخلافة ستكون في ولده، الأمر الذي جعل الخليفة الوليد يبقيه بالقرب منه تحت الإقامة الجبريَّة، إلا إن أراد القيام بالحج.[10][22][26] أصبحت الحميمة مقر عائلة بني العبَّاس، فازداد عيالهم وتكاثرت ذرية عليًا حتى ولد له نيف وعشرون ذكرًا. ومنذ أن انتقلت الإمامة من أبي هاشم عبد الله بن مُحمَّد بن الحنفيَّة إلى والد أبو جعفر، مُحمَّد بن علي، أصبحت الحميمة مركزًا مهمًا من مراكز الدَّعوة العبَّاسيَّة، وأخذ شأنها يزداد أهمية.[27]

رأى أبو جعفر في طفولته أو صباه منامًا ذكره لجلسائه حين أصبح خليفة، فقال: «رأيت كأني في المسجد الحرام وإذا رسُول الله صلَّ الله عليه وسلَّم في الكعبة والناس مجتمعون حولها، فخرج من عنده مناد فنادى: أين عبد الله؟ فقام أخي السَّفَّاح يتخطى الرجال حتى جاء باب الكعبة فأخذ بيده فأدخله إياها، فما لبث أن خرج ومعه لواء أسود. ثم نودي: أين عبد الله؟ فقمت أنا وعمي عبد الله بن علي نستبق، فسبقته إلى باب الكعبة فدخلتها، فإذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر وبلال، فعقد لي لواء وأوصاني بأمته وعممني عمامة كورها ثلاثة وعشرون كورًا، وقال: خذها إليك أبا الخُلفاء إلى يوم القيامة».[14][28][29] ويُفسر المنام بأنه شبيهًا بالوحي، ويُبين عدد السنوات التي حكمها الأخوين أبو العبَّاس وأبو جعفر، وأن عبد الله بن علي طلب الخلافة فلم يصل إليها.[30] عُرف ببعض الألقاب في صباه وأيام نشأته مثل عبد الله الطَّويل كنايةً عن طوله،[4][31][32] ومُدرك التُّراب،[4][33] ومقلاص، وتعني النَّاقة التي تسمن في الصَّيف، وتهزل في الشتاء، وكذلك كان حال أبو جعفر فيهما.[34][35][36]

تعليمه[عدل]

درس أبو جعفر في أيام نشأته وصباه علومًا مُهمة كثيرة، منها علم النَّحو، واللُّغة العربيَّة، والتَّاريخ، وألم بسير السلف من المُلوك والأمراء، فنمت ذاكرته واتَّسعت مداركه. كان صحيح البنية، نشيط الحركة، حاد الذكاء وسريع الفهم، ميالًا لطلب العلم.[34][37] أولى أبو جعفر اهتمامًا في الأمور الدينيَّة، فقرأ القُرآن الكريم وتفهَّم معانيه، وسمع الأحاديث وتعلَّم السُّنن، وتعمَّق في الفُقه لاستنباط الأحكام والشَّرائع، وكان ذلك اعتياديًا حسب خلفيته العائليَّة، لكونه ينتمي لأهل دينٍ وورع وتقوى.[38][39] قال ابن سعد في طبقاته حول خلفية أبو جعفر الأسريَّة: «لقد أفضت الخلافة إليهم - للعبَّاسيين - وما في الأرض أحد أكثر قارئًا للقُرآن ولا أفضل عابدًا وناسكًا منهم بالحميمة».[40] حفظ أبو جعفر الكثير من الخُطب البليغة، والقصائد المُعبرة، والكثير من شعر العرب وسمع بعضًا من قصصهم، فنشأ فصيحًا، بليغ اللسان.[37][34] كان لأبو جعفر إلمامٌ واهتمام في علم الفلك والنُّجوم، وتنقَّل في سبيل العلم، باتجاه مدن عديدة اشتهرت بالعِلم، مثل البصرة، والكوفة، والموصل، فكان يحضر حلقات الدراسة في الأدب والفُقه، فتعلَّم على يد عدد من كبار العُلماء والفقهاء، مثل عالم اللُّغَة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والأديب النَّحوي يونس بن حبيب، والمُحدث أزهر بن حبيب السمان، وغيرهم.[34][41] سمع الحديث ورواه عن جده وجده الأكبر الصَّحابي عبد الله بن العبَّاس، أن النبيِّ مُحمَّد كان يتختَّم في يمينه، وهو حديثٌ أورده الحافظ ابن عساكر.[14]

حياته قبل الثورة العبَّاسية[عدل]

شهد عبد الله والذي عُرف بكنيته أبو جعفر، أحداث الضَّعف التي دبَّت في أنحاء الخلافة الأمويَّة في آخر عهد خُلفائها الأقوياء وهو هشام بن عبد الملك (حكم 105-125هـ / 724-743م)، فقد بُويع ابن أخيه الوليد بن يزيد (125-126هـ / 743-744م) للخلافة من بعده، إلا أنه أساء السيرة وأفسد الحكم ولم يلبث خليفةً سوى سنة واحدة، فقد خُلع وقُتل بعد انقلاب ابن عمِّه يزيد بن الوليد عليه في 28 جُمادى الآخرة سنة 126هـ / 16 أبريل 744م، فثار أهل حمص، وتمرَّد أهالي فلسطين والأردن في نفس السنة، وبدأت البلاد تواجه ضعفًا متزايدًا وانقسامًا واسعًا في أنحائها.[42][43] لم يدم حكم يزيد للخلافة ولم تطل أيامه، فقد تُوفي بعد ستة شهور، ليخلفه أخوه إبراهيم بن الوليد في الحكم، إلا أن الأخير لم يحظى بالخلافة سوى لبضعة أسابيع، فقد شن قريبه مروان بن محمَّد (127-132 هـ / 744-750م) حملة عسكريَّة كبيرة نحو دمشق تمكن فيها من خلع ابن عمه إبراهيم، ليبايع للخلافة في سنة 127 هـ / 744 م، مواجهًا ثوراتٍ عديدة وأزمات مُتراكمة.[44][43]

عمله في الدَّعوة العبَّاسية[عدل]

بداية الدَّعوة وتطوُّر أحوالها[عدل]

كان علي بن عبد الله بن عبَّاس (40 حتى 118هـ / 660 - 736م) من المشهورين بالزُّهد والتعبُّد مما زاد من حُب الناس له حتى لُقب بالسجَّاد،[45][40] إلا أنه اصطدم بالبلاط الأموي لسببين، فالأول لكونه يجهر بأن الخلافة ستؤول إلى ذُريته لمن حوله، قائلًا: «إي والله لتكونن الخلافة في ولدي، ولا تزال فيهم إلى أن يأتيهم العلج من خُراسان فينزعها منهم»، والسبب الآخر هو زواجه من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهي ابنة عم هاشميَّة له، لتكون تلك الأسباب مثيرة لغضب الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي (حكم 86-96هـ / 705-715م)، فجلده للمرة الأولى لأن لُبابة كانت طليقة والده الخليفة عبد الملك بن مروان (حكم 65-86هـ / 685-705م) مُتهمًا إياه بأنه يريد الحط من أولاد خُلفاء بني أميَّة بزواجه منها،[46] ولعلَّ السبب الآخر والأهم، فهو لأن علي كان يُصرح علنًا بأن الخلافة ستؤول إلى أولاده، ويحلف بالله قائلًا: «والله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغار العيون، العراض الوجوه، الذين كأن وجوههم المجانُّ المطرقة»، الأمر الذي جعل الوليد يأمر بجلده والطواف به على جمل وجسده مما يلي جسد البعير من الخلف، مُشهرًا به ومُنادى بكذبه، لأن تحقُّق كلامه قد يؤدي للإطاحة بحكم بني أميَّة حتى وإن كانت مجرد أقوال عابرة.[10][22][47] قرر الخليفة هشام بن عبد الملك (حكم 105-125هـ / 724-743م) قطع أرض الحميمة من جند الشَّراة لعلي وأولاده للسكن بها وإبقائهم تحت المُراقبة، بهدف إبعاده عن لقاء الناس وتكوين الأتباع، والحفاظ على علي وذريته قريبًا من العاصمة دمشق إذا بدرت منهم الأخطار، وقد بلغ عدد أولاده نحو عشرين ذكرًا.[48][49]

بدأت الدَّعوة العبَّاسيَّة السريَّة من قبل مُحمَّد بن علي بعد أن انتقلت إليه إمامة الكيسانيَّة من قريبه أبُو هاشم عبد الله بن مُحمَّد بن علي بن أبي طالب اثر وفاته بالسُّم بأوامر من الخليفة سليمان بن عبد الملك سنة 98هـ / 717م.[50][51][52][53][54] تمكن مُحمَّد بن علي من تنظيم أمور الدعوة وتطويرها وإرسال الدُّعاة والنُّقباء إلى مُختلف الأمصار، بهدف الإطاحة بخلافة بني أميَّة، وكان رجلًا بصيرًا ذو علمٍ بالنَّبوءات قائلًا: «لنا ثلاثة أوقات، موت يزيد بن معاوية، ورأس المئة، وفتق بإفريقيا، فعند ذلك يدعو لنا دُعاة، ثم يقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب».[52] وبالفعل، فقد تحققت أول إشارتين قبل إمامة مُحمَّد بن علي، وفي زمنه قُتل الوالي الأموي يزيد بن أبي مسلم الثقفي في إفريقية سنة 102هـ / 720م، ليتمكَّن البربر من السَّيطرة على المغربان الأوسط والأقصى في ثورةٍ عارمة خرجوا فيه عن طاعة بني أميَّة بين عامي 122 و125هـ / 739 و743م. وحين وجد الإمام مُحمَّد أن علامات النَّبوءة تحقَّقت، بعث بالدُّعاة إلى الكوفة، وخُراسان بهدف العمل على استقطاب المُناصرين والتبشير بالخلاص من الحُكم الأموي، لصالح خلافة من آل النَّبي مُحمَّد، وأخذ البيعة باسم الإمام المجهول من آل النبي دون تحديد هويته.[55][56] لم يعرف اسم الإمام إلا كبير الدُّعاة في الكوفة وخُراسان وعدد محدود لا يتجاوز أصابع اليد.[57] على أن تنظيم الدَّعوة التي تبنَّاه العبَّاسيُّون كان على مبدأ اعتبارها حركة سياسيَّة إصلاحيَّة ترى في تولي آل البيت للخلافة سبيلًا لإنهاء الظُّلم والانحرافات لدى الأمويين، لا على أنها دعوة دينيَّة تُمثل مذهبًا عقديًا يجعل استحقاق آل البيت بالخلافة واجبًا دينيًا كالفرق الإسلاميَّة التي ظهرت بين أتباع العلويُّون عُرفت بالتشيُّع العقائدي لاحقًا، إذ عُرف عن الإمام مُحمَّد وبكير بن ماهان وسليمان بن كثير الخزاعي، وغيرهم من النُّقباء والدُّعاة يتبنون مفهوم أهل السُّنة والجماعة كعقيدة.[58][59]

دخوله في سلك الدَّعوة ونشاطه[عدل]

بعد أن كبر أبو جعفر واشتد ساعده، وكان قد نال حظًا جيدًا من العلم والمعرفة وقوة الشخصيَّة، ورأى والده منه ما يسرُّه، أفضى إليه أبوه ولأخوته وأسرته بأسرار الدَّعوة، فتشرَّب مبادئها، واستوعب أهدافها وأدرك خطورة الدور السياسي المُلقى على عاتق والده خاصة، والعائلة عامة. أصبح أبو جعفر أحد دُعاتها البارزين، واعتمد عليه والده على الرُّغم من صغر سنه، فأصبح بمثابة السفير المُتجول، فشدَّ الرحال، وأخذ يجوب الأمصار والبلدان، ويتصل بالدُّعاة والأعوان. تعرَّف أبو جعفر على أمور الدعوة وما آلت إليه وعلى خطير ما تهدُف إليه، فعرَّكته الأيام وازداد خبرة واطلاعًا بأحوال الناس. وحين أصبح في الثامنة عشرة من عمره، سافر إلى الموصل في رحلة استطلاعيَّة على أحوال الدعوة، واتصل بواليها الأموي الحر بن يوسف، فوصله وشكر له أبو جعفر ذلك، ثم عاد إلى الحميمة، ولم تكن هذه السفرة هي الوحيدة له إلى الموصل.[60]

هروبه من الملاحقة الأمويَّة وتنقلاته في أرض السَّواد[عدل]

بعد أن عاد أبو جعفر إلى الحميمة، وجد نفسه في ضائقة ماليَّة، فهداه تفكيره أن يعمل في بعض الأعمال، وربما لصرف الأنظار عن نشاطه السياسي، فاضطَّر وربما عن قصد، أن يعمل مع بعض ولاة بني أميَّة، فعمل في وظيفة شرطي لدى الوالي خالد بن عبد الله القسري براتب شهري مقداره 68 درهمًا، وكان عمره آنذاك لا يتعدى العشرين عامًا، بحدود سنة 115هـ / 733م. وعلى الرُّغم من قلة المعلومات حول مدة عمله، فإنه من المُؤكد أنه نشط بالدعوة، فجلب بنشاطه وتحرُّكاته الأنظار إليه، فارتاب الأمويُّون من تصرفاته، خاصةً وأنهم كانوا يراقبون نشاط بني العبَّاس ودعاتهم ووضعوهم تحت رقابة مُكثَّفة.[61]

خاف أبو جعفر أن ينكشف أمره، ظانًا بنفسه من أن يناله المكروه، فسافر متنكرًا إلى بلاد الجزيرة، وتسلَّل بين العيون والأرصاد، حتى وصل الموصل للمرة الثانية، فاستقر فيها واشتغل مع الملاحين في مدادي السُّفن مُتنكرًا وربما لأمرٍ خافه على نفسه. وبعد أن هدأت الأمور حينًا، تزوَّج امرأة كرديَّة،[62] وقيل أزديَّة،[63] إلا أنه لم يخبرها عن حاله خيفةً على أمره، حتى حملت بطفلهما، فقال لها أبو جعفر: «هذه رقعة مختومة عندك لا تفتحيها حتى تضعي ما في بطنك، فإن ولدت ابنًا فسميه جعفرًا وكنيه أبا عبد الله، وإن ولدت بنتًا فسميها فلانه، وأنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، فاستري أمري، فإنا قومٌ مطلوبون والسُّلطان إلينا سريع»، فودَّعها وخرج. وبعد أن ولدت الطفل، سمته جعفرًا،[63] وعرف لاحقًا بابن الكرديَّة.[62][64]

غادر أبو جعفر إلى الكوفة قادمًا من الموصل، إلا أنه لم يمكث فيها طويلًا بسبب الرَّقابة الأمويَّة الشديدة على المدينة المُضطربة أحوالها، فعاد إلى مقر عائلته الحميمة، وقرر والده مُحمَّد إرساله إلى مدينة البصرة، في الجنوب من أرض السَّواد، بهدف نشر الدَّعوة واستكشاف أحوال الناس، فوصلها واستقرَّ فيها،[65] واتصل بعلمائها ومفكريها البارزين من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي، ويونس بن حبيب، والتقى بعمرو بن عبيد المُعتزليُّ الزَّاهد، ووطد صداقة معه،[66] وحضر الكثير من حلقات المُحدِّث أزهر بن سعد السمان، إلا أنه لم يلبث فيها طويلًا، فقد عاد أدراجه إلى الحميمة، فالتقى بوالده وقدم له تقريرًا شاملًا بصفته إمام الدَّعوة، ونقل إليه وضع الأهالي وخصوصًا الموالي وما هم عليه من التذمُّر والسخط تجاه الحكم الأموي، خاصة أنها كانت تمر في فترة حرجة من تاريخها، فاستبشر أبوه بذلك خيرًا.[67]

مهمته إلى إفريقية وزواجه من الحِميَريَّة[عدل]

اعتمد عليه أبوه وأعجب بنشاطه وقدرته على التناغم مع الأحداث، وقرر انتدابه دونًا عن سائر إخوانه للسفر إلى إفريقية (تونس المُعاصرة) لجلب ابنة أحد أقاربه الذين توفوا لرعايتها، وهي فرصة لأبو جعفر للتخفي عن العيون والأرصاد الأمويَّة المُكثَّفة في قلب دولة الخلافة، ودراسة وضع الأهالي في الولايات على طول الطريق، وربما يتمكن من نشر الدعوة وجمع المؤيدين والأنصار فيها.[68] يرى الباحث العراقي حسن فاضل العاني، أن اختيار أبو جعفر كان مقصودًا لخبرته الواسعة في التنقُّل ومخالطته الناس في مدن مُتفرقة، بالإضافة لكون والدته سلامة بنت بشير بربريَّة من إفريقية، مما سيجعل مهمته أقل صعوبةً لوجود أخواله فيها.[69]

وصل أبو جعفر في مهمة خاصة إلى مدينة القيروان في أواخر سنة 123هـ / أواخر 741م، التقى أبو جعفر في أثناء سفرته بامرأة تدعى أُم مُوسى الحِميَريَّة، وكانت أرملة أحد أقاربه من ذرية عبيد الله بن العبَّاس، فتزوَّجها، وكان عمره نحو 28 عامًا وهي أم ابنيه جعفر الأكبر ومُحمَّد المهدي لاحقًا.[70][71] لم تكن مهمة أبو جعفر سهلة، فقد علمت الأرصاد الأمويَّة بتحرُّكاته وحاولت إلقاء القبض عليه في إفريقية، إلا أُفلت من قبضتهم بعد أن استخفى في قصر صهره منصُور بن عبد الله الحِميَري عند قصر بشير بطريق سوسة.[70] ويعتقد الباحث حسن العاني، أن أبو جعفر اتصل بعائلة الفهري السَّاخطة على الحكم الأموي في إفريقية، وخاصةً بعبد الرحمن بن حبيب الفهري الذي كان موجودًا في القيروان بعد أن أتاها مهزومًا بعد مقتل أبيه حبيب بن أبي عبيدة ضد الخوارج في سنة 123هـ / 741م، وهذا ما يُفسر موالاة ابن حبيب لاحقًا لخلافة بني العبَّاس حين تأسَّست وأعلن بيعته لها وانضوى تحت لوائها.[69]

عودته إلى الحميمة وزيارة الخليفة هشام بن عبد الملك[عدل]

بعد نهاية مهمة أبو جعفر التي جاء من أجلها، قرر الرحيل عن القيروان خوفًا من القبض عليه لطول إقامته فيها أكثر، فعاد أدراجه إلى الحميمة بعد شهور من ارتحاله. وجد أبو جعفر أهله في ضائقة ماليَّة شديدة، وكان أبوه الإمام قد بلغ من الكبر عتيًا، فضلًا عن ابتعاد الكثير من الناس عن زيارة بني العبَّاس خوفًا من اتهامهم بموالاتهم من عيون وأرصاد السُّلطات الأمويَّة، وكان ذلك تضييقًا ماديًا عليهم، ما أجبر الإمام محمَّد على شد الرحال باتجاه دمشق مع ولديه عبد الله أبي العبَّاس، وعبد الله أبي جعفر، في زيارة للخليفة هشام بن عبد الملك في سنة 124هـ / 742م. تضاربت الروايات حول تفاصيل لقاء الإمام محمَّد بالخليفة هشام، فالرواية الأولى تقول أن الإمام محمَّد دخل متكئًا على ولديه وكان قد غشي بصره إلى مجلس الخليفة، فسلَّم ثم سأله الخليفة عن حاجته ولم يأذن له في الجلوس، فذكر قرابتهُ منه وحاجته، فقال له الخليفة: «ما هذا الذي بلغني عنكم يا بني العبَّاس، ثم يأتي أحدكم وهو يرى أنه أحق بما في أيدينا منا، والله لا أعطيتك شيئًا» وحين هم الإمام محمد للخروج، قال الخليفة هشام مُستهزئًا: «إن هذا الشيخ ليرى أن هذا الأمر سيكون لولديه هذين أو لأحدهما»، فالتفت إليه الإمام وقال: «أما والله إني أرى ذلك على رغم من رغم» فضحك هشام وخرجوا من عنده.[53][72]

وتشير الرواية الثانية إلى أن الخليفة هشام قال: «انتظر ابن الحارثيَّة»، ويقصد ولده إذا تمكن من الوصول للخلافة.[73] بينما تتحدث الرواية الثالثة بشكل أكثر يسرًا، فقد جاء إليه الإمام وسلَّم عليه وأوسع له هشام في سريره، ثم سأله عن حاجته، فشكى الإمام ديونًا عليه بثلاثين ألف درهم، فأمر الخليفة بقضائها، وطلب منه أن يستوصى خيرًا بابنيه، ففعل وشكره الإمام ثم حين همَّ بالمُغادرة، قال الخليفة لأصحابه: «إن هذا الشيخ قد اختلَّ وأسنَّ وخلط فصار يقول إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده»، فسمع الإمام ذلك والتفت إليه قائلًا: «والله ليكونن ذاك، وليملكنَّ هذان»، في ختام مُشابه للرواية الأولى.[74] وعلى أية حال، فقد تركت تلك الحادثة أثرًا سيئًا في نفس أبو جعفر خاصةً إن صحَّت الروايات الأولى والثانية، ومع ذلك، فإنها قد هيئت له الفرصة للتعرف على البلاط الأموي أكثر.[75]

تولي أخيه إبراهيم شؤون الدعوة والحج إلى الكعبة[عدل]

تُوفي الإمام محمَّد بن علي في الحميمة سنة 124هـ / 742م، بعد أن أوصى أتباع الدَّعوة بمُبايعة ابنه إبراهيم خلفًا له،[76][77][78] وكان أبو جعفر في الثلاثين من عمره، ومع أن وفاته قد آلمته، إلا أنه لم يتقاعس عن الاستمرار في خدمة الدَّعوة وأهدافها، لأن مصلحتها تقتضي بالضرورة تجاوزها بكل ما تحويه، فاندفع يعمل تحت أمرة أخيه الأكبر إبراهيم الإمام، فعرف الكثير من أسرار الدعوة وأحوال الدُّعاة،[79] في حين أن أخوه يحيى لم يحظى بمعرفة أمور الدَّعوة لعدم اطمئنان أخيه إبراهيم إليه، ونبَّه أتباعه حول قلة عقله وضعف رأيه.[80] توجَّه أبو جعفر لأداء شعائر الحج في مدينة مكَّة سنة 125هـ / أكتوبر 743م، وروي أنه التقى بشبيب بن شيبة التَّميمي، والذي أعجب به وعرَّفه أبو جعفر عن نفسه بعد أن اطمأن إليه واهتم لخدمته في ساحة الحرم، ودار بينهما حديثٌ طويل حول الدعوة ومآلها، وأن الدولة المنتظرة سيطلع شمسها ويظهر الخير بها، ومما قاله أبي جعفر: «فأما أنصار دولتنا ونقباء شيعتنا وأمراء جيوشنا، فهم ومواليهم معنا، فإذا وضعت الحرب أوزارها صفحنا للمحسن عن المسيء، ووهب للرجل قومه ومن اتصل بأسبابه فتذهب المثابرة وتخمد الفتنة وتطمئن القلوب» فأعجب به شبيب واستحسن كلامه ودعا له بالخير.[81]

ويظهر من هذا الحوار معرفة الناس لدعوة بني العبَّاس، ويُعلق الباحث العراقي فاضل العاني على الحديث قائلًا: «يتضح من هذه المحاورة أن الناس لم تكن غافلة عما يجري في الخفاء من الدعوة لبني العبَّاس، بل كانت هناك مؤشرات ودلائل، تؤكد قرب أفول نجم بني أميَّة، وبزوغ أمر بني العبَّاس، بعد أن عمَّت دعوتهم الأمصار، واستجاب لها الكثير من سكانها».[81][82] ويظهر في هذه الأوقات، أن أبو جعفر قد أصبح حلقة وصل رئيسة بين الدُّعاة وأخيه إبراهيم الإمام، فكان يلتقي بهم ويتعرف منهم على سير أعمالهم وما آلت إليه أمور الدَّعوة، وكان قد التقى ببعضهم في موسم الحج، بعيدًا عن الرَّقابة الأمويَّة.[83] تزامن أداء أبو جعفر للحج، بدء الصراعات في حاضرة الخلافة دمشق وازدياد الثَّورات في طول البلاد وعرضها، بعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك في 6 ربيع الآخر 125هـ / 6 فبراير 743م، وتولي وليُّ العهد ابن أخيه الوليد بن يزيد الحكم خلفًا له، والذي أساء السيرة وطُعن في أخلاقه.[84]

دعمه لثورة عبد الله بن معاوية الجعفري[عدل]

في خلافة يزيد بن الوليد الأموي، قرَّر عبد الله بن مُعاوية حفيد جعفر بن أبي طالب الهاشمي، الثورة في وجه بني أميَّة من مدينة الكوفة مُطالبًا بالخلافة لنفسه في سنة 127هـ / 744م، فدعا النَّاس لمُبايعته ولبس الصُّوف وأظهر صفات الخير، وكان شاعرًا ظريفًا من بني هاشم، إلا أنه تجادل المُؤرخون في أخلاقه وسيرته، إلى الحد الذي رُمي فيه بالزَّندقة.[85] اختلفت الروايات حول مسار ثورته، إلا أن الرَّاجح أنه اجتمع إلى ابن مُعاوية القليل فقط من أهل الكوفة، بسبب رفض الأغلبيَّة مُبايعته قائلين: «ما فينا بقيَّة، فقد قُتل جمهورنا مع أهل هذا البيت - يقصدون بنو أميَّة -»، فتحرَّك نحو فارس وعرض عليهم أمره، فبايعوه، واجتمع تحته عددًا كبيرًا من الرجال، فسيطر على منطقة كبيرة تشمل الكوفة، وحُلوان، وهمذان، وقُم، والرَّي، واتَّخذ من أصبهان قاعدةً له، وأرسل بالكُتُب إلى الأمصار يدعوهم لمُبايعته على الخلافة.[85][86]

توجَّه بنو هاشم إلى ابن مُعاوية داعمين لثورة ابن مُعاوية، وعلى رأسهم أبي العبَّاس، وأخيه أبي جعفر، وعمهما عيسى بن علي، بالإضافة إلى وجوه بني أميَّة، ومنهم سليمان بن هشام بن عبد الملك، فاستعان بهم ابن مُعاوية في أعماله، وعيَّن أبو جعفر على كورة إيذج في الأهواز، وكان عمره 32 سنة، إلا أن أبو جعفر لم يحمل له شيئًا من المال.[87][31][85] وجد أبو جعفر في انضمامه لهذه الثَّورة مُتنفسًا لما كان يعانيه من تعسُّف الأمويين وملاحقتهم المستمرة، ولا يستبعد أن يكون انضمامه ومن معه من أعمامه من أجل تحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى لصالح الدَّعوة العبَّاسيَّة، خاصةً وأنه في هذه الأثناء كانت خُراسان (أهم وجهة للدَّعوة) تغلي على فوهة بركان، وأنها على وشك الانفجار، وربما أرادت الدَّعوة انتزاع قيادة الثورة من ابن مُعاوية، إلا أن ثورة ابن مُعاوية فشلت وتفرَّق الناس عنه.[88] بقي ابن مُعاوية مُقيمًا في النواحي التي سيطر عليها، حتى وجَّه إليه الخليفة الأموي مروان بن محمَّد جيشًا كثيفًا بقيادة عامر بن ضبارة، فهزم ابن مُعاوية وتمكن الأخير من الهرب مع إخوته إلى خُراسان، بعد أن جهر أبُو مُسلم الخُراساني بالدَّعوة العبَّاسية في رمضان سنة 129هـ / يونيو 747م،[89][90] إلا أن الأخير قرر حبس ابن مُعاوية ودبَّر قتله لِما ظهر منه من إفساد أمر الدَّعوة، بعد أن كتب لأبي مسلم رسالة يذكره فيها بالآخرة وأن يعيد التفكير بأمره وشأنه، فقتله ثم أخلى سبيل إخوته.[91][90]

القبض عليه في الأهواز وسجنه[عدل]

في إحدى الأيام التي كان يتنقَّل بها أبا جعفر في جنوب العراق، تمكَّنت عيون العامل الأموي سُليمان بن حبيب بن المُهلَّب، والمُسلَّطة على أنصار ابن مُعاوية، من إلقاء القبض على أبي جعفر،[31] ليُؤخذ إلى سُليمان، وكان أبو أيُّوب المورياني يكتب له، فقال له سُليمان: «هات المال الذي اختنته»، فرد أبو جعفر: «لا مال عندي»، فدعا له بالسياط لجلده، إلا أن المورياني الكاتب قال له: «أيُّها الأمير، توقف عن ضربه! فإن الخلافة إن بقيت في بنو أميَّة فلن يسوغ لك ضرب رجل من عبد مناف، وإن صار المُلك إلى بني هاشم لم تكن لك بلاد الإسلام بلادًا»، فرفض كلامه، وضُرب أبو جعفر اثنين وأربعين سوطًا حتى قفز إليه أبُو أيُّوب وألقى نفسه مُمانعًا لضربه، ولم يزل يسأله الكف عن ضرب أبو جعفر حتى توقف عن ضربه وأمر بحبسه في سجن الأهواز. وقد رعى أبو جعفر للمورياني ما كان منه، ولم يزل الأخير في الأهواز حتى ظهور أمر بني العبَّاس لاحقًا.[92][93]

حدث في أيَّام سجن أبو جعفر قصَّة عجيبة، فقد التقى برجل فارسي في سجن الأهواز يُدعى نوبَخْت المُنجِّم، وكان يُدين بالمجوسيَّة، فرأى على أبو جعفر علامات الرِّياسة، فسألهُ نوبخت عمَّن يكون، فأجاب أبو جعفر عن نسبه وكنيته، فقال له نوبخت: «أنت الخليفةُ الذي تلي الأرض!»، فرد أبو جعفر:«ويحك! ماذا تقُول؟»، فقال: «هو ما أقول لك! فضع لي خطَّك في هذه الرُّقعة أن تعطيني شيئًا إذا وليت»، فكتب لهُ وهو مستغربًا من شأنه، وبعد مُرور عُقود، وتولَّي أبو جعفر المنصُور للخلافة، جاء نوبخت إليه، فأكرمهُ المنصُور وأعطاه، فأسلم نوبخت، وأصبح من المُقرَّبين إليه.[14][94] قيل أن لقائهما أثناء مرور أبو جعفر في قرية الراوي قرب البصرة، بعد أن قيل له بوجود مُنجم يُدعى نوبخت، ليخبره عما سيؤول إليه حاله لاحقًا وبشره بأنه سيملك العرب.[95]

لم يلبث أبو جعفر في السجن إلا قليلًا، فقد ثارت ثائرة المضريَّة لضرب أبو جعفر وحبسه، فتجمَّعوا وتوجهوا نحو السجن فكسروه وأطلقوا سراح أبو جعفر، ليذهب الأخير إلى البصرة، وكان قد أعجب بأبو أيُّوب ولما كان منه فحفظها له، ولم يزل الأخير في الأهواز.[92][91] وقيل أنه حين أُخذ أبو جعفر إلى سُليمان بن حبيب، قام الأخير بحبسه وشتمه وكان يريد قتله، فنصحه جلساؤه بإخراجه فورًا من الحبس قائلين: «إنما أفُلتنا من بني أميَّة بالأمس، أفتريد أن يكون لبني هاشم عندنا دم؟»، فخلَّى سبيله.[95] ترك جلده بالسياط أثرًا سيئًا في نفس أبو جعفر حين يستذكرها، ويُروى بعد توليه للخلافة، أنه أمر بضرب عُنُق سُليمان بن حبيب في سنة 137هـ / 754م.[96][97]

ذهاب أبو جعفر إلى دمشق واستشعاره الأوضاع[عدل]

بعد خروجه من سجن الأهواز، توجَّه أبو جعفر إلى البصرة، فاتصل بالناس ودعاهم إلى مُناصرة الدَّعوة، ثم عاد إلى الحميمة.[92][98] حين زاد اضطِّراب حُكم بني أميَّة، وتحديدًا في عهد الخليفة مَروان بن محمَّد (127-132هـ / 744-750م)، مثل نقض أهل حمص، وانتفاضة أهل الغوطة، وخروج ثابت بن نعيم الجذامي في فلسطين، وغيره من القلاقل والثَّورات التي اضطَّربت حول مدينة دمشق.[99] رأى أبو جعفر بضرورة السَّفر إليها واستكشاف أحوالها، مُستغلًا عدم وجود الخليفة في حاضرة الخلافة سابقًا، بسبب انتقال الأخير إلى حرَّان.[99][100] وصل أبو جعفر إلى دمشق قرابة العام 129هـ / 747م، ودخل بين الناس للتعرُّف على الشُّعور السَّائد تجاه خلافة بني أميَّة، ورأى موكب فيه جند والزينة في المكان حاضرًا، فسأل عن السبب، فقيل له: «عبد الله ابن أمير المؤمنين يركب، وما ركب قبل ذلك»، وبسبب شدة الزحام، خرج أبو جعفر على ظهر دابَّته وكانت صعبة، فسقط عنها، وانكسرت ساقه، وغشاهُ النَّاس، فمكث دهرًا عليلًا، حتى تماثل للشفاء وعاد إلى الحميمة.[100]

تولي أبي العبَّاس الدَّعوة وخروجه للكوفة[عدل]

أقام أبو جعفر في الحميمة بعد عودته من دمشق حتى حلول موسم الحج سنة 131هـ / أغسطس 749م، فقد استعد إبراهيم الإمام للسَّفر إلى مكَّة بهدف الحج، واصطحب معه أخوته وولده ومواليه، وبالطبع، فقد كان أبو جعفر وأبي العبَّاس على رأسهم، وكان لاصطحابه ضرورة مُلحة تفرضها الظُّروف السياسيَّة، لسابقته في الدعوة ومعرفته أحوالها معرفة دقيقة، فضلًا عن زيارته لمكَّة أكثر من مرَّة. جلب تشكيل البعثة وما ارتدوه من الثياب الفاخرة والرحال والأثقال أنظار الحُجَّاج والناس، فاشتهروا في الحرمين وعرف بحضورهم أهل الشَّام والبوادي، واجتمع حولهم الناس، وكان ذلك متزامنًا مع الاضطرابات في خُراسان وسيطرة أجناد أبو مُسلم الخُراساني صاحب الدَّعوة العبَّاسيَّة على أقاليم ومدن كثيرة من خُراسان.[101][102][103]

وصلت الأخبار إلى الخليفة مروان بن محمد، والذي أمر من فوره بالقبض على إبراهيم الإمام. وصلت الشرطة حين كان أبو جعفر يُلاعب ولديه جعفر ومحمد ليُقبض عليه ويُودع في سجن حرَّان.[104] وحين شعر بدنو أجله، عهد إبراهيم إلى أنصاره بتوحيد صفوفهم واتباع أخيه أبو العبَّاس من بعده والرحيل إلى الكوفة، وكان قد أودع وصيته عند مولاه، فحمل الأخير الوصيَّة وتوجه بها إلى الحميمة، فدفعها إلى أبو العبَّاس ونعاه إليه. أظهر أبو العبَّاس لأهل بيته ما جرى، ودعاهم إلى مؤازرته، وكان أخيه أبا جعفر أول من اطَّلعه على الأمر، ثم عيسى بن موسى وبقية أفراد البيت العبَّاسي.[103][105] تُوفي إبراهيم الإمام في سجن حرَّان عن ثمانية وأربعين سنة بعد أن غم بمرفقة وضعت على وجهه حتى مات في صفر سنة 132هـ / أكتوبر 749م.[76][101]

إعلان الثَّورة وتأسيس الدَّولة[عدل]

التطوُّرات الخطيرة في خُراسان وضعف الخلافة الأمويَّة[عدل]

أرسل الإمام محمَّد بن علي الدُّعاة والنُّقباء بقيادة بكير بن ماهان إلى خُراسان في المشرق الإسلامي بهدف الدَّعوة للرِّضا من آل مُحمَّد والتبشير بالخلاص من الحكم الأموي وإحلال العدل، وكان لاختيار خُراسان إحدى دلائل عبقرية الإمام محمد، فقد ابتعد عن التركيز على أهل الكوفة بسبب ولائهم للعلويين وتخاذلهم لهم، وابتعد عن أهل الشَّام لما شاع فيهم من حب بني أميَّة وموالاتهم، في حين أن أهل خُراسان مذاهبهم قليلة وقلوبهم سليمة، خصوصًا وأنها بعيدة عن السُّلطة الأمويَّة، ورجالها أقوياء.[106][107] تُوفي الإمام محمَّد في سنة 124هـ / 742م، ليتولَّى ابنه إبراهيم الإمام شؤون الدَّعوة بعد أن أسسَّها ووضع أساسيَّاتها على مدار سنوات طويلة بهدوء كبير.[77][108] في عهد إمامة إبراهيم، رأى شابًا فارسيًا مُؤدبًا وفصيحًا يُدعى أبُو مُسلم الخُراساني فأرسله إلى منطقة خُراسان في المشرق الإسلامي قائدًا للدَّعوة لِما رأى من دهائه وذكائه وأمر الأنصار بإطاعته رجاءً أن يكون الرَّجل المنشود لإقامة ملك بني العبَّاس وإظهار دعوتهم في خُراسان.[109]

يذكر المُؤرخ الطَّبري (839-923م) روايةً طويلة مفادها أن إبراهيم الإمام أمر أبو مُسلم باستمالة اليمانيُّون العرب، فإن الدَّعوة لا تتم إلا بهم، وحذَّره من مضر وأمره بقتل كل من تحوم حوله الشكوك منهم، وإن قتل كل متحدث بالعربيَّة بدعوى الشك فيه أن لا يُقصِّر، وأن لا يتردد بقتل غُلامًا بلغ خمسة أشبار إذا كان متهمًا.[110][111] أثيرت رواية الطَّبري شكوكًا حول صحتها لكونها ذُكرت دون إسناد، ولعدم وجود ذكرٍ لها لدى المُؤرخ البلاذري (820-892م) على سبيل المثال، بحكم قربه أكثر زمنيًا من الأحداث، إضافة إلى أن الإمام إبراهيم في حد ذاته قُرشي ويدعو إلى الرِّضا من آل مُحمَّد وهم عرب، وأوصى باستمالة اليمانيُّون وإلى درجة ما بني ربيعة وجميعهم من العرب.[112] وعلى أية حال، فإن أبا مُسلم قد نفَّذ تعاليم الإمام إبراهيم ولم يحد عنها قيد أنملة، وبسبب دهائه ومكره وسعة حِيله، تمكن من تحقيق نجاحًا باهرًا في مؤازرة اليمانيُّون حتى انتصروا على المضريُّون بعد حروبٍ مستمرة بينهما امتدت لسنوات طويلة، ليصبح اليمانيُّون أعداء بني أميَّة والعضد الأيمن لأبي مُسلم والدَّعوة.[113][114][110] رأى الإمام إبراهيم بضرورة إعلان شأن الدَّعوة والانتقال من الدعوة إلى الحرب قريبًا، تزامنًا مع خروج العديد من الثَّورات والاضطرابات في أنحاء الخلافة، لتصل خلافة بني أميَّة إلى أسوء حالاتها.[115]

الاستيلاء على خُراسان والوصول إلى العراق[عدل]

في ليلة الخميس 25 رمضان سنة 129هـ / 12 يونيو 747م، نزل كبير الدُّعاة أبي مُسلم الخُراساني في قرية سفيذنج من قرى مرو، وأظهر أمر الدَّعوة أخيرًا بناءً على وصية الإمام إبراهيم بإظهار الدَّعوة، عقد أبي مُسلم اللَّواء الذي أرسله الإمام ويُدعى الظِّل، وإلى جانبها راية وتُسمى السَّحاب على الرمح، وارتدى أبُو مُسلم وشيخ الدعوة سُليمان بن كثير وجميع النُّقباء والجنود آنذاك لباس السَّواد، تعبيرًا عن الانتماء للحركة وبداية الثَّورة.[116][117][118] أرسل أبي مُسلم كتابًا إلى الوالي الأموي على خُراسان نصر بن سيَّار يعلمه بالخبر، فأرسل الأخير استنجادًا إلى الخليفة مروان بن محمد لإرسال الجيوش إلى خُراسان، إلا أن الخليفة كان مشغولًا بإخماد ثورات أخرى. تمكَّن أبو مسلم من السَّيطرة على كامل خُراسان، ليرسل القائد قحطبة بن شبيب الطَّائي وولده الحسن بن قحطبة، ويتمكنوا من انتزاع الرَّي، وفتح همذان والاستيلاء على الموصل ومن ثم الوصول إلى الكوفة بحلول شهر مُحرَّم سنة 132هـ / سبتمبر 749م، فعيَّن أحد الدُّعاة من الكوفة عليها وهو أبُو سلمة الخلَّال والذي أصبح الوزير لاحقًا بدعم من أبي مُسلم.[119][120][121][122]

خلافة بني العبَّاس وبيعة السَّفَّاح[عدل]

خطبة خلافة السَّفَّاح ومهمة أبو جعفر[عدل]

رسمة تُظهر المعركة الفاصلة التي دارت بين العبَّاسيين والأمويين جنوب الموصل، لتسطع شمس بني العبَّاس ويغرب نجم بني أميَّة.

بعد مقتل إبراهيم الإمام في سجن حرَّان وإظهار أمر الدَّعوة في خُراسان وسيطر أبي مُسلم على أجزاءً واسعة منها، أصبحت الحميمة مقرًا غير آمنًا لبني العبَّاس، فقرروا الرَّحيل منها سريعًا للنجاة بأنفسهم، فتوجَّه أبو العبَّاس مسرعًا مع أهل بيته إلى الكوفة في شهر صفر سنة 132هـ / أواخر سبتمبر 749م، فنزلوا دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم، بعد نصيحة كبير الدُّعاة في الكوفة أبُو سلمة الخلَّال،[123] إلا أنه كتم أمر وجودهم عمدًا لأربعين ليلة بهدف مُبايعة خليفة من العلويين وأرسل بالكتب إلى أهم رموزهم، إلا أن قادة الدَّعوة من المُخلصين بحثوا عن إمامهم المطلوب، ليكشفوا عن مكان أبو العبَّاس وإخوته وأعمامه، فبايعوه ليفشل مُخطط الخلَّال ثم أظهر ولاؤه لأبي العبَّاس في من بايعوا من جند الدعوة.[124][125][126]

صعد أبو العبَّاس منبر الجامع الكبير في الكوفة ظهر يوم الجمعة 12 ربيع الأوَّل سنة 132هـ / 28 أكتوبر 749م، وخطب فيهم خُطبةً بليغة طويلة على الرُّغم من مرضه وأعلن خلافته المبنية على ميراث آل النَّبي مُحمَّد وتعهَّد بإحقاق العدل ومدح أهل الكوفة وذم بني أميَّة وأكَّد أن الدولة ستنتهج سياسة العدل والحق بين الرَّعية، وبزيادة الأعطيات وختم قائلًا: «فاستعدوا فأنا السَّفَّاح المُبيح والثَّائر المنيح» ليُعرف لاحقًا بالسَّفَّاح.[127][128][129] بعد نهاية خطبته، أسند السَّفَّاح أخيه أبو جعفر أمرًا في غاية الأهمية، وهو أخذ البيعة على الناس، لأن منحه هذه المهمة دون غيره من أفراد البيت العبَّاسي دليلٌ قوي على مقدار الثقة والآمال الكبيرة التي حظي بها أبي جعفر، فقام الأخير بأخذ البيعة حتى حلول الليل، وكان ذلك أول عمل سياسي في زمن أخيه، تلته أعمال أخرى لا تقل أهمية عنه، ولا عجب أن أبا العبَّاس اعتمد على أخيه كثيرًا في تسيير دفة الحكم، ولا يتردد في استشارته لأدق الأمور وأخطرها.[130][131][132]

هزيمة الأمويين ونهاية خلافتهم[عدل]

استكمل السَّفَّاح إجراءات إرسال القادة والجند إلى مختلف أرض العراق وديار الإسلام التي خضعت لخلافة بني أميَّة، وانتدب عمِّه عبد الله بن علي لحرب مَروان بن محمد والمسير إلى الشَّام لاحقًا،[133] فالتقى العبَّاسيُّون بقيادة عبد الله بن علي والأمويُّون بقيادة الخليفة الأموي مَروان بن محمَّد في معركة الزَّاب يوم السَّبت 11 جُمادى الآخر سنة 132هـ / 25 يناير 750م، ومما يُؤثر قبل بدء المعركة، قول مَروان لقريبه عبد العزيز بن عمر: «إن زالت اليوم الشَّمس ولم يُقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى المسيح عليه السَّلام، وإن قاتلونا فأقبل الزَّوال، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون»،[134] لتدور معركة فاصلة انهزم فيها الأمويُّون البالغ عددهم نحو 120 ألفًا، في حين أن العبَّاسيُّون كانوا عشرين ألف فقط، ولاذ مروان إلى الموصل هاربًا إلا أن أهلها رفضوه واستبشروا بهزيمته وإزالة دولته. بقي مروان بن محمد يسير مع أهله وعياله إلى حمص ثم غادرها بعد أن طمعوا فيه ورأوه منهزم، ثم سار إلى دمشق التي رآها مُنقسمة في شأن هزيمته، فمضى إلى فلسطين التي كانت ثائرة ضد حكمه، فأجاره أحد أقارب الثائر الحكم بن ضبعان الجُذامي، لينتهي أمره مُستترًا في كنيسة بوصير قرب الفسطاط من الديار المصريَّة، فقُتل على يد قوات عبَّاسيَّة بقيادة عم الخليفة السَّفَّاح صالح بن علي في 28 ذي الحجَّة سنة 132هـ / 6 أغسطس 750م وعمره 60 سنة، وأمنت نساؤه وبناته وأرسلن إلى حرَّان، لتكون خاتمة خلافة بني أميَّة على ديار الإسلام التي دامت 89 سنة ميلاديَّة / 91 سنة هجريَّة.[135][136][137] امتدَّت حدود الخلافة العبَّاسية من أقصى المشرق عند كاشغر إلى السُّوس الأقصى أقصى الغرب.[138]

دوره في التخلُّص من الوزير الخلَّال[عدل]

لم ينس الخليفة السَّفَّاح وإخوته خيانة أبي سلمة الخلَّال كبير الدُّعاة في الكوفة، منذ قيام الأخير بالإنكار لإسراعهم في المجيء إلى الكوفة، وبدأ يبرر بالخوف عليهم، ثم سمح لهم بدخولها وجعلهم في دار الوليد، فكان أبو الجهم وهو أحد الدُّعاة يسأل أبي سلمة حول موعد قدوم الإمام، وكان جوابه بأنه لم يأتِ بعد.[139] بقي بني العبَّاس أربعين ليلة في الدار، فقد كان أبي سلمة يرسل الكُتُب إلى أهم الشخصيَّات العلويَّة آنذاك، والمُتمثل بجعفر الصَّادق وعمر الأشرف من ذرية الحُسين، وعبد الله المُحض حفيد الحسن.[140][141] في عهد وزارته القصيرة، قام أبي سلمة بتعيين القادة والعُمَّال وكُتَّاب الدواوين دون الرجوع إلى الخليفة السَّفَّاح مما تركت هذه الأحداث المُتراكمة ردود فعل عنيفة في نفس السَّفَّاح ومعه أبو جعفر على حدٍ سواء.[105][142][123]

انتداب أبو جعفر إلى خُراسان ولقاؤه أبا مُسلم[عدل]

احتار السَّفَّاح في كيفية التخلُّص من أبي سلمة المُلقَّب بوزير آل مُحمَّد، فقد يظن أبي مُسلم بأن الخليفة وأهل بيته قد بدأوا في التخلُّص من قادتهم غير العبَّاسيين.[143][144] جمع السَّفَّاح أفراد البيت العبَّاسي للنظر في انحراف الوزير وتلاعباته واتخاذ القرار النهائي بشأنه، وكان أبو جعفر وداوُد بن علي من ضمن الحضور، فأشاروا على السَّفَّاح بقتله، إلا أن الخليفة رفض وعلَّل بأنها قد تكون خديعة من أبي مُسلم لتأليب قلوب الناس عليه، فكان أكبر هموم المجلس هو أبي مُسلم صاحب خُراسان بسبب هيمنته وأثره في الثَّورة وإظهار الدَّعوة وتجهيز الخُراسانيين للحرب في سبيل إنشاء الدَّولة. أشار بعض الحضور للخليفة قائلًا: «إنك إن قتلته ارتاب أبو مسلم، ولم تأمن أن يحدث لذلك حدثًا، ولا تأمن من أن يكون ذلك غدرًا من أبي مسلم»، فتراجع داوُد بن علي عن موقفه السابق، وقال للسَّفَّاح:«لا تفعل يا أمير المؤمنين فيحتج بها أبو مسلم عليك وأهل خُراسان الذين معك أصحابه»، وأجمع الرأي على اتخاذ خطوة سياسيَّة بارعة الهدف منها استشارة أبي مسلم في أمر أبي سلمة ليضمن جانبه أولًا، ويكشف ما يدور في كوامن نفسه، ولم يجد الخليفة إلا أخوه أبو جعفر لانتدابه إلى أبي مُسلم لخبرته في هذه الأمور، فتجهَّز للسَّفر إلى خُراسان.[145][146]

خرج أبو جعفر إلى خُراسان ومعه ثلاثون رجلًا وهم في حالة من التوتُّر، فلما وصل إلى الرَّي، استقبله واليها النائب عن أبي مُسلم وأخبره بمجيء كتاب الأخير إليه يأمره بإقدام أبو جعفر حال وصوله، وأن لا يُبقي عليه في الرَّي، فازداد أبو جعفر قلقًا ووجلًا، وحين وصل نيسابور، أخبره واليها أن أبي مسلم يأمره بإكمال السير من فوره لوجود الخوارج في المنطقة، فاطمأن أبي جعفر، فوصل مرو ليستقبله أبي مُسلم ويقبِّل يده، ومكث الأخير في الدار ثلاثة أيام لا يسأله عن سبب قدومه حتى اليوم الرابع، فسأله عن سبب قدومه، فأخبره بشأن أبي سلمة الخلَّال وعن خياناته وتلاعباته فقال أبي مسلم: «أفعلها أبو سلمة؟ أنا أكفيكموه». أرسل أبي مُسلم إلى مرار بن أنس الضبي يأمره بقتل أبي سلمة الخلَّال حيث يجده، فقدم مرار بن أنس على الخليفة السَّفَّاح والمُقيم حينئذ في هاشميَّة الكوفة، وأوصل له رسالة من أبي مُسلم يقول فيها أنه قبل مِنَّة أمير المؤمنين وسينتقم له.[147]

مقتل أبو سلمة الخلَّال[عدل]

أمر الخليفة السَّفَّاح بالمُنادي أن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة، ثم دعاه قبل مقتله بيوم وخلع عليه، وسمر عنده، حتى إذا خرج يريد الانصراف من منزله، كمِن له مرار بن أنس وقتله في شهر رجب سنة 132هـ / فبراير 750م، وأشيع بأن الخوارج قتلوه، وصلَّى عليه يحيى بن الإمام محمَّد.[147][148] استبشر بني العبَّاس في مقتله، فقال السَّفَّاح في مقتله شعرًا، في حين قال أبي جعفر: «دَوِي العبد وأصاب أمير المُؤمنين دواه»، وقال عبد الله بن علي: «كلب أصابه قدر فطاح». كانت عهد وزارة أبي سلمة نحو ثلاثة أو أربعة شهور.[149]

مقتل سليمان بن كثير ونفوذ أبي مسلم[عدل]

كان سليمان بن كثير الخزاعي من أهم الدُّعاة العرب عن بني العبَّاس في خُراسان، فهو الذي قام بأمر الدعوة وعانى في سبيل نشرها ورعاية نموها، حتى جاء غُلام شاب يُدعى أبو مسلم، فإذا به يصبح الأمير وصاحب الدَّعوة والسُّلطان. رأى الخزاعي بعينيه تأثير قُوَّة أبي مُسلم وتعاظم نفوذه، وعظم عليه الأمر حين قتل أبُو مسلم ابنه محمد، ثم جاءت زيارة أبي جعفر إلى خُراسان، وقد اصطحب معه عبيد الله بن الحسين الأعرج العلوي، ففكر الخزاعي في تكرار تجربه الدعويَّة ولكن هذه المرة مع العلويين قائلًا للأعرج: «يا هذا، إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون»، فخاف الأعرج، وظن أنه دسيسة من أبي مُسلم، فذهب وأخبره ظنًا منه أنه يختبره، فلمَّا علم أبي مُسلم بالأمر، استدعى الخزاعي وذكره بقول إبراهيم الإمام: «من اتهمته فاقتله»، وأنه يتهمه وبأنه يقوم بالغش وخيانة الإمام، فناشده الخزاعي إلا أن أبا مُسلم ضرب عُنُقه بنفسه.[150] بعد انصراف أبو جعفر من خُراسان وانفراده مع الخليفة السَّفَّاح قال له: «لست خليفة ولا أمرك بشيء إن تركت أبا مسلم ولم تقتله»، فاستغرب السَّفَّاح وسأله عن سبب كلامه، فقال أبو جعفر: «والله ما يصنع إلا ما أراد» فقال السَّفَّاح: «اسكت فاكتمها».[151] يُعتبر أبا مُسلم ذو سلطة منفردة بلا منافس، فقد كان يقتل بالظن وسيطر على خُراسان بقوة السَّيف وحكمها بالرُّعب، إلا أنه كان محبوبًا ومهابًا عند أهالي خُراسان لِما له من طاقات ومواهب الزَّعامة، وكان عارفًا بأن نسبته إلى الموالي وأصله الفارسي يجعل الكثير من الخُراسانيين يطمئنون إليه بعد دولة تميَّزت عليهم بصبغتها العربيَّة، وتلقَّب بأمين آل مُحمَّد.[152]

دوره في حصار ابن هبيرة في واسط[عدل]

خلافته[عدل]

وفاته[عدل]

نهضة اقتصادية[عدل]

حياته الشخصية[عدل]

صفاته[عدل]

صفته الخلقيَّة[عدل]

وُصف المنصُور بأنه رجلًا طويلًا مَهيبًا، نحيف الجسم، أسمر اللَّون، موفر اللِّمَّة أي أن شعره جاوز أذنيه ولم يصل إلى كتفيه، خفيفُ شعر العارضين، رحِب الجبهة، أقنى الأنف، يخضب بالسَّواد.[4][14][33][153][154] ينقل الخطيب البغدادي رواية عن علي بن ميسرة الرَّازي حينما رأى المنصُور قائلًا: «رأيت سنة خمس وعشرين أبا جعفر المنصُور بمكة، فتى أسمر رقيق السَّمرة، موفر اللِّمة، خفيف اللَّحية، رحب الجبهة، أقنى الأنف بين القنى، أعْيَن كأن عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزي النُّساك، تقبله القلوب وتتبعه العيون، يُعرف الشرف في تواضعه والعتق في صورته، والليث في مشيته»،[11][14] بينما نقلها ابن قُتيبة الدَّينوري عن شبيب بن شيبة حين حج ورأى المنصُور في سنة 125هـ / 743م برواية مُطوَّلة.[155]

أخلاقه ودينه[عدل]

وصف الخليفة المنصُور بأنه كان شديد التمسُّك بالدين، بعيدًا عن الشُّبهات، فخلى قصرُهُ وحاشيته من مظاهر الأبَّهة والغناء وما إلى ذلك. كان كريمًا في موضع العطاء، وشُحًا في موضع المنع، حتى سار المثل بشحِّه وسُمي «أبا الدَّوانيق» لشدته في مُحاسبة العُمَّال والصُّنَّاع على الحبَّة والدَّانق. حرص المنصُور على الأموال العامَّة والخاصَّة، وقد يُؤثر التَّضحية بالدماء في سبيل التضحية بالأموال. كان مقدامًا حازمًا لا يتورَّع في التنفيذ، ولا يتهيَّب الوسائل، وكانت الغاية لديه تبرر الوسيلة، حتى لو اضطَّر لنقض الوعود ونكث العهود.[156]

أقواله[عدل]

ينسب إلى المنصُور العديد من الأقوال، ومنها:

  • «الخُلفاء أربعة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والملوك أربعة، معاوية، وعبد الملك، وهشام، وأنا».[14][157] وقال في مناسبة أخرى «الملوك أربعة: معاوية وكفاه زيادُه، وعبد الملك وكفاه حجَّاجُه، وهشام وكفاه مواليه، وأنا ولا كافيَ لي».[158]
  • وقال في نصيحته لشبيب بن شيبة التميمي خلال حجِّه سنة 125هـ / أكتوبر 743م: «لا بأس عليك ما أعاذك الله من ثلاثة .. قدحٌ في الدين، وهتك للملوك، وتهمة في حرمة».[159]
  • «أصدق وإن ضرَّك الصدق، وانصح وإن باعدك النُّصح، ولا تُخالطن لنا عدوًا وان أحظيناه، فإنه مخذول، ولا تخذلن وليًا وإن أقصبناه، وأصحبنا بترك المُماكرة، وتواضع إذا رفعوك، وصل إذا قطعوك، ولا تستخف فيمقتوك، ولا تنقبض فيحتشموك، ولا تخطب الأعمال ولا تتعرض للأموال».[159]

ميراثه[عدل]

المُؤيدون[عدل]

المُتوازنون[عدل]

  • الإمام الحافظ شمس الدين الذَّهبي: «وكان فحلَ بني العبَّاس هيبة وشجاعة، ورأياً وحزماً، ودهاءً وجبروتاً، وكان جمَّاعاً للمال، حريصاً، تاركاً للَّهو واللعِب، كامل العقل، بعيد الغَور، حسن المشاركة في الفقه والأدب والعِلم» وينتقد بعض أعماله، قائلًا: «أباد جماعةً كباراً حتى توطَّد له الملك، ودانت له الأمم على ظُلم فيه وقوة نفس»، إلا أنه يبرر ذلك بقوله: «ولكنه يرجع إلى صحة إسلامٍ وتديُّن في الجُملة، وتصوُّنٍ وصلاة وخير، مع فصاحة وبلاغة وجلالة».[33]
  • الأديب والمُؤرخ الأندلسي ابن دحية الكلبي: «وكان المنصور أحزم الناس، قد عركته الأيام أيَّما عرك، وحكَّته بتقلبه فيها قبل إفضاء الأمر إليه بكل محك، فكان يجود بالأموال حتى يقال هو أسمح الناس، ويمنع في بعض الأوقات حتى يقال هو أبخل الناس، ويسوس سياسة الملوك، ويثب وثبة الأسد العادي على الناس، ويتذكر ما فعل بنو أمية ببني علي وبني العباس».[160]

المُنتقدون[عدل]

  • المُؤرخ المطهر المقدسي: «وذكروا أنه كان رجلًا أسمر نحيفًا طويل القامة قبيح الوجه دميم الصورة ذميم الخُلق أشحَّ خلقِ الله وأشده حُبًا للدينار والدراهم سفاكًا للدماء ختارًا بالعهود غدارًا بالمواثيق كفورًا بالنعم قليل الرحمة»، وذكر في جملة أحكامه قائلًا: «في الجملة والتفصيل كان رجلًا دنيئًا خسيسًا كريهًا شريرًا».[161] يُعلق الدكتور حسن فاضل العاني على وصف المقدسي، قائلًا: «وتعتبر هذه الرواية شاذة في موضعها ويبدو التحامل فيها واضحًا وربما لميول المقدسي الشيعية أثر كبير في هذا الوصف، الذي وصل إلى حد التعريض والطعن والتجريح، من غير سند تاريخي يعضده فضلًا عن مخالفته لما أجمع عليه سائر المؤرخين في وصفه».[162]

انظر أيضًا[عدل]

مراجع[عدل]

فهرس المنشورات[عدل]

  1. ^ أدهم (1969)، ص. 13.
  2. ^ أدهم (1969)، ص. 57-58.
  3. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 157.
  4. ^ ا ب ج د الدياربكري (1884)، ج. 2، ص. 362.
  5. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  6. ^ ا ب ج السيوطي (2004)، ص. 206.
  7. ^ المسعودي (1893)، ص. 340.
  8. ^ الروحي (2001)، ص. 106.
  9. ^ أدهم (1969)، ص. 57 - 58.
  10. ^ ا ب ج العاني (1981)، ص. 46.
  11. ^ ا ب البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 55.
  12. ^ الطبري (2004)، ص. 1259.
  13. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 663.
  14. ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ابن كثير (2004)، ص. 1520.
  15. ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 6، ص. 335.
  16. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  17. ^ العاني (1981)، ص. 45.
  18. ^ الخضري (2003)، ص. 56.
  19. ^ العاني (1981)، ص. 44-45.
  20. ^ ابن عبد ربه (1983)، ج. 5، ص. 370.
  21. ^ العاني (1981)، ص. 46.
  22. ^ ا ب ج ابن العمراني (1999)، ص. 62.
  23. ^ العاني (1981)، ص. 40-41.
  24. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 661.
  25. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 665.
  26. ^ أدهم (1969)، ص. 28-29.
  27. ^ أدهم (1969)، ص. 58.
  28. ^ السيوطي (2003)، ص. 207.
  29. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 62-63.
  30. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 63.
  31. ^ ا ب ج البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 243.
  32. ^ ابن العمراني (1999)، ص. 62.
  33. ^ ا ب ج الذهبي (1996)، ج. 7، ص. 83.
  34. ^ ا ب ج د أدهم (1969)، ص. 58.
  35. ^ العاني (1981)، ص. 48-49.
  36. ^ ابن الأبار (1985)، ج. 1، ص. 33.
  37. ^ ا ب العاني (1981)، ص. 47.
  38. ^ ابن دحية (1946)، ص. 30.
  39. ^ العاني (1981)، ص. 46-47.
  40. ^ ا ب ابن سعد (1968)، ج. 5، ص. 314.
  41. ^ العاني (1981)، ص. 54.
  42. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 742-743.
  43. ^ ا ب خليفة (1931)، ص. 22-23.
  44. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 750-751.
  45. ^ إلهامي (2013)، ص. 80.
  46. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 161.
  47. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 161-162.
  48. ^ إلهامي (2013)، ص. 80.
  49. ^ الخضري (2003)، ص. 9.
  50. ^ خليفة (1931)، ص. 19-20.
  51. ^ المقدسي (1899)، ص. 58-59.
  52. ^ ا ب الذهبي (1996)، ج. 6، ص. 58.
  53. ^ ا ب الدينوري (1912)، ج. 2، ص. 108.
  54. ^ إلهامي (2013)، ص. 82-83.
  55. ^ أدهم (1969)، ص. 35.
  56. ^ العاني (1981)، ص. 51-52.
  57. ^ إلهامي (2013)، ص. 106-107.
  58. ^ إلهامي (2013)، ص. 83.
  59. ^ مجهول (1971)، ص. 213-215.
  60. ^ العاني (1981)، ص. 52.
  61. ^ العاني (1981)، ص. 52-53.
  62. ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 837-838.
  63. ^ ا ب ابن خلكان (1978)، ج. 2، ص. 411.
  64. ^ العاني (1981)، ص. 53-54.
  65. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 243.
  66. ^ ابن خلكان (1978)، ج. 3، ص. 461.
  67. ^ العاني (1981)، ص. 54-55.
  68. ^ العاني (1981)، ص. 55.
  69. ^ ا ب العاني (1981)، ص. 56.
  70. ^ ا ب ابن الأبار (1985)، ج. 2، ص. 339.
  71. ^ العاني (1981)، ص. 54-56.
  72. ^ العاني (1981)، ص. 57.
  73. ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 251.
  74. ^ المبرد (1997)، ج. 2، ص. 162.
  75. ^ العاني (1981)، ص. 57.
  76. ^ ا ب الصفدي (2000)، ج. 6، ص. 70.
  77. ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 733.
  78. ^ ابن خياط (1985)، ص. 356.
  79. ^ العاني (1981)، ص. 58.
  80. ^ الدينوري (1912)، ج. 2، ص. 112.
  81. ^ ا ب الدينوري (1912)، ص. 138-139.
  82. ^ العاني (1981)، ص. 59-60.
  83. ^ العاني (1981)، ص. 57-58.
  84. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 733-734.
  85. ^ ا ب ج أدهم (1969)، ص. 59.
  86. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 751-752.
  87. ^ الجهشياري (1988)، ص. 64.
  88. ^ العاني (1981)، ص. 61.
  89. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 760-761.
  90. ^ ا ب ابن خياط (1985)، ص. 387.
  91. ^ ا ب أدهم (1969)، ص. 60.
  92. ^ ا ب ج الجهشياري (1988)، ص. 65.
  93. ^ أدهم (1969)، ص. 59-60.
  94. ^ البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 56.
  95. ^ ا ب البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 244.
  96. ^ ابن الجوزي (1995)، ج. 8، ص. 15.
  97. ^ العاني (1981)، ص. 62.
  98. ^ العاني (1981)، ص. 63.
  99. ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1475.
  100. ^ ا ب العاني (1981)، ص. 63.
  101. ^ ا ب ابن كثير (2004)، ص. 1483.
  102. ^ المقدسي (1899)، ج. 6، ص. 64-65.
  103. ^ ا ب العاني (1981)، ص. 64.
  104. ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 273-274.
  105. ^ ا ب الأزدي (1967)، ص. 120.
  106. ^ إلهامي (2013)، ص. 100-101.
  107. ^ خليفة (1931)، ص. 21-22.
  108. ^ إلهامي (2013)، ص. 105.
  109. ^ خليفة (1931)، ص. 25-26.
  110. ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1416-1419.
  111. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 758.
  112. ^ إلهامي (2013)، ص. 132-133.
  113. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 174-178.
  114. ^ خليفة (1931)، ص. 25.
  115. ^ إلهامي (2013)، ص. 134.
  116. ^ الطبري (2004)، ص. 1445-1446.
  117. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 760-761.
  118. ^ خليفة (1931)، ص. 27.
  119. ^ الأزدي (1967)، ص. 119.
  120. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 766-775.
  121. ^ الطبري (2004)، ص. 1458-1471.
  122. ^ خليفة (1931)، ص. 27-28.
  123. ^ ا ب البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 165.
  124. ^ الطبري (2004)، ص. 1472.
  125. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 173.
  126. ^ خليفة (1931)، ص. 29.
  127. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 187-188.
  128. ^ الطبري (2004)، ص. 1471.
  129. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 776-777.
  130. ^ الخضري (2003)، ص. 30.
  131. ^ العاني (1981)، ص. 67-68.
  132. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 777.
  133. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 190.
  134. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 778.
  135. ^ إلهامي (2013)، ص. 223-237.
  136. ^ ابن الأثير (2005)، ص. 778-781.
  137. ^ خليفة (1931)، ص. 30-31.
  138. ^ الخضري (2003)، ص. 33-42.
  139. ^ الطبري (2004)، ص. 1472.
  140. ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 282-283.
  141. ^ الطبري (2004)، ص. 1473.
  142. ^ الجهشياري (1988)، ص. 57.
  143. ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 286.
  144. ^ إلهامي (2013)، ص. 247.
  145. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 203-204.
  146. ^ العاني (1981)، ص. 71-73.
  147. ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1482.
  148. ^ العاني (1981)، ص. 74-75.
  149. ^ البلاذري (1996)، ج. 4، ص. 205.
  150. ^ إلهامي (2013)، ص. 253-254.
  151. ^ الطبري (2004)، ص. 1482-1483.
  152. ^ إلهامي (2013)، ص. 250-251.
  153. ^ الطبري (2004)، ص. 1589.
  154. ^ العاني (1981)، ص. 47 و49.
  155. ^ الدينوري (1912)، ج. 2، ص. 137-140.
  156. ^ خليفة (1931)، ص. 52.
  157. ^ البغدادي (2004)، ج. 10، ص. 56.
  158. ^ ابن الأبار (1985)، ج. 1، ص. 34.
  159. ^ ا ب الدينوري (1912)، ج. 2، ص. 139.
  160. ^ ابن دحية (1946)، ص. 25.
  161. ^ المقدسي (1899)، ج. 6، ص. 90-91.
  162. ^ العاني (1981)، ص. 48.

معلومات المنشورات كاملة[عدل]

الكُتُب مُرتَّبة حَسَب تاريخ النَّشر

أبُو جعفر المنصُور
ولد: صفر 95 هـ / نوفمبر 713 م توفي: 6 ذو الحجَّة 158 هـ / 6 أكتوبر 775 م
ألقاب سُنيَّة
سبقه
أبُو العبَّاس السَّفَّاح
أمِيرُ المُؤمِنين

13 ذو الحجَّة 136 – 6 ذو الحجَّة 158 هـ
10 يونيو 754 – 6 أكتوبر 775 م

تبعه
مُحمَّد المهدي